ملخص
يأمل المخططون الاستراتيجيون أن يؤدي تحديث القدرات النووية الأميركية اليوم والاستعداد لتعديلات الموقف في المستقبل إلى تحفيز خصوم واشنطن على الانخراط في مناقشات ضبط الأسلحة الاستراتيجية.
منذ أن كشفت الولايات المتحدة أخيراً عن وثيقة تعود إلى مارس (آذار) الماضي تتضمن أمراً من الرئيس جو بايدن بالاستعداد لمواجهة نووية ثلاثية منسقة ضد روسيا والصين وكوريا الشمالية، عبر خطة ردع استراتيجية سرية للغاية تركز على توسيع بكين ترسانتها النووية سريعاً، ثارت تساؤلات عديدة حول ما تعنيه هذه الاستراتيجية. فما سبب التغير الذي طرأ على الاستراتيجية الأميركية النووية؟ ولماذا حدث ذلك الآن؟ وهل أصبح العالم في عصر نووي جديد في ظل مزيد من التسابق النووي مثلما كان عليه الحال وقت الحرب الباردة؟
واقع مختلف
يبدو أن أي رئيس جديد يتم تنصيبه في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025 سيواجه واقعاً نووياً متغيراً وأكثر تقلباً من المشهد الذي كان موجوداً قبل ثلاث سنوات فحسب، ويعود ذلك إلى أن الرئيس بايدن وافق قبل نحو خمسة أشهر على وثيقة سرية للغاية تحدد استراتيجية نووية جديدة للولايات المتحدة تسمى "إرشادات التوظيف النووي"، وتسعى إلى إعداد الولايات المتحدة لمواجهة التحديات النووية المنسقة المحتملة من الصين وروسيا وكوريا الشمالية.
وعلى رغم أن البيت الأبيض لم يعلن أبداً عن موافقة بايدن على الاستراتيجية السرية المنقحة، التي يتم تحديثها كل أربع سنوات تقريباً، ولا توجد لها نسخ إلكترونية، فإن مسؤولين بارزين اثنين سمحت لهما وزارة الدفاع (البنتاغون) بالكشف عن بعض التصورات الخاصة بهذه الاستراتيجية والدوافع التي عجلت بها، وهما فيبين نارانغ مساعد وزير الدفاع الأميركي الذي غادر منصبه قبل أسابيع ليعود إلى الأوساط الأكاديمية كمحلل استراتيجي نووي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أما الثاني فهو براناي فاودي المدير الأول لمجلس الأمن القومي لمراقبة الأسلحة ومنع الانتشار النووي.
وبحسب فاودي تؤكد الاستراتيجية الجديدة على حاجة الولايات المتحدة إلى ردع روسيا والصين وكوريا الشمالية في وقت واحد، وتدرس هذه الوثيقة بالتفصيل مدى استعداد أميركا وحلفائها للرد على الأزمات النووية التي تندلع في وقت واحد أو متتابع بمزيج من الأسلحة النووية وغير النووية، بينما يشير نارانغ إلى أن التحول في الاستراتيجية الأميركية يعود بصورة أساسية إلى اعتقاد البنتاغون أن حجم وتنوع الترسانة النووية الصينية سينافس حجم وتنوع مخزونات الولايات المتحدة وروسيا على مدى العقد المقبل.
تدخل أميركي
لم تكن التحديات الجديدة التي تواجه الاستراتيجية النووية الأميركية موضوعاً مطروحاً للنقاش في الحملة الرئاسية، إذ لم يتحدث بايدن، الذي دافع طوال حياته السياسية عن منع الانتشار النووي، علناً بأية تفاصيل عن كيفية مواجهة أميركا لتحديات توسع القدرات النووية لكل من الصين وكوريا الشمالية، ولم تفعل ذلك أيضاً نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الرئاسية الآن عن الحزب الديمقراطي.
لكن خلال مؤتمره الصحافي الأخير في يوليو (تموز) الماضي، وقبل أيام فقط من إعلانه التنحي عن السباق الرئاسي، أقر بايدن بأنه تبنى سياسة للتدخل في الشراكة الأوسع بين الصين وروسيا دون أن يكشف عما إذا كانت هذه الشراكة في شأنها أن تغير الاستراتيجية النووية الأميركية التي ركزت منذ رئاسة هاري ترومان في خمسينيات القرن الماضي على ترسانة الكرملين.
تغير تفكير واشنطن
وبينما ظل احتمال تمكن خصوم الولايات المتحدة من تنسيق جهودهم النووية للتغلب على الترسانة النووية الأميركية بعيد المنال خلال العقود الماضية، فإن تفكير واشنطن تغير بصورة جذرية بسبب الشراكة الناشئة بين روسيا والصين والتدريبات العسكرية المشتركة بينهما، والأسلحة التقليدية التي تقدمها كوريا الشمالية وإيران لروسيا خلال الحرب في أوكرانيا، وشكوك وكالات الاستخبارات الأميركية عما إذا كانت روسيا أيضاً تساعد برامج الصواريخ الكورية الشمالية والإيرانية، فضلاً عن التهديد المتكرر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا، وبخاصة خلال أزمة أكتوبر (تشرين الأول) 2022، عندما خشي بايدن ومساعدوه وفقاً لمعلومات استخباراتية، أن احتمال استخدام الأسلحة النووية ربما يرتفع إلى 50 في المئة أو أكثر.
وإذا كان بايدن، تمكن إلى جانب زعماء ألمانيا وبريطانيا، من حمل الصين والهند على الإدلاء بتصريحات علنية مفادها أنه لا يجوز استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، وهدأت الأزمة، موقتاً، فقد كانت لحظة مهمة، وصفها ريتشارد هاس المسؤول السابق في الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي لعدة رؤساء جمهوريين، بأنها لحظة خطرة تتعامل فيها أميركا مع روسيا متطرفة، لم تعد معها فكرة عدم استخدام الأسلحة النووية في صراع تقليدي افتراضاً آمناً.
تحد روسي إضافي
في الوقت نفسه اكتشفت الولايات المتحدة أن روسيا تعمل على تطوير قمر اصطناعي جديد مصمم لحمل سلاح نووي في المدار وهي قدرة مضادة للأقمار الاصطناعية، والذي إذا تم تفجيره، يمكن أن يمحو مداراً كاملاً من الأصول الحيوية ليس فقط للولايات المتحدة، بل والعالم بأسره، مما أثار القلق إزاء احتمال وضع موسكو لسلاح نووي في الفضاء، مما يشكل تهديداً للأقمار الاصطناعية التي تديرها البلدان والشركات في جميع أنحاء العالم التي تعمل في خدمات الاتصالات والعلوم والأرصاد الجوية والزراعة والتجارة والأمن وغيرها من الأمور الحيوية التي يعتمد عليها العالم، وحتى لو لم يقتل تفجير سلاح نووي في الفضاء الناس بصورة مباشرة، فإن التأثير غير المباشر سيكون كارثياً للعالم بأسره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلاوة على ذلك، ركز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تطوير أسلحة نووية غير عادية، بما في ذلك طوربيد نووي تحت الماء يمكن إطلاقه عبر المحيط الهادئ لتدمير الساحل الغربي للولايات المتحدة.
التغيير الثاني
نشأ التغيير الكبير الثاني في الاستراتيجية النووية الأميركية من طموحات بكين النووية وتوسعها بوتيرة أسرع مما توقعه مسؤولو الاستخبارات الأميركية قبل عامين، مدفوعة بتصميم الرئيس شي جينبينغ لإلغاء استراتيجية الصين القديمة التي استمرت عقوداً من الزمان للحفاظ على الحد الأدنى من الردع، وبدلاً من ذلك إحلال استراتيجية تستهدف الوصول إلى حجم الترسانات النووية لكل من واشنطن وموسكو أو تجاوزها.
وفي حين أن التوجيه النووي الأخير، الذي صدر في نهاية إدارة ترمب ركز على الصين، بحسب تقرير غير سري تم تقديمه إلى الكونغرس عام 2020 قبل أن يتم فهم نطاق طموحات الرئيس الصيني، تعمل استراتيجية بايدن حالياً على شحذ هذا التركيز ليعكس تقديرات البنتاغون بأن القوة النووية الصينية ستتوسع إلى 1000 صاروخ وقنبلة نووية بحلول عام 2030 و1500 بحلول عام 2035، وهو ما يقارب العدد الذي تنشره كل من الولايات المتحدة وروسيا الآن، كما أن بكين تبدو الآن متقدمة على هذا الجدول الزمني بحسب تقديرات البنتاغون، وبدأت في تحميل الصواريخ النووية في صوامع جديدة رصدت عبر الأقمار الاصطناعية التجارية قبل ثلاث سنوات.
التحدي الصيني
ومع نمو الخيارات النووية للصين، ينظر الاستراتيجيون العسكريون لديها إلى الأسلحة النووية ليس فقط باعتبارها درعاً دفاعية، بل وأيضاً سيفاً مسلطاً لإخضاع الخصوم حتى من دون إطلاق سلاح نووي، إذ يمكن للصين التلويح بصواريخها وقاذفاتها وغواصاتها لتحذير الدول الأخرى من أخطار التصعيد إلى حافة الهاوية. وعلى سبيل المثال، كتب تشين غيا تشي، الباحث في جامعة الدفاع الوطني الصينية، في ورقة بحثية نشرت عام 2021، "يمكن أن تجبر القدرة القوية على الردع الاستراتيجي العدو على التراجع عن الأعمال المتهورة، وإخضاعه دون الذهاب إلى الحرب، وكلما تم تطوير التقنيات الأكثر تقدماً، وأسلحة الردع الاستراتيجية، سيكون لها صوت قوي في أوقات السلم وتحمل المبادرة في أوقات الحرب".
وإضافة إلى ذلك، تعمل الصين على تطوير مجموعة متزايدة التطور من الصواريخ والغواصات والقاذفات والمركبات الأسرع من الصوت القادرة على توجيه ضربات نووية، كما قامت بتحديث موقعها للتجارب النووية في منطقة شينغيانغ في أقصى غربي البلاد، مما مهد الطريق لاختبارات جديدة محتملة تحت الأرض.
وهناك قلق آخر في شأن بكين، وهو أنها أوقفت مفاوضاتها مع الولايات المتحدة حول تحسين السلامة والأمن النوويين من خلال الموافقة على تحذير متبادل من تجارب إطلاق الصواريخ، أو إنشاء خطوط ساخنة أو وسائل اتصال أخرى لضمان الحيلولة دون سوء التقدير وعدم تصعيد أية حوادث إلى مواجهات نووية، وهي المفاوضات التي انطلقت خريف 2023 في جنيف بسويسرا، ثم أبدى الصينيون في الصيف عدم اهتمامهم بدعوى اعتراضهم على مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان، والتي كانت جارية قبل وقت طويل من بدء محادثات السلامة النووية.
تحدي كوريا الشمالية
على رغم أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب توقع بثقة أن كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، سيسلم أسلحته النووية بعد اجتماعاتهما الشخصية الثلاثة، فإن كيم ضاعف جهوده النووية، وأصبح لديه الآن أكثر من 60 سلاحاً، وفقاً للتقديرات الأميركية، مما غير طبيعة التحدي الذي تمثله بيونغ يانغ، فعندما كانت البلاد تمتلك حفنة من الأسلحة، كان من الممكن ردعها بالدفاعات الصاروخية، لكن ترسانتها الموسعة تقترب بسرعة من حجم ترسانة باكستان وإسرائيل، وهي كبيرة بما يكفي لكي تتمكن من الناحية النظرية من تنسيق التهديدات مع موسكو وبكين بحسب المخاوف الأميركية.
ويهدد استمرار كوريا الشمالية في تحسين وتنويع قدراتها النووية والصاروخية الباليستية الصراع في شبه الجزيرة الكورية بالتصعيد وإشراك عديد من الجهات الفاعلة الإقليمية المسلحة نووياً، كما تثير الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين كوريا الشمالية وروسيا، قلق واشنطن، وتوضح الاحتمال الحقيقي للتعاون بين خصوم أميركا المسلحين نووياً.
التحدي النووي المتعدد
وفي ظل كل هذه التحديات، اعتبر مساعد وزير الدفاع الأميركي فيبين نارانغ، أن البيئة الأمنية الناشئة غير مسبوقة، لأنها تخلق "مشكلة التحدي النووي المتعدد" فكل خصم يفرض تحديات مختلفة على الاستراتيجيين الأميركيين، إذ إن روسيا على سبيل المثال تعد نظيراً نووياً للولايات المتحدة، إلا أنها ليست نظيراً في أي مجال آخر، وباعتبارها قوة أضعف تقليدياً ولديها طموحات إقليمية لتغيير الوضع الحالي، فإن موسكو تشكل تهديداً حاداً عبر توظيف قدراتها النووية والاستعداد لانتهاك المعايير الدولية لصالحها.
وفي الوقت نفسه لم تصبح بكين نظيراً نووياً لواشنطن بعد، ولكن النمو في حجم ترسانتها النووية وتنوعها، يضعها على مسار لتصبح نظيراً نووياً قريباً، وعلى النقيض من روسيا، ستصبح الصين نظيراً للولايات المتحدة في كل مجال عسكري واقتصادي تقريباً، أما كوريا الشمالية فهي ليست نداً في أي مجال، ولكنها تلوح بقدراتها النووية ضد حليفين مقربين للولايات المتحدة (كوريا الجنوبية واليابان) بصورة متزايدة.
وبينما ترى الولايات المتحدة أن تحدياتها النووية لكل من روسيا والصين وكوريا الشمالية شاقة لكل منهم على حدة، فإنها تعد أن التعاون المتزايد والأدلة على التنسيق بينهم أمر غير مسبوق، مما يجبرها على التفكير بطرق جديدة وحذرة في تحديات التصعيد وردع أي هجوم أو ابتزاز في هذا العصر النووي الجديد، وتقدر واشنطن أنها لم تختر خلق أخطار إضافية في المجال النووي، لكنها خيارات خصومها التي جعلت العالم أكثر خطورة.
التصدي للواقع الجديد
تقول واشنطن إن روسيا كانت شريكة لحلف "الناتو" قبل عقد من الزمان فحسب، لكن مع غزو أوكرانيا، أصبحت خصماً مرة أخرى، وانسحبت منفردة من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى وانتهكتها، كما انسحبت من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وعلقت مشاركتها في معاهدة "نيو ستارت"، ولا تبدي أي اهتمام بمتابعتها.
وتزعم الولايات المتحدة أنها بذلت جهوداً صادقة وحسنة النية لتطوير علاقات نووية مختلفة مع جميع خصومها المسلحين نووياً، لكنهم اختاروا مساراً أكثر خطورة، ولهذا سيكون من غير المسؤول على حكومة الولايات المتحدة تجاهل هذا الواقع الجديد الذي فرض عليها.
خطة المواجهة
لم تتكشف حتى الآن أية تفاصيل حول طبيعة ونطاق الاستراتيجية النووية الأميركية الجديدة لمواجهة الثالوث النووي الروسي الصيني الكوري الشمالي، لكن التعليقات التي أدلى بها اثنان من كبار المسؤولين الدفاعيين، تشير إلى كيفية تفكير الإدارة الأميركية، إذ أشار براناي فاودي، وهو أحد كبار مديري مجلس الأمن القومي، إلى أن واشنطن مستعدة للتحول من مجرد تحديث ترسانتها إلى توسيعها، وهو نهج مختلف عما اتبعته قبل 15 عاماً، حين حدد الرئيس السابق باراك أوباما رؤية للتحرك نحو عالم خال من الأسلحة النووية.
وأوضح مساعد وزير الدفاع فيبين نارانغ قبل أسابيع أنه في ظل عدم تعاون القوى النووية الأخرى من الخصوم، فإن الحفاظ على خيار تغيير مسار الولايات المتحدة يتطلب الحد من الأخطار التي تهدد برنامج التحديث وتعزيز الردع، بما في ذلك تطوير نسخة حديثة من قنبلة الجاذبية "بي 61"، وزيادة إنتاجها فضلاً عن توسيعات أخرى.
تحديث القنبلة "بي 61"
من بين خيارات أخرى يأتي توسيع إنتاج وتطوير القنبلة النووية "بي 61-12"، إلى "بي 61-13" على رأس الاهتمامات الأميركية، وهي سلاح نووي مخصص للاستخدام ضد أهداف عسكرية كبيرة ومحصنة، مما يعد مثالاً على نوع المشاريع التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها لردع الخصوم وطمأنة الحلفاء والشركاء عبر تزويد الرئيس بخيارات إضافية ضد أهداف عسكرية معينة أكثر صعوبة وواسعة النطاق، وستحل القنبلة المطورة محل الإصدارات القديمة المنتشرة في أوروبا، ومن المتوقع أن يتم إنتاج 50 قنبلة بحلول عام 2025، وفقاً لاتحاد العلماء الذريين.
وتعد القنبلة النووية "بي 61" القنبلة النووية الحرارية الأساس في المخزون الدائم للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، وتنشر منها المئات في أوروبا وأميركا، وهي سلاح نووي استراتيجي وتكتيكي يتميز بتصميم انفجار إشعاعي من مرحلتين، كما أنها قنبلة غير موجهة، تعرف باسم قنبلة السقوط الحر، أو قنبلة الجاذبية، أو القنبلة الغبية، أو القنبلة الحديدية، ويتم إسقاطها من طائرة (تقليدية أو نووية) ولا تحوي نظام توجيه، بالتالي تتبع مساراً باليستياً.
صواريخ باليستية نووية
وتتخذ الولايات المتحدة خطوات لتوسيع توافر الغواصات النووية من فئة أوهايو من الجيل الحالي حتى تتمكن من العمل لفترة أطول إذا لزم الأمر أثناء الانتقال إلى الأنظمة الحديثة، وبالتوازي يجري العمل على تنفيذ توجيهات الكونغرس لتطوير مشروع صاروخ باليستي بحري مسلح نووياً موجه من الغواصات لضمان تحقيق أكبر قيمة ردع بأقل قدر من الأخطار على برنامج التحديث ومجمع الأسلحة النووية والقوة المشتركة، فضلاً عن استكشاف الخيارات لزيادة سعة الإطلاق المستقبلية أو الرؤوس الحربية المنشورة الإضافية في الأرض والبحر والجو والمعروفة والتي توفر للقيادة مرونة متزايدة.
تحديث الثالوث النووي
لا يزال برنامج "سنتينيل" قيد التطوير، وهو نظام مضاد للصواريخ الباليستية صمم لتوفير طبقة من الحماية على كامل الولايات المتحدة، لصد ضربات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المتوقعة من الصين أو روسيا أو كوريا الشمالية، ويعد هذا البرنامج الأكثر قدرة من نظام "مينوتمان 3" الذي يعمل منذ فترة طويلة، هو الذراع الأرضية للثالوث النووي الأميركي الذي يشكل الأساس للأمن القومي، ويشمل أيضاً القاذفات النووية، والغواصات المسلحة بالصواريخ النووية.
وخلصت إدارات عديدة إلى أن كل صواريخ الثالوث تتمتع بخصائص داعمة متبادلة، وهي في مجموعها أفضل وسيلة للحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي، نظراً إلى أن الطريقة التي تصورت بها الولايات المتحدة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ونفذتها على الأرض، تعمل على تعقيد عملية اتخاذ القرار لدى الخصوم من خلال وضع قدرة استراتيجية سريعة الاستجابة في الولايات المتحدة، وبهذا فإن الصواريخ البرية تجعل الأذرع الأخرى للثالوث النووي أكثر فاعلية. كما تعمل الولايات المتحدة على تسريع دمج القدرات غير النووية لتمكين وتعزيز الردع الاستراتيجي، وتتوقع في المستقبل المنظور أن توفر الأسلحة النووية تأثيرات رادعة فريدة لا يمكن لأي عنصر آخر من عناصر القوة العسكرية الأميركية أن يحل محلها، وتظل هذه الأنظمة بمثابة الدعامة النهائية لردع الهجمات الاستراتيجية ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها.
وبعيداً من الثالوث، تركز وزارة الدفاع الأميركية أيضاً على تحديث القيادة والسيطرة والاتصالات النووية حتى يتمكن رئيس الولايات المتحدة من الاستمرار في قيادة القوات النووية الأميركية والسيطرة عليها في جميع الظروف، بما في ذلك أثناء وبعد الهجوم الاستراتيجي النووي أو غير النووي.
نهاية الاستراحة
ينظر كبار الاستراتيجيين العسكريين الأميركيين إلى ربع القرن الذي أعقب الحرب الباردة باعتباره فترة استراحة نووية، حين كان الفصل الأول هو المنافسة في الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على رغم شدة المنافسة التي لم تخل من التعاون وضبط التسلح، حتى في أكثر لحظاتها توتراً.
والواقع أن الفصل الثاني الذي يتكشف اليوم تطلب الاستعداد لعالم تختفي فيه القيود المفروضة على ترسانات الأسلحة النووية بالكامل، ويأمل المخططون الاستراتيجيون أن يؤدي تحديث القدرات النووية الأميركية اليوم والاستعداد لتعديلات الموقف في المستقبل إلى تحفيز خصوم واشنطن على الانخراط في مناقشات ضبط الأسلحة الاستراتيجية.
ومع ذلك، إذا استمر الخصوم في اتخاذ خيارات تجعل العالم أقل أماناً، فإن الولايات المتحدة مستعدة للقيام بما هو ضروري للتنافس بنجاح لردع أي هجوم وطمأنة حلفائها في هذا العصر النووي الجديد.