Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بحثا عن دبلوماسية ثقافية جزائرية فاعلة وفعالة

تتطلب فتح مؤسسات في كثير من الدول وتكون مشروعاً جامعاً لمثقفي البلد على اختلافاتهم

وسط مدينة الجزائر العاصمة، الجزائر  (رويترز)

ملخص

لا وجود لدبلوماسية سياسية ناجحة وقوية في غياب دبلوماسية ثقافية وفنية ثابتة وذكية.

علينا الاعتراف بأن الجزائر الثقافية غائبة عن الساحة العالمية غياباً كبيراً، وحين تحضر يكون ذلك من خلال أفراد قد لا يمثلون إلا أنفسهم، ومع ذلك ليس من حق الجزائري أن يكون متشائماً، فالتشاؤم هزيمة في معركة نخسرها من دون أن نخوضها أصلاً. فكل شيء يمكن استدراكه حين تتوافر الإرادة السياسية الإيجابية والرؤية السليمة والسديدة.

70 سنة انقضت منذ إعلان الثورة الجزائرية في فاتح نوفمبر (تشرين الثاني) 1954، ولا تزال صور الجزائر حتى اليوم ملتصقة التصاقاً عضوياً بصورة حرب التحرير الوطنية، حتى لتبدو الجزائر في المخيال الشرقي والغربي وكأنها لا تزال في حرب متواصلة، أرض تنبعث منها رائحة البارود ولا تسمع فيها سوى الأناشيد الوطنية!.

هذه الحال تدل من جهة على أن ثورة التحرير كانت كبيرة وقوية، وهذا لا شك فيه، ومن جهة أخرى تدل على أن هناك معوقات سوسيو-سياسية لم تسمح بإحداث تغييرات جذرية في المجتمع المستقل.

من دون شك، إن أجدادنا وآباءنا، وبكثير من الشجاعة والفخر، قادوا حرباً تحريرية عادلة ونموذجية في الفضاء المغاربي والعربي والمتوسطي، وانتصروا فيها انتصاراً كبيراً لكن التاريخ الإنساني الذي يشبه النهر المتحرك يفرض على الأجيال الجديدة مهمات تختلف عما قام به الأسلاف من الشهداء والمجاهدين.

لقد حان الأوان لتحرير الجزائر من صورتها الثابتة في حرب التحرير، بطبيعة الحال من دون أن تتنصل من ماضيها المجيد أو تنساه، بل من المفروض أن يكون هذا الماضي رأسمالاً من خلاله وعليه تؤسس الصورة الجديدة المعاصرة للبلد.

إن جزائر الستينيات ليست جزائر الألفية الثالثة، نحن اليوم حيال عالم جديد بمعطيات مختلفة ومصفوفات من المتغيرات المفصلية الجهوية والعالمية، والمواطن الجزائري الذي عاش الحماسة السياسية والأيديولوجية لأعوام السبعينيات ليس هو مواطن اليوم الذي يدخل في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إننا حيال حلمين مختلفين تماماً.

على الجزائري أن يخلد ماضي بلده المجيد من دون السقوط ضحية الأيديولوجيا الماضوية المرضية والعقيمة، إن الماضي مضى حتى لو كان يسكن حاضرنا بصورة من الصور، إنها إقامة التذكير، يجب ألا يكون هذا الماضي بديلاً عن الحاضر، فكلما ناب الماضي عن الحاضر خسر المواطن الحاضر والماضي على السواء، ضاع منه الاثنان.  

إن شهداء ثورة الجزائر لن يكونوا سعداء في موتهم الكبير إلا إذا أدركوا اليقين بأن أجيال الاستقلال قد جعلوا من الجزائر التي ضحوا لأجلها بلداً متطوراً عصرياً عادلاً وديمقراطياً يعيش فيه المواطنون بسلام ورخاء وتقدم.

ليس من حقنا أن نكون متشائمين، فالتشاؤم هزيمة في معركة نخسرها من دون أن نخوضها أصلاً.

ومن أجل صناعة صورة جديدة للجزائر الجديدة تدخلها إلى حضيرة دول الزمن المعاصر، يجب وبصورة مستعجلة التأسيس لدبلوماسية ثقافية فنية نشطة قادرة على التنافس الدولي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا وجود لدبلوماسية سياسية ناجحة وقوية في غياب دبلوماسية ثقافية وفنية ثابتة وذكية.

لوضع خطة لدبلوماسية الثقافية جزائرية التأسيس لشبكة حية من المؤسسات الثقافية عبر العالم، تكون متحررة من التسيير البيروقراطي ومتمتعة بحرية المبادرة والتعامل مع الإبداع والتنظيم.

والجزائر، بما لها من إمكانات، قادرة على فتح بيوت للثقافات الجزائرية في مجموعة من البلدان الاستراتيجية، ففي الشرق الأوسط تحتاج الجزائر لصناعة صورتها إلى التأسيس لثلاثة بيوت ثقافية أولها في مصر وثانيها في بلاد الشام وثالثها في الخليج وبالأساس في السعودية بوصفها البلد الذي أصبح متفتحاً على الثقافة والفنون والسياحة بصورة منهجية ورؤيوية.

وإذا ما أرادت الجزائر أن توصل صورة جديدة لها وعنها، عليها أن تعمل على التأسيس لبيتين آخرين لثقافتها، أحدهما في داكار بالسنغال والأخير في جنوب أفريقيا باعتبار أن التعامل مع البلدان الأفريقية رهان سياسي واقتصادي جزائري مبدئي وأساس.

 ومع تكاثر الجالية الجزائرية في كندا خلال العشريتين الماضيتين، فمن الأحسن أن يترافق ذلك مع تدشين بيت للثقافة الجزائرية في كيبيك، وتحتاج الجزائر إلى تسويق صورتها عن طريق بيت للثقافة في الصين التي تتصدر العالم تكنولوجياً واقتصادياً وتزحف إلى الهيمنة على سوق السينما والفنون في العالم.

لكن على هذه المؤسسات، أي بيوت الثقافة، أن تكون متمتعة بمنظام وقانون أساس يسمحان لها باحترام وتمثيل التنوع الثقافي الجزائري بكل حرية وبعيداً من الرقابة السياسية الفجة والبيروقراطية المتكلسة.

ستكون، من دون شك بيوت الثقافة هذه، إذا ما توافرت شروط العمل الجاد والمبدع فيها، أجنحة لتحليق الجزائر الجديدة، فوحدها الثقافة الحرة المتعددة المتنوعة قادرة على تغيير صورة البلد في عيون العالم، وكلما كانت الدبلوماسية الثقافية ناجعة كان للدبلوماسية السياسية حضور مسموع وصوت مؤثر في كل ما يحدث في العالم من حروب عسكرية وحروب اقتصادية.

أنا متأكد أن "الإنتليجانسيا" في عمومها، على رغم اختلافاتها الأيديولوجية والسياسية واللغوية، ستدخل في مثل هذا المشروع الحضاري الذي يمنح البلد وجهاً جديداً ومعاصراً.

ولجعل هذه الدبلوماسية الثقافية صلبة في نعومتها ومعاصرة في رؤيتها يجب العمل على التجنيد المقنع والحر للمثقفين جميعاً من فنانين وسينمائيين ومسرحيين وكتاب وتشكيليين وموسيقيين وحرفيين وطهاة محترفين وغيرهم من صناع الجمال والإمتاع سواء من الذين يعيشون بالداخل أو في المهاجر. فالدبلوماسية الثقافية يجب أن تكون مشروعاً مقنعاً وجامعاً لمثقفي البلد على اختلافاتهم أولاً حتى تكون النتيجة مضمونة ومرضية.

إن المثقفين الجزائريين على تنوع مشاربهم الفكرية والجمالية واللغوية، أولئك الذين ينتجون باللغة العربية وبالأمازيغية وبالفرنسية وباللغات الأخرى وفي مجالات وفنون مختلفة، هؤلاء جميعاً لا يطلبون من أصحاب القرار سوى أن يستمع إلى آرائهم وتحترم حرياتهم وتقدر مكانتهم، وكلما توافر هذا التعامل الحضاري يمكن أن تصنع الأمة صورة نبيلة لها في عيون الآخر وحينها ينام من ضحوا لها بقبورهم في طمأنينة أبدية.

إن دبلوماسية القوة الناعمة التي هي الثقافة قادرة أن تنقذ دبلوماسية السياسة حين نعرف كيف نستثمر في الثقافي وكيف نورط المثقفين في مشروع صناعة صورة جديدة لبلدهم.

ليس من حق الجزائري أن يتشاءم، فالتشاؤم هو هزيمة في معركة لم نخضها أصلاً.   

اقرأ المزيد

المزيد من آراء