Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا جورجيا "حاسمة" للفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية؟

ربما تقرر مع بنسلفانيا نتيجة السباق بصرف النظر عن الولايات المتأرجحة الأخرى

تقدم ترمب وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة بنقطتين في جورجيا وتتقدم هاريس بثلاث نقاط في بنسلفانيا (أ ف ب)

ملخص

مع امتلاك الولاية الجنوبية 16 صوتاً انتخابياً من أصوات المجمع الانتخابي البالغ عددها 538 احتلت جورجيا مكانتها ضمن المراكز الـ10 الأولى بين جميع الولايات الأميركية من حيث أعلى الأصوات الانتخابية عدداً، وصارت مع كل من ولايتي بنسلفانيا (19 صوتاً انتخابياً) ونورث كارولاينا (16 صوتاً انتخابياً) الأكثر أهمية بين الولايات المتأرجحة الأخرى التي ستحسم نتيجة السباق الانتخابي.

كان فوز الرئيس الأميركي جو بايدن المفاجئ في ولاية جورجيا عام 2020 هو المرة الأولى منذ ثلاثة عقود التي يفوز فيها مرشح رئاسي ديمقراطي بالولاية الجنوبية الواقعة في ما يسمى حزام الشمس الذي يضم 18 ولاية يميل غالبيتها للتصويت لمصلحة الجمهوريين، لكن جورجيا اكتسبت هذا العام أهمية خاصة جعلتها إلى جانب بنسلفانيا أهم ولايتين في السباق الانتخابي الأميركي لاعتبارات تتعلق بحسابات المجمع الانتخابي، مما جعل كلاً من المرشحين الرئاسيين ترمب وهاريس يكثفان جهودهما للفوز بجورجيا، فما هذه الحسابات، وكيف أصبح لولاية جورجيا هذا الدور الرئيس في حسم نتيجة السباق الرئاسي الأميركي؟

مثال على التحول

منذ أواخر القرن الـ19 وحتى عام 1960 صوتت ولاية جورجيا للمرشح الرئاسي الديمقراطي في كل انتخابات، لكن بدءاً من عام 1964 اختار ناخبوها المرشحين الجمهوريين في جميع السباقات باستثناء خمسة، ومع ذلك حافظت منذ بداية القرن الـ21 على ولائها الشديد للجمهوريين، إذ صوتت لمصلحة دونالد ترمب بفارق خمسة في المئة ضد هيلاري كلينتون عام 2016، وصوتت لمصلحة المرشح الجمهوري ميت رومني عام 2012 بفارق ثمانية في المئة ضد الرئيس باراك أوباما، وخلال عام 2008 صوتت لمصلحة الجمهوري جون ماكين بفارق 5.2 في المئة ضد أوباما، وعام 2004 صوتت لمصلحة الرئيس جورج دبليو بوش بفارق 16 في المئة ضد المرشح الديمقراطي جون كيري، وعام 2000 صوتت لمصلحة بوش ضد المرشح الديمقراطي آل غور بفارق 11.7 في المئة.

لكن فجأة أصبحت جورجيا مثالاً رئيساً على التحول إلى فئة الولايات المتأرجحة في أعقاب فوز الرئيس جو بايدن بها عام 2020 بفارق 11000 صوت فحسب، ومنذ ذلك الحين اكتسبت اهتماماً غير مسبوق في الانتخابات الرئاسية الأميركية، عكسته زيارات المرشحين المتكررة للولاية والإنفاق المالي الواسع على الإعلانات بها، واستضافت جورجيا أول مناظرة رئاسية للانتخابات العامة خلال الـ27 من يونيو (حزيران) الماض في مدينة أتلانتا والتي أثارت مخاوف هائلة في شأن عمر بايدن وحدته العقلية وكانت سبباً في تنحيه عن السباق، وقدمت كامالا هاريس نفسها للجمهور خلال جولة انتخابية لها بالولاية مع نائبها تيم وولز عبر شبكة "سي أن أن" قبل أيام، في أول مقابلة تلفزيونية تجيب فيها على أسئلة متحدية.

أهمية غير مسبوقة

تأتي أهمية هذا التحول في أن جورجيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 11 مليون نسمة، حافظت خلال عام 2024 أيضاً على وضعها الأخير كولاية متأرجحة حاسمة في السباق إلى البيت الأبيض، إذ يتمتع مرشحو الحزبين الديمقراطي والجمهوري بمستويات مماثلة أو متقاربة جداً من الدعم، على رغم أن الاختلافات قد تحدث بسبب تغير التركيبة السكانية والإقبال على التصويت وعوامل أخرى.

ومع امتلاك الولاية الجنوبية لـ16 صوتاً انتخابياً من أصوات المجمع الانتخابي البالغ عددها 538، احتلت جورجيا مكانتها ضمن المراكز الـ10 الأولى بين جميع الولايات الأميركية من حيث أعلى الأصوات الانتخابية عدداً، وصارت مع كل من ولايتي بنسلفانيا (19 صوتاً انتخابياً) ونورث كارولاينا (16 صوتاً انتخابياً) الأكثر أهمية بين الولايات المتأرجحة الأخرى التي ستحسم نتيجة السباق الانتخابي، وهي ميشيغان (15 صوتاً) وأريزونا (11 صوتاً) ووسكنسن (10 أصوات) ونيفادا (ستة أصوات).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعود أهمية جورجيا التي تعرف باسم ولاية الخوخ جزئياً إلى الإقبال القوي للناخبين الأميركيين من أصل أفريقي في عام 2020 والذي كان مفتاح فوز بايدن خلال ذلك العام، نتيجة جهود التعبئة التي بذلتها ستايسي أبرامز عضوة الهيئة التشريعية السابقة للولاية والتي كان لها الفضل أيضاً في حشد الدعم لمصلحة فوز المرشحين الديمقراطيين رافائيل وارنوك وجون أوسوف بعضوية مجلس الشيوخ عن الولاية.

ولأن الأميركيين البيض في الولاية يتمتعون بغالبية بسيطة (50.4 في المئة) مقارنة بالناخبين السود أو الأميركيين من أصل أفريقي (33.1 في المئة) واللاتين (10.5 في المئة) والآسيويين (4.8 في المئة)، ستظل مجموعة الأقليات حاسمة في جورجيا خلال انتخابات الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، كما أن النساء (51 في المئة من سكان جورجيا) يشكلن كتلة تصويتية محورية أخرى، وكان الرئيس بايدن يحقق نتائج أقوى في استطلاعات الرأي مع تلك المجموعة قبل أن يخرج من السباق، ويعتقد بصورة كبيرة أن النساء من أصل أفريقي سيصوتن بغالبية ساحقة إلى جانب هاريس بعد أن أصبحت أول امرأة من أصل أفريقي وهندي تترشح للرئاسة في الولايات المتحدة.

مسار الفوز عبر جورجيا

غير أن ما جعل ولاية جورجيا تقفز إلى صدارة الاهتمام خلال الأسبوع الماضي، هو ما أظهرته حسابات الفوز والخسارة التي ركزت عليها وسائل الإعلام الأميركية وبخاصة صحيفتي "وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست" اللتين اعتبرتا ولايتي جورجيا وبنسلفانيا ستحددان ملامح الطريق إلى البيت الأبيض أكثر من الولايات الخمس الأخرى المتأرجحة هذا العام، وهي أريزونا وميشيغان ونيفادا ونورث كارولاينا وويسكنسن.

وبحسب الاستراتيجي الديمقراطي ومستشار الرئيس السابق بيل كلينتون، دوغ سوسنيك فإن جورجيا وبنسلفانيا تمثلان نقطتين محوريتين في الانتخابات، إذ سيكون الطريق ممهداً للنصر أكثر إذا كان بإمكان ترمب الفوز بولاية بنسلفانيا أو تمكنت هاريس من الفوز بجورجيا، وعلى رغم أنه لا يزال من الممكن أن يفوز ترمب من دون جورجيا ولا يزال من الممكن أن تفوز هاريس من دون بنسلفانيا، فإن الأمر سيكون أكثر صعوبة بكثير على حد قوله.

وبناء على التقييمات الداخلية التي أجرتها حملة ترمب يمكن للرئيس السابق العودة إلى البيت الأبيض ببساطة من خلال الفوز في ثلاث ولايات متأرجحة هي جورجيا وبنسلفانيا ونورث كارولاينا، حتى لو خسر بموجب هذا السيناريو جميع الولايات المتأرجحة الأخرى وهي نيفادا وأريزونا وميشيغان وويسكنسن، لأنه في هذه الحال سيكون حقق عدد أصوات المجمع الانتخابي اللازمة للفوز وهو 270 صوتاً، طالما أنه يحتفظ بالدائرة الثانية في ولاية ماين والتي فاز فيها بفارق 10 نقاط عام 2016 وسبع نقاط عام 2020 (ماين ونبراسكا هما الولايتان الأميركيتان الوحيدتان اللتان تقسمان أصوات الولاية بحسب الدوائر الانتخابية وفقاً لتقسيم الكونغرس، على عكس باقي الولايات التي تعطي جميع أصواتها لمن يفوز بالغالبية).

على النقيض من ذلك، إذا خسر ترمب إحدى هذه الولايات الثلاث فربما يحتاج إلى الفوز بولايتين أخريين لتعويض هذه الخسارة، ولذلك يعد تركيز حملة ترمب بشدة على جورجيا وبنسلفانيا استراتيجية عالية الأخطار بحسب المراقبين.

أما بالنسبة لهاريس فإن الفوز بأصوات جورجيا الانتخابية الـ16 وأصوات بنسلفانيا الانتخابية الـ19 من شأنه أن يضمن لها 260 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي وسوف يتعين عليها تحقيق فوز واحد فقط في أي من الولايات الأربع (ميشيغان أو ويسكنسن أو نورث كارولاينا أو أريزونا) كي تصبح في المقدمة وتفوز بالانتخابات.

لكن إذا اكتسحت هاريس الولايات الثلاث (جورجيا وبنسلفانيا ونورث كارولاينا) فستفوز بالسباق الانتخابي لأنها ستحصل حينئذ على 276 صوتاً انتخابياً، وحتى لو افترضنا أن ولاية نورث كارولاينا ستكون هدفاً أصعب لهاريس مع احتمال أن تظل ولاية جمهورية حمراء، فإن الفوز بولايتي جورجيا وبنسلفانيا يعني أنها تحتاج إلى ولاية متأرجحة واحدة أخرى كبيرة (أي ليست نيفادا التي تمتلك ستة أصوات فقط).

الحملات الأكثر كثافة

ومع إدراك كلا الطرفين لأهمية جورجيا وبنسلفانيا كطريق واضح للفوز، ركزت استراتيجية إعلانات حملة دونالد ترمب على وجه الخصوص على هاتين الولايتين، إذ أفادت شركة البيانات السياسية "أدلمباكت" أخيراً أن حملة الرئيس السابق أنفقت أموالاً أكثر في جورجيا وبنسلفانيا مما أنفقته في أية ولاية أخرى حتى أواخر أغسطس (آب) الماضي، ومثلت هاتين الولايتين أيضاً أكثر من 81 في المئة من حجوزات الإعلانات المتبقية لحملة ترمب حتى يوم الانتخابات.

ونتيجة لذلك أثرت نفقات الإعلانات في بنسلفانيا (71 مليون دولار) وجورجيا (38.8 مليون دولار) على حجوزات الإعلانات في الولايات الأخرى، إذ جاءت ولاية أريزونا كثالث أكبر ولاية من حيث الإنفاق الإعلاني لحملة ترمب بـ11.2 مليون دولار.

وفي المقابل استهدفت حملة نائبة الرئيس كامالا هاريس ولاية جورجيا خصوصاً حيث أنفقت هناك من الأموال أكثر من أية ولاية أخرى، تليها بنسلفانيا ثم ولايات "الجدار الأزرق" في الشمال (ميشيغان وبنسلفانيا وويسكنسن).

وبينما يتقدم ترمب وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة بنقطتين في جورجيا وتتقدم هاريس بثلاث نقاط في بنسلفانيا، تظل هذه الولايات متقاربة وتبقى ضمن هامش الخطأ بصورة عامة في معظم استطلاعات الرأي، مما يعني أن المعركة ستزداد سخونة في الولايتين خلال الشهرين المتبقيين على موعد الانتخابات.

ومن المرجح أن تركز حملتا ترمب وهاريس على مجموعة القضايا التي يهتم بها الناخبون في جورجيا والتي أظهر استطلاع للرأي أجرته كلية ماريست أن 25 في المئة من البالغين في جورجيا قالوا إن الحفاظ على الديمقراطية على رأس أولوياتهم في ما يتعلق بانتخابات نوفمبر المقبل، في حين اختار 24 في المئة من السكان الذين شملهم الاستطلاع قضية الهجرة وذكر 24 في المئة التضخم. وأشار 10 في المئة إلى الرعاية الصحية وسلط ثمانية في المئة الضوء على الإجهاض وقال سبعة في المئة منهم إن الجريمة تأتي على رأس اهتماماتهم.

معارك قضائية

ووسط الصراع المحتدم بين الجمهوريين والديمقراطيين لاقتناص ولاية جورجيا بدأ الديمقراطيون معركة قضائية ضد مجلس الانتخابات في الولاية (وهو هيئة رئيسة لوضع قواعد الانتخابات في جورجيا)، بعد أن أقر قواعد جديدة اعتبروها منحازة للحزب الجمهوري لأنها قد تسهل توجيه اتهامات بالاحتيال بهدف تعطيل التصديق على الانتخابات حال فوز هاريس، وهي سلطة يقول الديمقراطيون إنها محفوفة بالأخطار نظراً إلى أن بعض هؤلاء المسؤولين المحليين سعوا بالفعل إلى تأخير أو رفض التصديق على الانتخابات السابقة.

وفيما يقول الجمهوريون إنهم يحاولون منع حدوث مشكلات في المستقبل لأن بعض المرشحين لديهم شكاوى عملية حول العملية الانتخابية، يرى الديمقراطيون أن مجلس انتخابات ولاية جورجيا حاول تحويل الفعل المباشر والإلزامي للتصديق إلى ترخيص واسع النطاق لأعضاء المجلس للبحث عن مخالفات انتخابية مزعومة من أي نوع، مما قد يؤدي إلى تأخير التصديق على الانتخابات بما يخلق نوعاً من الفوضى عبر إزاحة دور المحاكم في معالجة الاحتيال.

ويخشى الديمقراطيون أن يؤدي تجاوز القانون الفيدرالي الذي يتطلب التصديق على أصوات الولايات ومنها جورجيا في الوقت المناسب لكي يقر الكونغرس نتيجة الانتخابات خلال السادس من يناير (كانون الثاني) 2025، إلى اللجوء إلى التعديل الـ12 من الدستور، إذ ينتقل إقرار الانتخابات الرئاسية إلى مجلس النواب، وهناك يحدد الانتخابات بصوت واحد لكل وفد ولاية، ونظراً إلى أن الجمهوريين يحتفظون بالسيطرة على غالبية وفود الولايات منذ أعوام طويلة، فإنه يمكن من الناحية النظرية بأصواتهم أن يصبح ترمب رئيساً، بغض النظر عما إذا كان قد فاز بتصويت الهيئة الانتخابية.

ومع ذلك تظل هذه التوقعات مجرد مخاوف لا يمكن إثباتها، ولم يتم اللجوء إليها في العصر الحديث، غير أن نتائج انتخابات ولاية حاسمة ومفصلية مثل جورجيا، ستظل مثيرة للاهتمام والتمحيص خلال انتخابات 2024 أكثر من أي وقت مضى على مدار التاريخ بالنظر إلى حساسية المشهد الانتخابي والتقارب الشديد في الأصوات، والاحتقان السياسي الحاد الذي أصبح سمة مميزة للانتخابات الرئاسية الأميركية خلال العقد الأخير.

المزيد من تقارير