ملخص
استأنست قرود "البابون" إطعام الناس لها بصورة مباشرة أو غير مباشر في السعودية، حتى وصلت إلى مزارعهم ومنازلهم بحثاً عن الطعام، وبات الوضع مقلقاً ليس من كونها مصدر إزعاج للمزارعين أو لمهاجمتها المحاصيل بل من مخاوف نقل فيروس "جدري القرود".
تطور قلق السعوديين من "قرود البابون" التي تغزو الأراضي الزراعية من الخوف على المحاصيل الزراعية إلى الحذر من الإصابة بفيروس "جدري القرود" المسمى علمياً (Mpox) الذي بدأ بالتفشي في أنحاء العالم مع إعلان منظمة الصحة العالمية "حال الطوارئ الصحية العالمية" للمرة الثانية خلال عامين.
ومع أعلى مستوى تحذير يمكن أن تطلقه منظمة الصحة العالمية، نوه خبراء الصحة بأنه إذا لم يتم احتواء الفيروس فقد ينتشر في جميع أنحاء العالم، بينما يرى المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها أن هذا الخطر ضعيف.
وتنتشر قرود "البابون" في المناطق الجبلية في غرب السعودية وجنوب غربي المملكة، وخلال الأعوام الأخيرة تزايدت أعدادها بعدما استأنست إطعام الناس لها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حتى وصلت إلى مزارعهم ومنازلهم بحثاً عن الطعام.
وربما تطور الوضع المقلق من قرود "البابون" من كونها مصدر إزعاج للمزارعين لأنها تهاجم المحاصيل إلى أن أصبحت تنقل مخاوف السكان لجهة أن تكون ناقلة للفيروس بعدما ظهرت فيديوهات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عن رصد قرود "البابون" بين المنازل.
الخوف من التفشي
وقال استشاري الأمراض المعدية علاء العلي لـ"اندبندنت عربية" إنه من المحتمل أن تتطور تلك التفشيات الفيروسية التي تصيب دولاً محددة وتصبح جائحة تجتاح العالم، ولكن عند الحديث عن "جدري القرود" فإنه مختلف بسبب طبيعة انتشاره وانتقاله، بخاصة في الدول التي تحرص على تطبيق إجراءات الوقاية من العدوى بصورة جيدة، بالتالي ستكون في مأمن من هذا المرض"، مضيفاً أن انتشار الفيروس يكون سريعاً، ولكنه أقل خطورة من جدري الماء وجدري البقر.
وأوضح العلي أن العدوى قد تنتقل من الحيوانات المصابة إلى الإنسان، مشيراً إلى أن فيروس (Mpox) ليس محصوراً في القرود فقط، بل إنه ينتشر بين كثير من الثدييات غير القرود مثل السناجب والقنافذ والفئران، وكذلك القطط والكلاب،
وأضاف أن "الحذر من القرود فقط يكون فيه نوع من التقصير وعدم الالتزام الكامل بالوقاية من العدوى، بل يجب أن يتم الحذر من التعامل مع الحيوانات، خصوصاً في وقت الأزمات والجائحات الصحية التي تعصف بالعالم"، منوهاً بأنه لا توجد خطورة حتى اللحظة في السعودية وأن الجهود المبذولة في مكافحة العدوى ونشر التوعية لها دور فاعل في ذلك.
الحذر من "البابون"
وعن الدور الوقائي أشار العلي إلى أن الإصابة بالفيروس تكون عن طريق التلامس المباشر مع المصاب من بشر إلى بشر، أو من حيوان إلى بشر، أو من الأدوات والأسطح الملوثة، وللوقاية من الفيروس لا بد من "تجنب الملامسة والاتصال المباشر مع المصاب أو المشتبه في إصابته والحرص على عزل المصاب، حتى يشفى تماماً وتوفير جميع المستلزمات الصحية الخاصة به وعدم استخدامها من بعده".
بينما رجح عضو الجمعية الأميركية للطب البيطري عمر اليحيى أن "تكون الحيوانات بصورة عامة حاملة للفيروس ومصابة بالجدري، ولكن لا تظهر عليها أعراض مرضية وتظهر في الحالات المتقدمة منها"، موضحاً أن انتشار الفيروس بين الحيوانات أسرع من انتشاره بين البشر كما ينتقل عن طريق أكل اللحوم، إذ أن بعض القرود الكبيرة تفترس الصغيرة وهي حال ليست شائعة.
واستبعد اليحيى أن تكون قرود "البابون" الموجودة في السعودية والتي تغزو المزارع وتصل إلى البيوت، ناقلة لفيروس جدري القرود حالياً، خصوصاً أنه لم يتم تسجيل حالات إصابة في البلاد حتى الآن.
تدابير سعودية
وعلى الصعيد الوقائي الرسمي، أوضحت هيئة الصحة العامة في السعودية "وقاية" في وقت سابق أنه "لم يتم رصد أية حالة مصابة بجدري القرود (السلالة 1) في السعودية في ظل تزايد انتشار الفيروس على المستوى العالمي، بحسب ما أعلنته منظمة الصحة العالمية.
وقالت هيئة "وقاية" إن "النظام الصحي السعودي قوي وفاعل، مما يجعله قادراً على مواجهة مختلف الأخطار الصحية، إذ اتخذت المملكة الإجراءات والتدابير الوقائية كافة للعمل على قوة الرصد والحد من انتشار الفيروس وتفشيه بما يضمن الحفاظ على صحة الأفراد وسلامتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونوهت "وقاية" بتجنب مخالطة الحيوانات البرية في المناطق التي يستوطن بها المرض أو تناولها أو تحضيرها وعدم مخالطة المصابين بالمرض، أو من تظهر عليهم أعراض الإصابة مثل الطفح الجلدي، ونبهت إلى عدم السفر إلى الدول حيث رصدت حالات انتشار فيروس "جدري القرود".
الحياة الفطرية
وفي سياق متصل، عزمت الحكومة السعودية على معالجة تزايد أعداد قرود "البابون" وحصر الأعداد والبؤر للحد من انتشارها بعدما اجتاحت المزارع في المناطق المتضررة، إذ كشفت بيانات المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية مطلع العام الحالي عن رصد أكثر من 500 بؤرة يوجد فيها نحو 41 ألف قرد "بابون" مستأنس في المناطق المتضررة بمكة والمدينة والباحة، وكذلك في عسير وجازان ونجران.
وقطع المركز شوطاً في مراحل المعالجة، إذ كانت المرحلة الأولى تركز على تحديد البؤر والأعداد والأمراض المشتركة بين "البابون" والإنسان، بينما بدأت المرحلة الثانية في مايو (أيار) 2023 وتمتد إلى ديسمبر (كانون الأول) 2026، وتعالج وجود "البابون" في المدن الرئيسة والقرى والمناطق الزراعية والطرق العامة، وكذلك مراقبة المناطق المعالجة والاستجابة للبلاغات، إذ تمت معالجة أكثر من 400 بؤرة تضم نحو 30 ألف قرد "بابون".
ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن "جدري القرود" المعروف باسم "أمبوكس" (Mpox) هو عدوى فيروسية يمكن أن تنتشر بين الناس وأحياناً من البيئة إلى الناس عبر الأشياء والأسطح التي يلمسها شخص مصاب بالمرض وبين بعض الحيوانات البرية، ويمكن أن ينتقل الفيروس إلى البشر عندما يحدث التلامس الجسدي مع حيوان مصاب مثل بعض أنواع القرود والقوارض البرية.
طرق الوقاية
ودعت المنظمة إلى تجنب ملامسة الحيوانات البرية من دون حماية، لا سيما المريضة أو النافقة منها، وفي البلدان التي تحمل فيها الحيوانات الفيروس والحرص على طهي جميع الأغذية، بخاصة التي تحوي لحوماً أو أجزاء حيوانية طهياً جيداً قبل تناولها للحد من خطر الإصابة بالعدوى.=
وتشمل الأعراض الشائعة لجدري القرود ظهور طفح جلدي مثل البثور على جسم الإنسان تستمر لمدة من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، ويبدأ ذلك بالحمى والصداع وآلام العضلات وآلام الظهر والوهن وتورم الغدد الليمفاوية، وفي معظم الحالات، تختفي أعراض جدري القرود من تلقاء نفسها في غضون أسابيع قليلة من خلال الرعاية، وفق ما ذكرت منظمة الصحة العالمية.
ومن الممكن أن يؤدي المرض إلى مضاعفات تصل إلى الوفاة، وقد يكون حديثو الولادة والأطفال والحوامل والأشخاص الذين يعانون نقص المناعة أشد عرضة للإصابة بمرض جدري القرود الأكثر خطورة وللوفاة.
مضاعفات ولقاحات
ومن الممكن أن يتضمن المرض الشديد الذي يسببه جدري القرود آفات أكبر وأكثر انتشاراً وحالات عدوى بكتيرية ثانوية في الجلد وحالات عدوى في الدم والرئتين، ويمكن أن تشمل المضاعفات العدوى البكتيرية الشديدة الناجمة عن الآفات الجلدية، وكذلك التأثير في الدماغ أو القلب أو الرئتين والتسبب في مشكلات العين.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، هناك ثلاثة لقاحات ضد جدري القرود وتم استخدام تطعيمين خلال الأعوام الأخيرة هما لقاح (MVA-BN) من مختبر الأدوية الدنماركي بافاريان نورديك، و(LC16) المنتج لحساب الحكومة اليابانية، كما أن هناك لقاحاً ثالثاً وهو (ACAM2000) وتوصي به مجموعة الخبراء الاستشارية الاستراتيجية للتحصين (SAGE) التابعة للمنظمة في حال عدم توافر اللقاحين.