ملخص
إلى أين تتجه أصوات الشباب الأميركي؟ وما القضايا التي تستميلهم أكثر؟
بعدما كشفت دراسات كثيرة عن أن الناخبين الشباب كان لهم تأثير واسع وحاسم في الانتخابات الرئاسية عام 2020، وكذلك الانتخابات النصفية للكونغرس عامي 2018 و2022 بفضل تحطيمهم الرقم القياسي في المشاركة، يحاول كل من دونالد ترمب وكامالا هاريس اجتذاب هذه الفئة العمرية التي ستقرر إلى حد بعيد نتيجة الانتخابات الرئاسية، وبدا ذلك ملموساً في مشاركة مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي للبث المباشر مع منشئي المحتوى الشباب الذين يحظون بشعبية، فإلى أين تتجه أصوات الشباب الأميركي؟ وما القضايا التي تستميلهم أكثر؟
تأثير كبير
تشكل الأجيال الشابة في الولايات المتحدة نحو 130 مليون نسمة مما يجعلها تمثل نصف عدد الناخبين الأميركيين تقريباً، بينما تشير دراسة أجراها معهد "بيركلي" للشباب الأميركي التابع لجامعة كاليفورنيا في يونيو (حزيران) الماضي إلى أن الناخبين الشباب لديهم نظرياً الأرقام اللازمة لتحديد نتيجة الانتخابات المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني)، بعدما أثبتوا من خلال مشاركتهم التي حطمت الأرقام القياسية السابقة قدرتهم على إحداث تأثير واسع وحاسم في الانتخابات الرئاسية عام 2020، وكذلك انتخابات الكونغرس النصفية في عامي 2018 و2022، مما يجعلهم يبرزون كمركز ديموغرافي للقوة في السياسة الأميركية.
وتوضح تقديرات مركز المعلومات والبحوث حول التعلم والمشاركة المدنية في جامعة تافتس، المعروف اختصاراً باسم (سيركل)، إلى أن أكثر من 40 مليون عضو من الجيل (Z) الذين ولدوا بين 1997 و2012 سيكونون مؤهلين للإدلاء بأصواتهم هذا الخريف، منهم 8 ملايين تأهلوا عمرياً للمرة الأولى للتصويت خلال هذه الدورة الانتخابية.
وعلى رغم أن معدلات الإقبال على التصويت بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة ظلت لأعوام طويلة في نطاق 30 إلى 40 في المئة، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء، إلا أنهم تجاوزوا 50 في المئة عام 2020، وهو ما يمثل أعلى نسبة إقبال على التصويت في القرن الـ21 عند مراعاة جميع الأعمار والتركيبة السكانية.
تغيير حاسم
قبل شهر يوليو (تموز) الماضي قدم تحليل لمعهد "بيركلي" واستطلاع آخر لجامعة هارفرد رؤى صادمة للناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و43 سنة حول الاعتقاد السائد لديهم بأن الأنظمة الحكومية غير فعالة وغير قادرة على معالجة التحديات الحرجة التي تقع على عاتق أجيالهم، بسبب نظرتهم السلبية للقيادات السياسية التي تنتمي لجيل الحرب العالمية الثانية بمن فيهم ترمب (78 سنة) وبايدن (82 سنة) قبل أن ينسحب من السباق الرئاسي، وبالتالي تراجعت ثقتهم بالمؤسسات المجتمعية والحكومة، وكان هذا رادعاً محتملاً لإقبالهم على التصويت.
لكن هذا كله تغير خلال الأسابيع الأخيرة، إذ أشار الارتفاع الأخير في أرقام تسجيل الناخبين إلى تغيير حاسم، فقد أوضحت صحيفة "يو إس إيه توداي" أنه في أول 48 ساعة بعد إعلان الرئيس بايدن في الـ 21 من يوليو الماضي انسحابه من السباق الانتخابي، وأن نائبته هاريس ستترشح مكانه، وجد موقع متخصص بالتصويت أن أكثر من 38500 شخص سجلوا أسماءهم للتصويت، وبعد أيام قليلة تجاوز الرقم 100 ألف، كان 85 في المئة منهم دون سن الـ 35 ونحو 20 في المئة منهم تبلغ أعمارهم 18 سنة.
كما سجل ما يقارب 30 ألف شخص أنفسهم للتصويت في الأسبوع الذي شهد محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترمب وإعلان اختياره لزميله في الترشح، السيناتور الجمهوري جي دي فانس، مما يشير إلى أن الشباب ربما بدأوا متابعة السباق الرئاسي وإدراك التأثير الذي قد تحدثه مشاركتهم.
وإذا كان استطلاع رأي الشباب الذي أجراه معهد السياسة في كلية هارفارد كينيدي في مارس (آذار) الماضي أوضح أن نحو 53 في المئة من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة أكدوا أنهم سيصوتون في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فهذا يعني الآن بعد انسحاب بايدن وتزايد سخونة المعركة الانتخابية أن إقبال الشباب على التصويت سيسجل رقماً قياسياً جديداً في نوفمبر المقبل.
خيبة أمل
ومن المدهش، بحسب معهد "بيركلي"، أن قيم الناخبين من الجيل ((Z الذين ولدوا بين عامي 1997 و2012 وجيل الألفية الذين ولدوا بين عامي 1981 و1996 تتقارب عبر الطيف السياسي نحو الاتفاق على قضايا رئيسة، فالشباب الليبراليون والشباب المحافظون يريدون عملاً حكومياً فعالاً لحل التحديات التي تواجههم، في تناقض صريح مع آبائهم وأجدادهم الذين ظلوا على مدى نصف قرن في صراع حول الدور الذي يجب أن تضطلع به الحكومة الفيدرالية.
وتعتبر مديرة السياسات في المعهد إيرين هيز أن جيل الألفية والجيل ((Z يمثلان جيلين مختلفين عن أي جيل آخر بسبب الأخطار التي لا يمكن للأجيال الأكبر سناً أن تتخيلها، مثل التفاوت الاقتصادي الشديد وأزمة الإسكان وتغير المناخ والتغير التكنولوجي السريع الذي يهز الاستقرار السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة، ولهذا يشعر الشباب باليأس إزاء هذه التحديات كما يشعرون بخيبة الأمل إزاء النظام السياسي الذي لا يستجيب لحاجاتهم، ولأن الأجيال الأكبر سناً فشلت في معالجة هذه المشكلات وتسلمها ببساطة للأجيال الجديدة.
الشباب قادمون
لكن أهمية هذه الكتلة الانتخابية المهمة دفعت كلاً من الرئيس السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس كامالا هاريس إلى محاولة الاستفادة من حماسة الشباب من خلال المشاركة في البث المباشر مع منشئي المحتوى الشباب المشهورين، ومن خلال نسخ بعض الألوان المميزة والمواضيع المحددة التي تظهر غالباً في محتوى الشباب عبر الإنترنت.
وأنشأ أنصار هاريس الشباب مقاطع فيديو شهيرة على "تيك توك" وميمات مشتركة على نطاق واسع، مما يشير إلى أن موجة الشباب قادمة في ظل ما نقلته الإذاعة الوطنية الأميركية بأن 36 في المئة من الأشخاص في فئة الشباب يلجأون إلى الإنترنت للحصول على معلومات قبل التصويت في الانتخابات، وذكر 12 في المئة منهم على وجه التحديد وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يوضح رغبة الناخبين الأصغر سناً في الوصول إليهم من خلال وسيلة ذات صلة بهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رهان "تيك توك"
ولهذا السبب ربما تمتع الديمقراطيون بدعم شبابي غير متوقع من المغنية البريطانية تشارلي إكس سي إكس التي غذت حماسة الشباب بتغريدتها "كامالا هي برات"، وهي كلمة تعني في الأصل اللغوي المراهق المشاغب الذي لا يتصرف بأدب ولباقة، لكن هذا المصطلح أصبح يحمل معنى آخر بعدما أطلقت المغنية البريطانية ألبوماً غنائياً يحمل الاسم نفسه (برات)، واعتبرت أنه إشارة إلى أسلوب الفتاة الشقية الرائعة كنوع من تقبل عدم الكمال وتعبيراً عن الشخص الصريح الصادق والمتقلب أيضاً.
وسرعان ما وجد هذا المصطلح طريقه للانتشار بين الشباب بشكل فيروسي وانتقل إلى شبكات التلفزيون الإخبارية التي سعت إلى تفسيره، وساعدت هذه الظاهرة في تغذية نهضة ثقافية تشتد الحاجة إليها في الحزب الديمقراطي بقيادة مجموعة جديدة من الشباب الأميركي.
وبعد أيام قليلة من تغريدة تشارلي إكس سي إكس الفيروسية انضمت هاريس إلى منصة "تيك توك" التي تُظهر الأبحاث أن ثلث الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة يحصلون بانتظام على أخبارهم منها، ومنذ ذلك الحين أصبح لدى هاريس أكثر من 4.3 مليون متابع على "تيك توك" وأكثر من 25 مليون إعجاب على مقاطع الفيديو الخاصة بها، ولهذا يراهن الديمقراطيون على قدرة "تيك توك" في حشد الشباب داخل بلد يتم تمثيلهم فيه بشكل ناقص في المؤسسات السياسية والانتخابات، ومن ثم يمكن أن تكون هذه المنصة واحدة من وسائل التواصل الاجتماعي التي تعمل على تشكيل السياسة وسبباً في الفوز بأصوات الشباب مثلما استغل ترمب عام 2016 منصة "إكس" (تويتر في السابق) مما ساعده في الفوز بالانتخابات.
ترمب أم هاريس؟
وإذا أجريت الانتخابات اليوم فمن المحتمل، وفقاً لاستطلاع مركز "إبسوس"، أن تحصل هاريس على نحو 50 في المئة من أصوات الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة، أو في بعض الحالات من 18 إلى 34 سنة، بينما لن يجذب ترمب سوى نحو 34 في المئة من الشباب.
لكن على رغم هذا الفارق الكبير فإن ذلك لا يعني أن الشباب يمكنهم بالفعل ترجيح كفة صناديق الاقتراع خلال نوفمبر المقبل، بحسب ما يقوله أستاذ السياسة في جامعة فيرجينيا جون هولبين، نظراً إلى أن معرفة عدد الناخبين الشباب الذين تحتاج هاريس إلى كسبهم للفوز بالانتخابات أمر صعب، ولهذا يرى كثير من الخبراء السياسيين أن هاريس بحاجة إلى التأكد من تأمين غالبية مهيمنة منهم.
وبغض النظر عما إذا كانوا يدعمون هاريس في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، فإن كثيراً من الشباب من غير المرجح أن يظهروا ويدلوا بأصواتهم بالفعل، مما قد يحرمها الحصول على الغالبية المهيمنة التي تحتاجها.
وبينما من الصعب معرفة عدد الشباب الذين سيدلون بأصواتهم في نوفمبر 2024، فإن المؤشرات الباكرة مثل عدد الشباب الذين يقولون إنهم يخططون للإدلاء بأصواتهم، تشير إلى أن نمط انخفاض إقبال الناخبين الشباب سيستمر في الولايات المتحدة التي تشهد أحد أدنى معدلات إقبال الناخبين الشباب في العالم، إذ تعد الفجوة بين من تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة ومن هم فوق سن الـ 60 أكبر من ضعفي الفجوة في بلدان أخرى مثل كندا أو ألمانيا.
عقبات وحلول
هناك عقبتان رئيستان في طريق الشباب للإدلاء بأصواتهم، والأولى هي أن الشباب ليسوا مهتمين بالتصويت، ففي استطلاعات الرأي الأخيرة يقول نحو 77 في المئة من الشباب إنهم يخططون للتصويت بالتأكيد في انتخابات نوفمبر المقبل، مقارنة بنحو 90 في المئة بالنسبة إلى لمواطنين الأكبر سناً، وأما الثانية وربما الأكثر أهمية فهي أن الشباب المهتمين بالتصويت غالباً ما لا يتابعون نياتهم بسبب افتقار كثير منهم إلى الثقة في أنفسهم وقدرتهم على التنقل خلال عملية التصويت للمرة الأولى، في ظل انشغالهم باهتمامات مزدحمة ومتغيرة باستمرار من الالتزامات التعليمية والعملية، فضلاً عن الافتقار إلى الخبرة في ملء استمارات تسجيل الناخبين والإدلاء بأصواتهم، ولهذا يبدو التصويت بمثابة عبء لا يمكن التغلب عليه بالنسبة إلى كثير من الشباب.
وإضافة إلى ذلك تبدو العقبة الأكبر أمام كثير من الشباب في تسجيل أسمائهم كناخبين، إذ تظهر بيانات مكتب الإحصاء الأميركي عام 2022 أن 40 في المئة فقط من الشباب قالوا إنهم مسجلون للتصويت في انتخابات التجديد النصفي، ولهذا يدفع الديمقراطيون والجمهوريون نحو تنظيم برامج تساعد الشباب في التسجيل للتصويت بطريقة فعالة لدفعهم إلى الإدلاء بأصواتهم، كما أصبح من الشائع بصورة متزايدة أن تساعد الحملات السياسية الشباب في وضع خطة للتصويت من خلال تحديد متى وأين سيصوتون، وكذلك كيفية وصولهم إلى موقع الاقتراع الخاص بهم.
وبحسب هولبين فإن الأساليب الأخرى، مثل إرسال رسائل تذكيرية نصية وتقديم وسائل النقل للوصول إلى صناديق الاقتراع، تعد فعالة أيضاً في مساعدة الشباب الذين يرغبون في التصويت على القيام بذلك، كما أن السياسات الحكومية التي تجعل التسجيل للتصويت والإدلاء بالأصوات أسهل من شأنها أيضاً أن تزيد إقبال الناخبين الشباب.
القضايا الأكثر أهمية للشباب
على عكس الاعتقاد السائد فإن القضايا الأكثر أهمية للناخبين الشباب هي القضايا نفسها الأكثر أهمية بالنسبة إلى الأميركيين ككل، وفقاً للمحلل السياسي وأستاذ التاريخ في جامعة سنترال فلوريدا جيم كلارك، الذي يشير إلى أن الشباب يهتمون بالقضايا الظاهرة ذاتها في الاتجاهات الوطنية على مستوى الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الافتراض بأن المجموعات المختلفة تصوت بطرق معينة هو اعتقاد خاطئ في ما يتعلق بالشباب.
وتشير دراسة في جامعة هارفرد إلى أن التضخم والرعاية الصحية والإسكان كلها احتلت المراكز الأولى في ما يعتبره الأميركيون الشباب أكثر المشكلات بروزاً في المجتمع، كما كشف استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث في مايو (أيار) الماضي أن التضخم والرعاية الصحية وتعاون الأحزاب السياسية كانت القضايا الأكثر أهمية نسبياً بالنسبة إلى الأميركيين بشكل عام.
وعندما يتعلق الأمر بما يبحث عنه الشباب في المرشح السياسي يظل اتجاه التأمل هذا كما هو، إذ تُظهر الأبحاث أن أولويات وتفضيلات الناخبين الشباب تتوافق مع غالبية الأميركيين عندما يتعلق الأمر بكيفية تحديد من يدعمون.
وبصورة عامة ينظر كثير من الشباب إلى هاريس على أنها مختلفة قليلاً عن الرئيس بايدن مما يفتح بعض الاحتمالات لتحديد مواقفها للناخبين الآن، أما ترمب فلم تتغير بعض الأشياء الحاسمة، فهو يحتفظ بتقدمه مع الناخبين الذين يقولون إنهم سيكونون أفضل حالاً من الناحية المالية معه، وأن سياساته من شأنها أن تقلل المهاجرين على الحدود، ومع ذلك فإن غالبية الأبحاث خلصت إلى أن تغيير الأجيال قد يخلق الظروف لقادة منتخبين أصغر سناً لوضع الحرب السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين جانباً، والسعي بدلاً من ذلك إلى أفكار جديدة لحل المشكلات المستمرة داخل المجتمع الأميركي.