Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جنود أوكرانيا يتطلعون للثأر من قوات بوتين في كورسك

في ظل قطع الجسور المستعملة لتزويد القوات الروسية بالإمدادات واستمرار الدفاع عن الأراضي المنتزعة في هجمات جريئة، يعبر جنود يستريحون في منطقة سومي الحدودية الأوكرانية عن رغبتهم القوية في المضي قدماً

عناصر من الجيش الأوكراني على متن حاملة جنود في سومي على مقربة من الحدود الروسية (رويترز)

ملخص

شنت القوات الأوكرانية هجوماً جريئاً على منطقة كورسك الروسية، وعلى رغم توقعهم رداً روسياً شرساً فإن الجنود الأوكرانيين يتمتعون بمعنويات عالية بسبب التغيير من الدفاع إلى الهجوم، كما يؤيد السكان المحليون هذا التوغل على أمل أن يؤدي إلى تقريب السلام من خلال تحقيق صدمة للروس

في آخر مستجدات الهجوم على الأراضي الروسية استهدفت القوات الأوكرانية ثلاثة جسور استراتيجية في منطقة كورسك، مما أدى إلى تدمير بعضها. وتأتي هذه الخطوة كجزء من استراتيجية تهدف إلى قطع خطوط الإمداد الحيوية للجيش الروسي. وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن العملية تسير بنجاح وتحقق أهدافها العسكرية المنشودة.

وتدرك أوكرانياً تماماً أن روسيا لن تتأخر في الرد لكنها تسعى جاهدة إلى الانتقام من قوات فلاديمير بوتين بكل ما أوتيت من قوة. وفي هذا السياق، روى جنود إحدى الكتائب التي قادت الهجوم على كورسك لـ"اندبندنت" كيف كانوا يضحكون بذهول وفرح وهم يحفرون الخنادق داخل الأراضي الروسية، غير مصدقين أنهم بلغوا هذا العمق في قلب أراضي العدو.

وصرح جندي يعرف بلقبه العسكري "لياشا" قائلاً "لا يمكن وصف الشعور الذي انتابنا حين أدركنا أننا نحن من يشن الهجوم ويخترق عمق الأراضي الروسية. وقد غمرتنا حال من الضحك الجنوني بينما كنا نحفر الخنادق في قلب تلك الأرض المعادية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وينضوي لياشا (26 سنة) وزملاؤه في وحدة المشاة المؤللة التي تخوض القتال على الجبهات الأمامية للهجوم الأوكراني [على منطقة كورسك] منذ انطلاقه في السادس من أغسطس (آب) الماضي. وقد أفاد هذا الأخير بأن عناصر وحدته اجتازوا بلدة سودجا الواقعة على مسافة ستة كيلومترات من الجانب الروسي للحدود، وهي نقطة استراتيجية مهمة لخط الأنابيب الرئيس الذي ينقل الغاز من روسيا إلى غرب أوروبا، إضافة إلى كونها مركزاً رئيساً للسكك الحديد. وقد تمكنوا من التقدم لمسافة لا تقل عن 20 كيلومتراً داخل الأراضي الروسية.

وفي هذا الموقع شرعوا في حفر الخنادق بينما كان آخرون يتقدمون في ثلاث أو أربع وجهات مختلفة، من بينها اتجاه مدينة كورسك عاصمة المنطقة التي تحمل الاسم نفسه، القريبة من أحد معامل الطاقة النووية الروسية.

ومن قلب مقهى صغير في القرية التي التقينا فيها، على إحدى الطرقات المؤدية إلى منطقة سومي [الأوكرانية] الحدودية والمحاذية لمقاطعة كورسك الروسية، روى لياشا أنه عاد للتو إلى أوكرانيا مع رفاقه كي يستريحوا لمدة أربعة أو خمسة أيام، قبل أن يعاودوا عبور الحدود مجدداً متوجهين إلى ميادين القتال الروسية.

وعندما طرح السؤال حول ما إذا كان من المحتمل أن يستمر التوغل الأوكراني في الأراضي الروسية لوقت طويل، وبخاصة بعد مرور أسبوعين على بدايته، أجاب أحد الجنود المعروف بلقب "أفون"، "أعتقد أن هذا التقدير صحيح" علماً أن الهجمات التي استهدفت الجسور تدعم هذا الرأي، وتعزز من دلالة استمرار العمليات العسكرية.

وبينما كنا نتبادل أطراف الحديث غص الطريق بسيل من الدبابات وناقلات الجنود المدرعة ومدافع "هاوتزر" ذاتية الدفع التي كانت تتقدم ذهاباً وإياباً. وسارت جحافل من المركبات الأخرى، فكانت آليات مجنزرة تجر البعض منها في حين نقلت مركبات أخرى على متن حاملات عملاقة تحركت بانسيابية على طول الطريق. وأمام أعيننا مرت قوافل نقل وقود وشاحنات إمدادات إلى جانب معدات عسكرية أميركية أصغر حجماً وعربات مدرعة صغيرة أخرى، ومركبات أوكرانية وفرنسية وأخرى تابعة لدول غربية مانحة، وجميعها مزودة برشاشات ذات عيار كبير وقاذفات صواريخ. وقد رافق ذلك عدد هائل من سيارات الدفع الرباعي المطلية باللون الزيتوني.

وبين الحين والآخر كانت سيارات الإسعاف تنطلق بسرعة البرق نحو مدينة سومي عاصمة المنطقة الأوكرانية الحدودية. وقد بادر سائقو المركبات الأخرى بإفساح الطريق لها، تقديراً منهم لاحتمال وجود مصابين من رفاقهم على متنها.

وعلى رغم تواضع لياشا وأفون ورفاقهما في سرد تفاصيل القتال الذي خاضوه فإن من تعامل مع الجنود يدرك يقيناً شجاعتهم الحقيقية. فالحال أن الأشخاص الذين يتفاخرون بإنجازاتهم غالباً ما يكونون الأقل مشاركة في المعارك.

وروى لياشا قائلاً "في البداية، فوجئ الجنود الروس الذين قابلناهم وبدوا في حال صدمة. وقد استسلم عدد كبير منهم بكثير من الحماسة، لأنهم لم يرغبوا في مواجهة مصير الموت".

وأضاف "وفي سياق الأحداث صادفنا وحدات من الجنود الشيشان المتمركزين حول بلدة سودجا، وكانوا يرتعدون خوفاً. فهؤلاء الجنود الذين ارتكبوا فظائع في أوكرانيا كانوا يخشون التعرض للتعذيب أو الإعدام، على غرار ما ألحقوه بالمدنيين وبعناصر الجيش الأوكراني. وقد تم أسر بعضهم وهم يرتدون ثياباً مدنية، وهم خلفوا قسماً كبيراً من أسلحتهم وآلياتهم أثناء فرارهم".

ويوم أول من أمس الإثنين أعلن قائد القوات البرية الأوكرانية أوليكساندر بافليوك عبر تطبيق "تيليغرام" أن الجنود الأوكرانيين "ينفذون مهامهم بكفاءة" في منطقة كورسك، ويقومون باحتجاز أسرى حرب روسيين بهدف تبادلهم مع جنود أوكرانيين محتجزين في السجون.

وقال أفون "قد يكون صدر عنا بعض التهكم تجاههم. لكن كونوا على يقين أننا لم نقم بتعذيبهم أو ضربهم. فمن الضروري أن نبقيهم على قيد الحياة لأنهم سيبادلون بمواطنينا المحتجزين لدى الروس. ومن ثم، فإن هذا النوع من التصرفات ليس من شيمنا. بالتالي لم يتعرض أي مدني أو عسكري استسلم لقواتنا لسوء المعاملة على يد أي فرد في وحدتنا. وهي فرصة لنا كي نثبت للعالم أننا نختلف عن الروس، وأننا متحضرون بينما هم برابرة وهمجيون".

وقال لياشا إنه سأل سيدة عجوزاً في إحدى القرى التي استولى عليها الجنود الأوكرانيون - وتقول كييف إن قواتها استولت على نحو 80 قرية - عن رأيها في الجنود الأوكرانيين فأجابت "أنتم شبان مهذبون". وعندما سألها عن رأيها في تصرفات الجنود الروس في أوكرانيا روى أنها تمنعت عن إعطاء إجابة مباشرة، واكتفت بالقول "لم يكن أحد منا يريد هذه الحرب".

