Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحياة داخل خيمة في لبنان: لا مكان للحلم

يشكو قاطنوها من وضع مأسوي صعب وتراجع مساعدات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين

تجسد كل خيمة في مخيمات الشمال اللبناني فصلاً من فصول المأساة السورية المستمرة، ولسان حال قاطنيها "نفضل العودة لبلدنا" (اندبندنت عربية) 

ملخص

يعيش سكان المخيمات السورية في عكار شمال لبنان أوضاعاً سيئة حيث يفتقر هؤلاء إلى الحد الأدنى من الخدمات والبنى التحتية، وتحولت الخيمة إلى شاهد على تبدد أحلامهم.

تختصر خيمة "أمل" تراجيديا اللجوء السوري إلى لبنان، هربت السيدة الستينية مع عائلتها من لهيب الحرب في حمص لتجد نفسها أمام "مأوى آمن" تحول مع الوقت إلى شادر ممزق، لا يقي حر الصيف ولا برد الشتاء وأرضية ترابية ممهدة على عجل، ونافذة مطلة على أحد بساتين القصب التي تثير الرعب في نفوس الأطفال بفعل تسلل الزواحف من الفجوات.

منذ ثمانية أعوام، كانت عائلة أمل بكار من أولى العائلات التي وضعت أسس "مخيم الملعب" المشهور بتجمع الحماصنة، خلف "عليا موول" في ببنين العكارية الواقعة شمال لبنان.


تقول السيدة "شكلت حياة الخيمة هنا امتداداً للحياة الصعبة التي عشناها في سوريا. فبعد أن ترملت، اضطررت للعمل في الزراعة وإعالة عائلتي وأطفالي القصر بمجهودي الشخصي، قبل أن نتعرض للتهجير ونأتي إلى لبنان هرباً من الموت إلى المعاناة الكبرى". تخشى أمل قدوم الشتاء، فهي "تعيش مع ابنها الأصغر ولا تمتلك مدفأة وغير قادرة على شراء المازوت، وتضطر خلال موسم المطر إلى استعمال الأغطية أو الاجتماع مع جيرانها في إحدى الخيمات الدافئة".

الموت المحتوم

يعيش سكان الخيمات لحظات عصيبة، وتقول إحدى النساء هناك "هربنا من الموت في سوريا إلى الموت هنا"، وتروي "خلال العام الماضي سقط سقف الخيمة بسبب المطر وقضينا الليل في العراء، واضطررنا للتنقل بين خيمات الجيران" وخلال الصيف لا تعيش ما هو أفضل بسبب شدة الحر، مطالبة بدعم خاص من المانحين للنساء الأرامل.

تتكرر رواية الخوف من الشتاء على لسان أم أحمد "في الشتاء الماضي لم يعد لدى العائلة مازوت أو أخشاب، لذلك اضطروا إلى إشعال النيلون والأحذية العتيقة والنعال والملابس القديمة، ناهيك بالاستعانة بالأغطية للتدفئة لساعات قبل النوم"، وأمام هذا الواقع بدأ سكان المخيم تخزين الأخشاب والبلاستيك والأقمشة، فيما تزداد المطالبات بتأمين شوادر كافية فيما لجأ البعض إلى عزل السقوف بواسطة ألواح خشبية. 

ويعيش سكان الخيمات لحظات موحشة خلال الليل يقودهم الخوف من الحشرات والزواحف إلى الخارج، فيما تجلس أمل خارج خيمتها بحثاً عن بصيص ضوء مقبل من إحدى الخيمات التي ركبت طاقة شمسية، لأنها لا تملك سوى مصباح صغير.

ذاكرة الحرب السورية

تجسد كل خيمة فصلاً من فصول المأساة السورية المستمرة. ويشكل تاريخ السادس من يونيو (حزيران) 2013 محطة مفصلية في حياة أهالي "الضبعة" إحدى قرى ريف حمص في سوريا. يختصرون وضعهم بـ"الهاربين من الموت" كما تقول أم أحمد التي ما زالت تجهد في رعاية ابنها المصاب إصابة فادحة في رجله.

خرجت النساء أولاً واتجهن إلى منطقة عرسال في البقاع شمال شرقي لبنان، وبعد أيام لحق بهن الرجال. سار الهاربون لثلاثة أيام ولم تكن في حوزتهم مياه أو طعام، حتى اضطروا لأكل الحشائش والشرب من "السمادات" أي حاويات الماء المخلوطة بالسماد لري الزرع. وقد أصيب كثر منهم بتسمم.

يبدو للوهلة الأولى أن الأهالي ألفوا مسكنهم، ولكن سرعان ما تطفو على سطح الحديث عبارات تختصر المشهد "نحن لم نخرج من ديارنا طائعين"، و"من يخرج من داره يقل مقداره" و"عسى أن نعود قريباً إلى بيوتنا لرفع الدمار عنها فور خروج الجماعات المسلحة التي تسيطر على منطقة القصير ومحيطها".

معاناة النساء 

تعيش النساء معاناة إضافية إذ يجلسن في النهار أمام الخيمة هرباً من حر الصيف، ويخشين الذهاب إلى الحمامات المشتركة ليلاً على ضوء خافت جداً بسبب ما يصادفنه أثناء مسيرهن، إذ يشكين وجود "جرابيع" (جرذان كبيرة في اللهجة المحلية) والأفاعي.

حياة الخيمة صعبة

لم يتصالح كثير من السوريين النازحين إلى لبنان مع حياة الخيمة، فهم يوجدون فيها تحت ضغط الواقع والاضطرار. تتحدث أم حسن عن معاناتها في حياة الخيمة، ذلك أن "البعض يظن أن حياة الخيمة سهلة ولكنها بالعكس صعبة للغاية، وتضطر عائلة بأكملها أن تعيش بين ’شوادر‘ من أربع جهات داخلها ما يسمى مطبخ، وهو عبارة عن بعض الأوعية وغاز قديم، لا تفصله عن الحمام سوى أمتار قليلة جداً، فيما القاطنون هنا لا يتوافرون على الحد الأدنى من الخصوصية.

وتقارن السيدة الستينية التي تدعى هالا بين الحياة السابقة والوضع الحالي قائلة "في السابق كنا بعد حصاد القمح لا نجرؤ على التمدد فوق الحابون لنأخذ قيلولة (تلة القمح والشعير)، أما الآن فبتنا نفترش الأرض وتمر من حولنا الحشرات والزواحف، واعتدنا الأمر".

تتذكر عندما اضطروا إلى النوم في العراء لأيام عند هربهم من بلدهم ثم انتقلوا إلى بلدة عرسال، وتضيف "عشنا 10 أعوام صعبة في عرسال حيث كان يغمرنا الثلج في الشتاء، ونخرج للعمل في الكرز وشباننا يقصدون مناشر الحجر حيث أصيب كثير منهم، والآن نعيش ظروفاً لا تقل صعوبة عسى أن نعود إلى بلادنا لندفن هناك لأن حتى كلفة القبر غير قادرين عليها هنا".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعيش أم حسن الشابة الثلاثينية في خيمة متواضعة مع زوجها وأطفالها الثلاثة، وتعمل في تنظيف المنازل من أجل مساعدة زوجها المصاب بتقطع أوتار اليدين والربو والحساسية المزمنة بسبب مشكلات في الرئتين.

وتتحدث بلسان سكان الخيمات "البعض يعتقد أننا نعيش في جنة ولكنها لا تعدو كونها أداة لستر الإنسان بدل العيش في العراء، أثناء الصيف نتعرض لحرارة شديدة مما يعرض الأطفال للأمراض وارتفاع الحرارة إضافة إلى الحشرات والبق والبعوض".  

أعباء الإيجار

يدفع السوريون مبالغ مالية حتى مقابل العيش في خيمة، إذ يدفعون أجرة الخيمة لمالك الأرض. وفي السابق كان مالك الأرض يؤجرها للنازحين ليقيموا مخيمهم، أما حالياً فأصبح يتقاضى بدلاً من كل صاحب خيمة بمفرده. ويتراوح الرسم ما بين 20 و60 دولاراً أميركياً شهرياً على ضوء مساحتها وعدد الأشخاص القاطنين فيها. وازدادت تلك الأعباء أيضاً مع اضطرارهم إلى شراء مياه الشرب بفعل تعطل خدمة المياه "المفلترة" التي تؤمنها المفوضية العليا للاجئين. وإلى ذلك تشهد المخيمات أزمة على مستوى معالجة مياه الصرف الصحي إذ بلغت الآبار الصحية مرحلة الإشباع القصوى، كما تعاني الشبكة من أضرار وهو ما يظهر بصورة واضحة للعيان مع وصول هذه المياه غير النظيفة إلى سطح الأرض، وتفوح الروائح في الأرجاء ناهيك بما ينتج منها من تكاثر للحشرات وأخطار صحية وطبية.

ويرفع الجميع في هذا المخيم الصوت مشتكين من تراجع مساعدات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من الجمعيات التي كانت تؤمن تقديمات عينية، ويقول أبو علي "نتقاضى 115 دولاراً أميركياً مساعدة لسبعة أفراد أسرة من الأمم المتحدة، ندفع 60 دولاراً لإيجار الخيمة، ويبقى لنا 55 دولاراً لتموين العائلة شهرياً"، فيما يعتمد السكان على مساعدة بعض الجمعيات التي تقدم الخبز والصليب الأحمر الذي يقدم لهم الطعوم والمعاينات الطبية في المستوصفات المجانية.

الأطفال إلى العمل

شهدت الخيمة على ولادة أحلام وتبدد كثير منها. ففي مخيمات لبنان وبعد مرور 11 عاماً على موجة اللجوء الكبرى ولد كثير من الأطفال السوريين، ولا يخفي هؤلاء عدم معرفتهم بطبيعة بلداتهم أو بلدهم، هم يرددون ما يسمعونه من أهلهم ويعيشون أزمة هوية بسبب اختلاف العادات والتقاليد وبعض القيم الاجتماعية والثقافية.

تعد أسيل أصغر أطفال المخيم وعمرها فقط 40 يوماً، يتعاون أفراد العائلة على رعايتها بسبب سوء الأحوال المادية ويعمل والدها في تربية الطيور وبيعها، ولم يتمكن حتى الآن من تسجيلها أو القيام بمعاملة الهوية أو جواز السفر في السفارة بسبب الكلفة المادية العالية.  

وفي ممرات المخيم تعلو صرخات الأطفال وضحكاتهم التي لا تلغي حقيقة انتقال شريحة كبيرة من القاصرين ومن هم دون الـ10 سنوات إلى سوق الأعمال "الشاقة" تحت ضغط الحاجة، وفي المقابل يصر بعض الأهل على إرسال أبنائهم إلى المدارس وعددهم قليل.

يعد حسن (تسع سنوات) واحداً من هؤلاء، إذ يخرج ابن التاسعة عند السابعة والنصف صباحاً ليعمل في مكان بعيد لقاء 100 ألف ليرة لبنانية (قرابة دولار أميركي واحد)، ليعود عند السابعة مساء. ويؤكد أنه يتعب كثيراً في العمل من أجل مساعدة والديه، لافتاً إلى تعرضه لإصابات في رجليه بسبب سقوط أجزاء حديدية أثناء العمل.

فيما يبرر بعض الأهالي قرار إخراج أبنائهم من التعليم الرسمي على رغم أنه شبه مجاني بسبب العائد التربوي السيئ، ويقولون "يمضي الطالب ثلاثة أو أربعة أعوام من دون أن يتعلم القراءة أو الكتابة". ويضيف أحد الآباء "اضطررنا إلى إرسالهم إلى مدرسة خاصة في عكار وكانت النتيجة أفضل، ولكن ارتفاع الأقساط ومضاعفتها هذا العام يجعلنا عاجزين عن الدفع. لذلك، تحت ضغط الحاجة سيبقى الأطفال خارج المدرسة".

ولا يتردد أحد الآباء في الإشارة إلى أنه أخرج ابنه البالغ 13 سنة من المدرسة لكي يعمل ويساعده في تأمين حاجات المنزل، "وعمله يتضمن تعبئة أكياس الفحم ويبيعها للزبائن"، وهو غير متعب كما يقول.     

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات