Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لغز تايس... من يعرف مصير الأميركي المفقود في سوريا؟

دمشق تشترط على واشنطن الانسحاب ورفع العقوبات وإعادة العلاقات للإدلاء بمعلومات عنه والأخيرة ترفض

عائلة الصحفي الأميركي المختفي في سوريا أوستن تايس (رويترز)

ملخص

في كل عام في ذكرى اختطافه يعود الحديث عنه، لكن مراقبين يرون أن القضية باتت سياسية بحتة، فواشنطن تريد أن تجد تايس لكسب الرأي العام، وفي الوقت نفسه لا تريد الجلوس إلى طاولة واحدة طرفها الثاني دمشق.

لم تفلح كل محاولات الولايات المتحدة للعثور على طرف خيط يوصلها إلى مكان مواطنها المفقود في سوريا أوستن تايس على رغم الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية والمناشدات لإماطة اللثام عن موقع احتجازه أو التفاوض لتحريره إذا ما كان حياً.

وتعود قصة الأميركي تايس إلى يوم الـ13 من أغسطس (آب) 2012 حين أعلن وقتها فقدان الاتصال به عقب وصوله إلى مناطق تقع في ريف دمشق خارج سيطرة الحكومة، بخاصة أنه في العام ذاته خرجت أراضي في الشمال والجنوب السوري عن سيطرتها بعد نزاع مسلح مع فصائل المعارضة المسلحة التي انتزعت مناطق الشمال من القوات النظامية.

بداية الاختفاء

في هذا الوقت بات مغرياً لكثير من الصحافيين المستقلين الوصول إلى مواقع الأحداث المتأججة حيث توجد فصائل المعارضة التي أطلقت على نفسها "الجيش الحر"، وهو تحالف عسكري يضم ضباطاً وعناصر منشقة من الجيش النظامي أو من المعارضين الذين فضلوا اللجوء إلى السلاح لقلب نظام الحكم بعد فشل حراكهم الشعبي عام 2011 في مدن ومحافظات سورية عدة، ومن بين هؤلاء الصحافيين كان تايس الذي عمل مع مؤسسات صحافية وإعلامية عدة، وكان سابقاً يعمل لصالح البحرية الأميركية.

تشير المعلومات إلى دخول تايس الأراضي السورية الخاضعة للمعارضة من جهة الشمال عبر الحدود التركية في الـ30 من مايو (أيار) 2012. وقتها عمل على نقل الأحداث الدائرة من معارك وصراعات مسلحة لصحف عدة، وتمكن بسبب اتساع مساحة الأراضي المسيطر عليها من قبل المعارضة الانتقال من الشمال إلى الجنوب حيث خرجت حينها مناطق عدة في محيط العاصمة عن السيطرة الحكومية، بالتالي كان متاحاً له الوصول إلى ريف دمشق بهدف الوصول منها إلى لبنان والسفر إلى بلده، لكنه اختفى قبل أن يصل إلى الحدود اللبنانية.

 

 

ظهر تايس بعد ثلاثة أشهر عبر مقطع مصور بدا فيه واقعاً في الأسر من قبل جماعة دينية متطرفة اختطفته، في هذا الوقت كانت "القاعدة" والجماعات الإرهابية استغلت حال الفوضى الحاصلة وانفلات السلاح لتشكيل فصائل لها ومراكز قوى، ولم تعلن أي جهة بالاسم تبنيها عملية الاختطاف.

التحرير الصعب

تعود قضية تايس إلى دائرة الضوء مجدداً مع تجديد الرئيس الأميركي جو بايدن مطالبته بالكشف عن مصيره، وجاءت في بيان نشرته شبكة "سي أن أن" دعوته الحكومة السورية للإفراج عن الصحافي الأميركي أوستن تايس، كما دعت الخارجية الأميركية الدول المؤثرة التي لها علاقات مع دمشق إلى إثارة قضية اختطافه.

وأضاف الرئيس الأميركي بايدن أن "حرية الصحافة ضرورية، ويلعب الصحافيون مثل أوستن دوراً حاسماً في إعلام الجمهور، ونحن نقف متضامنين معه ومع عائلته، وجميع الأميركيين المحتجزين ظلماً وكرهائن في الخارج، وسأستمر في بذل كل ما في وسعي لإطلاق سراحه ودعم أحبائه حتى يعود سالماً إلى وطنه".

يأتي ذلك بالتوازي مع مطالبة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن دمشق بالعمل مع الولايات المتحدة لإنهاء احتجاز أوستن، وتقديم تقرير عن مصير الأميركيين الآخرين الذين فقدوا في سوريا. مضيفاً في بيان له، "نتابع أي مسار متاح قد يؤدي إلى عودة أوستن، لقد ذهب إلى سوريا لإظهار الحقيقة للعالم في شأن ما يحدث هناك، ولن نتراجع حتى نجد طريقة لإنهاء احتجاز أوستن غير العادل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل أنكرت العاصمة السورية هذه المعلومات والتصريحات الصادرة عن الإدارة الأميركية حول الصحافي تايس، واعتبرت أن اتهامات الإدارة الأميركية أو بعض الأميركيين الآخرين لا أساس لها من الصحة، وتمثل تشويهاً متعمداً للحقائق واستمراراً لنهج واشنطن في إلقاء الاتهامات ضد سوريا، إلى جانب ممارستها العدوانية حيالها.

وجاء في بيان رسمي لوزارة الخارجية والمغتربين أنه "صدرت تصريحات مضللة عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية تضمنت اتهامات باطلة للحكومة السورية باعتقال المواطن الأميركي أوستن تايس الضابط السابق في الجيش الأميركي، والادعاء بأنه كان يعمل صحافياً ودخل الأراضي السورية وفقد فيها".

تفاوض مستحيل

في غضون ذلك أبدت والدة أوستن، ديبرا تايس دهشتها من رفض الحكومة الأميركية مفاوضة دمشق في وقت تتفاوض مع حكومات مثل الروسية والإيرانية وحتى "حماس"، وذكرت أن آخر الاجتماعات التي دارت في هذا الشأن كان في مارس (آذار) الماضي ولم تكن جدية بالشكل الكافي.

وقالت والدة تايس في مقابلة مصورة مع قناة "الحرة"، إن مفاوضات مارس لم تفض إلى نتائج أو رغبة بمواصلة الحوار للوصول إلى اتفاق، وهذا الأمر لا يشبه مجهود الحكومة الأميركية وتصميمها على تحرير الرهائن الموجودين لدى "حماس"، بحسب رأيها.

وأضافت، "أوستن لم يحصل على الالتزام والتفاني الكافي لتحريره، هناك كيانات أو وسطاء أبدوا رغبتهم بالانخراط في مفاوضات بين واشنطن ودمشق، لكن الحكومة السورية تريد التقارب المباشر مع الحكومة الأميركية".

وكانت ديبرا تايس زارت سوريا عام 2014 وبقيت نحو ثلاثة أشهر، لكن الحكومة السورية رفضت التفاوض معها وفضلت التفاوض مع مسؤولين رسميين أميركيين، وقالت ديبرا، "إننا نعلم أنه يمكن تغيير أماكن السجناء، ولدينا أسباب للاعتقاد أنه بين أيدي كيان غير الحكومة السورية".

 

 

وعلى نحو مألوف لا يزال الخلاف الواسع بين نيويورك ودمشق حيال قضايا عالقة شديدة التعقيد حاضراً وليس بالجديد، لكن العلاقات الدبلوماسية قطعت عام 2011 وسحبت الولايات المتحدة سفيرها وأدخلت مقاتليها عام 2015 مع بزوغ خطر تنظيم "داعش" وتزعمت قوات التحالف الدولي.

وتقول دمشق، إن بقاء القوات الأميركية غير شرعي لأنه جاء من دون تنسيق، واعتبرت وجود 900 جندي أميركي في الشمال الشرقي والشرق مخالفاً للشرعية الدولية، مؤكدة أن عدم سحب قواتها بعد سقوط "داعش" في مارس عام 2019 يشي بأطماع لوجيستية وعسكرية وسياسية، علاوة عن سيطرتها على آبار النفط والغاز واستجراره، ودعم القوات الكردية التي تسعى إلى الانفصال.

مقابل ذلك سعت الولايات المتحدة إلى مقاطعة دمشق وإصدار قوانين وتشريعات اقتصادية كان من أبرزها قانون "قيصر" أو "سيزر" الذي أقره مجلس الشيوخ في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2019 ويعاقب فيه كل من الأفراد والشركات والدول التي تتعامل أو تتعاون مع الحكومة السورية.

الشروط الثلاثة

في هذه الأثناء ظلت قضية تايس يكتنفها الغموض، وبين النفي والتأكيد لم يصل الأميركيون إلى نتيجة حول مكانه، وتتحدث أوساط محايدة في دمشق عن استغلال قضية الأميركي المختفي بطريقة علنية ورقة ضغط انتخابية من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة، وفي كل عام في ذكرى اختطافه يعود الحديث عنه، لكن مصادر سياسية متخصصة في الشأن الإعلامي أفادت بوصول وفود إعلامية أجنبية جاءت إلى سوريا وتجولت في المحافظات والمدن وعادت بسلام و"كانت تعمل بحماية من قبل الجيش والأمن، لكن تايس جاء من دون علم الحكومة السورية ويتحمل مسؤولية ذلك".

يرى مراقبون أن القضية باتت سياسية بحتة، فواشنطن تريد أن تجد تايس لكسب الرأي العام خصوصاً أن الحديث يشتد مع كل انتخابات رئاسية، وفي الوقت نفسه لا تريد الجلوس إلى طاولة واحدة طرفها الثاني دمشق، وهو الشرط الذي تريده الحكومة السورية للعثور على الصحافي الأميركي، حتى إن بلاده أعلنت عن جائزة مقدارها مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه ولكن من دون فائدة.

بالعودة إلى أوستن فقد أفادت تقارير صحافية أميركية منها مجلة "نيوزويك" بتحرك المدير العام السابق للأمن العام اللبناني عباس إبراهيم عام 2020 لتنسيق مفاوضات بين الأميركيين ودمشق للإفراج عن تايس.

وأشارت تقارير إلى مساعٍ حثيثة للواء عباس الذي قال في أحد اللقاءات إن المبعوث الأميركي مايكل أبراين زاره في لبنان عام 2019 وطلب منه التوسط لكشف مصير تايس، وكذلك زيارة مماثلة للمبعوث الخاص بشؤون الرهائن الأميركي روجر كارستينز وطلبه زيارة دمشق.

وبعد تشاور تمت لقاءات عدة اشترطت فيها سوريا على أميركا الانسحاب من شمال شرقي البلاد ورفع العقوبات الاقتصادية وإعادة العلاقات الدبلوماسية مقابل الحصول عن معلومة بأن تايس حي أو ميت، لكن توقفت المفاوضات بعد تصريحات أميركية في شأن سوريا وطلبت دمشق من اللواء عباس تجميد المفاوضات، وهكذا طويت صفحة كادت تكتب مصير مواطن أميركي لا تزال قضيته أحجية صعبة الحل.

المزيد من متابعات