ملخص
خلافات بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية في بغداد حول توطين الرواتب في ظل تحفظات اتحادية على مخالفات في قوائم أسماء الموظفين، وتسبب ذلك في تأخير صرف رواتب شهر يوليو الماضي.
مضى أكثر من 50 يوماً من دون أن يتلقى موظفو القطاع العام رواتبهم لشهر يوليو (تموز) الماضي إثر خلافات بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية في بغداد حول توطين الرواتب في ظل تحفظات اتحادية على مخالفات في قوائم أسماء الموظفين، فيما صعدت القوى الكردية المعارضة من حدة خطابها ضد سلطة الحزبين الحاكمين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني ونظيره "الاتحاد الوطني" بزعامة جلال طالباني، ملوحة بمقاضاتها لدى المحكمة الاتحادية.
ويلقي استمرار الخلاف بظلاله على الاستعدادات الجارية لتنظيم انتخابات برلمانية والمقررة في 20 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ينتظر أن تكون فيها ملفات أزمة الرواتب إلى جانب تدهور الخدمات في موازاة زيادة حادة في الضرائب محوراً رئيساً في الحملات الدعائية.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا أصدرت في فبراير (شباط) الماضي قراراً لمصلحة دعوى رفعها موظفون ومواطنون أكراد، يلزم حكومتي أربيل وبغداد بـ"توطين" رواتب الإقليم في المصارف الاتحادية من دون أن يكون مشروطاً بتسليم الإيرادات مع السماح لهيئة الرقابة المالية العراقية بتدقيق لوائح الموظفين، كما ألزمت الإقليم على تسليم إيراداته النفطية وغير النفطية إلى بغداد وفقاً لقانون الإدارة المالية الاتحادية، على أن يعاد 50 في المئة منها إلى الإقليم بعد إجراء تدقيق شامل على مجموع الإيرادات.
إلا أن أربيل لجأت بعد قرار المحكمة إلى فتح حسابات مصرفية للموظفين ضمن مشروع باسم "حسابي" لصرف الرواتب عبر مجموعة من البنوك الأهلية العاملة في الإقليم، وهو ما رفضته وزارة المالية الاتحادية وتتمسك بتوطينها في المصارف الاتحادية تنفيذاً لما جاء في مضمون القرار.
حراك معارض
ووسط هذا الخلاف تتهم المعارضة الكردية الحكومة بعرقلة تنفيذ القرارات الاتحادية المثيرة للجدل وهددت باللجوء إلى القضاء، في وقت تتصاعد المحاذير من التبعات على الحياة اليومية للمواطنين مع اقتراب موعد بدء العام الدراسي الجديد واحتمالات تجدد الإضرابات والاحتجاجات الشعبية، في مشهد يعكس صراعاً معقداً حول إدارة الموارد والالتزام بالقوانين الاتحادية.
تيار "الموقف الوطني" المعارض الذي تشكل أخيراً، اتهم حكومة أربيل بعرقلة قرار المحكمة الاتحادية في ما يتعلق بتوطين الرواتب ، وقال في بيان إنه سيرفع "دعوى قضائية لدى المحاكم الاتحادية المختصة على رئيس الحكومة "المنتهية ولايتها" مسرور بارزاني عن "الديمقراطي" ونائبه عن "الاتحاد" قوباد طالباني ووزير المالية أوات شيخ جناب، فيما وصف زعيم "الاتحاد الإسلامي" صلاح الدين بهاء الدين الأزمة بأنها "لعبة قبيحة"، ودعا إلى "إبعاد مصادر معيشة المواطنين عن الصراعات وتصفية الحسابات السياسية"، وهدد أيضاً "برفع دعاوى قضائية".
مماطلة وتعمد
أما "مجلس المعلمين الناقمين" الذي سبق وأن ساند الإضرابات والاحتجاجات التي دامت أشهراً في العام الماضي في مناطق نفوذ حزب طالباني، فقد دعا إلى "الكف عن اللعب بورقة الرواتب وتصفية اللوائح من الموظفين الوهميين وتسهيل مهمة توطينها"، وحذر من أن "العام الدراسي المقبل لن يكون أفضل من سابقه إلا بحل أهم المشكلات الكامنة في تثبيت المحاضرين المتطوعين على الملاك الدائم واستئناف نظام الترفيع وغيرها"، في إشارة إلى احتمال معاودة الإضرابات، كما اتهم حكومتي الإقليم وبغداد "بالتعمد في تجويع موظفي الإقليم".
وفي السياق ذاته، هدد محامي ملف موظفي الإقليم لدى المحكمة الاتحادية بكر حمه صديق حكومة الإقليم باتخاذ خطوات قانونية في بغداد "بعيداً من المزايدات السياسية المرتبطة بالدعاية الانتخابية لأن الشارع برمته بلغ مرحلة اليأس"، واتهم سلطة أربيل "بالتعمد في ممارسة سياسة فرض الإرادة لإلزام الموظفين على رهن رواتبهم ببنوك أهلية تابعة للجهات المتنفذة".
وأبدى النائب في البرلمان الاتحادي عن "الاتحاد الإسلامي" في الإقليم دارا سيكانياني استغرابه من "زيادة حاصلة في مجموع نفقات الرواتب لتصل إلى 50 مليار دينار"، واتهم "حكومة الإقليم بالعمل عمداً على وضع عراقيل أمام إطلاق الرواتب من خلال تقديم لوائح متباينة في أعداد لوائح الموظفين"، واتهم أربيل "بعدم الامتثال لقرارات المحكمة الاتحادية في ما يتعلق بتوطين الرواتب أو في الالتزام بتقديم اللوائح والبيانات فضلاً عن تسليم مجموع الإيرادات الفعلية، وذلك في إطار سياسة تمارسها من أجل حل أزمة بأزمة أخرى".
مشهد ملتبس
وأرجعت وسائل إعلام مقربة من حكومة أربيل في وقت سابق الأزمة إلى عجز في السيولة النقدية لدى بغداد، لأن الإقليم أرسل منذ شهر لوائح يوليو إلى المالية الاتحادية "التي لم ترسل التمويل من دون تقديم إيضاحات على رغم إجابة الإقليم على جميع الملاحظات"، وهو ما نفاه مسؤولون في حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حيث عزوا الأزمة إلى أسباب فنية وتنظيمية تتعلق بعمليات التدقيق والملاحظات على لوائح الموظفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حيثيات الخلاف يقول النائب في اللجنة المالية النيابية في البرلمان الاتحادي عن "جماعة العدل" الإسلامية الكردية المعارضة سوران عمر إن "ديوان المحاسبة في وزارة المالية الاتحادية أنهى اليوم الخميس عملية التدقيق، ورفع ملاحظاته إلى الجهات المعنية، وهناك الكثير من الإشكالات في أسماء ملاكات 28 وزارة وهيئة، باستثناء هيئة النزاهة والرقابة المالية وهيئة البيئة".
وأضاف أن المالية الاتحادية تطالب حكومة الإقليم بتسليم لوائح أسماء الموظفين المسجلين وفق نظام البايومتري، ولكن قسم من الذي يتم إدراجها الآن وضعت في محل تلك الأسماء الوهمية والمكررة، كما أوضحت الوزارة أن أربيل ترسل في كل شهر لائحة أسماء مختلفة عن سابقتها وتحوي على زيادة في الموظفين ما عقد من عملية التدقيق.
وكشف عمر أن "المبلغ الكلي للرواتب شهد خلال الأشهر السبعة الماضية زيادة قدرها 96 مليار دينار (73.46 مليون دولار)، على رغم عدم توحيد رواتب المتقاعدين أو إجراء ترفيع في الدرجات الوظيفية"، محذراً من أن الأزمة لن تحل "إلا من خلال اتخاذ الإقليم خطوات جادة لتوطين الرواتب وفق قرار المحكمة الاتحادية".
وكان وفد من ديوان الرقابة المالية الاتحادية أنهى في أواخر يوليو الماضي تدقيقاً على لوائح الرواتب والإيرادات والنفقات في الإقليم من دون التوصل إلى "معلومات دقيقة ومفصلة حول جميع المؤسسات"، ثم طلب الديوان من رئاسة الوزراء الاتحادية الموافقة على تشكيل لجنة من 15 عضواً لإجراء عملية التدقيق وفقاً لقانون الموازنة العامة العراقي.
سياسة تمييزية
في المقابل حث مجلس وزراء الإقليم عقب اجتماع له أمس الأربعاء جميع الوزارات إلى "تعزيز التنسيق مع الرقابة المالية الاتحادية"، وأعرب عن أسفه "في عدم إطلاق المالية الاتحادية الرواتب على رغم الإيفاء بكامل الالتزامات والتعامل بأسلوب تمييزي مع الإقليم بالمقارنة مع المحافظات العراقية"، ودعا إلى "عدم خلطت الرواتب بقضايا أخرى".
وزارة مالية الإقليم من جهتها أكدت إرسالها اللوائح منذ شهر إلى بغداد قائلة في إيضاح "لم نتلق سوى 0.14 في المئة من المبلغ الكلي لشهر يوليو" وإزاء تلقي بعض موظفي الإقليم إعانات اجتماعية من الجانب الاتحادي أوضحت "كان يتوجب قطع الإعانات وليس تعليق مجمل الرواتب "، منوهة إلى أن "المعلومات المسجلة في النظام البيومتري لم تكتمل بعد لأسباب شتى، منها وجود ورثة للمتقاعدين وإقامة بعضهم في خارج البلاد".
ووفقاً للوزارة فإن الزيادة الحاصلة في المبلغ الإجمالي للرواتب من 950 مليار دينار (727 مليون دولار) إلى 1.49 تريليون دينار (نحو 1.14 مليار دولار) يعود إلى "الاختلاف الحاصل في رواتب المتقاعدين بعد مساواتهم مع بقية المناطق العراقية وفق قرار صادر عن المحكمة الاتحادية"، علماً أن سعر الدينار العراقي مقابل الدينار المحدد من قبل البنك المركزي يبلغ 1.32 ألف لكل دولار، في حين يتجاوز حالياً في السوق الموازية 1.49 دينار.
تطمينات حكومية
ويتوقع أن تستمر الأزمة لبعض الوقت لحين الانتهاء من تنظيم اللوائح بشكل نهائي وفق نائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني الذي يؤكد في الوقت نفسه أن "الإشكاليات في طريقها إلى الحل"، كما لمح نواب عن حزب بارزاني إلى أن "الرواتب قد تتأخر، لكن الخلاف بشأنها سينتهي ربما في الشهر المقبل".
وفي أسباب الزيادة الحاصلة في المبلغ الكلي للرواتب بالمقارنة مع الأشهر السابقة يرى سيبان شيرواني النائب في البرلمان الاتحادي عن حزب بارزاني بأن "ذلك يعد أمراً بديهياً"، واعتبر عدم إطلاق رواتب الإقليم بأنه "مخالفة صريحة للدستور وقانون الموازنة وكذلك قرار المحكمة الاتحادية المتعلق بالرواتب لأن حكومة الإقليم تتمتع بحقوق مالية تزيد بنسبة كبيرة عن مبلغ الرواتب في الموازنة الاتحادية".
ونوه شيرواني إلى أن "التغير في بيانات نفقات الإقليم تفيد بأنه ما زالت له مستحقات تفوق ثمانية تريليونات دينار أخرى (6.122 مليار دولار) وفق موازنة العام الحالي، وعليه فإنه لا توجد أية عقبات قانونية لعدم إطلاق الرواتب ".
وختم حديثه بالقول إن "أولئك الذين يلومون حكومة الإقليم إما لا يفقهون في الدستور والقوانين شيئاً، أو أنهم مفلسون سياسياً لا يملكون سوى تحريض بغداد على قطع رواتب شعبهم وإلقاء المسؤولية على حكومة الإقليم من أجل مصالح ضيقة".