Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب توسع شرخ الكراهية في جدار المجتمع السوداني

باحثون يحذرون من تباعد التعايش السلمي بإثارة النعرات الجهوية والعصبيات الإثنية

أفرزت الحرب في السودان واقعاً زعزع تماسك نسيج المجتمع (اندبندنت عربية- حسن حامد)

ملخص

الفيديوهات والرسائل التي يبثها بعض قادة وجنود "الدعم السريع" بالتهديد والوعيد ضد قبائل بعينها من سكان الولايات الشمالية في نهر النيل وشرق السودان، أسهمت بصورة خطرة في تعميق روح الكراهية، فضلاً عن أن "هناك من كانوا يعيشون وسط المجتمع كمواطنين عاديين قبل الحرب، لكنهم ومع اندلاع شرارتها انخرطوا في عمليات النهب".

بخلاف الدمار المادي الواسع الذي خلفته الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) العام الماضي، في البنية التحتية، أفرزت الحرب واقعاً اجتماعياً متفجراً طاول فيه أذى الصراع عصب مكونات المجتمع السوداني ونسيجه، بتصاعد مخيف لخطاب الكراهية والعنصرية، مما قد يصعب على السودانيين تخطيه بسهولة في وقت قريب.

يرى الباحث في الشؤون القبلية والتعايش السلمي، النعيم جلال الدين، أن أخطر ما انطوت عليه حرب السودان كونها تحولت إلى نمط الحروب المتعددة الدوافع والأطراف ونحت منحاً جهوياً وعرقياً أجج المشاعر العنصرية لدى كل طرف ضد الطرف الآخر.

وحذر جلال الدين من أن طول أمد الحرب قد يقود إلى خريطة جديدة للمجتمع السوداني تبرز فيها عوامل الولاء والتسلح الجهوي والعرقي بصورة أكبر بغرض توفير الحماية الاجتماعية، لا سيما مع تمادي طرفي القتال في عمليات التجنيد والاستنفار بناءً على تلك الأسس، مما سيفاقم من الشروخ الاجتماعية ويصعب من العودة إلى التعايش والسلم الاجتماعي مرة أخرى ما بعد الحرب.

ينوه جلال الدين بأن التصاعد المزعج والمخيف لخطاب الكراهية التحريضي المحتشد بالتراشق اللفظي الخشن، لم يعد يقتصر على المستوى الاجتماعي في مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، بل انعكس بالقدر نفسه على الخطاب السياسي والإعلامي العام بصورة تهدد مستقبل وحدة البلاد.

مشروع للتعافي

يردف، "فوق كل ذلك فإن تداعيات الصراع الدموي بين الفرقاء العسكريين تشعبت لتشمل أيضاً الأطراف والقوى المدنية والسياسية، بما يهدد بانتقال التصدعات المدنية الاجتماعية إلى مرحلة أكثر خطورة تغذي أسباب التناحر على مستوى القواعد، مما يزيد من حدة الانقسامات وتفتيت ولاءات السودانيين بصورة أكبر".

يعتقد الباحث في التعايش السلمي أن البلاد ستكون في حاجة ماسة إلى مشروع لإعادة الإعمار المجتمعي للتعافي من الهزة العنيفة التي تعرضت لها ممسكات الوحدة الوطنية، لافتاً إلى أن "تحالف مكونات الحركات المسلحة التي يتكون معظمها من القبائل ذات الأصول الأفريقية في غرب السودان، مع قوات الجيش والمقاومة الشعبية التي معظمها من شمال البلاد، سيشكل لبنة يمكن تطويرها في سياق تعزيز الوحدة الوطنية وإعادة بناء لحمة التعايش السلمي بالبلاد".

العصبيات الإثنية

في السياق حذر وزير التجارة الأسبق، المتخصص في التنمية المستدامة وتمكين المجتمع، مدني عباس مدني، من مغبة التمادي في إثارة العصبيات الإثنية لدورها في تطويل أمد الصراع وتفكيك تماسك النسيج الاجتماعي، مطالباً النخب المدنية والسياسية بضرورة الانتباه لخطورة الانقسام المجتمعي الذي تطرحه هذه الحرب، بما يهدد وحدة البلاد التي سبق أن جربت الانقسام في انفصال الجنوب عام 2011.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتهم مدني طرفي الحرب باللجوء بصورة غير مسؤولة إلى إثارة العصبية الإثنية وجعلها كأنها هي الأساس في الصراع، مشيراً إلى أن "كلا الطرفين لم يتورع عن استدعاء تاريخ الصراعات الاجتماعية في السودان لا سيما المرتبطة بفترة الدولة المهدية، بما يجعل الصراع أكثر عنفاً وتوحشاً وتصوير الحرب كصراع جهوي بين غرب البلاد وشمالها النيلي". ويردف "على رغم أن النزاع في السودان يرتبط بالسلطة والثروة كعادة الصراعات في كثير من دول العالم، فإن عمليات الاستقطاب فيه اتخذت منحى آخر اختلط بصوريات البناء الوطني في السودان، وزادت من تعقيده التقاطعات العسكرية السياسية كونه صراعاً بين طرفين كانا بالأساس في معسكر واحد في مواجهة القوى السياسية المدنية".

تاريخ من الصراعات

يرى المتخصص في التمكين المجتمعي أن الحديث عن أي مشروع لإعادة البناء الوطني في السودان بعد الصراعات الإثنوسياسية الطويلة منذ فجر الاستقلال أصبح مرتبطاً بكثير من الصعوبات والتحديات بعد هذه الحرب، على رغم الآمال الكبيرة التي برزت في أطروحات ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019 في إمكانية تجاوز المسار التاريخي المعوج الحافل بالصراع والتشرذم.

يلاحظ مدني تنامي سرديات مختلفة على مستوى المثقفين السودانيين لتسويق الحرب الراهنة بجعلها وكأنها مواجهة إثنية بين مجموعات ما سموه بـ(عرب الشتات) أو دولة عرب العطاوة في دارفور، مع الشمال أو الوسط النيلي، معرباً عن انزعاجه من انتشار ظاهرة تقييد حق التنقل داخل البلاد على أساس ذلك النوع من الانتماء لأي من المجموعتين، سواء في مناطق سيطرة الجيش أو قوات "الدعم السريع".

مخزون من الكراهية

على الصعيد ذاته يرى الناشط المجتمعي، علاء الدين حسين، أن "الآثار النفسية العميقة لبشاعة الانتهاكات خلال حرب السودان المندلعة حالياً التي عصفت بحياة الملايين من الأبرياء وأفقرتهم وشردتهم وأذلتهم، ستظل باقية على المدى البعيد في ذاكرة المجتمع السوداني التي باتت تختزن كثيراً من الكراهية وروح الانتقام والثأر تجاه جنود قوات ’الدعم السريع‘ والعرقيات التي ينحدرون منها بصورة تجعل من الصعب التصالح أو التعايش معها مرة أخرى".

 

يشير حسين إلى أن الفيديوهات والرسائل التي يبثها بعض قادة وجنود "الدعم السريع" بالتهديد والوعيد ضد قبائل بعينها من سكان الولايات الشمالية في نهر النيل وشرق السودان، أسهمت بصورة خطرة في تعميق روح الكراهية، فضلاً عن أن "هناك من كانوا يعيشون وسط المجتمع سواء بالعاصمة أو الولايات الأخرى كمواطنين عاديين قبل الحرب، لكنهم ومع اندلاع شرارتها انخرطوا في عمليات النهب أو تحولوا إلى مرشدين، وظهر بعضهم بزي ’الدعم السريع‘، وبات من الصعب أن يتقبلهم المجتمع وسطه مرة أخرى ما بعد الحرب".

تحذيرات أهلية

وكانت قيادات أهلية ودينية في دارفور قد دانت سلوك بعض المجموعات في دارفور بالاحتفاء علناً بعودة أبنائهم من المقاتلين محملين بالمنهوبات والغنائم، محذرين من ارتدادات لاحقة لكل الانتهاكات وجرائم النهب والسلب التي ارتكبها منسوبو "الدعم السريع" في مناطق السودان المختلفة لا سيما الجزيرة وسنار والخرطوم، وانعكاسها مستقبلاً في موجة كبيرة من الكراهية والمعاداة لتلك المجموعات.

يلفت الناشط المجتمعي إلى أن تداعيات الحرب قد كشفت عن قدر كبير من التباعد وعدم قبول الآخر وسط السودانيين، مما أسهم في بروز نذر للكراهية تجاه قبائل ومكونات مجتمعية بعينها، وتحميلها وزر الحرب والانتهاكات على رغم أنها قد لا يكون لها يد مباشرة في ذلك.

يعد حسين أن "إيقاظ الحرب النعرات العنصرية شكل انتكاسة لخطوات إيجابية كبيرة في الانفتاح وقبول الآخر في التصاهر والتعايش، كان المجتمع السوداني قد قطعها طوال سنوات ما قبل الحرب، إلى جانب إحيائها مجدداً دعاوى التهميش والظلم والغبن الاجتماعي التي تمثل أكبر عقبات عودة التماسك الاجتماعي بين السودانيين".

يطالب الناشط الجيش باعتباره الحاكم الآن، بضرورة ابتدار خطاب تصالحي أكثر قومية يصب في عملية إطار تهدئة اجتماعية، بالتخفيف من حدة حملات الاستقطاب القبلي والجهوي التي عززت الانقسام وسط المجتمعات بصورة صارخة بإعلان تحالفات قبلية (في الغرب) دعمها "الدعم السريع" مقابل اصطفاف مجموعات أخرى في الشمال مع الجيش في حين انقسمت بعض القبائل بين مؤيد ورافض لأي من الطرفين. يتابع "فاجأت الحرب السودانيين وتعامل معها كثر في أيامها الأولى باعتبارها اشتباكات سيتم احتواؤها خلال أسبوع أو اثنين، لكنها فاقت كل تصوراتهم من جهة قذارة الأساليب والانتهاكات والفظائع التي مارستها قوات ’الدعم السريع‘ مما تسبب في صدوع ومرارات عميقة يصعب تجاوزها على مستوى الأشخاص والمجتمع".

مسؤولية العنف

على الصعيد نفسه يحذر أستاذ علم النفس الاجتماعي، يوسف محيي الدين، من انتعاش حال الكراهية والتنفير ضد مكونات اجتماعية عريضة بغرب البلاد والتهديد بمقاطعتها اجتماعاً، كواحدة من أكبر معضلات المجتمع السوداني التي أفرزتها الحرب.

حمل محيي الدين زعماء وقادة الإدارات الأهلية بخاصة في دارفور مسؤولية تفشي العنف اللفظي وخطاب الكراهية والنفور من مكونات اجتماعية ترتبط بـ"الدعم السريع"، بلعبها دوراً سالباً في تأجيج الحرب، وفشلها في أن تكون جزءاً من الحل بقيادة مجتمعاتها نحو التعايش والسلم الاجتماعي بدلاً من أن تكون جزءاً من الصراع.

 

وتعيد الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" إلى الأذهان إرث ثلاث حروب داخلية كبيرة عاشها السودان خلال تاريخه المعاصر، أولاها حرب الجنوب التي استمرت نحو 50 عاماً تخللتها فترات قصيرة من الهدن واتفاقات السلام الهشة، وانتهت أخيراً بتوقيع اتفاق نيفاشا للسلام التي أقرت حق تقرير المصير للجنوبيين وأفضت إلى انفصال جنوب السودان في 2011، تلتها حرب دارفور التي اندلعت في 2003 وامتدت طوال فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، على رغم محطات التوقف القصيرة عبر اتفاقات سلام متعددة لم تصمد طويلاً، وصولاً إلى توقيع اتفاق جوبا لسلام السودان في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.

تصعيد مرتقب

واندلعت الحرب الحالية في العاصمة السودانية بولاية الخرطوم، لكن نيرانها سرعان ما تمددت إلى إقليم دارفور، وولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد، ثم جنوب كردفان وتخوم إقليم النيل الأزرق وولاية نهر النيل، مهددة بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وشاملة قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.

تسببت المعارك المستمرة في كارثة إنسانية وأزمة نزوح هي الأكبر في العالم، بنزوح أكثر من 10.7 مليون سوداني لأكثر من مرة داخل البلاد، بينما فر أكثر من 2.3 مليون آخرين لاجئين إلى خارج البلاد.

ويحذر مراقبون من موجة تصعيد حربي كبيرة متوقعة بين الجانبين المتقاتلين في مختلف جبهات المعارك بالسودان، في أعقاب تعثر أحدث جهود إنهاء الصراع في مفاوضات جنيف بسويسرا التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية مع شركاء دوليين وإقليميين وفشلها في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على رغم نجاحها في فتح مسارين لتوصيل المساعدات الإنسانية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير