Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما الأميركية... مأزق السلطة ومكائد السياسة

هوليوود تحشد آلاف الصور واللقطات والمشاهد في أفلامها للترويج لعظمة واشنطن وقوتها

تصور أميركا بمثابة البطل الخارق القادر على إنقاذ العالم من الضياع (مواقع التواصل)

ملخص

لعل عشق الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للسينما وجمالياتها وشغفه الدائم بها دفعه عام 2018 إلى التفكير في إنتاج أفلام سينمائية وثائقية، وهذا الانطباع يظهر بقوة علاقة السينما بالبيت الأبيض ورغبة الأخير في تملك السينما وتحويلها إلى أداة للدعاية السياسية وقوة مؤثرة وناعمة في بناء علاقات دبلوماسية مع دول أخرى.

تزخر سينما هوليوود بالعديد من الأفلام التي تناولت سيرة بعض الرؤساء في الولايات المتحدة أو خارجها. ويبدو ذلك عادياً بالنسبة لبلد يعتبر السينما امتداداً عميقاً للحياة اليومية في تلقائيتها وفوضاويتها.

وما يميز السينما الأميركية يتمثل في تنوع الثيمات التي تشتغل عليها والمواقف التي تحاول أن تمررها عبر مختلف وسائطها وأفلامها، فهي تستوعب جيداً قيمة هذا الفن وقدرته على التأثير في المشاهد عبر العالم.

وتعمل أميركا عبر الفيلم السينمائي أن تحشد آلاف الصور واللقطات والمشاهد التي تروج من خلالها لعظمتها وقوتها في مجالات تتعلق بالسياسة والمجتمع والاقتصاد، ويبدو ذلك جلياً في عدد من الأفلام ذات النفس البطولي التي تصور أميركا بمثابة البطل الخارق القادر على إنقاذ العالم من الضياع، والحال أن أميركا نفسها ساهمت وبشكل كبير في تأزيم نمط الحياة اليومية داخل البلاد العربية، انطلاقاً من مفاوضات وتدخلات وحروب وغيرها.

ونادراً ما نعثر على أفلام تدين فداحة أميركا وتعري أعطابها ومآزقها وتصدعاتها بطريقة تكشف معها عنف السياسة ومؤامرات السلطة وصناعة القرار داخل سراديب الولايات المتحدة الأميركية.

 

 

ونجحت السينما في الاقتراب من عوالم الرؤساء وجعلت الكاميرا تتجول وحيدة في ممرات المكاتب وأروقة الاجتماعات وقاعات الاستخبارات ورصدت عشرات من "الحقائق" التي تظهر أميركا بمظهرها الحقيقي، وتختلف هذه الأفلام باختلاف منطلقاتها على مستوى الكتابة والتخيل، لكنها جميعها تشترك في خاصية واحدة متمثلة في حدة الذكاء البصري في التعامل مع الموضوع من الناحية السياسية.

السينما والسلطة والسياسة

نادراً ما نعثر على فيلم أميركي يبتعد كل البعد عن ثنائية السلطة والسياسة، لأن أغلب أفلام التسعينيات والألفية الجديدة تكثف صورها لمقاربة إشكالات متصلة بالسلطة، سواء داخل المجتمع الأميركي أو في علاقته بدول أخرى.

وإذا كان هذا الثالوث غائبٌ بشكل كلي عن السينما العربية فذلك لأن هذه السينما لا تزال لم تخرج بعد من الهواجس الفردية المرتبطة بالذات والحلم والرومانسية، صوب أفلام تعمل مساءلة السلطة وأعطابها.

وتعتبر السينما البديلة في لبنان مع جان شمعون ومارون بغدادي وجوسلين صعب وبرهان علوية وغيرهم النموذج السينمائي العربي الأكثر قدرة على نقد مفاهيم السلطة وذاكرتها السياسية القمعية، بيد أن هذا الاختيار الأيديولوجي لم يكن وليد الصدفة ولا حتى اختياراً جمالياً، بقدر ما أملاه السياق التاريخي الذي كانت ترزح في ظله الأوطان العربية، فكان هذا النموذج السينمائي الأصيل والملتزم بقضايا الناس وهمومهم بمثابة الاختيار الفني الواعي القادر على القبض على ملامح اجتماع عربي معطوب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تمتلك السينما الأميركية وعياً كبيراً بمفاهيم السلطة والسياسة، فلا غرابة أنْ تطالعنا أفلامٌ كثيرة تتناول في فيلموغرافيتها مجموعة من القضايا السياسية بين الأحزاب والإشكالات الدبلوماسية التي تكاد تطيح ببعض الرؤساء، بل إن بعض المخرجين تفتقت قريحتهم الإبداعية فدخلوا إلى مكتب رئيس الولايات المتحدة ووضعوه في قالب سينمائي يمجد الإثارة والأكشن كما هي الحال في فيلم "سقوط البيت الأبيض" عام 2013 للمخرج أنطوان فوكوا.

وتحرص السينما أكثر من أي فن آخر على التأثير بقوة في المشاهد، وفي بعض الأفلام التي كان رئيس الولايات المتحدة موضوعاً لها تظل مرتبطة بالمتخيل الجمعي ويبني من خلالها الأفراد مجموعة من الصور والمشاهد في تحديد مفهوم الرئيس الأميركي ودوره وكل ما يحيط به، والملاحظ في هذه الأفلام أنها تصور الرئيس الأميركي بأدوار بطولية خارقة كأنه مثلاً يجيد الجري والأكشن والحركة وأنه دائماً يحب وطنه، في حين أن الواقع يظهر عكس ذلك.

التوثيق والتخييل

تطرح أفلام الرؤساء سؤالاً مركزياً له علاقة بجماليات التوثيق وفتنة التخييل داخل التجربة السينمائية الأميركية ومدى حدود التقاطع والتلاقي، ذلك أن أغلب الأفلام لها بعد تخييلي، أي أنها تحتفظ بالرئيس الأميركي كما هو لكنها تضيف إليه بعضاً من مقادير التشويق والتنويع الحكائي المبني على اللعب بالألياف القصصية وتنوعها، فتارة يكون الرئيس هو بطل الفيلم، وتارة أخرى يكون حارسه الشخصي، وهي في عمومها أفلام تمجد أميركا وتسعى جاهدة إلى إعادة الاعتبار لسلطتها وقوتها الخارقة في إنقاذ الشعوب من الضياع والتآكل.

وتحرص المؤسسات الرسمية على دعم مثل هذه الأفلام والإشادة بها، طالما أنها تساير فكرها وتكرس سلطتها على العالم، وتعمل هذه الأفلام لا على نقد تفكير السلطة وممارساتها القمعية وعلاقاتها الدبلوماسية، وإنما تكريس أفكارها وسلوكاتها تجاه المجتمعات الأخرى.

 

 

لقد حرصت السياسة المركزية على استغلال السينما وجعلها أداة بناء صورتها في المجتمعات المنكوبة سياسياً واجتماعياً، كما جعلت منها أفقاً لتمرير بعض الأفكار والأزعومات والأغاليط التي تعمل أميركا على فرضها باعتبارها مجموعة من الحقائق كما هي الحال في غزوها للعراق عام 2003.

يقول الكاتب سليمان صالح في هذا الصدد إن "دراسة تاريخ السينما توضح أن الدول استخدمتها لبناء قوتها السياسية، وللتأثير في الشعوب، ‏لذلك تم تطوير علاقة استراتيجية بين شركات الإنتاج السينمائي والنظام الأميركي بكل مؤسساته، ‏وعلى رأسها وزارة الخارجية، وفي إطار تلك الشراكة استخدمت الإدارة الأميركية السينما ‏لنقل رسائلها إلى الشعوب، ‏وبناء صورة إيجابية لأميركا، ‏وتشويه صورة الأعداء، ‏وتحديد الدول التي يمكن الثقة فيها، ‏وبناء العلاقات معها؛ لذلك يرى روبرت جريج أن أفلام السينما تعد النوافذ التي ‏نرى منها العلاقات الدولية".

إن السينما في هذه الحالة تصبح عبارة عن دعاية سياسية كاذبة ووسيلة لإنتاج الحقائق المزورة، ويأتي ذلك وعياً من المؤسسات السياسية بقيمة هذا الفن في ممارسة السحر على الناس عن طريق اجتراح حكايات متخيلة وتأجيجها بعشرات من المواقف الأيديولوجية الكاذبة، تارة على شكل صوَر عابرة وأحياناً أخرى مدرجة في الحوارات السينمائية.

ولعل عشق الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للسينما وجمالياتها وشغفه الدائم بها دفعه عام 2018 إلى التفكير في إنتاج أفلام سينمائية وثائقية، وهذا الانطباع يظهر بقوة علاقة السينما بالبيت الأبيض ورغبة الأخير في تملك السينما وتحويلها إلى أداة للدعاية السياسية وقوة مؤثرة وناعمة في بناء علاقات دبلوماسية مع دول أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما