ملخص
وسائط التكنولوجيا ابتلعت وقت المطالعة في أوساط الراشدين بينما قلة من الجيل الشاب تقبل على القراءة
هناك تشابه في منطق اثنين من الحكماء متعلق بالأطفال. يقول أحدهما: "إن لم تتغيروا وتصبحوا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السماوات"، بينما يقول الآخر: "أؤمن بأن الأطفال هم مستقبلنا، علموهم جيداً واتركوهم يدلونكم على الطريق". الحكيم الأول هو السيد المسيح، والثاني هو المغنية ويتني هيوستن. أنتم تستحقون مكافأة كبيرة إذا عرفتم صاحبي الاقتباسين.
عادة، لا أجمع اقتباسات من أغاني الثمانينيات والإنجيل بهذه الطريقة العشوائية، لكن في هذه الحالة أشعر بأنني مضطرة إلى ذلك. فقد ظهرت أخبار مقلقة للغاية: لم يعد نصف البالغين في المملكة المتحدة يقرأون بانتظام، وفقاً لاستطلاع جديد أجرته وكالة القراءة. وبريق الأمل الوحيد الذي يلوح في الأفق مرده إلى أن الجيل الأصغر قد يتمكن من تغيير هذا الواقع.
بصراحة، لا أجد نفسي ألوم البالغين الذين انصرفوا عن القراءة. بعد الصدمة الأولى من رؤية تلك الأرقام - التي كشفت أيضاً عن أن 15 في المئة من البالغين في المملكة المتحدة لم يقرأوا قط بانتظام من أجل المتعة - بدأت أتأمل عاداتي الأدبية الخاصة. كثيراً ما عددت نفسي قارئة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ حرصت دائماً على أن يكون لديَّ كتاب بين يدي في كل لحظة. كان احتمال أن أجد نفسي في مكان ما من دون كتاب بمثابة كابوس بالنسبة إليَّ. كنت أترقب بفارغ الصبر قضاء فترة بعد الظهر التي خصصتها فقط لمهمة قراءة رواية، متمددة على الأريكة مثل قطة تستمتع بأشعة الشمس، أو متكورة تستمع إلى صوت المطر، وأنا أغوص في صفحات الكتاب لساعات غير شاعرة بالوقت. كنت أحمل بطاقة عضوية المكتبة، وأنتمي إلى أحد نوادي الكتب، وأضع في حقيبة سفري سبعة كتب ترافقني خلال إجازتي الممتدة لأسبوع، حتى إنني كنت أقف طوال الليل في الطوابير للحصول على أحدث إصدار في سلسلة هاري بوتر.
لكن، في مكان ما على طول الطريق، تغيرت الأمور. متى كانت آخر مرة جلست فيها حقاً واستمتعت بجلسة قراءة متواصلة؟ متى كانت آخر مرة تذكرت فيها أن أضع كتابي الذي أطالعه حالياً في حقيبتي "من باب الاحتياط"؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدأت هوية القارئة النهمة التي كانت جزءاً لا يتجزأ مني - تماماً كما أن عيني زرقاوان وكما أنني أكره الكزبرة - بدأت تتلاشى بمرور الوقت حتى لم يبق منها سوى بضع فقرات سطحية أتمكن من قراءتها قبل النوم. يؤلمني أن أعترف بذلك، لكنني، ومعي عديد من أصدقائي الذين كانوا عاشقين للكتب، أصبحنا جزءاً من نسبة الـ35 في المئة التي أشار إليها تقرير "حالة القراءة في الأمة" على أننا "بالغون كانوا يقرأون ثم توقفوا". وألقي باللوم هنا بشكل كامل على التكنولوجيا.
عندما أعود بذاكرتي لتحليل كيف تحولت من قارئة "نهمة" إلى قارئة "عرضية"، أجد أن اللائمة تلقى دائماً على تلك الأجهزة التي أصبحت تهيمن على حياتنا. تلك الصباحات التي كنت أبدأها بقراءة كتاب وأنا أتناول وجبة من حبوب الإفطار تحولت إلى تصفح للهاتف في السرير، والأمسيات الهادئة التي كنت أقضيها في تقليب صفحات الروايات لأن "لا شيء جدير بالمشاهدة على التلفاز" أصبحت تستنزفها الآن ساعات طويلة من المشاهدة المتواصلة لخدمات البث التدفقي لأن هناك دائماً شيئاً ما يعرض. حتى رحلات القطار، وارتشاف القهوة بمفردي، وانتظار الأصدقاء في المقهى - كل تلك اللحظات الصغيرة من الوقت الضائع التي كانت تتراكم على مدى اليوم وتملأ سابقاً بقراءة رواية خيالية أو سيرة ذاتية مشوقة، أصبحت الآن بالكامل مأخوذة بوسائل التواصل الاجتماعي، و"واتساب"، و"نتفليكس" [وفي قبضتها].
في الواقع، لقد اعتدنا على ارتشاف جرعات صغيرة من العالم [الإقبال عليها] - تغريدات، منشورات، رسائل مباشرة، مقاطع، حلقات - لدرجة أن التركيز على القراءة لأكثر من بضع دقائق، حتى عندما نتخذ قراراً واعياً بذلك، أصبح مهمة شاقة.
كشف الاستطلاع عن أن عدم توفر الوقت هو العائق الأكبر أمام البالغين للانغماس في القراءة، إذ صرح 33 في المئة منهم بأن ضيق الوقت هو السبب الرئيس، تلته صعوبة التركيز بنسبة 28 في المئة، ثم تشتت الانتباه بوسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 20 في المئة. وأفاد 30 في المئة من البالغين في المملكة المتحدة أنهم يجدون صعوبة في إتمام ما يقرأون، بينما ذكر 11 في المئة أنهم يجدون القراءة بوجه عام مهمة صعبة. ترسم هذه الأرقام صورة قاتمة للعلاقة بين الكبار والكلمة المكتوبة.
أما الشباب، فحالتهم أكثر تدهوراً، إذ إن ما يقارب واحداً من بين كل أربعة أشخاص (24 في المئة) ممن تراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة قالوا إنهم لم يكونوا قط من القراء. وقد أظهرت الأبحاث أن هذه الفئة العمرية تواجه أكبر الحواجز أمام القراءة. كما بين تقرير آخر بعنوان "ما الذي يقرأه الأطفال" تراجعاً حاداً في معدلات القراءة بين طلاب المرحلة الثانوية، مما يضيف بعداً جديداً للقلق على مستقبل القراءة بين الأجيال الصاعدة.
هنا، لا بد لي من العودة إلى أملنا الكبير، الذي أشار إليه كل من السيد المسيح وهيوستن: الأطفال. إذا طلبت مني أن أصف شخصاً يعشق القراءة بصدق، فإن ابنة أختي البالغة من العمر ثماني سنوات تتبادر إلى ذهني فوراً. مشاهدة رحلتها السحرية من خطواتها البطيئة بداية لتعلم قراءة اللافتات الطرقية فقط وصولاً إلى امتلاكها سرعة هائلة تمكنها من الإبحار بحرية في أي كتاب يقع بين يديها كانت تجربة لا تنسى. إن رؤية شغفها المكتشف حديثاً بالأعمال الأدبية الرائجة أيام شبابي، وتعريفها لي بكتب جديدة لم أسمع عنها من قبل (مثل "إنديانا بونز" Indiana Bones)، بحماسة لا حدود له، مثل مشهد من عالم لم تلوثه بعد ميمز ترمب، كانت لحظة من البهجة الخالصة.
بينما تحكي لي الصغيرة بحماسة شديدة عن أحدث الروايات التي أسرت خيالها - وكلماتها تتدفق بسرعة البرق - أشعر بمد عارم من الحنين يغمرني. تتوالى الذكريات كأمواج البحر، تلك اللحظات التي كنت أقرأ فيها على ضوء مصباح يدوي وأنا مختبئة تحت اللحاف، أذناي مشدودتان ترقباً لخطوات أمي في الخارج، والتجرؤ على البقاء مستيقظة عندما كان يجب عليَّ الخلود إلى النوم، الإحساس العميق بعدم القدرة على التوقف لأن القصة التي بين يدي كانت تأسرني بشدة. نعم، قد يكون هذا أقل ثورية من رؤية تيريزا ماي تجري عبر حقول القمح [في طفولتها]، لكن شعور التمرد الذي عشته كان لا ينسى!
تجعلني الذكريات راغبة في رمي هاتفي الذكي في البحر، واستعادة تلك الطفلة الكامنة في داخلي، وإعطائها كتاباً يغمرها بالكامل - ذلك النوع من الكتب الذي يجعلك تواصل القراءة بجنون حتى الثانية صباحاً.
في خضم الزحام، لم يعد جميعنا يقدر القيمة الثمينة للقراءة. لقد سمحنا لأنفسنا بأن ننشغل بالألعاب الجديدة اللامعة، وأقنعنا أنفسنا بأن القراءة باتت شيئاً "جدياً" و"مرهقاً"، وأننا لم نعد نملك القدرة على التركيز ولا الحماسة لذلك.
لكن تعلم القراءة - واكتساب القدرة على الغوص في قصص لا تنتهي، والشروع في مغامرات غير محدودة، والفرار إلى عوالم جديدة متى شئت - هو أقرب شيء إلى المعجزة التي قد يعيشها كثر منا. ولذلك، أنا أؤمن بقدرتنا على العودة إلى عالم الكتب، لأن "المعجزات يمكن أن تحدث عندما نؤمن بذلك!"، كما قالت صديقتنا ويتني هيوستن!
© The Independent