ملخص
لم يقتصر الفرار من البلاد الشاسعة على المطلوبين للخدمة العسكرية والمعارضين السياسيين، بل شمل المئات من النجوم والفنانين ومقدمي البرامج التلفزيونية وغيرهم من المشاهير الروس الذين لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للاحتجاج على الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا.
منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا خلال فبراير (شباط) 2022 انطلق موسم هجرة الروس إلى المنافي الطوعية في بلدان أخرى، بعضهم بسبب رفضه الحرب ضد شعب سلافي شقيق في بلد مجاور، وآخرون بسبب خطر الاستدعاء إلى الجبهة كجزء من التعبئة. وخلال العامين الماضيين حصل ما لا يقل عن 355 ألف مواطن روسي على تصاريح إقامة موقتة في إسرائيل والدول الأوروبية وتركيا وبلدان رابطة الدول المستقلة. وطلب نحو 15 ألفاً اللجوء السياسي داخل الاتحاد الأوروبي، لكن ساسة القارة العجوز المنضوين في حلف الـ"ناتو" والمتحمسين لدعم أوكرانيا لم يمنحوا إلا ما يزيد قليلاً على ألفين من الروس الفارين حق اللجوء.
وهذه هي أكبر موجة هجرة من روسيا خلال العقود الأخيرة. إذ لم يقتصر الفرار من البلاد الشاسعة على المطلوبين للخدمة العسكرية والمعارضين السياسيين، بل شمل المئات من النجوم والفنانين ومقدمي البرامج التلفزيونية وغيرهم من المشاهير الروس الذين لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للاحتجاج على الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا. ونشر بعضهم رسائل فيديو، فيما اقتصر آخرون على نشر خلفية سوداء بدلاً من الصور.
جحافل المغادرين
يقارن العلماء موجة الهجرة من روسيا منذ عام 2022 بالهجرة البيضاء خلال ثورة أكتوبر (تشرين الأول) الاشتراكية عام 1917 والحرب الأهلية التي أعقبتها، على رغم أن حجم الموجة الحالية يبدو أصغر بكثير من تلك التي حصلت وصولاً إلى عام 1920، إذ غادر وقتها نحو مليوني شخص وفقاً للصليب الأحمر الدولي. وفي ما يتعلق بموجة الهجرة الحالية تختلف التقديرات بصورة كبيرة من مئات الآلاف إلى المليون. لكن المشكلة أنه من غير الواضح الآن عند أية نقطة يمكن اعتبار الشخص مهاجراً.
يقول مدير معهد الديموغرافيا في المدرسة العليا بجامعة الأبحاث الوطنية ميخائيل دينيسينكو إن "تعريف الهجرة، حتى هذا التعريف الكلاسيكي، هو تغيير مكان الإقامة الدائم. وفي بعض الأحيان يحدده إلى الأبد أو لفترة طويلة".
ووفقاً لمعايير الأمم المتحدة الدولية فإن الهجرة "لفترة طويلة" هي عام في الأقل، كما يتذكر دينيسينكو. من ثلاثة أشهر إلى عام هي خطوة موقتة، وما يصل إلى ثلاثة أشهر تعد مجرد رحلة.
وفي غالب الأحيان يتم إحصاء المهاجرين وفقاً للبلدان التي يصلون إليها. وينصح الباحثون في موجة الهجرة هذه بالقيام بأخذ البيانات حول دخول وخروج المواطنين الروس إلى بلدان أخرى، وطرح بعضها من البعض الآخر.
فمنذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بدأ عدد من النجوم والفنانين والإعلاميين ورجال الأعمال الروس بمغادرة البلاد. ويغادر كثير من الناس مكاناً ما ليس وفقاً لمبدأ "إنهم ينتظرونني هناك"، ولكن وفقاً لمبدأ المكان الذي يسهل عليهم الاستقرار فيه. في الأقل لفترة من الوقت.
كان بعض النجوم انتقلوا إلى الخارج منذ فترة طويلة بصورة دائمة لكنهم كانوا يعودون إلى روسيا موقتاً لكسب المال فحسب. وكان بعضهم ببساطة يقضي إجازته في الوطن الأم وبين أهله وأصدقائه وفي مسقط رأسه ولا يعد نفسه مهاجراً.
لكن كثيراً من الفنانين أعربوا بعد الـ24 من فبراير 2022 بصورة مباشرة معارضتهم لـ"العملية العسكرية الخاصة"، قائلين إنهم يعدونها مأساة ولا يمكنهم قبولها، فيما لم يقدم آخرون كثيراً من التوضيحات حول أسباب مغادرتهم، ويزعمون أنهم "خارج كل هذا". ولا يزال هناك من يسخرون سخرية سوداء من وسائل الإعلام التي سارعت إلى إدراجهم في قوائم أولئك الذين غادروا روسيا إلى الأبد.
قصف العقول
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي الذي انعقد خلال الربيع الماضي إنه من الأفضل للأشخاص الموهوبين الذين غادروا روسيا أن يبقوا في الخارج بدلاً من "مهاجمة عقول" الروس.
ووفقاً لبوتين فإن ما يقارب 160 ممثلاً من قطاع الفنون "الذين لا يتفقون مع سياسات الدولة الروسية" سافروا إلى الخارج. لكن هذا لم يؤثر في عمل المسارح والحفلات الموسيقية في روسيا.
وأعلن الرئيس الروسي "الحمد لله، لا يزال لدينا مسارح وقاعات للحفلات الموسيقية وأماكن للمعارض، وعدد من الفنانين يذهبون إلى المنطقة التي تجرى فيها العملية العسكرية الخاصة، ويدعمون رجالنا الأبطال على خط المواجهة هناك".
ويعتقد بوتين أن الفنانين والنجوم إذا عادوا فإنهم وغيرهم من ممثلي المجال الثقافي سيستمرون في تعزيز موقفهم، مما "سيؤثر في أدمغة" المواطنين.
وقال "إذا غادر شخص موهوب يمكنه القيام بشيء ما هنا، فمن المحتمل أننا فقدنا شيئاً ما. لكن من ناحية أخرى سأقول بصراحة ربما يكون من الأفضل له أن يفعل ما يفعله هناك في الخارج، فمن الأفضل أن يخدم مصالحه هناك بدلاً من العبث بأدمغة الملايين من مواطنينا هنا وتعزيز بعض القيم غير التقليدية".
وبحسب الزعيم الروسي فإن أحد الأسباب الرئيسة لرحيل الشخصيات الثقافية من روسيا هو محاولة إنقاذ عقاراتهم بالخارج وحساباتهم المصرفية في البنوك الأجنبية. واعتبر أن النجوم الذين رحلوا ينتقدون البلاد من أجل الحفاظ على أصولهم في الخارج.
وخلال الوقت نفسه لا ينكر بوتين أن من بين الأشخاص الذين غادروا البلاد هناك أولئك الذين لا يتفقون حقاً مع سياساته وموقف روسيا. وقال "هناك أيضاً من يختلفون بشدة مع ما تفعله الدولة الروسية. بارك الله فيهم، هذا قرارهم". مشيراً إلى أن هذا سؤال معقد ولكن في النهاية الإنسان هو من يحدد مصيره.
أبواب روسيا المشرعة
وقال فلاديمير بوتين إنه لا أحد على المستوى التشريعي أغلق طريق العودة أمام الروس الذين غادروا، مؤكداً أنه "بموجب القانون يمكن للمواطن الروسي أن يعيش أينما يريد لكن لا يمكن لأحد أن يحرمه من جنسيته ويمنعه من دخول الاتحاد الروسي".
هذا صحيح من الناحية النظرية ولكن التجارب العملية تظهر نقيض ذلك، إذ عادة ما تلجأ السلطات لفبركة أفعال جرمية للمعارضين لها تحيلهم بعدها إلى محاكمة صورية وتتم إدانتهم خلالها والحكم عليهم بالسجن لعشرات الأعوام في سجون نائية قرب القطب الشمالي وذات نظام مشدد. وهناك يقضون نحبهم من البرد والقهر والصقيع وسوء التغذية وغير ذلك على غرار ما حصل للمعارض أليكسي نافالني، الذي كان يعد من أبرز وأشد معارضي بوتين ونظام حكمه.
وأيدت الحكومة الروسية من الناحية النظرية مشروع قانون يمنح السلطات الحق في وضع بروتوكولات إدارية في شأن الروس الذين يعيشون في الخارج ويرتكبون جرائم هناك. نحن نتحدث عن مقالات تتعلق بالتطرف وإساءة استخدام حرية التعبير وتشويه سمعة الجيش الروسي.
واقترح مجلس الدولة في جمهورية تتارستان إجراء تعديلات مقابلة على قانون الجرائم الإدارية عام 2023. وتعتقد الحكومة الروسية أن المعايير المقترحة يمكن أن تزيد "مستوى حماية مصالح المجتمع والدولة". وتحاكم المحاكم بالفعل المواطنين الذين يعيشون خارج الاتحاد الروسي لأعوام عديدة بسبب منشوراتهم الأخيرة على الشبكات الاجتماعية، ووفقاً للمحامين فإن الحكومة الروسية تدعم مفهوم مشروع القانون الذي وضعه مجلس الدولة في تتارستان.
ودارت المناقشة حول إمكانية تقديم الأشخاص الذين ارتكبوا جريمة خارج الاتحاد الروسي إلى العدالة بموجب ست مواد إدارية، منها النشر في وسائل الإعلام والإنترنت لمعلومات ذات أهمية اجتماعية غير موثوقة تشكل تهديداً للنظام العام، وإهانة رئيس الدولة والمسؤولين ورموز الدولة والتحريض على الكراهية أو العداوة وانتهاك السلامة الإقليمية للاتحاد الروسي، وتشويه سمعة القوات المسلحة.
واقترح النواب التتريون في الوقت نفسه تمديد فترة التقادم للمحاكمة بموجب المواد المذكورة إلى عامين (حالياً من ثلاثة أشهر إلى عام). تم تفسير الحاجة إلى تعديل قانون الجرائم الإدارية بمجلس الدولة في تتارستان من خلال حقيقة أن "القادة والناشطين العامين يقومون بأنشطة ضد مصالح الاتحاد الروسي في الخارج". وفي الوقت نفسه لا توجد الآن إمكانية اتخاذ إجراءات إدارية ضدهم.
وبدورها أشارت الحكومة الروسية إلى أن مشروع القانون لا يتعارض مع "أفعال ذات قوة قانونية أعلى" (على وجه الخصوص معاهدة الجماعة الاقتصادية الأوروبية)، وأن اعتماده يمكن أن يزيد "مستوى حماية مصالح المجتمع والدولة، بما في ذلك من خلال تطبيق مبدأ حتمية المسؤولية الإدارية وضمان تطبيق مؤسسة الجزاء الإداري في الدعاوى الجنائية".
وتجدر الإشارة إلى أن تشريعات الاتحاد الروسي تسمح بالملاحقة الجنائية للأشخاص الموجودين في الخارج. وتؤكد مسودة المراجعة الحكومية أن نطاق الجرائم الإدارية ضد مصالح الاتحاد الروسي والتي يمكن ارتكابها خارج البلاد "لا يقتصر على المعايير المذكورة في مشروع القانون". وتقول الوثيقة إن وزارة المالية ومكتب المدعي العام والإدارة القضائية للمحكمة العليا في الاتحاد الروسي كان لها تعليقات على التعديلات، ولكن "تم حل الخلافات" من قبل نائب رئيس الوزراء ديمتري غريغورينكو. وفي الوقت نفسه لا تفهم الحكومة بعد كيف ستنفذ الإجراءات في الحالات التي تتعلق بالمواطنين الذين غادروا، وبخاصة كيف سيخطرون.
ويعتقد المسؤول في نقابة المحامين فاديم كليوفغانت أن "توسيع وتشديد المسؤولية" بموجب قانون الجرائم الإدارية يمكن أن يؤدي إلى "قمع مفرط" في هذا المجال، إلى جانب التحيز الاتهامي والتفسير الواسع للجريمة، فيما القانون ومعايير الإثبات منخفضة للغاية.
