Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموظف السوري عاجز عن سد الفجوة بين الراتب وتكلفة المعيشة

آلاف العائلات تعيش على حد الكفاف بعد تراجع العملة المحلية مقابل الدولار 20 ضعفاً

أصبحت الأسر السورية تعاني من ازمة معيشية فعلية (أ ف ب) 

ملخص

 السلة الغذائية المتكاملة كانت تكلف العائلة السورية ما يصل إلى 800 دولار وكانت الغالبية تستطيع تأمينها بصورة أو بأخرى، ولكن مع تضاعف سعر صرف الدولار 1000 مرة بينما تضاعفت السلة الغذائية 1500 مرة".

على حد المعجزة يعيش غالبية السوريين في زمن التضخم الاقتصادي والفجوات الشرائية، هي قصص نجاة يومية لآلاف من العائلات والأشخاص خبزهم كفاف يومهم وسعيهم دائم إلى إكمال حياتهم بأبسط الطرق، فمن كان له صحة خرج إلى العمل رجالاً ونساء ومن كان له معيل في بلاد قصدها أحباؤهم انتظر تحويلاتهم بفارغ الصبر، ومنهم آخرون يسندهم التكافل الاجتماعي وكثر من كل هؤلاء تعلموا التعامل مع الظروف الصعبة فأداروا حياتهم بالميزان والأولوية، وتابعوا سعيهم النشيط للحصول على حياة كريمة في سوريا.

الميزة.. فقدت

يخرج يومياً إلى العمل ما يقارب مليون ونصف مليون سوري من أصل 24 مليوناً بحسب الإحصاءات الأخيرة وهم في حكم الموظفين التابعين للقطاع العام للدولة، فقبل الحرب كانت إحدى أهم الميزات أن يكون السوري موظفاً في إحدى المؤسسات العامة، وبهذه الصفة يكسب معاشاً وصل إلى حد 500 دولار في الشهر، ويحصل معه على عدد من الميزات الإضافية بما فيها ضمان صحي وتسهيلات في مؤسسات الدولة والمعاش التقاعدي الذي منحه الأمان والاطمئنان لمستقبله، وعليه سعى كثر إلى الاشتراك في المسابقات الخاصة بهذا القطاع ومنهم من استطاعوا تأمين أولادهم مثلهم في وظائف ثابتة.

وفي هذا السياق، يرى خبراء الاقتصاد السوريون أن "السلة الغذائية المتكاملة كانت تكلف العائلة ما يصل لحد 800 دولار وكانت الغالبية تستطيع تأمينها بصورة أو بأخرى، ولكن مع تضاعف الدولار 1000 مرة بينما تضاعفت السلة الغذائية 1500 مرة" مما يعني برأيهم أن 800 دولار اليوم تشتري أقل من ذاتها خلال عام 2011، فبحسبة بسيطة يلاحظ أن 40 ألف ليرة سورية قبل عام 2011 كانت تعادل 800 دولار، بينما 40 دولاراً اليوم تعادل ما يقارب 600 ألف ليرة سورية في بلد أصبح فيه رقم المليون هو أسهل الأرقام لفظاً وطلباً وتداولاً في مختلف قطاعات البلد الخدمية الأساس.

اقتناص فرصة

تقول ندى وهي موظفة في مديرية الزراعة داخل ريف دمشق إنها تقاتل كي تحصل لابنها وابنتها على عقدين مع المديرية ولو لمدة ثلاثة أشهر، فهي بهذا تضمن أن يدخل إلى بيتها مع عمل زوجها الحر مبلغ محدد يساعدهم على عيش حياة كريمة، وتتابع "أنا دائمة التحرك داخل المديرية أحاول اقتناص فرصة عقد هنا أو هناك كي أضع أبنائي فيها أو أحد ما يهمني أمره ولو كانت المدة قليلة ومن دون تثبيت في الوظيفة، وبذلك أستطيع أن أؤمن مصاريف دراسة أولادي ومصاريفنا اليومية".

 

 

وتتشابه الحالات كثيراً ضمن هذا الوسط إذ يعمل محمد على بقاء وظيفته على رغم وصوله لسنه التقاعدية، لكنه يحيا على مبدأ المثل القائل "بحصة تسند جرة"، فراتبه إضافة إلى القليل الذي يستطيع أن يرسله له ابنه العامل في الإمارات يساعده على البقاء "واقفاً على قدميه" هو وزوجته المريضة بالسكري بحسب تعبيره، "إن ما يرسله ابني يساعدنا على شراء الدواء لي ولزوجتي ويبقى منه القليل مع راتبي لنعيش فيه بكرامتنا في آخر أيامنا".

سعي داخل وخارج الحدود

وهذا حال عدد لا بأس به من العائلات السورية التي أصبح اعتمادها الأكبر على ما يصلها من حوالات من أقربائهم في الخارج، وهذا ما استفادت منه الدولة السورية وبخاصة في زمن الأعياد إذ يكثف من هم في الخارج حوالاتهم لأهلهم، وعن هذا يتحدث "مفيد" وهو موظف بلدية في مدينة جرمانا "لو أردت الاعتماد على راتبي لمت من الجوع أنا وأسرتي المؤلفة من خمسة أشخاص، لكن زواج ابنتي في الخارج وقدرتها على إرسال المال لنا كل شهر أو شهرين هو ما يساعدنا، فقد استطعت أن أشتري لابني دراجة كهربائية ليعمل عليها في توصيل الطلبات داخل منطقتنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وانتشرت هذه الظاهرة في معظم المدن السورية وحتى في القرى إلى حد أصبحت مهنة عامل التوصيل مهنة أساس ومطلوبة من قبل المجتمع، فأجرها الذي يعد مقبولاً يوفر على كثيرين الخروج إلى الأسواق المزدحمة وكلفة وسائل النقل والوقت والحر أو البرد.

نبيل موظف شاب بعمر 27 سنة ويعمل في مؤسسة الكهرباء في حماة يقول "أنا المعيل الوحيد لأمي وأختي بعد مقتل والدي في الحرب، وبما أن الجميع أصبح يعرف قصر الراتب عن تلبية حاجاتنا المعيشية، فقد استطعت اقتناء دراجة كهربائية ووضعت رقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي معلناً عن جاهزيتي لتوصيل ما يريده الناس من أي مكان وإلى أي مكان في المدينة، ومع مرور الأيام ودخولي لأماكن لم أكن أعرف بوجودها من قبل استطعت تأمين عمل لأختي في الخياطة من المنزل لأحد المشاغل التي تعرفت عليها صدفة أثناء توصيلي طلب لهم".

عمل إضافي

وهكذا يحاول الموظف السوري عدم الاكتفاء بعمله في الوظيفة الحكومية والاعتماد فقط على الراتب لتأمين مستلزمات معيشته لذلك يسعى إلى لقيام بأعمال أخرى في أوقات فراغه، ومنهم سامي الذي دخل كدلال لمصلحة أحد المكاتب العقارية في اللاذقية، فإذا تحدث أحدهم إلى سامي لأخذ موعد صباحي فإنه يعتذر ويؤجل كل مواعيده لبعد الظهر لحين انتهائه من وقت دوامه.

 

 

أما هناء المعروفة بـ"أم علاء" فإنها تسعى خارج وقت دوامها كموظفة بلدية بعد أن أصيب زوجها في الحرب ولديها ولدان على أبواب الدراسة الجامعية، إلى أن تفتح لها تحت منزلها على طريق الشاطئ في مدينة اللاذقية ركناً لخبز الفطائر على التنور، ويساعدها زوجها الذي فقد قدميه على القيام بمهمتها، إذ يعد لها أساسات عملها في وقت عودتها من وظيفتها وانتهائها من مهامها المنزلية لتتفرغ لصنع الفطائر. وعن هذا تقول "هذا ما أعرف أن أعمل به فقررت خوض هذه التجربة بمساعدة جمعية أهلية، وقد لاقى المشروع رواجاً واستحساناً عند الناس، إذ يؤمنا كثر من كل مكان وبخاصة في هذا الفصل السياحي".

التكافل الاجتماعي

وبما أن الظروف الصعبة تكشف معادن الناس فقد هرع أعضاء المجتمع الواحد إلى تفعيل المبادرات الإنسانية والأهلية في أحلك الظروف وظهرت مفاعيلها واضحة أثناء جائحة كورونا وزلزال السادس من فبراير (شباط) العام الماضي وما قبلها الحرب وما زالت مستمرة إلى اليوم، فالتكافل الاجتماعي جزء مهم من استمرار المجتمع بالتماسك والوقوف في أصعب الظروف، فقد قُدمت السلال الغذائية والخبز بكميات كبيرة وسعت بعض المبادرات لتأمين المازوت أثناء الشتاء لتدفئة أولئك الذين اجتاحهم البرد بلا حول أو قوة لهم.

فمن مبادرات شخصية كالتي بدأت بها "ملك" منذ أعوام عبر صفحتها على "فيسبوك" وفيها تجمع تبرعات لأشخاص يحتاجون لعمليات جراحية، إذ تعلن الحالة وتطلب من المقتدرين التبرع ولو بمبلغ بسيط لتصل إلى مرحلة يغطون فيها كلفة العملية كاملة، وترسل المبلغ لعائلة المريض أو توجه المتبرعين لهم ليقدموا مساعدتهم مباشرة، إلى تلك المبادرات التي درجت بالتبرع بالخبز عن روح أحد المتوفين لمدة ثلاثة أيام في عدد كبير من مناطق سوريا.

وهناك معلمون قدموا للطلبة ساعات دراسية بالمجان وآخرون أسهموا بتقديم القرطاسية، كما أرسل المغتربون مرات عدة الأموال لجهات محددة لتوزيعها على المحتاجين، إضافة إلى المؤسسات الخيرية في سوريا التي عملت على توزيع حصص غذائية وأخرى دوائية أو عدد كبير من لوازم البيوت، وخرجت مبادرات مرتبطة بالدولة السورية بالتعاون مع جهات خارجية لتمويل بعض العائلات بأساسات مشاريع صغيرة للعمل عليها، وقد استفاد من هذه المبادرات عدد كبير من المزارعين وأصحاب المهن الحرة والموظفين الذين سعوا إلى أعمال صغيرة تساعدهم بجانب رواتبهم. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير