Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التجارة الأميركية أمام تحدي التقارب الهندي - الصيني

تسعى الولايات المتحدة للاستناد إلى الصناعة في نيودلهي لتقليل الروابط التجارية مع مصانع بكين لتجنب انقطاع سلسلة الإمدادات

زادت حصة الصين في واردات الهند من المواد الكيماوية والأدوية بأكثر من 50 في المئة خلال الأعوام الـ5 الماضية (غيتي)

ملخص

تنمو الواردات الهندية من الصين بمعدل ضعف النمو العام وتشكل الآن ما يقارب من ثلث الواردات الهندية في صناعات تراوح ما بين الإلكترونيات والطاقة المتجددة إلى الأدوية، وفقاً لمبادرة "البحث التجاري العالمية" وهي مركز بحثي هندي

تسعى الأعمال الأميركية إلى تقليل اعتمادها على الصين، إذ تتجه بصورة متزايد إلى الهند كمركز تصنيع جديد كتدبير ضد الانقطاعات المحتملة في سلاسل الإمداد الصينية الناجمة عن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة أو جائحة أخرى.

ولكن مع زيادة إنتاج الهند للسلع مثل الهواتف الذكية والألواح الشمسية والأدوية، أصبح الاقتصاد الهندي نفسه أكثر اعتماداً على الواردات الصينية، خصوصاً للمواد المكونة لهذه المنتجات، وفقاً لأرقام التجارة والمحللين الاقتصاديين.

وتعد هذه الديناميكية بمثابة تذكير للواقع بالنسبة لصانعي السياسات الأميركيين الذين يروجون بصورة عاجلة للجهود الرامية لتنويع سلاسل الإمداد بعيداً من المصانع الصينية و"تقليل الأخطار" في العلاقة التجارية مع الصين.

وقالت الأستاذة المشاركة في جامعة "غيندال" والمتخصصة في العلاقات بين الهند والصين سريبانا باثاكن إلى صحيفة الـ"واشنطن بوست"، إنه "ما لم تتوقف الصين عن كونها الطرف الثالث الذي تأتي منه المكونات ونحن نقوم فقط بالتجميع، فلن يحدث تقليل الأخطار لأي بلد يأتي وينتج في الهند".

وتنمو الواردات الهندية من الصين بمعدل ضعف النمو العام وتشكل الآن ما يقارب من ثلث الواردات الهندية في صناعات تراوح ما بين الإلكترونيات والطاقة المتجددة إلى الأدوية، وفقاً لمبادرة "البحث التجاري العالمية" وهي مركز بحثي هندي، وتشمل هذه الواردات المنتجات النهائية إضافة إلى المواد الوسيطة للتصنيع.

في حين يأتي ما يقارب من ثلثي واردات الهند من المكونات الإلكترونية، مثل لوحات الدوائر الكهربائية والبطاريات، اليوم من الصين، وفقاً لـ"اتحاد الصناعات الهندية".

وتضاعف حجم هذه الواردات الصينية ثلاث مرات خلال الأعوام الخمسة الماضية، وفقاً لتقارير مبادرة البحث التجاري العالمية.

نمو حصة الصين في الواردات الهندية

وكثيراً ما كانت الهند مصدراً كبيراً للأدوية، بما في ذلك إلى الولايات المتحدة، ولكن بينما كانت الصناعة المحلية تصنع جزءاً كبيراً من مكوناتها الخاصة، أصبحت الآن تعتمد على الصين لكثير من المدخلات الصيدلانية المهمة، مثل الـ"باراسيتامول"، إذ إنه من 2007 إلى 2022، زادت حصة الصين في واردات الهند من المواد الكيماوية والأدوية بأكثر من 50 في المئة، وخلال الأعوام الخمسة الماضية فحسب، ارتفعت واردات الهند من الصين من مكونات الأدوية ومنتجات الأدوية الوسيطة الأخرى بأكثر من نصف، وفقاً لتقرير مبادرة البحث التجاري العالمية.

ولدعم إنتاج المنسوجات والملابس الهندية على اعتبار أنها صناعة تصدير مهمة أخرى، زادت الهند وارداتها من الخيوط والأقمشة من الصين، وحتى صناعة السيارات التي تعد قصة نجاح من حيث المبيعات المحلية والتصدير، قد زادت أيضاً من وارداتها من قطع غيار السيارات والأكسسوارات من الصين.

وكما هي الحال مع الإلكترونيات، حققت الهند تقدماً كبيراً في إنتاج الألواح الشمسية، لكنها أصبحت الآن تعتمد بصورة أكبر على خلايا الشمسية الصينية التي تستخدم في تصنيعها.

وبعد أن فرضت الولايات المتحدة قيوداً على واردات المواد المستخدمة في الألواح الشمسية الصينية بسبب المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان وانتهاكات العمالة، شهدت صادرات الهند من الألواح الشمسية إلى السوق الأميركية ارتفاعاً حاداً في عام 2022، بزيادة بلغت تقريباً 150 في المئة من حيث القيمة، وفقاً لأرقام التجارة الحكومية الأميركي، وشهد عام 2023 زيادة أكثر حدة.

وخلال تلك الفترة، كانت الهند تستورد بين نصف إلى جميع مكونات الألواح الشمسية مثل الوحدات والخلايا والرقائق والزجاج الشمسي من الصين بين عامي 2021 و2023، وفقاً لتقرير "بلومبيرغ أن أي أف" الصادر في نهاية العام الماضي.

استبعاد المدخلات من الصين من سلاسل الإمداد الأميركية

وقال مسؤولون كبار في إدارة بايدن، إنه من غير الواقعي في الوقت الحالي التفكير في استبعاد المدخلات من الصين من سلاسل الإمداد الأميركية.

وأضاف مسؤول كبير في الإدارة، متحدثاً بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة استراتيجيات حساسة تجاه الصين، "لقد اتخذنا وجهة نظر أكثر عملية، إذ إن الخطوة الأولى لتنوع فعال هي الحصول على موطئ قدم في أجزاء سلسلة الإمداد التي يمكنك تنويعها اليوم، ومن ثم يمكنك النمو في الاتجاه الأعلى".

وفي ما يتعلق بالحضور الكبير للمكونات الصينية في الألواح الشمسية المصنوعة في الهند، قال المسؤول "نحن ندرك أننا في المرحلة الأولى من لعبة طويلة، ولكننا في نقطة تحول، إذ يوجد الآن اعتراف واضح، ليس فقط في الولايات المتحدة والهند ولكن بين الأصدقاء والحلفاء، بأن الاعتماد المفرط على مصدر واحد في اقتصاد الطاقة النظيفة غير مستدام ويتطلب جهداً منسقاً للتخفيف من الأخطار، لكن الأمر سيستغرق وقتاً".

وتواصل الهند أيضاً الاعتماد على روسيا للنفط الخام، على رغم العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، وأن معظم معدات الدفاع الهندية لا تزال روسية، على رغم أن نيودلهي قد بدأت في التحول إلى موردين آخرين.

وحتى عندما حاولت الهند إنتاج مكوناتها الخاصة للسلع المصنعة، ظلت تعتمد على الصين من حيث الخبرة، وضغط ممثلو الصناعة الهندية على الحكومة لتخفيف القيود على تأشيرات العمال الفنيين الصينيين بحيث يمكنهم مساعدة الهنود في استخدام الآلات الصينية لإنتاج الهواتف الذكية وكذلك المنسوجات وحتى الأحذية.

الصين تدعم الهند

من جانبه قال الاقتصادي في جامعة "برينستون" أشوكا مودي، "يمكن للصينيين مساعدة الهند على تأمين موطئ قدم على أدنى درجات السلم العالمي للمهارات، وهذه الدرجات ترتفع"، مضيفاً "يجب على الهند القفز الآن".

وتابع، "التهكم المذهل من دعوة الاعتماد على الذات يضيع على المسؤولين الهنود تماماً في وقت يعتمد فيه النمو الاقتصادي للهند بصورة متزايدة على الخبرة الأجنبية، وخصوصاً من الصين".

في وقت يدعو عدد من المحللين الهنود، على نحو متناقض، الهند للاستفادة من العلاقة مع الصين من أجل تنويع مصادرها.

الهند تحتاج إلى الصين لمدة نصف عقد

وقال رئيس جمعية الهواتف المحمولة والإلكترونيات الهندية بانكاغ موهيندرو، إن "الهند تحتاج إلى الصين لمدة نصف عقد في الأقل مع الدعم الكامل من الولايات المتحدة لتتمكن من بناء نفسها كبديل على نطاق واسع".

واقترح المستشار الاقتصادي الرئيس للحكومة الهندية أنانثا ناغيسواران، أيضاً تخفيف القيود على الاستثمارات الصينية، من أجل تعزيز التصنيع الهندي وربط الهند بسلسلة التوريد العالمية، قائلاً "من الضروري أن تدمج الهند نفسها في سلسلة التوريد الصينية"، كما جاء في تقرير اقتصادي أعده مكتبه أخيراً.

وأضاف، "سواء فعلنا ذلك من خلال الاعتماد فقط على الواردات أو جزئياً من خلال الاستثمارات الصينية هو خيار يجب على الهند اتخاذه".

وكانت الهند قد أغلقت أبواب الاستثمار الصيني بعد الاشتباكات التي دارت بين جنود البلدين على حدود الهيمالايا في عام 2020، التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 20 جندياً هندياً وأربعة صينيين، مما أشعل موجة واسعة من مقاطعة السلع الصينية.

أما اليوم، فيوجد أكثر من 50 ألف جندي على جانبي الحدود المتنازع عليها، ولم تسفر العشرات من جولات المفاوضات عن أي اختراق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ عام 2020، تم تقييم مقترحات الاستثمار الصينية وتلك من الدول المجاورة الأخرى بصورة فردية، وهو ما يصفه المسؤولون في الحكومة والصناعة بأنه عملية بطيئة وشاقة.

ومع ذلك، يبدو أن الإجراءات الحكومية الهندية أظهرت أخيراً بعض التخفيف، ففي أغسطس (آب) الماضي، أصدرت الهند إرشادات جديدة لتسريع تأشيرات الدخول من الصين والدول المجاورة الأخرى.

وقال مسؤول حكومي، طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة الأمور الحساسة، إلى الصحيفة، إنه "منذ أبريل (نيسان) الماضي، تمت الموافقة على 11 مقترحاً للاستثمار في قطاع الإلكترونيات يتضمن الصين، بما في ذلك شركات صينية مثل مصنع مكونات الإلكترونيات (لوكشير)".

توسيع الاستثمارات الصينية في الهند رغم التحديات

وكانت بدأت الشركة الصينية "فيفو" في بناء مصنع لتصنيع الهواتف الذكية خارج نيودلهي، ليحل محل منشأة قديمة ويسهم في تعزيز الصادرات، وشركة "شين" أيضاً وهي مجموعة للأزياء السريعة أسسها صينيون، ستدخل قريباً في شراكة مع شركة "ريلاينس" الهندية مع التركيز على سوق الصادرات، إضافة إلى ذلك، شكلت شركة السيارات الصينية "أس آي أي سي موتور" مشروعاً مشتركاً مع مجموعة "جي أس دبليو" الهندية لإنتاج مليون سيارة كهربائية في الهند بحلول عام 2030، وذلك في البداية للسوق المحلية، ومن ثم للبيع في الخارج.

وأشار مدير مركز الدراسات الجنوب آسيوية في جامعة "فودان" الصينية تشانغ جايدونغ في مقال نشرته صحيفة "غلوبال تايمز" إلى أن "تحسن العلاقات بين الصين والهند جاء متأخراً عن المتوقع"، مستدركاً "لكنه قد وصل أخيراً".

لكن هذا التحسن لا يعني زيادة كبيرة في الاستثمار المباشر الصيني في التصنيع الهندي، على رغم أن واردات السلع الوسيطة من الصين تشهد ارتفاعاً هائلاً، وفقاً للمحللين الاقتصاديين.

 

وعلى رغم التخفيف التدرجي لبعض القيود على الاستثمارات الصينية، لا يتوقع المحللون أن يتدفق رأس المال الصيني بصورة كبيرة إلى السوق الهندية، إذ يوضح نائب مدير مركز الدراسات الجنوب آسيوية في جامعة "فودان" لين مينوانغ أن "الحكومة الهندية تظهر عدم الود تجاه الاستثمارات الصينية".

وعلى سبيل المثال، حُظر توسيع شركة السيارات الصينية "بي واي دي" في الهند، وواجهت شركات الهواتف الذكية الصينية مثل "فيفو" و"أو بي بي أو" و"شاومي" تحقيقات في الهند بتهم التهرب الضريبي أو غسل الأموال، بما في ذلك اعتقال عدد من التنفيذيين.

ومع ذلك، يتفق المحللون على أن الإمدادات الصينية تظل حيوية لطموحات الهند في التصنيع، فتقول محللة السياسة الخارجية ومديرة مركز "آنانتا" في نيودلهي إندراني باغتشي "بغض النظر عما نقوله، فإن الصين هي أكبر منتج للمكونات، فلا مفر من ذلك"، مضيفة "لسنا في مجال تقليص نمو صناعتنا".