Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تطبيق "تيليغرام" أرض خصبة للمجموعات المتطرفة

خلال أعمال الشغب اليمينية المتطرفة التي شهدتها بريطانيا، تحول التطبيق الذي يعتبر منذ فترة طويلة معقلاً لنظريات المؤامرة - إلى بؤرة للمعلومات المضللة. يروي مستخدمان سابقان كيف انزلقا إلى هذا العالم المظلم وكيف تمكنا من الخروج منه

ظل تطبيق "تيليغرام" على مدى الأعوام منبراً للروايات المريبة ونظريات المؤامرة التي يروج لها اليمين المتطرف (غيتي)

ملخص

قام "تيليغرام"، وهو تطبيق مراسلة شهير، بدور محوري في نشر نظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة والمعلومات المضللة. مستخدمون كثر وقعوا ضحية المعلومات المتداولة في مجموعاتهم، وتحولوا إلى وقود لمجموعات نظريات المؤامرة

عام 2020، كانت جيس* جالسة في غرفتها الواقعة في الجزء الخلفي من منزل والديها المزود بشرفة في هال، ولم تكُن تدري أن نقرة واحدة على رابط غامض يحمل عنوان "ما لا يريدون منك أن تعرفه" ستغير حياتها بالكامل. وقبل ذلك اليوم، لم تكُن جيس سمعت عن تطبيق التواصل الاجتماعي "تيليغرام" أو عن منصة "4تشان"4chan  - ومنتدى سرعان ما تحول إلى ملاذ لثقافة فرعية عبر الإنترنت وأنصار نظريات المؤامرة. وبالطبع، لم تتوقع أن تكون تلك اللحظة تحديداً هي بداية لتغيرات جذرية في السنة التالية من حياتها.

وتقول "شاهدت منشوراً يحوي معلومات غير دقيقة حول ’بيتزا غيت‘ pizzagate"، وهي نظرية شهيرة إنما خاطئة تماماً، تدعي وجود عصابة لاستغلال الأطفال جنسياً، تُدار من قبو مطعم بيتزا في واشنطن العاصمة".

وتضيف: "بصراحة، شعرت برعب حقيقي، وكأن الدم تجمد في عروقي. ولم أتمكن من التوقف عن القراءة، بعد أن اشتعلت في داخلي رغبة قوية لمعرفة المزيد. فإن كان ما قرأته صحيحاً، كان كفيلاً بإعادة تشكيل عالمي وحياتي بالكامل".

وفي غضون أسابيع قليلة، أصبح الشغل الشاغل لجيس التي كانت آنذاك طالبة جامعية، الاطلاع على لقطات مصورة عن رسائل البريد الإلكتروني العائدة لهيلاري كلينتون. وسرعان ما اقتنعت تماماً بأن كلينتون متورطة في جرائم استغلال الأطفال. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت تصدق المنشورات التي تتوقع أن يقوم دونالد ترمب بإطلاق اتهامات خطرة وإصدار مذكرات توقيف في حق "كل شخصية مشهورة تقريباً لتعريض حياة الأطفال للخطر"، بحسب قول جيس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول "لقد طاولت الاتهامات مشاهير ووسائل إعلام بمزاعم ارتكاب جرائم فظيعة في حق الأطفال. واعتقد الجميع بأنني مجنونة". ولكن بسرعة مذهلة، وجدت جيس نفسها متورطة بالكامل في خيالات اليمين المتطرف الذي لم يتردد في نشر لقطات مصورة مأخوذة عن تطبيق "تيليغرام"، بل امتد ذلك إلى خارج التطبيق. وأردفت: "بطريقة ما، أصبحت متكبرة واعتقدت بأنني أرقى من الآخرين، بعدما توهمت بأن الآخرين ساذجون وغير قادرين على رؤية الأمور من أية زاوية أخرى".

وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، تصدّر تطبيق "تيليغرام" المشهد الإعلامي البريطاني والعناوين الرئيسة، وكان محوراً للنقاشات في أوساط اليمين المتطرف. فالحال أن التطبيق المذكور شهد انتشاراً لمقاطع مصورة صادرة أصلاً عن مجموعات فاشية تنظم أعمال عنف في مدن البلاد وبلداتها. حتى إن مرتكبي أعمال العنف استعملوا منصة "إكس" (المعروفة سابقاً بـ"تويتر") لتوجيه متابعيهم نحو تطبيق "تيليغرام".

والواقع أن هذا الأمر ليس جديداً. فقد ظل تطبيق "تيليغرام" على مدى الأعوام منبراً للروايات المريبة ونظريات المؤامرة التي يروج لها اليمين المتطرف. لكن في أعقاب جرائم القتل التي هزت ساوثبورت، خرج مستخدمو "تيليغرام" الغامضون من الظل ونزلوا إلى الشوارع.

وفي هذا السياق، يوضح رسلان طراد، الباحث المتخصص في الأمن من "مختبر أبحاث الأدلة الرقمية" Digital Forensic Research Lab التابع لمركز البحوث "المجلس الأطلسي" Atlantic Council: "تُعدّ منصة ’تيليغرام‘ اليوم واحدة من أكثر المنصات شعبية على مستوى العالم، ومن المحتمل أن تزداد أهميتها أكثر بعد خلال الأعوام المقبلة".

ويضيف "ما الذي يميز هذه المنصة ويجعلها تحظى بشعبية كبيرة؟ الأمر مرتبط بالحاجة الملحة إلى السرية والخصوصية اللتين تشكلان جوهر مبادئها. سواء كان الأمر يتعلق بمراهقين يتبادلون الحديث عن هواياتهم وأسرارهم الغرامية، أو بإقدام راديكاليين على تنسيق مشاغبات وهجمات إرهابية، فإن تطبيق ’تيليغرام‘رسخ مكانته كوجهة أساسية على مر السنين".

ويشير طراد إلى أن "تيليغرام" "قام بدور بارز في نشر البروباغندا، إذ إن المجموعات اليمينية المتطرفة التي اكتشفت التطبيق وجدت فيه منصة مثالية للتعبير عن آرائها علناً، من دون القلق من احتمال حذف المحتوى الذي تنشره".

واللافت أن شعبية "تيليغرام" تزايدت بصورة كبيرة خلال جائحة كورونا، وهي الفترة التي اكتشف فيها أشخاص مثل جيس ووالد مايكل هذا التطبيق. فقبل الجائحة، كان كارل*، والد مايكل، مهتماً بنظريات مؤامرة أقل شهرة، مثل "الهبوط المزيف على سطح القمر" و"الاندماج [النووي] البارد" ونظرية "الكون الكهربائي" (وهي نظرية تتحدى العلم السائد الذي يؤكد أن الجاذبية هي القوة الدافعة الرئيسة للكون، وتدعي بوجود شبكة كهرومغناطيسية تربط بين الكواكب). "لكن بعدما بدأ والدي باستخدام "تيليغرام"، ازداد وضعه سوءاً إلى حد كبير"، على حد قول مايكل.

ويقول مايكل (26 سنة) الذي لا يريد الكشف عن هويته الكاملة، إن والده أُقنع بالانضمام إلى مجموعة عبر تطبيق "تيليغرام"، بعدما وعده التطبيق بالكشف عن "الحقائق الخفية" خلف كواليس الجائحة. ومع ذلك، لم يكُن هذا الأمر غير معتاد، بل كان منطقياً في ظل الظروف السائدة، إذ كان من الطبيعي أن يبحث كثيرون منا عن إجابات وأن يسعوا إلى السيطرة على الوضع في وقت بدا العالم على شفير الانهيار. وهكذا، اعتبر كارل أن ما يبحث عنه موجود تحديداً على "تيليغرام".

لكن سرعان ما أصبح الموضوع يشغل كل تفكيره. ويقول مايكل الذي يقيم في مدينة كيمنتس بولاية ساكسونيا الألمانية، وسيبدأ في سبتمبر (أيلول) المقبل دراسته للحصول على شهادة الماجستير في تكنولوجيا الفيزياء: "لم يكُن أبي مهتماً بمناقشة نظريات المؤامرة قبل الجائحة. بالتالي، لم أعطِ الأمر آنذاك أية أهمية. وفي تلك الفترة، كنا نتناول أي موضوع على الإطلاق في محادثاتنا".

لكن بعد اكتشاف كارل لتطبيق "تيليغرام"، بدأ هذا الأخير يطرح منشورات من تلك المجموعات على مايكل، وقد وصفها بأنها "أسوأ أنواع المحتوى المجنون الذي يمكن تخيله حول نظريات المؤامرة". وأضاف مايكل أن والده حاول إقناعه بتبني هذه المعتقدات الغريبة.

واللافت في الأمر أن والدة مايكل بدأت تصدق هذه النظريات هي الأخرى تدريجاً، ومرت سنتان كاملتان من دون أن يتوقف مايكل عن محاولة النقاش معهما وإقناعهما بالحقائق. بيد أن محاولاته هذه أنهكت قواه، في ظل إصرارهما المتواصل على فرض آرائهما الذي تطور إلى عداء واضح في تصرفاتهما. فشعر مايكل بالانهيار الكامل بعد أن "تحطمت كل دفاعاته"، وبدأ يتقبل ما كانا يقولانه له. حتى إنه قرر رفض لقاح "كوفيد" وعزل نفسه عن الناس، بعد أن تزعزعت الأسس التي كان يرتكز عليها في فهمه للواقع.

وكتب على منصة "ريديت" Reddit: "لقد أضعت الطريق الصحيح، وخسرت آخر ذرة عزيمة لدي". وهو اختار الكتابة عبر هذه المنصة حرصاً على عدم اطلاع والديه، المولعين حتى الآن بنظريات المؤامرة، على ما يكتب.

وعلى مدى أشهر طويلة، عانى مايكل إرهاقاً عميقاً، وراوده شعور بأنه غارق في دوامة من نظريات المؤامرة. ومع ذلك، فإن اقتناعه الظاهري بآراء والده واعتباره "من يم" هذا الأخير منحه فترة من الهدوء، بعيداً من مواصلة فرض الآراء عليه. وبفضل هذه المساحة من السلام، تمكن أخيراً من استعادة قدرته العقلية على التشكيك في هذه المعتقدات.

وعندما شنت روسيا هجومها على أوكرانيا، أصبح والداه مؤيدين لروسيا، مما جعل مايكل يدرك أن موقفهما هذا كان خاطئاً. ولكن في الوقت ذاته، أصبح والداه مهووسين بنظرية مؤامرة الـ"كيمتريل" Chemtrails (التي تدعي أن الحكومات تستخدم الطائرات لنشر مواد كيماوية سامة في الأجواء). ووقعا كذلك في فخ الأفكار المتعلقة بنظرية "المؤامرة الكبرى لإعادة الضبط"، هي نظرية مؤامرة تدعي أن النخبة العالمية تستخدم جائحة كورونا لتفكيك الرأسمالية وفرض التغيير الاجتماعي الجذري] وأن أزمة التغير المناخي هي خديعة. بالتالي، كانا غارقين تماماً في هذه النظريات.

أما القشة التي قصمت ظهر البعير، فكانت السنة الماضية، عندما أعلن والدا مايكل عن رغبتهما في الانتقال للعيش في الباراغواي "هرباً مما يُسمى’الخطة الكبرى‘"، وفق ما يقول مايكل. ويضيف: "إنها وجهة يلجأ إليها الأشخاص الذين يتشاركون الأفكار نفسها ويتجاوزون الأوقات الصعبة التي يتخيلونها. وقد أطلقوا على أنفسهم لقب ’سفينة نوح للأشخاص غير الملقحين‘. ولو سألتموني، لقلت إن هذه التسمية تعكس واقع الحال بصورة دقيقة، فهي تعبر عن مدى جنونهم".

بيد أن قرار الوالدين بالسفر كان له تأثير مدمر في مايكل، فأفقده صوابه تماماً، ويقول "لقد كان الأمر بمثابة وداع نهائي، ولم أتمكن من تحمله أبداً". ويوضح أنه بعد وقت قصير من إعلانهما عن السفر، انتابته حال من الذهان، وبدأ يشعر بثقل كبير في دماغه، وانتهى به المطاف إلى دخول المستشفى.

واليوم، يتجنب أفراد الأسرة الحديث عن نظريات المؤامرة، ويقول مايكل إن ذلك قد حسن علاقته بوالديه بصورة كبيرة. ولكن والده لا يزال يخرج في "نزهة" كل صباح إثنين، (وهي في الحقيقة "تظاهرة احتجاجية" وفق ما أكده مايكل)، تماماً كما كان يفعل أثناء الجائحة. ولا تزال والدته تعاني، كما في الماضي، ما يعتبره مايكل "فيروساً إعلامياً". وكتب على موقع "ريديت": "التفكير في هذا الموضوع يشبه محاولة رفع سيارة باستخدام قوة ذراعيك فقط"، مضيفاً "أنا أحبهما، وهذا يؤلمني".

ومن ثم، كيف يمكن لتطبيق مثل "تيليغرام" أن يتحول إلى فاعل رئيس في مجال نشر المعلومات المضللة بهذا العمق؟.

ويشرح كالوم هود، وهو رئيس الأبحاث في "مركز مكافحة الكراهية الرقمية" Center for Countering Digital Hate: "خلال فترة الجائحة، تحول تطبيق ’تيليغرام‘ إلى منصة حيوية لمؤيدي نظريات المؤامرة. ففي وقت شددت منصات التواصل الاجتماعي الأخرى قوانينها لمكافحة التضليل الإعلامي المرتبط بـ’كوفيد‘ واللقاحات، أصبح ’تيليغرام‘ ملاذاً آمناً لهؤلاء، فسمح لهم بتوجيه متابعيهم نحو محتوى أكثر تطرفاً وتضليلاً".

ويضيف "عبر تطبيق ’تيليغرام‘ تمكنوا من بناء مجتمعات تستطيع الصمود أمام أية تغيرات قد تطرأ على شروط الوصول إلى المنصات الرئيسة المتاحة للجميع."

استطراداً، تتيح منصات عامة مثل تطبيق "إكس" الوصول إلى تطبيق "تيليغرام" بسهولة. وفي كثير من الأحيان، ستجد عبارة "للاطلاع على المحتوى الكامل الذي أشاركه، يرجى زيارة صفحتي على ’تيليغرام‘". وأحياناً أخرى، ستجد محتوى نُشر أساساً على "تيليغرام" وتمت مشاركته لاحقاً ضمن منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.

ويتابع هود "من المرجح أن يتصفح بعضهم منشوراً يحوي رابطاً لتطبيق ’تيليغرام‘، ثم يتوجهون إلى المصدر، وبعد ذلك يشتركون في التطبيق. وبعد الانضمام، يصبح وصولهم إلى ’تيليغرام‘ سهلاً ومنتظماً. ومن أبرز ميزات هذا التطبيق أنه يتيح لك البحث بسهولة عن المواضيع التي تهمك، فلا يكون عليك سوى البحث عن أسماء القنوات ذات الصلة".

من المهم أن نلاحظ أن التطبيق يحمل تاريخاً مثيراً للجدل. وأسسه الملياردير بافل دوروف، الروسي المغترب الذي أنشأ "تيليغرام" كوسيلة لمواجهة الرقابة المتزايدة في وطنه. وفي هذا الصدد، يلفت طراد إلى أن "تيليغرام" كان من أبرز المنصات التي استخدمها تنظيم "داعش" لإنشاء قنوات تواصل بين أعضائه. وأضاف أن "تيليغرام" كان أيضاً المنصة المفضلة لنشر البروباغندا، فلجأ إليها كل باحث وصحافي يهتم بالصراعات، سعياً إلى مواكبة أحدث التطورات عبر صفحاتها".

إلى جانب ذلك، أوضح طراد أن الحرب في أوكرانيا عام 2014 منحت منصة "تيليغرام" "زخماً هائلاً" بعد مرور عام واحد فقط على إطلاقها. ولا شك في أن تصميم واجهة التحكم كان له دور كبير في ذلك. ويضيف "عندما تقوم بإنشاء مجموعة، يمكن أن ينضم إليها آلاف الأشخاص، وتكون كتابة الرسائل سهلة. فتطبيق ’تيليغرام‘ يعتبر أخف وأسرع من تطبيق ’فيسبوك‘، كما أنه خالٍ من القيود التي يفرضها تطبيق ’تويتر‘ ويتميز بميزة السرية العالية."

ويتابع "لا شك في أن هذه العوامل تسببت في دفع المجموعات اليمينية المتطرفة إلى استخدام المنصة، بعد أن أدرك أعضاؤها أن ’فيسبوك‘ خاضع للرقابة".

ويُطرح السؤال التالي: هل يمكن ضبط هذا التطبيق أم حتى إيقافه؟ وإن كان الجواب نعم، فكيف يمكن تحقيق ذلك؟. يشير طراد إلى أن الحكومة الأميركية مارست ضغوطاً كبيرة على التطبيق عام 2019، مطالبة بإغلاق المجموعات "التي تتوسع بصورة مستمرة ولها تأثير ملموس في سلوك الناس خارج شبكة الإنترنت من خلال تنفيذهم لهجمات وتهديدات". ويقول إن "تيليغرام" امتثل، "والسبب الرئيس لهذا لا يقتصر على الضغوط الحكومية بل يشمل أيضاً احتمال خسارة المنصة لمعلنين".

وفي هذا السياق، "يعتبر العنصر المالي من الأدوات الفاعلة التي يمكن استخدامها للضغط على المنصة لتفرض قواعد ومعايير على مستخدميها".

ومع ذلك، تبقى سبل الوقاية والحماية شبه معدومة للأشخاص مثل أسرة مايكل وجيس، الذين يجدون أنفسهم في مواقف صعبة ويضعون أنفسهم في مأزق.

أما جيس، فبلغت رحلتها ذروتها عندما أمضت أكثر من 10 أشهر وحيدة خلف شاشة الكمبيوتر، في عزلة تامة عن أصدقائها وأفراد أسرتها. وكان الثمن الذي دفعته باهظاً، إذ يصعب على المرء أن يتقبل حقيقة أنه كرس كامل كيانه ووقته وحياته في سبيل أمر مبني بالكامل على الأكاذيب.

ومع ذلك، لم تكُن وحدها في هذه الرحلة. وتقول جيس التي تعيش اليوم بسعادة مع شريكها وابنها البالغ من العمر 13 شهراً: "في البداية، كل ما كنت أريده هو ألا أعود لاختبار ذلك الشعور. فالأمر كان أشبه بالإدمان، وعرفت أنني لن أتمكن من مساعدة نفسي إلا إذا قررت طلب المساعدة". وتضيف "كم كنت أكره ذلك الشعور، وكم شعرت بالضيق لأنني لم أكُن على علاقة وثيقة بعائلتي".

وتتابع "ومن ثم، بدأت أبحث على شبكة الإنترنت عن أصوات تدحض نظرية المؤامرة المعروفة بـ’كيو أنون‘ QAnon، وتكشف عن زيفها وتسلط الضوء على مصادر موثوقة تقدم تفسيرات بديلة لها. ومع مرور الوقت، بدأت أبتعد تدريجاً من نظريات المؤامرة، وأتجه نحو مصادر معلومات أكثر قيمة وموثوقية".

بالطبع، لم تكُن رحلة التعافي سهلة على الإطلاق، وتصفها بالقول "توقفت عن مشاهدة الأفلام والاستماع إلى الموسيقى لأنني كنت أعتبرها أموراً شيطانية. لكنني بدأت أعيد إدخالهما إلى حياتي تدريجاً. وأصبحت قادرة على الدخول إلى المتاجر وأخذ قسط من الراحة من هاتفي أو الكمبيوتر المحمول، وشعرت بتحسن كبير".

لكن شعورها بالعار لا يزال يطاردها، ناهيك عن وصمة تلاحقها ويصعب عليها التخلص منها. وكشفت عن أنها عندما بدأت بمواعدة شريكها الحالي، تواصل أصدقاءه معه وحذروه منها. وقالت: "طلب أحدهم من حبيبي أن ينفصل عني لأنه يظن أنني إرهابية، إذ يربط كثيرون مؤيدي نظرية ’كيو أنون‘ بما حدث في مبنى الكابيتول. وأضاف هذا الأخير بالقول ’إنها مجنونة‘".

وتكمل "ناقشت الأمر مع شريكي وهو تفهم تماماً أنني لست كذلك على الإطلاق. لكن الأمر لم يكُن سهلاً".

أما مايكل، فيتناول الأدوية بعد تعرضه لانهيار عصبي، ولا يزال قلقاً على الحال النفسية لوالديه. وعلى رغم نجاته بنفسه، فإن نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة التي تُنشر على "تيليغرام" لا تزال تشكل خطراً على حياته. وإن أخذنا في الحسبان الأحداث التي شهدتها شوارعنا الأسبوع الماضي بسبب تأثير هذه المنصة، فإن الخطر يهددنا نحن أيضاً.

* جرى تغيير الأسماء

© The Independent

المزيد من تقارير