ويوضح المحامي ستانيسلاف سيليزنيف أنه من الناحية العملية "تجاوزت المحاكم منذ فترة طويلة القيد التشريعي المتعلق بتقييد تحميل المسؤولية الإدارية عن المنشورات على الإنترنت، فهي تحاكم بصورة جماعية بسبب النصوص حتى قبل 10 أعوام، موضحة ذلك بـ(الطبيعة المستمرة للمحاكمة الجرمية)، على رغم أن المحكمة العليا فرضت حظراً مباشراً على مثل هذا النهج في القضايا الجنائية".
ويذكر المحامي أن قانون الجرائم الإدارية يسمح بمحاسبة المواطنين غيابياً عن الأفعال المرتكبة خارج الاتحاد الروسي لجريمة واحدة فحسب. ويقول السيد سيليزنيف "لكن مئات قضايا الجرائم الإدارية ضد مواطني الاتحاد الروسي الذين عاشوا في بلدان أخرى لفترة طويلة تشير إلى أن المحاكم تتجاهل هذه القاعدة". مضيفاً أن المحاكم قد تشير، على سبيل المثال، إلى حقيقة أنه "تم اكتشاف المخالفة من قبل ضابط شرطة المنطقة في مكان تسجيل المواطن في مدينة إيفانوفو، لذلك سيتم النظر فيها هناك".
مهاجرون وعائدون
منذ فبراير 2022 وهو تاريخ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بحجة حماية دونباس اختار عشرات الفنانين والسياسيين والشخصيات العامة والمدونين مغادرة الاتحاد الروسي. وأعطى معظمهم الأولوية للبلدان غير الأعضاء في رابطة الدول المستقلة ذات المناخ المعتدل.
بعد بدء الحرب هاجرت فوراً الممثلة تشولبان خاماتوفا إلى لاتفيا وانتقل الممثل أناتولي بيلي إلى إسرائيل واستقر نجم مسلسل "المطبخ" ديمتري نزاروف مع زوجته أولغا فاسيليفا في فرنسا حيث عاشا هناك. كما انتقل مكسيم غالكين المدرج كعميل أجنبي من قبل وزارة العدل في الاتحاد الروسي إلى إسرائيل مع زوجته المغنية الأشهر في روسيا آللا بوغاتشيفا وأطفاله. ويعيش هناك أيضاً زعيم مجموعة "Time Machine" أندريه ماكاريفيتش الذي أدرجته وزارة العدل في الاتحاد الروسي على قائمة العملاء الأجانب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد إدانة العملية الخاصة غادرت فرقة ""Little Big إلى الولايات المتحدة واشتكت عازفتها المنفردة صوفيا تايورسكايا من أنه يتعين على الموسيقيين توفير كل شيء بسبب نقص مصادر الدخل. وغادرت روسيا المطربتان الأوكرانيتان سفيتلانا لوبودا وفيرا بريجنيفا. وقد انخفض عدد الحفلات الموسيقية في جداول عمل هؤلاء الفنانين بعد تركهم أعمال الاستعراضات الروسية، لأن الجمهور الروسي هو جمهورهم الأصلي والأساس.
وفي اليوم الذي بدأت فيه العملية الخاصة نشر مقدم البرامج التلفزيونية إيفان أورغانت على شبكاته الاجتماعية مربعاً أسود مع تسمية توضيحية تقول "الخوف والألم". وفي وقت لاحق طار من موسكو إلى إسرائيل، لكنه عاد بعد شهر لعدم قدرته على تحمل الحياة هناك.
وأرسل مضيف "الجملة العصرية" ألكسندر فاسيلييف الذي يحمل جنسية روسيا ولاتفيا وفرنسا على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا رسالة مفتوحة إلى بلدية فيزاجيناس الليتوانية، انتقد فيها تصرفات "الكرملين" وغادر إلى باريس، لكنه عاد خلال مارس (آذار) 2023 إلى موسكو وواصل العمل، وبعدها غادر روسيا مرة أخرى.
وسافرت الصحافية كسينيا سوبتشاك إلى إسرائيل خلال مارس 2022 مع ابنها أفلاطون. وبقيت في الخارج لمدة شهر تقريباً، وعند عودتها إلى موسكو أعلنت أنها لا تنوي مغادرة بلدها الأصلي إلى الأبد.
أرض الميعاد
من المفارقات الغريبة لهجرة النجوم من روسيا بعد بدء الحرب في أوكرانيا اختيار غالبية هؤلاء إسرائيل كمنفى طوعي، على رغم أن غالبيتهم ليسوا يهوداً ولا من أصول يهودية، والجواب يكمن في سيطرة اليهود على وسائل الإعلام الروسية وتطوعها للترويج والدعاية لإسرائيل كبلد "ديمقراطي" حر يمتلك اقتصاداً متطوراً ونظام تعليم يؤهل المتخرجين فيه لدخول الجامعات الأميركية من دون عناء، فضلاً عن أن ربع سكان هذا البلد في الأقل هم من أصول روسية ويتكلمون لغتهم الأم بطلاقة ويعيشون حياتهم على الطريقة الروسية في هذا الكيان غير آبهين بالمحظورات الدينية.
وكانت آللا بوغاتشيفا التي تعد أشهر وأبرز مغنية روسية من بين أوائل من اختاروا مع زوجها اليهودي الأصل مكسيم غالكين المعترف به كعميل أجنبي في الاتحاد الروسي الانتقال إلى "أرض الميعاد". فخلال سبتمبر (أيلول) 2022 أخذت المغنية الأولى وثائق أولادها من مدرسة موسكو، حيث درس أطفال الزوجين النجمين ليزا وهاري، وعرضت للبيع قلعة في قرية جرياز بقيمة مليار روبل. وهاجرت بوغاتشيفا إلى إسرائيل مع غالكين الذي أبدى رغبته مراراً وتكراراً في المشاركة بقتال الفلسطينيين بعد أحداث "طوفان الأقصى" خلال السابع من أكتوبر 2023، لكنه سرعان ما ولى الأدبار فاراً من "أرض الميعاد" بعد تساقط الصواريخ الفلسطينية على تل أبيب.
ويعيش الممثل الروسي الكوميدي سيميون سليباكوف الآن ويقيم حفلات موسيقية في تل أبيب. وفي روسيا اقترحوا حرمانه من جنسيته ومحاكمته بسبب أغنية هزلية عن مقتل الجنود الروس في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
كما أن المؤلف والمؤدي ومؤسس مجموعة "Time Machine" أندريه ماكاريفيتش المدرج في سجل الأشخاص الذين يؤدون وظائف وكيل أجنبي في الاتحاد الروسي استقر في إسرائيل مع زوجته عينات كلاين مواطنة هذا البلد، مع مؤسس مجموعة "Aquarium" بوريس غريبنشيكوف الذي غادر روسيا أيضاً.
وبحسب تقارير إعلامية فإن المخرج تيمور بيكمامبيتوف مؤلف النسخة المقتبسة من فيلم "ساعات" لسيرغي لوكيانينكو وسلسلة أفلام "يولكي" و"غوركو"، انتقل أيضاً إلى البلد نفسه مع زوجته. وخلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي باع بيكمامبيتوف استوديو الأفلام الخاص به "بازيليف" في روسيا. ومن المعروف أن زوجة المخرج خضعت للعلاج في إسرائيل. وبيكمامبيتوف نفسه مشغول بمشاريع دولية جديدة وسبق له أن أخرج أفلاماً عدة في هوليوود بما في ذلك "Wanted with Angelina Jolie".
ومن الفنانين والمشاهير الذين اختاروا إسرائيل أيضاً وجهة لهجرتهم إيرينا شيخمان ومكسيم فيتورجان وميخائيل بروخوروف، وألكسندر نيفزوروف ومكسيم كاتس ولينا بونينا.
منافي النجوم
بعد إسرائيل تشكل الولايات المتحدة الوجهة المفضلة للنجوم والفنانين الفارين من روسيا، فمنذ بدء الحرب في أوكرانيا انتقل فاليري ليونتييف أخيراً إلى أميركا ليلتحق بزوجته في ميامي (فلوريدا).
أعضاء مجموعة "Little Big" بقيادة إيليا بروسكي المدرجين في سجل الوكلاء الأجانب في الاتحاد الروسي، وصوفيا تورسكايا يعيشون في لوس أنجليس منذ يونيو (حزيران) 2022 ويشتكون من نقص المال وقلة الأعمال.
الممثل آرثر سموليانينوف المعترف به في روسيا كعميل أجنبي بقي أيضاً داخل الولايات المتحدة. وكانت أفلام "الشركة التاسعة" و"دوهليس" و"صديقي ملاك" وغيرها جلبت له الشهرة في وطنه، لكن التصريحات المتعلقة بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا تحولت إلى قضية جنائية بالنسبة إليه في روسيا.
وغادر المغني نيكيتا بريسنياكوف حفيد آللا بوغاتشيفا ابن ابنتها كريستينا أورباكايتا وفلاديمير بريسنياكوف روسيا إلى أميركا بعد إعلان التعبئة الجزئية. ويقوم في الولايات المتحدة بتسجيل مقاطع فيديو غنائية وغير اسمه إلى نيك برس.
وجاءت إسبانيا في المرتبة الثالثة كوجهة مفضلة للنجوم الروس الذي تركوا البلاد، فقد تم رصد مدون الـ"يوتيوب" يوري دود في برشلونة بعد أن قام خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بالتخلي عن حقوق الملكية الفكرية في روسيا حيث سجل علامته التجارية الخاصة "Vdud" وغادر إلى الخارج خلال مارس (آذار) 2022.
كما غادر الزوجان ميخائيل شاتس وتاتيانا لازاريفا المعترف بهما كعميلين أجنبيين في الاتحاد الروسي، واحداً تلو الآخر. وخلال العام الماضي اشتكت لازاريفا مثل عدد من النجوم الآخرين الذين رحلوا من مشكلات مالية وضرورة خفض النفقات.
واستقر السياسي والاقتصادي والنائب السابق لرئيس الحكومة ومهندس الخصخصة في روسيا والمدير السابق لشركة "روسنانو" أناتولي تشوبايس وزوجته الكاتبة أفدوتيا سميرنوفا في إسبانيا. وتبدي لجنة التحقيق الروسية اهتماماً بتشوبايس في قضية اختلاس أموال بقيمة مليارات الدولارات من "روسنانو".
وأعلنت العازفة المنفردة السابقة لمجموعة ViaGra Vera Brezhneva"" في بداية العملية الخاصة أنها ستغادر كمتطوعة إلى إحدى الدول الأوروبية لمساعدة اللاجئين من أوكرانيا. وخلال فبراير الماضي في عيد ميلادها، نشرت المغنية صورة على مواقع التواصل الاجتماعي من منزلها في إيطاليا.
وإلى فرنسا توجهت كل من كسينيا سوبتشاك وكيريل سيريبرينيكوف وزيمفيرا وريناتا ليتفينوفا. وشوهدت هناك المخرجة والممثلة ريناتا ليتفينوفا والمغنية زيمفيرا المصنفة كعميل أجنبي في روسيا. وفي اليوم الآخر نشرت ليتفينوفا على شبكات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو حول عودتها إلى المنزل. ورجحت وسائل الإعلام أن الممثلة جاءت لزيارة والدتها.
وقامت الفنانة تشولبان خاماتوفا ببناء منزل في إحدى قرى لاتفيا. واضطرت إلى الاعتماد على المساعدات المالية من الأصدقاء، إذ لم يكن لديها دخل دائم. وفي ديسمبر الماضي طردت خاماتوفا من مجلس أمناء مؤسسة "دائرة الخير".
واشترت المغنية سفيتلانا لوبودا منزلاً ريفياً في جورمالا. وفي المكان الجديد غيرت صورتها وتخلت عن الملابس الفاضحة. وإلى لاتفيا انتقل أيضاً الفنان أنطون دولين.
المغنية مونيتوشكا المعترف بها كعميل أجنبي في روسيا وهي من مواليد منطقة سفيردلوفسك باسم إليزافيتا جيرديموفا، استقرت في ليتوانيا مع زوجها المنتج فيكتور إيساييف. وفي الصيف ولدت ابنتها. وفي روسيا اعتُرف بالمغنية كعميل أجنبي بعد أن بدأت ترديد شعارات قومية في إحدى حفلاتها الموسيقية.
ولدى الممثل المسرحي والسينمائي الشهير ألكسندر فيليبينكو ابنة تعيش في ليتوانيا. وخلال العام الماضي قرر مسرح "موسوفيت" عدم تجديد العقد مع هذا الفنان. وصرح الممثل نفسه بأن الانتقال إلى ليتوانيا كان بسبب مشكلات صحية.
واختار أليشر فالييف المعترف به كعميل أجنبي في روسيا والمعروف أيضاً باسم مورجنسترن بلداً عربياً لنفسه هو الإمارات. إذ غادر روسيا حتى قبل بدء الحرب في أوكرانيا وفقاً للإشاعات، وكان ذلك بسبب الاهتمام المتزايد من قبل قوات الأمن بشخص المغني واتهامه على وجه الخصوص بترويج المخدرات.
وهاجر كثير من المشاهير الروس إلى الإمارات العربية المتحدة، ومنهم أولغا بوزوفا ومراد عثمان وفيكتوريا بونيا وفيكتوريا لوبيريفا وبوستر وسيرغي كوسينكو وديلارا زيناتولينا، ورسلان أوساتشيف وألكسندرا ميتروشينا ودانيلا بوبريشني ودينا سايفا ونيوشا، وألكسندر ريففا وإنستاسامكا وسلافا مارلو وجيغان وأوكسانا سامويلوفا.
كما انتقل فنان الـ"هيب هوب" أليكسي أوزينيوك إلى الإمارات. وفي روسيا تم فحص عمله أيضاً بحثاً عن دعاية للمواد المحظورة. وقبل المغادرة ألغى المؤدي جميع الحفلات الموسيقية المخطط لها.
وإلى أرمينيا هاجر كل من إيكاترينا فارنافا وفارفارا شميكوفا وألكسندر جودكوف وناتاليا يبريكيان. واختار تركيا كل من ألكسندر خومينكو وأفدوتيا سميرنوفا وأناتولي تشوبايس. وآثر روما زيلود وميخائيل فريدمان الرحيل إلى بريطانيا، واستقبلت البرتغال تمارا إيدلمان، وغادرت أولغا سميرنوفا إلى هولندا، وإيكاترينا شولمان إلى ألمانيا، وفيرا بولوزكوفا نحو قبرص.
ومن بين أولئك الذين أعلنوا مواقف معارضة ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مذيعو البرامج التلفزيونية إيفان أورغانت وأناستازيا إيفليفا وكسينيا سوبتشاك، والمغنون يوري شيفتشوك وسيرغي لازاريف وفاليري ميلادزي وإيفان دورن ومانيزا وتونا كونتريدزي، ولاعب كرة القدم فيودور سمولوف ولاعب الشطرنج إيان نيبومنياشي. والممثلون تشولبان خاماتوفا ودانيلا كوزلوفسكي وإيرينا ستارشينباوم ومارينا زودينا وكاترينا شبيتسا وداريا بوفيرينوفا وأليكا سميخوفا، والكاتبان ألكسندر تسيبكين وبوريس أكونين، والكوميديان ألكسندر دولغوبوبوف ودينيس تشوزوي وآخرون.
الطريق إلى أوكرانيا
واختار الممثل ألكسندر بيشريتسا وهو مواطن من سانت بطرسبورغ الهجرة إلى أوكرانيا بعدما لعب سابقاً دور البطولة في مشاريع حول الحرب العالمية الثانية، و"وفقاً لقوانين الزمن القتالي" شارك في الدفاع عن البلد الجار مع بداية العملية الخاصة وهو الآن يخدم في القوات المسلحة لأوكرانيا.
وانتقلت مغنية الأوبرا ماريا ماكساكوفا التي أدرجتها وزارة العدل في الاتحاد الروسي ضمن قائمة العملاء الأجانب إلى أوكرانيا عام 2016. لكنها كانت تأتي بانتظام إلى روسيا، وخلال عام 2021 ظهرت في برنامج أندريه مالاخوف وتحدثت عن سوء العلاقات مع أقاربها ووالدتها الممثلة ليودميلا ماكساكوفا. وبعد بدء العملية الخاصة ذكرت الفنانة أنها غادرت إلى أوكرانيا مرة أخرى.
الممثلة إيكاترينا كوزنتسوفا التي لعبت أحد الأدوار الرئيسة في مسلسل "مصاصو دماء المنطقة الوسطى" بعد بدء العملية الخاصة، تركت المشروع في مرحلة تصوير الموسم الثاني وغادرت إلى كييف. ودانت الفنانة تصرفات السلطات الروسية وذكرت على شبكات التواصل الاجتماعي أنها تريد أن تكون مفيدة لبلدها الأصلي. وبالعودة إلى كييف بدأت كوزنتسوفا تنظيم المساعدة للقوات المسلحة الأوكرانية. ولم تكن هناك أفلام جديدة بمشاركتها. وعملت الممثلة في السينما الروسية لمدة 11 عاماً. ولعبت في مسلسلات مثل "عودة المختار" و"المطبخ" و"رودكوم" وغيرها كثير.
بعد بدء روسيا الحرب في أوكرانيا، تم حظر استخدام موسيقى المغني ماكس بارسكيخ في روسيا، كما ألغى الحفلات الموسيقية في البلاد. وعاد إلى وطنه وانضم إلى صفوف القوات المسلحة الأوكرانية. الآن عاد الفنان إلى النشاط الإبداعي ويعتزم غزو أميركا تحت اسم مستعار جديد هو ميك صنداي.
ومنذ عام 2001 شارك الممثل أليكسي غوربونوف المولود داخل كييف في إنتاجات المؤسسة للمخرج الروسي أوليغ مينشيكوف. وفي وقت لاحق قام ببطولة المسلسل التلفزيوني "Kamenskaya" و"عيد ميلاد بورجوا"، وبعد لقائه المخرج السينمائي نيكيتا ميخالكوف حصل على دور في فيلم "12"، ولديه عشرات الأدوار في السينما الروسية. وتخلى غوربونوف عن مشاريع في روسيا عام 2014 وعاد إلى أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين لعب الممثل دور البطولة في مسلسلين تلفزيونيين أوكرانيين وثلاثة أفلام فرنسية.
وكان الممثل أناتولي باشينين ممثلاً مطلوباً في السينما الروسية خلال العقد الأول من القرن الـ21، وشارك بنشاط ضمن مشاريع تلفزيونية مثل "الرقص مع النجوم" و"فورد بويارد". واشتهر بأدواره من خلال أفلام "Stormy Gates" و"Admiral" و"Escape" و"نحن من المستقبل". وانتهت مسيرة الفنان عندما غادر إلى أوكرانيا عام 2014 وانضم إلى كتيبة قومية. وفي إحدى المقابلات بدأ باشينين يقول إنه ليس فخوراً بالأعمال الروسية وإنه لعبها "من أجل المال فقط".
اكتسب الممثل أليكسي زوبكوف المولود في كييف شهرة بعد أن دعاه المخرج أليكسي كوزلوف للتمثيل في فيلم "Mine" عام 2006. وفي وقت لاحق، لعب الفنان دور البطولة خلال العشرات من المسلسلات التلفزيونية الروسية. وعاد زوبكوف إلى وطنه وذكر أنه كان يعد نفسه دائماً أوكرانياً، ومنذ عام 2001 كان يعمل في موسكو لأسباب تجارية فحسب.
كارثة الهجرة
يمكن القول بكل أريحية إن روسيا خسرت ثروة بشرية لا تعوض خلال موجة الهجرة الأخيرة التي أطلقتها العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، والأضرار والخسائر الناتجة من هذه الهجرة تفوق بكثير تلك الناجمة عن 14 حزمة من حزم العقوبات الغربية التي لم يشعر رجل الشارع الروسي بتأثيرها المباشر، وبخاصة أن روسيا تعاني منذ زمن بعيد من أزمة ديموغرافية تتمثل بتناقص عدد المواليد الجدد، وتفوق عدد الوفيات على أعداد المواليد.
وفقاً لبعض الدراسات، فعلى مدى الأعوام الـ20 الماضية غادر الشباب المتعلمون روسيا. وتظهر بيانات أن أكثر من نصف الذين غادروا كانت أعمارهم تراوح ما بين 20 و40 سنة، أكثر من 90 في المئة منهم حاصلون على تعليم عال ونحو 14 في المئة حاصلون على درجة علمية متقدمة. وأشار نحو 80 في المئة إلى الوضع السياسي وانعدام الأمن باعتباره السبب الرئيس لمغادرة البلاد والانتقال إلى مكان آخر للعيش.
وبحسب تقديرات حرس الحدود الروسي دخل المواطنون الروس خلال عامي 2022 و2023 البلدان المجاورة مثل تركيا وجورجيا وأرمينيا وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وصربيا والجبل الأسود والإمارات العربية المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي ما يقارب 14 مليون مرة، وغادروا وعادوا ما يقارب 10.6 مليون مرة. والفرق بين هذه الأرقام هو 3.4 مليون شخص.
هذا لا يعني أن 3.4 مليون شخص هاجروا من روسيا في زمن الحرب منذ عام 2022. وتتأثر هذه البيانات بعوامل عدة، فعلى سبيل المثال الأساليب المختلفة للحسابات في بلدان مختلفة أو حقيقة أن الدول المجاورة لروسيا حيث لا يحتاج الروس إلى تأشيرات تصبح "منطقة عازلة". ويعبر الشخص حدود دولة للذهاب إلى أخرى، بالتالي ينعكس ذلك في إحصاءات الحدود لدولتين في وقت واحد كما توضح كبيرة الباحثين في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية مارغريتا زافادسكايا.
يمكن تقديم صورة أكثر دقة قليلاً من خلال البيانات حول عدد الروس الذين قرروا البقاء في بلدان أخرى وسجلوا إقامتهم. وبحسب البيانات المتوافرة، فإن أكثر من 355.4 ألف روسي حصلوا على تصاريح إقامة دائمة أو موقتة في دول أجنبية. وقدم الروس أكثر من 15 ألف طلب لجوء إلى الاتحاد الأوروبي، لكنهم لم يتلقوا أكثر من ألفي قرار إيجابي، بحسب "يوروستات".
وفقاً لبيانات أخرى من وكالة اللجوء الأوروبية قدم الروس ما يقارب 17 ألف طلب (أولي ومتكرر) في دول الاتحاد الأوروبي وحصلوا على أقل بقليل من ألفي قرار إيجابي.
وتحتفظ السلطات الروسية أيضاً بسجلات لعدد الأشخاص الذين غادروا البلاد. وهكذا وفقاً لخدمة الحدود (FSB) سافر المواطنون الروس إلى الخارج العام الماضي 23.2 مليون مرة. ولا ينشر (FSB) بيانات حول الدخول إلى روسيا، ومن المستحيل تقدير موجة الهجرة باستخدام هذه البيانات.
إلى ذلك وحتى مع هذه الإحصاءات، من الواضح أنه بعد بداية الحرب ثم إعلان التعبئة قفز بصورة حادة عدد الأشخاص الذين يغادرون إلى البلدان التي لا يحتاج فيها الروس إلى تأشيرات. وفقاً لحسابات صحيفة "نوفايا غازيتا أوروبا". فخلال عام 2022 حطم مواطنو الاتحاد الروسي الرقم القياسي المسجل لمدة خمسة أعاوم للدخول إلى أرمينيا وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان ومنغوليا.
ومنذ عام 2022 أصبح من الصعب جداً على الروس الحصول على تأشيرات وتصاريح إقامة في الدول الأجنبية، إذ تغيرت القواعد مراراً وبسرعة وبصورة غير متوقعة. ونتيجة لذلك اضطر كثر إلى الانفصال والمضي قدماً.
لكن موجة الهجرة كانت كبيرة وقممها الرئيسة يمكن العثور عليها في بيانات أخرى غير مباشرة. على سبيل المثال ووفقاً لإحصاءات وزارة الداخلية الروسية، فخلال عام 2022 تم إصدار جوازات سفر خارجية للروس بنسبة 40 في المئة أكثر مما كانت عليه عام 2021، وفي المجموع بلغت ذروة عدد جوازات السفر المستلمة خلال مارس وديسمبر أكثر من 5.4 مليون.
وتؤكد تقديرات المسؤولين ووسائل الإعلام الروسية أن عدد الروس الذين غادروا البلاد عام 2022 و2023 يصل إلى بضعة ملايين. وكتبت مجلة "فوربس" أنه بعد بدء التعبئة غادر روسيا من 600 ألف إلى مليون شخص نقلاً عن مصادرها. ونفى السكرتير الصحافي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف هذه البيانات. كما قدرت وزارة الدفاع البريطانية خلال مايو (أيار) 2023 العدد المحتمل للأشخاص الذين غادروا روسيا بما يصل إلى 1.3 مليون شخص.
صورة المهاجر الروسي
عادة ما تصور الدعاية الروسية أولئك الذين غادروا على أنهم أولئك الذين ضحوا بوطنهم من أجل حياة أفضل في الخارج. ولكن إذا حكمنا من خلال الدراسات الاستقصائية للمهاجرين الجدد فإن هذه ليست هي الحال على الإطلاق، فقد تحولت الهجرة إلى اختبار لهم.
كان كثر قلقين في شأن وجودهم داخل روسيا. ومع ذلك فإن المغادرة لم تحسن حالهم العاطفية كثيراً، فالمهاجرون يعانون الحرب بشدة ومن الصعب عليهم أيضاً إعادة التفكير في تجربتهم السابقة بأكملها في العيش والعمل داخل روسيا.
ووفقاً لاستطلاع أجراه موقع "خارج روسيا" أفاد 39 في المئة من المشاركين بالاستطلاع خلال الخريف الماضي أنهم يشعرون بالاكتئاب بعض الوقت أو معظمه خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وأكثر من نصفهم شعروا بالحزن المستمر. أما أولئك الذين تركوا أقاربهم في أوكرانيا فقد شعروا بالسوء خصوصاً.
سبب منفصل للقلق هو مستقبل روسيا والحياة هناك. ويكتب الباحثون أن "أولئك الذين غادروا في موجة الهجرة الأخيرة مهتمون بمسألة كيف ستكون الحياة في روسيا "عندما ينتهي كل شيء، هل ستلبي توقعاتهم ومعاييرهم المعتادة؟".
كتب عالم الاجتماع ليوبوف بوريسياك في مقال نشر خلال شهر مارس الماضي أن عدداً من الذين غادروا تحدثوا عن طلب المساعدة النفسية أو العاطفية، وما زالوا يشعرون بالقلق إزاء نقص فرص العمل والصعوبات المالية. وكتب بوريسياك أن بعضهم يجد صعوبة في سماع كلمات الأطفال المراهقين بأن والديهم دمرا حياتهم.
وحاول العلماء أيضاً فهم من غادر روسيا خلال عام الحرب 2022. ويشير مؤلفو الدراسة إلى أن أولئك الذين غادروا هم في الأساس من سكان المدن الكبرى "في المتوسط، أصغر سناً وأكثر تعليماً وثراء من أولئك الذين بقوا، ولديهم موارد أكثر".
ومع ذلك تشير دراسة نشرتها مجلة ""Paper إلى أنه لا توجد فجوة عمرية بين أولئك الذين غادروا والذين بقوا. ولكن هناك اختلافاً في مستوى الدخل، فالذين غادروا هم في المتوسط أفضل حالاً. صحيح أن امتلاك شقتهم الخاصة هو أمر أكثر شيوعاً بالنسبة إلى أولئك الذين بقوا في الخلف.
هناك فارق بين الذروة الأولى والثانية للهجرة خلال مارس وسبتمبر. وكما لاحظت مارغريتا زافادسكايا كانت الموجة الأولى تتمتع بموارد أكبر وفرص أكثر. موجة الذين تركوا التعبئة أكثر تبايناً مقارنة بالأولى. وتشير إلى أن المجموعة الأولى كانت أكثر شبهاً بالمهاجرين الاقتصاديين والسياسيين أما الثانية فلها سمات مميزة للاجئين. لكن لا يمكن تسميتهم لاجئين.
بعد هذه الخطوة تفاقم الوضع الاقتصادي للمهاجرين. وينطبق هذا في المقام الأول على أولئك الذين عملوا في الشركات الروسية، إذ بدأ كثير منهم تدريجاً في العمل لحسابهم الخاص أو وجدوا عملاً في الخارج، حتى إن بعضهم فتح أعماله التجارية الخاصة.
بلاد بلا خونة
من الواضح أن المسؤولين الروس ليس لديهم موقف موحد تجاه النجوم والفنانين والأشخاص الذين غادروا البلاد بسبب الحرب والتعبئة. ويرى بعضهم مثل رئيس مجلس النواب (الدوما) فياتشيسلاف فولودين أن كل هؤلاء ارتكبوا جرم "خيانة البلاد". في حين يرى نائب رئيس مجلس الأمن والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف أنهم "مجانين غريبو الأطوار" و"أعداء المجتمع".
لكن رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين على العكس من ذلك يحاول إيجاد طريقة لإعادة بعض أولئك الذين غادروا إلى روسيا. وهذا موقف مفهوم، فميشوستين على عكس ميدفيديف وفولودين يتعامل مع القضايا العملية المتعلقة بحكم البلاد، بما في ذلك اقتصادها. والنزوح الجماعي للناس هو على وجه التحديد خسارة رأس المال البشري ذاته، والذي هو في جوهره أساس أي نظام اقتصادي.
كانت شركات الأعمال من أوائل الذين شعروا بتأثير الهجرة والتعبئة. وبالفعل خلال الشهر الأول ظهرت الشكاوى، ففي بعض الأماكن تم إرسال موظفين قيمين إلى المقدمة وفي أماكن أخرى ذهب جزء من موظفيهم ببساطة إلى الخارج ولم يعد بإمكانهم العمل.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي يمكن ملاحظة ذلك في سوق العمل، إذ سُجل معدل بطالة منخفض قياسي هناك منذ أشهر. والرئيس الروسي فلاديمير بوتين فخور جداً بهذا. لكن الرئيس لم يذكر أن الشركات تشكو من نقص الموظفين.
وخلال أكتوبر 2022 أطلق خبراء من معهد "السياسة الاقتصادية" مسحاً للمؤسسات حول ما إذا كان لديها عدد كاف من الموظفين. وكما هو متوقع اتضح أنه لا، وهذه هي القيم الأسوأ في تاريخ المراقبة بأكمله منذ أبريل (نيسان) 1996. وقد أثر نقص الموظفين بشدة في الشركات تجاه الصناعات الخفيفة والهندسة الميكانيكية وإنتاج الغذاء.
وخلال نهاية عام 2022 شهد سوق العمل نقصاً قياسياً في الباحثين عن عمل بحسب ما أفادت الخدمة التحليلية لشبكة التدقيق والاستشارات. وهكذا، خلال الربع الرابع كان هناك 2.5 وظيفة شاغرة لكل عاطل عن العمل، ويصف المحللون هذا الرقم بأنه الحد الأقصى منذ عام 2005.
وصرح مدير إدارة شؤون الموظفين في شركة "روستيك" التي كانت مؤسساتها مسؤولة عن تنفيذ معظم أوامر دفاع الدولة، أن هناك نقصاً حاداً في متخصصي تكنولوجيا المعلومات وموظفي المجمعات الراديوية الإلكترونية بمختلف الملفات الشخصية في سوق العمل بالاتحاد الروسي.
وخلال عام 2023 استشهد بنك "ألفا" بتقدير مفاده أنه "لا يمكن استبعاد الضرر" لأنه نظراً إلى ارتفاع معدلات الهجرة خلال فبراير ومارس 2022، فمن الممكن أن نتحدث عن رحيل نحو 1.5 في المئة من إجمال القوى العاملة في روسيا.
"لا يغادر المهاجرون أنفسهم فحسب بل يأخذون الأموال أيضاً، وهذا يؤدي إلى تدفق رأس المال إلى الخارج"، وفق ما كتب بنك "ألفا".
وأفاد البنك المركزي أن أخطر تدفق للودائع من البنوك الروسية منذ بداية الحرب حدث خلال فبراير 2023، إذ سحب الروس 1.2 تريليون روبل من حساباتهم. وكان هذا هو الحد الأقصى منذ أزمة عام 2008.
ومن الواضح أن تدفق الهجرة إلى الخارج هو في الواقع تدفق للطبقة المتوسطة، وفقاً لبنك "ألفا". والطبقة الوسطى هي عادة أشخاص ذوو تعليم جيد ويحصلون على دخل مرتفع، بالتالي ينفقون كثيراً. وسيؤدي رحيلهم على سبيل المثال إلى خفض الطلب. لكنه ليس الوحيد الذي سيعاني.
تدابير عقابية
يقوم مجلس النواب (الدوما) في الاتحاد الروسي بإعداد تدابير للحد من أرباح الفنانين الذين غادروا البلاد. وقال رئيس اللجنة الأمنية بمجلس الدوما فاسيلي بيسكاريف إن "المجلس يعتزم فرض مزيد من القيود على دخل الفنانين والكتاب الذين غادروا روسيا، للعمل في الخارج والترفيه عن الأجانب هناك".
وأضاف أن النواب يعدون الآن إجراءات لمعاقبة "الفنانين والكتاب الهاربين". لكنه لم يوضح أية تفاصيل عن طبيعة هذه الإجراءات ولا من تطاول وكيف.
وصرح النائب ألكسندر خينشتين أخيراً بأنه خلال جلسة الخريف سينظر مجلس الدوما في مسألة حظر تسييل خدمات البث الروسية للعملاء الأجانب، موضحاً أن الفنانين سيكونون قادرين على النشر على المنصات المحلية ولكن من دون أي مقابل مالي.
وأشار خينشتين إلى أنه "في الواقع يبدو الأمر سخيفاً أن يتم إنفاق الأموال المحصلة في روسيا على قتال بلدنا ودعم أوكرانيا".
وانتقدت هذه الفكرة لاحقاً من قبل المنتج جوزيف بريغوجين الذي وصف الأمر بأنه "مجرد كابوس" أن يُحرم الموسيقيون من الحق "في أن يكونوا، وأن يغنوا الأغاني وأن يجعلوا الناس سعداء".
كان 2022 عام انطلاق موجات كبيرة من الهجرة ليس من روسيا وحدها بل من أوكرانيا أيضاً. العدد الأكبر من المهاجرين باتجاه أوروبا هم من الأوكرانيين الذين أجبروا على المغادرة بسبب الحرب. ووفقاً للأمم المتحدة فإنه اعتباراً من مايو 2023 سُجل أكثر من 8.2 مليون لاجئ من أوكرانيا في الدول الأوروبية. واعتباراً من يناير 2023 انتقل نحو 5.3 مليون شخص داخل البلاد.
وفي زمن السلم تعد الهجرة عملية طبيعية تماماً. ويسافر الناس من بلد إلى آخر ويدرسون ويبحثون عن عمل وأحياناً يعودون إلى وطنهم وأحياناً لا. وخلال عام 2022 اتخذت الهجرة صوراً مؤلمة. إذ يغادر الناس روسيا خوفاً على سلامتهم. وأيضاً لأسباب أيديولوجية. وإذا أراد عدد من الأوكرانيين العودة إلى ديارهم بعد الحرب فإن عدداً من الروس الذين غادروا لا يفكرون في هذا الاحتمال لأنفسهم، في الأقل حتى يتغير شيء ما في البلاد.
تؤكد عالمة الديموغرافيا يوليا فلورينسكايا أن "المشكلة ليست في أن الهجرة سيئة، فهي سيئة عندما تكون في اتجاه واحد وعندما لا تكون هناك عودة".