ولا بد من الإشارة إلى أن أفون ولياشا ومعظم زملائهما هم من الجنود المخضرمين الذين شاركوا في الأعمال القتالية منذ بداية الغزو الذي شنه بوتين عام 2022. وقد خضعوا لإعادة تشكيل للانضمام إلى عملية كورسك بعد أن واظبوا على الدفاع عن مواقعهم السابقة شرق أوكرانيا، إذ صمدوا لأشهر عدة أمام الهجمات الروسية الوحشية التي حققت خلالها قوات بوتين تقدماً ملحوظاً.

وتابع أفون قائلاً "حتى الآن، لم يكن القتال الذي خضناه في كورسك بتلك الشدة التي اعتدنا عليها في أوكرانيا. بيد أننا نعلم أن السبب في ذلك يعود إلى أن العناصر الذين واجهناهم كانوا من المجندين الجدد أو من ذوي التدريب الضعيف الذين لم يشاركوا في أية معارك سابقة. ومع ذلك فقد استخدموا عدداً كبيراً من القنابل الانزلاقية والصواريخ، مما ألحق بنا خسائر في الأرواح".

وأكمل "لكننا على دراية بأن بوتين يستشيط غضباً، إذ يشعر بالإهانة وسيسعى جاهداً للانتقام. والأرجح أنه سيرسل آلاف الجنود ويعبئ عدداً هائلاً من المدرعات والأسلحة المدفعية والصواريخ باتجاهنا خلال الأيام المقبلة"، مضيفاً "ومن ثم، سيبذلون قصارى جهدهم لمحاولة تدميرنا بكل السبل الممكنة. وعلى رغم ذلك نحن نعرف ذلك وسنكون في أتم الاستعداد لمواجهته".

وتابع "لا ندري إلام ستؤول إليه الأمور. بيد أننا نفضل ما يجري على الاختباء في الخنادق لشهور طويلة، والتعرض لوابل كثيف من القنابل الانزلاقية والذخائر المدفعية والصواريخ الروسية، ومشاهدة زملائنا يسقطون أو يصابون من حولنا. ففي الأقل نحن الآن في حركة مستمرة بعد أن كسرنا الجمود وارتفعت المعنويات إلى أعلى مستوياتها".

وفي موقع وجودنا بات صوت الانفجارات الناتجة من الذخائر الروسية جزءاً لا يتجزأ من الخلفية. وبين الحين والآخر، تعالت أصوات انفجارات أكثر حدة تعود إلى مضادات الطائرات الأوكرانية التي بذلت جهوداً مضنية لإسقاط مسيرات أو قنابل انزلاقية.

وفي سياق متصل، يشير السكان المحليون إلى أن قراهم في منطقة سومي مستهدفة من القصف الروسي المتقطع منذ بداية الغزو خلال عام 2022. لكن مع انطلاق الهجوم الأوكراني العابر للحدود سجلت زيادة ملحوظة في الهجمات على منازلهم، الواقعة على بعد كيلومترات قليلة من الحدود الروسية وعلى الطريق الرئيس الذي يستخدمه الجيش الأوكراني.

لقد كان أوليكساندر منشغلاً مع زوجته ناتاليا بإزالة الحطام من منزل والدته، بعد تعرضه للدمار إثر انفجار قنبلة انزلاقية سقطت على ذلك الطريق العام.

وكانت والدة أوليكساندر وشقيقته وابنتها في المنزل حينما كادت القنبلة تدمره بالكامل، علماً أن تلك القنبلة تعد صغيرة نسبياً بوزن لم يتجاوز نصف الطن من المواد المتفجرة.

وتعرض الثلاثة لإصابات طفيفة وهن الآن في طور التعافي داخل أحد مستشفيات مدينة سومي. أما الفجوة الكبيرة التي خلفتها القنبلة فقد أصلحت بسرعة فائقة لتفادي توقف حركة الآليات العسكرية التي تستخدم هذا الطريق على مدار الساعة.

وكانت ناتاليا مشغولة بإزالة الزجاج المتناثر والحطام الناتج من الانفجار إلى جانب الجص المتساقط من السقف، بينما كانت ألعاب الأطفال مبعثرة في غرفة فقدت أحد جدرانها. ومن خلال الفجوة التي خلفها الجدار المنهار أمكنت رؤية الآليات العسكرية وهي تتقدم بسرعة على الطريق الخارجي. وعلى الجدار المتبقي بقيت ساعة الحائط معلقة، وقد تجمدت عقاربها عند لحظة حصول الانفجار خلال الليلة السابقة.

وأوضحت قائلة "لن يعود أي كان للعيش في هذا المنزل. فهو مدمر إلى حد يجعل إصلاحه مستحيلاً. لكنه المكان الذي نشأ فيه زوجي وأرغب في تنظيفه، مع أنكم قد تعتبرون أنه لا جدوى من ذلك على الإطلاق. وصحيح أن تصرفات الروس مروعة لكن كل واحد منا يحاول المضي قدماً في حياته".

ومن جانبه، قال أوليكساندر البالغ من العمر 45 سنة المحاسب في إحدى شركات تجهيزات الزراعة "لا نتمنى الحرب لأي طرف، ولكنني أعتقد أن دخول جنودنا إلى روسيا في الوقت الراهن قد يكون له أثر إيجابي. فربما يتذوقون المعاناة التي نمر بها منذ أعوام، وقد يدفع ذلك الناس داخل روسيا إلى التفكير في الوضع من منظور مختلف. ومن ثم فقد يساهم هذا الغزو في تقريبنا خطوة نحو تحقيق السلام".

ويوم السبت الماضي شهدت مدينة سومي أربعة انفجارات ضخمة في الأقل، وقع أولها بعيد الساعة السادسة صباحاً مستهدفاً ناطحة سحاب تحوي شققاً سكنية شرق نهر بسيل الذي يعبر المدينة، وقد أسفر عن تحطم زجاج نوافذ واحتراق عشرات السيارات، فيما اقتصرت الإصابات على جروح طفيفة تعرض لها رجل في منتصف العمر كان يوجد داخل المبنى.

وعلق المتحدث باسم قسم الطوارئ أوليه ستريلكو قائلاً "لا شك في أن السكان عانوا من الصدمة والتوتر الشديدين، لكن أهل مدينتنا أثبتوا قدرتهم على التكيف مع الظروف. فقد بادروا بإخلاء المكان بأنفسهم وحرصوا على التأكد من سلامة جيرانهم في المحيط".

وأشار إلى أنه قبل عملية كورسك كان عدد الانفجارات التي شهدتها المدينة قد بلغ 10 خلال العام. إلا أنه مع بدء الهجوم باتت المدينة تتعرض لقصف يومي بما فيها الانفجارات الأربعة التي سمعت السبت الماضي.

ويرى ستريلكو مثل عدد كبير من مواطنيه أن توسع أوكرانيا في الأراضي الروسية يستحق الجهد المبذول، على رغم التوقعات المتزايدة حول تصعيد الهجمات التي قد ينفذها جيش بوتين. وأكد قائلاً "إن الأمور التي كان ينبغي تنفيذها والتي يجب أن تنجز، هي الآن قيد التنفيذ".

ومن جهته كان عامل بناء يقيم في الجوار يزور أصدقاءه القاطنين في المبنى المتضرر قد أيد رأي ستريلكو تماماً. وفي هذا السياق قال فاسيل البالغ من العمر 65 سنة والمتزوج من روسية "كثيراً ما كان الأوكرانيون والروس متوافقين. إلا أننا، أنا وزوجتي شعرنا بصدمة عندما قررت روسيا غزو أوكرانيا في بداية الحرب."

وتابع قائلاً "لم أكن يوماً على عداوة مع الروس بل كنت أعتبر عدداً كبيراً منهم أصدقائي. فكنا نزورهم في بلادهم وكانوا يزوروننا في وطننا. ومع ذلك لم أكن مدركاً كيف أن الأكاذيب والبروباغندا قد رسخت في أذهانهم على مر السنين. وبالفعل، فإن تصرفات جنودهم كانت همجية ووحشية إلى أقصى الحدود".

وقال ختاماً "سأكون صريحاً معكم... أنا اليوم أكرههم. فبلدنا أضعف من بلدهم عسكرياً وعددهم أكبر من عددنا، وسومي قريبة من الحدود. لكن إذا ما قرروا التقدم إلى هنا فسأنضم إلى صفوف المقاومة وأقاتل ضدهم. وسنقوم بذلك جميعاً".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات