Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السيسي في تركيا... خطوة جديدة على طريق "المصالحة الصعبة"

البلدان يصفان الزيارة بـ"التاريخية" بعد عقد من التوتر وملفات الاقتصاد وتعزيز التجارة وخفض التصعيد في الشرق الأوسط تتصدر المحادثات بين الرئيسين

تتضمن زيارة السيسي الأولى من نوعها إلى تركيا عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بمشاركة رئيسي البلدين (اندبندنت عربية)

ملخص

تهدف الزيارة التي وصفت بـ"التاريخية" من قبل البلدين، لاستعراض العلاقات التركية- المصرية في جميع جوانبها ومناقشة الخطوات المشتركة الممكنة في الفترة المقبلة لمواصلة تطوير التعاون، فضلاً عن مناقشة أبرز القضايا على مستوى الإقليم، الذي يشهد تحديات جمة تتطلب التشاور والتنسيق بين البلدين.

في أول زيارة من نوعها لرئيس مصري إلى تركيا منذ عام 2013، حط الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اليوم الأربعاء في العاصمة التركية أنقرة، لإجراء محادثات رفيعة المستوى مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في مؤشر جديد إلى تحسين العلاقات بين البلدين المهمين في المنطقة بعد أن شابها التوتر والقطيعة لنحو عقد من الزمن.

وتأتي زيارة السيسي التي من المقرر أن تتضمن "مناقشات معمقة" حول مختلف القضايا الثنائية والإقليمية، فضلاً عن عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بمشاركة رئيسي البلدين، لـ"تأسيس مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين"، وفق ما أعلنت بيانات رسمية صادرة عن رئاسة البلدين.

وتحسنت العلاقات بين القاهرة وأنقرة بعد أن شهدت قطيعة وتوترات دامت أعواماً، وعلى مدار الأعوام الأخيرة تبادل البلدان الزيارات على مستوى وزراء الخارجية، وجاءت نقطة التحول الرئيسة بعد اللقاء بين أردوغان والسيسي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 في العاصمة القطرية الدوحة، على هامش حضورهما افتتاح كأس العالم لكرة القدم 2022، واستمر الرئيسان بعدها في عقد لقاءات على هامش اجتماعات دولية، وذلك قبل أن يحط الرئيس التركي في القاهرة لأول مرة في فبراير (شباط) الماضي.

"تأسيس" مرحلة جديدة من العلاقات

وفق بيانات صادرة عن رئاسة الجمهورية في البلدين، فإن الزيارة التي وصفت بـ"التاريخية" تهدف لاستعراض العلاقات التركية- المصرية في جميع جوانبها ومناقشة الخطوات المشتركة الممكنة في الفترة المقبلة لمواصلة تطوير التعاون، فضلاً عن مناقشة أبرز القضايا على مستوى الإقليم، الذي يشهد تحديات جمة تتطلب التشاور والتنسيق بين البلدين.

وقال السفير أحمد فهمي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية، إن زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا، التي تأتي تلبية للدعوة المقدمة من نظيره التركي، "تمثل محطة جديدة في مسار تعزيز العلاقات بين البلدين، وللبناء على زيارة الرئيس أردوغان التاريخية لمصر في فبراير الماضي، وتأسيساً لمرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين، سواء ثنائياً أو على مستوى الإقليم".

وأوضح فهمي أنه من المنتظر أن تشهد الزيارة محادثات معمقة بين السيسي وأردوغان، إضافة إلى "رئاسة الرئيسين للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا، أعيد تشكيله وفقاً للإعلان المشترك الموقع خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى القاهرة في 14 فبراير (شباط) الماضي، الذي من المقرر أن يتناول سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية في مختلف المجالات، إضافة إلى تبادل الرؤى إزاء القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها جهود وقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنهاء المأساة الإنسانية بالقطاع، وخفض التصعيد في الشرق الأوسط"، كما سيشهد الرئيسان التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين حكومتي الدولتين في مختلف مجالات التعاون.

من جانبه، قال مكتب الاتصال بالرئاسة التركية في بيان أمس الثلاثاء، إنه "سيتم استعراض العلاقات التركية- المصرية في جميع جوانبها ومناقشة الخطوات المشتركة الممكنة في الفترة المقبلة لمواصلة تطوير التعاون الثنائي بين البلدين".

وأضاف البيان "إضافة إلى العلاقات الثنائية، سيجري تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والعالمية الراهنة، وبخاصة الهجمات الإسرائيلية على غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة"، مشيراً إلى أنه من المقرر خلال الزيارة عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بمشاركة رئيسي البلدين، إذ سيجري التوقيع على اتفاقات ومذكرات متعددة تهدف إلى تعزيز الأساس التعاقدي للعلاقات بين البلدين.

 

وفي 21 يوليو (تموز) الماضي، قال الرئيس التركي، إن تطوير علاقات بلاده مع مصر "سيعزز كثيراً من إمكاناتنا الاقتصادية".

إلى ذلك، قالت وكالة "الأناضول" التركية (حكومية)، إن البلدين سيوقعان نحو 20 اتفاقاً لتعزيز العلاقات التجارية والتعاون في مجالات الطاقة والدفاع والسياحة والصحة والثقافة والتعليم. وأضافت أنه من المقرر أيضاً توطيد التعاون في مجالي الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي المسال.

إلى ذلك، ذكر السفير التركي في القاهرة، إن زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا زيارة تاريخية، ولها أهمية خاصة، موضحاً في تصريحات نقلتها وسائل إعلام مصرية، أن الهدف من الزيارة هو إعادة العلاقات مع مصر بعد فترة من الركود، لافتاً إلى أن الزيارة لها دلالات مهمة، وأن مصر وتركيا بينهما علاقة صداقة لا يمكن التنازل عنها.

وتوقع السفير التركي وصول حجم التعاون الاقتصادي بين البلدين هذا العام إلى رقم قياسي، مشيراً إلى العمل على الوصول بحجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 15 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة

التحديات تفرض ضرورة التنسيق والتعاون

وفق عدد من المراقبين ممن تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" فإن زيارة الرئيس المصري إلى تركيا، تعد فرصة لإرساء تفاهمات مشتركة، إذ تبرز أهميتها من حيث التوقيت وحجم التحديات التي تواجه المنطقة والإقليم مما يفرض ضرورة التنسيق والتعاون بين البلدين المهمين في المنطقة.

ويقول السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، "العلاقات المصرية التركية أصبحت اليوم قائمة على أسس واضحة وتجاوزنا مرحلة الخلافات الشديدة التي كانت تخيم على علاقات البلدين في الفترة ما بين 2013 و2021"، موضحاً في حديثه معنا، أن الزيارة "تكرس لهذه المصالحة الكبرى بين البلدين، التي مما لا شك فيه ستفيد كلا البلدين على صعيد العلاقات الثنائية وستنعكس بالإيجاب على قضايا منطقة الشرق الأوسط".

ووفق هريدي، فإن جدول الزيارة سيركز بالأساس على "تعزيز ودعم العلاقات الثنائية فضلا عن أزمات المنطقة لا سيما الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وملفات ليبيا والسودان والقرن الأفريقي وغاز المتوسط والبحر الأحمر وإثيوبيا والملف الصومالي"، موضحاً أنها "تأتي وسط تطورات وتوترات غير مسبوقة في كل هذه الملفات، وعليه أعتقد أن هدف البلدين في الوقت الراهن العمل معاً لخفض هذه التوترات والإسهام في إيجاد حلول عاجلة لها".

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي التركي جواد غوك، إن "الأوساط التركية الرسمية وغير الرسمية تعلق آمالاً كبيرة على هذه الزيارة للدفع قدماً في تحسين العلاقات وتطويرها فضلاً عن تنسيق المواقف بين البلدين في ما يتعلق بالتوترات والتحديات التي تعم منطقة الشرق الأوسط"، موضحاً في حديثه معنا، "آمل أن تكون الزيارة ليست بروتوكولية وتتضمن نتائج ملموسة وخطوات عملية لتأكيد استراتيجية العلاقات بين الدولتين بما يخدم مصالح شعبي البلدين المصري والتركي".

وذكر غوك، "لا شك أن الزيارة تكتسب أهميتها كذلك من قدرات البلدين السياسية والعسكرية والاقتصادية ودورهما في التأثير بإيجابية في الأحداث الإقليمية في حالة تعزيز ودعم التنسيق والتشاور بينهما"، مشيراً إلى وجود تقارب في وجهات النظر في شأن عدد من القضايا الإقليمية، في مقدمها القضية الفلسطينية والموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة، والمخاوف المتعلقة باحتمالات توسعها، فضلاً عن النزاع الإثيوبي- الصومالي في القرن الأفريقي وكذلك الحرب السودانية.

 

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تعزز الحوار التركي بين مصر وتركيا، وزاد التنسيق بين البلدين في شأن القضية الفلسطينية، وتجلي ذلك في إشادة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي زار القاهرة مرات عدة خلال هذه الفترة، بتقدير عن جهود الإدارة المصرية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة ومساعي وقف إطلاق النار.

أعوام القطيعة ومحطات تطبيع العلاقات

تعد زيارة الرئيس المصري إلى تركيا الأولى، بعد زيارة أجراها نظيره التركي إلى مصر في فبراير (شباط) الماضي، عدت بمثابة تتويج لتطبيع العلاقات بين البلدين الذي انطلق خلال الأعوام الأخيرة، ووصل إلى حد تبادل السفراء في يوليو (تموز) 2023، وتخللته لقاءات ثنائية، كان الأول تلك المصافحة الشهيرة بين السيسي وأردوغان بالدوحة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 على هامش افتتاح مونديال قطر، بحيث اتفق الجانبان على تدعيم أواصر العلاقات والتعاون ورفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء، وأعقبه بعد نحو عام لقاء آخر بين الرجلين على هامش "قمة الـ20" بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

ومنذ إطاحة نظام الإخوان المسلمين في 2013، شهدت العلاقات بين البلدين قطيعة وسحباً للسفراء، بعدما هاجم أردوغان السلطة في مصر ووصفها بأنها "انقلاب على رئيس منتخب"، فيما اتهمت مصر تركيا بـ"تمويل الإرهابيين" بعدما فتحت أنقرة أبوابها للقيادات "الهاربة" من جماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها السلطات المصرية.

واستمر التوتر بين البلدين مع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة عام 2014، فانتقده أردوغان بشدة في مناسبات عدة، قائلاً إنه لن يقبل بأن يكون هناك اتصال مع السيسي. ومنذ ذلك الحين، بقيت العلاقات الدبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال، وألغيت تدريبات عسكرية مشتركة كان متفقاً عليها واستمر التشاحن الإعلامي وتواصلت التجاذبات السياسية بين القاهرة وأنقرة خلال الأعوام التالية، فيما لم تتأثر التجارة البينية بتلك القطيعة.

وبدأ التقارب بين البلدين عام 2021 بعد تبادل إشارات الرغبة في التقارب، إذ بدأت اللقاءات المباشرة على مستوى أجهزة الاستخبارات ثم على مستوى وكلاء وزارة الخارجية، بيد أن الموقف المصري من عودة العلاقات كاملة ظل سلبياً مشترطاً أن "تقترن الأقوال بالأفعال" من الجانب التركي، لا سيما في ظل استمرار المعارضة المصرية التي اتخذت من منصات إعلامية تصدر من تركيا، منبراً للهجوم على السلطات المصرية، مما اعتبرته القاهرة تدخلاً تركياً ضاراً بأمنها القومي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال عامي 2022 و2023، اتخذ التقارب مساراً أكثر جدية، بعد المصافحة التي جمعت السيسي بأردوغان في الدوحة، أعقبها اتصال هاتفي بين الرجلين غداة وقوع زلزال السادس من فبراير 2023 الذي خلف أكثر من 50 ألف قتيل في تركيا. وفي يوليو تم تعيين سفراء من الجانبين. وفي سبتمبر (أيلول) عقد الزعيمان لقاء مطولاً للمرة الأولى وجهاً لوجه على هامش قمة "مجموعة الـ20" في نيودلهي، وتزامن مع ذلك تقارب مصالح البلدين في عدد من الملفات الإقليمية الساخنة لا سيما في السودان وليبيا، خصوصاً بعد أن كانت الأخيرة مسار خلاف جوهري بين البلدين، إذ يدعم البلدان طرفين متنافسين في شرق ليبيا وغربها.

وكانت أبرز التغيرات التي انتهجتها أنقرة في الملف الليبي، إعلانها أخيراً انفتاحها على شرق ليبيا واعتزامها فتح قنصلية هناك، في ظل اتجاه تركي للتعاون مع كل من مصر والإمارات هناك، لا سيما في مجال الإعمار وإنهاء الانقسام بين الشرق والغرب.

وبالتوازي مع ذلك، استقبلت القاهرة الإجراءات التركية لتحجيم عمل وسائل الإعلام المعارضة للنظام المصري المنطلقة من تركيا ومغادرة عدد من قيادات تلك المعارضة الإعلامية والسياسية إلى بلدان أخرى، بصورة إيجابية.

في الأثناء شهدت العلاقات الاقتصادية التي لم تتأثر بالتوترات السياسية بين البلدين، تطوراً خلال الأعوام الأخيرة، وبقيت القاهرة أكبر شريك تجاري لأنقرة في القارة الأفريقية، في وقت يستهدف البلدان خلال الأعوام الخمسة المقبلة، النهوض بحجم التجارة الثنائية من 10 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار مع إمكان استخدام العملات المحلية في التجارة.

المزيد من الشرق الأوسط