Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق تكشف الدور التركي في "صراع الإخوة" بكردستان العراق (2-2)

حلم الأكراد في الدولة المستقلة اصطدم بخلافاتهم في التسعينيات

من اليمين جلال طالباني وعبد الله أوجلان وتورغوت أوزال ومسعود بارزني (اندبندنت عربية)

في الجزء الأول استعرضنا مراسلات وزارة الخارجية البريطانية في شأن صراع مايو (أيار) 1994 في كردستان العراق، الذي كاد يقضي على المكاسب التي حققها الأكراد بعد تاريخ طويل من الكفاح المترافق مع الفطنة في استغلال الوضعين الإقليمي والدولي لصالحهم. وفي هذه الحلقة نواصل الحديث عن اتساع نطاق الصراع بين الفصائل الكردية والجهود الإقليمية والدولية، وبخاصة موقف الحكومة البريطانية الذي ساعد على تهدئة الأجواء وتحقيق وقف إطلاق النار في شمال العراق.

 

ويتحدث التقرير عن هزائم فادحة ألحقتها عناصر الاتحاد الوطني الكردستاني بمعاقل حركة تحرير كردستان وطردها من المدن والقرى وأسر زعيمها الشيخ عثمان عبدالعزيز:

"زعم الاتحاد الوطني الكردستاني أنه ألحق هزائم فادحة بمعاقل حركة تحرير كردستان وطردها من المدن، وأسر زعيمها الشيخ عثمان عبدالعزيز. وبحسب الحركة الإسلامية الكردستانية، فقد انسحبوا من البلدات بسبب الخطر الذي يشكله القتال باعتباره يتسبب في إلحاق الضرر بالمواطنين، وذهب الشيخ عثمان إلى مقر حزب الديمقراطي الكردستاني لطلب وساطة بارزاني مرة أخرى. وعلى رغم التوصل إلى اتفاق ما من طريق التفاوض في 28 ديسمبر (كانون الأول)، استمر القتال وزاد التوتر وزادت الاتهامات بين الطرفين.

هناك اقتراحات تشير إلى أن رفض الاتحاد الوطني الكردستاني تنفيذ شروط وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه من خلال بارزاني قد تطور إلى موقف متوتر للغاية، على رغم عدم تأكيد أي جهة لتقرير إيراني صدر في 29 ديسمبر (كانون الأول) يفيد بأن بارزاني استقال من الرئاسة المشتركة بسبب ذلك. في هذه المرحلة، طرح كل من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة نفسهما كوسطاء سلام، واتهم الغرب بالتحريض على القتال للحد من "النفوذ المتزايد للحركات الإسلامية". واتهمت بغداد الاتحاد الوطني الكردستاني بمهاجمة حزب الله الكردي، في حين زعمت إيران أن الاتحاد الوطني الكردستاني يتلقى المساعدة من كوموله (حزب كادحي كردستان)، وهي جماعة كردية إيرانية معارضة (يسارية)".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستخلص التقرير النقاط التالية حول مسؤولية اندلاع القتال بين الفصائل الكردية وأسبابها في تلك الحقبة:

- يبدو أن الحركة الإسلامية الكردستانية منظمة سيئة التنظيم إلى الحد الذي يجعلها غير جديرة بالثقة، وهي المسؤولة الوحيدة عن القتال الأخير. ومن المؤكد أن غالب مزاعم الاتحاد الوطني الكردستاني ضدها مبالغ فيها، إن لم تكن بلا أساس على الإطلاق. وعلى وجه الخصوص، لا يوجد ما يدعم مزاعم الاتحاد الوطني الكردستاني بأنها أداة في يد الإيرانيين، على رغم أنها كحركة إسلامية مقرها في منطقة الحدود الإيرانية، تتلقى بالتأكيد بعض الدعم الإيراني.

- من ناحية أخرى، يبدو أن الاتحاد الوطني الكردستاني كان له دور كبير في كل الاشتباكات الأخيرة. وكل ما حدث تقريباً في الشهر الماضي يشير إلى سعيه إلى زيادة قوته السياسية وسيطرته المحلية، وتجاهل وقف إطلاق النار حين رأى الفرصة مواتية لتحقيق مكاسب.

- يبدو أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يلعب الدور الأكثر إيجابية في كل هذا، إذ يعمل كوسيط. ومن المؤكد أنه يحظى بثقة قيادة الحركة الإسلامية الكردستانية. ومع ذلك، هناك تلميحات إلى أن لديه قنوات اتصال أقرب إلى بغداد من المجموعات الكردية الأخرى".

- إن استمرار الاقتتال الداخلي الكردي ليس من مصلحة الأكراد أو العراق أو الغرب. بل إن مصلحتنا تكمن في القيام بأي شيء أو قول أي شيء قد يساعد في تهدئة الأمور وتشجيع الأكراد على التوصل إلى تسويات تفاوضية لهذه النزاعات الداخلية".

 

الموقف البريطاني

تشير الرسالة المرسلة من قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية البريطانية إلى السكرتير الخاص بمكتب رئاسة الوزراء إلى عدة رسائل كان السيد هوغ قد أرسلها إلى قيادات الأحزاب الثلاثة المتصارعة في شمال العراق، إذ عبر الوزير البريطاني عن قلق الحكومة البريطانية من استمرار القتال محذراً القادة الأكراد من أن القتال يعوق عملية الدعم والمساعدات. جاء في الرسالة ما نصه:

"أرفق طيه نسخاً من الرسائل التي بعث بها السيد هوغ إلى الأطراف الرئيسة الثلاثة المسؤولة عن القتال، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني والحركة الإسلامية الكردستانية. وتؤكد هذه التحذيرات قلقنا من أن استمرار القتال يعوق بشدة عملية المعونة. وقد رد قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بعبارات إيجابية على الرسائل. كما كتب روج إلى المؤتمر الوطني العراقي (المعارضة العراقية التي تضم الأكراد والشيعة والسنة المعارضين) للتعبير عن دعمه لجهود الوساطة التي يبذلونها.

ونقدر أن القتال قد تراجع في جميع أنحاء المنطقة، ولكن التوتر لا يزال شديداً. وفي ظل استمرار غياب زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني طالباني في دمشق، من غير المرجح أن تكون هناك تسوية دائمة. ويعتقد أنه يخشى على سلامته الشخصية. ويجري النظر في خيارات الجمع بين طالباني وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني بارزاني، في تركيا كمكان محتمل للمحادثات. كما يشارك الأميركيون في الجهود الرامية إلى بدء حوار جاد".

 

بعد نحو أسبوعين من اندلاع الصراع الدامي بين الفصائل الكردية في شمال العراق، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" في عددها الصادر في 25 مايو 1994، في الصفحة 22 مقالاً تحت عنوان "خطر في المناطق الآمنة" لكاتبه إدوارد مورتيمر. جاء فيه ما نصه:

"منذ أوائل هذا الشهر، كان هناك قتال في أجزاء كثيرة من كردستان العراق بين الحزبين الكرديين الرئيسين: الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني.

التنافس بين هذين الحزبين عميق الجذور، ويعود إلى ستينيات القرن الـ20 عندما انقسم الحزب الديمقراطي الكردستاني الأصلي... والد السيد بارزاني، وهو زعيم قبلي له كاريزما.

 يسيطر البارزانيون على المنطقة الشمالية على طول الحدود التركية، وكانت لهم علاقات جيدة مع الأنظمة المتعاقبة في إيران، في حين أن أتباع طالباني هم الأقوى في المنطقة الجنوبية حول السليمانية، ويميلون إلى دعم زملائهم الأكراد الذين يطالبون بالحكم الذاتي في إيران وتركيا.

وقد أذهل أولئك المطلعين على تاريخهم السابق، تعاون المجموعتين في إجراء الانتخابات في المنطقة الآمنة في عام 1992، وفي إدارتها على أساس 50:50 منذ ذلك الحين. وبدأ في الانهيار في الشتاء الماضي عندما كان هناك قتال عنيف بين الاتحاد الوطني الكردستاني وجماعة إسلامية مدعومة من إيران. وتدخل بارزاني لوقف القتال، وفي هذه العملية تشاجر مع جبار فرمان، القائد العسكري للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يشغل منصب وزير الدفاع في الإدارة الموحدة اسمياً.

ومنذ ذلك الحين، يضغط بارزاني من أجل استقالة فرمان، ويبدو أن فرمان ربما كان مسؤولاً إلى حد كبير عن تصعيد ما بدأ في الأول من مايو حول نزاع محلي حول قطعة أرض وتحول إلى صراع عام بين الطرفين. لقد قاموا الآن بتقسيم المنطقة الآمنة فعلياً، وأغلقوا بالقوة مكاتب بعضهم بعضاً في أراضيهم".

المنطقة محاصرة من قبل الجيش العراقي

في وقت كان الصراع في الأساس بين الأكراد، إلا أنه تفاقم بلا شك بسبب عزلة المنطقة الآمنة والافتقار إلى وجهات نظر سياسية واضحة. النظام الإيراني، المتناقض دائماً في شأن هذه التجربة الديمقراطية على حدوده، أصبح الآن معادياً لها علناً، وللاتحاد الوطني الكردستاني على وجه الخصوص. وفي الوقت نفسه، ينخرط الجيش التركي في جهد واسع للقضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) على الجانب العراقي من الحدود. وقد فر عديد من المدنيين من تركيا إلى العراق، عبر نفس الطرق الجبلية التي استخدمها الأكراد العراقيون للوصول إلى تركيا قبل ثلاث سنوات.

في ذلك الوقت، أقام طالباني علاقة جيدة مع الرئيس التركي، تورغوت أوزال، وعمل كوسيط غير رسمي بينه وبين زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان الذي يعيش في لبنان تحت الحماية السورية.

وفي مارس من العام الماضي، أعلن أوجلان وقف إطلاق النار، قائلاً إنه يريد تحويل حزب العمال الكردستاني إلى حركة سياسية غير عنيفة، تعمل من أجل حقوق الأكراد داخل تركيا. ولكن بعد وفاة أوزال بعد شهر، سرعان ما انهار وقف إطلاق النار. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت أعمال العنف في جنوب شرقي تركيا ويشتبه الأتراك في أن أتباع طالباني يساعدون حزب العمال الكردستاني (PKK).

وفي الأسبوع الماضي، قصفت القوات الجوية التركية معسكراً لحزب العمال الكردستاني على بعد 70 ميلاً داخل العراق في منطقة يسيطر عليها حزب طالباني. وفي الوقت نفسه، فإن طالباني نفسه موجود في دمشق، ويبدو أنه غير قادر أو غير راغب في المرور عبر تركيا في طريق عودته إلى كردستان العراق، إذ هناك حاجة إلى وجوده لفرض الانضباط على أتباعه واستعادة علاقة العمل مع السيد بارزاني.

كما أن المناطق الآمنة في شمال العراق معزولة اقتصادياً. وهي محاصرة من قبل الجيش العراقي من الجنوب وتخضع لعقوبات الأمم المتحدة على أساس أنها جزء من العراق. وبنفس التعقيد، أوضح السيد جون ميجور، رئيس الوزراء البريطاني الذي يمكن وصفه بمهندس منطقة حظر الطيران أو المنطقة الآمنة، في رسالة حديثة إلى اللورد أفيبوري، النظير الليبرالي، أنه سيكون "من المستحيل" وضع مراقبين لحقوق الإنسان تابعين للأمم المتحدة في شمال العراق "دون إذن من الحكومة العراقية". وقال إن القيام بذلك "من شأنه أن يشكل خرقاً للسيادة والاستقلال السياسي المعترف به من قبل الأمم المتحدة للعراق".

بالتأكيد كان عليه أن يفكر في ذلك في عام 1991 عندما أرسل قوات بريطانية إلى شمال العراق لتأمين المنطقة الآمنة، لكنه طلب منهم التوقف عند خط العرض 36. وبذلك ساعد في إنشاء دولة كردية بحكم الأمر الواقع، ولكن قادتها لديهم حكمة في عدم إعلان الاستقلال.

 

تركيا تتوسط

تشير البرقية المرسلة من قبل السفارة البريطانية في أنقرة إلى مرجعيتها في لندن التي تحمل تاريخ 27 مايو 1994 وتوقيع فرانك بيكر إلى أن تركيا تسهم في إعداد وثيقة نهائية لوقف الصراع بين طالباني وبارزاني، وتحثهم على العمليات المشتركة، ضد قوات حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) الموجودة في شمال العراق. جاء في البرقية:

"رأيت شهزاد صائب وصفين ديزاي في وقت متأخر من يوم 26 مايو لقد أمضوا فترة ما بعد الظهر في وزارة الخارجية التركية لمناقشة عودة طالباني إلى شمال العراق. الموقف الأخير هو أنه سيتم ترتيب اجتماع في سيلوبي في 30 مايو، يحضره الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني والمؤتمر الوطني العراقي. ومن المتوخى مشاركة العراقيين الأكراد على مستوى المكتب السياسي: نيجيرفان بارزاني وفاضل ميراني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني وإما خسروات (من غير المرجح)، أو عمر فتاح وفؤاد معصوم عن الاتحاد الوطني الكردستاني. عرض الأتراك نقل جميع المشاركين إلى سيلوبي من محافظة صلاح الدين. وسيرأس الاجتماع قائد الدرك التركي في الجنوب الشرقي. اتفق على جدول أعمال موقت:

- وثيقة نهائية لوقف الصراع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، يتم تجهيزها للتوقيع في صلاح الدين.

- تعاون أوثق، بما في ذلك العمليات المشتركة، ضد قوات حزب العمال الكردستاني (PKK) في شمال العراق.

- عودة مبكرة للاجئين الأكراد النازحين من جنوب تركيا.

بمجرد اختتام الاجتماع، تعهد الأتراك نقل جميع المشاركين وطالباني إلى صلاح الدين حيث سيتم التوقيع على وثيقة وقف إطلاق النار من قبل القيادة السياسية العراقية الكردية.

المزيد من تقارير