ملخص
يرى ناشطون أن مجمل الأوضاع التي يعانيها المعتقلون الفلسطينيون وتدهور حالهم النفسية والصحية كبحت قدرتهم على خوض إضرابات جماعية أو فردية احتجاجاً على سوء المعاملة.
لم تفاجأ عائلة الفتى عمار عبدالكريم (14 سنة) من بلدة عبوين شمال مدينة رام الله بقرار المحكمة الإسرائيلية تحويل نجلها إلى الاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر على رغم صغر سنه، فما تعرض له من ضرب وتنكيل وتحقيق وتخريب لمحتويات المنزل ليلة اعتقاله بيّن لهم عن قرب أن السياسة الإسرائيلية في التعامل مع السجناء الفلسطينيين منذ أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 انقلبت رأساً على عقب، فأصبح كل شيء متوقعاً، وكيف لا والفتى ليس سوى واحد من بين 40 آخرين يقبعون رهن الاعتقال الإداري هو أصغرهم، من بين 290 طفلاً ما زالوا يقبعون داخل السجون.
تحت مظلة حال الطوارئ التي أعلنتها إسرائيل منذ بدء الحرب، يعيش الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية ظروفاً إنسانية صعبة دفعت الأمم المتحدة وأطرافاً أخرى إلى الإعراب عن قلقها من ظروف اعتقال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لا سيما أنها أصبحت مغلقة في وجه منظمات حقوق الإنسان الدولية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي أوقفت إسرائيل زيارة مندوبيها للسجون منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم.
وبحسب منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية، فإن أطفال فلسطين داخل السجون "هم الوحيدون في العالم الذين يحاكمون بصورة منهجية في المحاكم العسكرية"، وأشارت إلى أن 86 في المئة من الأطفال يتعرضون للضرب أثناء الاحتجاز، بينما يُفتش 69 في المئة منهم تفتيشاً ذاتياً بخلع الملابس، و42 في المئة يتعرضون لإصابات أثناء اعتقالهم.
الأعلى تاريخياً
يعرف الاعتقال الإداري الذي تستخدمه إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ عام 1967 بأنه "اعتقال شخص ما بأمر من القادة العسكريين وبتوصية من الاستخبارات بعد جمع مواد تصنف بأنها ’سرية‘، ولا يسمح للمحامين أو السجين نفسه بالاطلاع على ملف الاعتقال".
وتقول منظمات حقوقية إن اسرائيل تلجأ من خلاله إلى توقيف المدنيين الفلسطينيين من دون تهمة محددة أو محاكمة، مما يحرم السجين ومحاميه وذويه من معرفة أسباب الاحتجاز، ويؤدي غالباً إلى تجديد أمر الاعتقال الإداري بحقه مرات متتالية تبدأ من أربعة أشهر قابلة للتمديد من دون سقف زمني.
ووفقاً لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، اعتقلت السلطات الاسرائيلية خلال عام 2023 نحو 11 ألف مواطن، نصفهم بعد أحداث السابع من أكتوبر التي أدت إلى كثير من التحولات على صعيد واقع عمليات التوقيف، إذ يزيد عدد المعتقلين الإداريين حتى اليوم على 3432 معتقلاً.
وأكد "نادي الأسير الفلسطيني" أن 80 في المئة من الموقوفين بالضفة الغربية منذ بدء الحرب على غزة صدر بحقهم أمر اعتقال إداري، وهي النسبة الأعلى تاريخياً، وبحسب "لجنة أهالي الأسرى المقدسيين" فإن الاعتقالات الإدارية ارتفعت وتيرتها بصورة لم تشهدها القدس منذ عام 1967.
وتشير منظمة العفو الدولية إلى أنه "إذا كان القانون الدولي الإنساني يجيز احتجاز الأفراد الواقعين تحت الاحتلال لأسباب أمنية قهرية، فلا بد من توفير ضمانات لمنع الاحتجاز لأجل غير مسمى أو الاحتجاز التعسفي، ومنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة"، ودعت مراراً إلى "اتخاذ إجراءات ملموسة والضغط على إسرائيل لإنهاء استخدامها المنهجي للاعتقال التعسفي كخطوة نحو تفكيك نظام الفصل العنصري".
محاولات فلسطينية
فور اعتقاله يُنقل الأسير الإداري إلى أحد مراكز الاحتجاز في الضفة الغربية، وخلال أيام توجه له لائحة اتهام، أو يمدد توقيفه 72 ساعة، مما يعني تحويله إلى الاعتقال الإداري، وخلال ذلك يصدر أمر الاعتقال من قبل القائد العسكري في الضفة لمدة تصل إلى ستة أشهر، بعدها يستطيع السجين التوجه إلى محكمة يكون قضاتها وممثلو النيابة فيها عسكريين للنظر في تثبيت المدة المذكورة أو تقليصها. لكن في العادة لا يقبل الفلسطينيون على مثل هذه الخطوة لاعتقادهم بأنها بلا جدوى، مما دفع كثيراً من السجناء الإداريين إلى العصيان وخوض إضرابات جماعية عن الطعام ومقاطعة المحاكم العسكرية والمحكمة العليا، أملاً في إنهاء سياسة الاعتقال الإداري.
ومنذ أواخر 2011 خاض أكثر من 400 أسير إضرابات فردية عن الطعام، غالبيتها ضد سياسة الاعتقال الإداري، ويقبع أكبر عدد من المعتقلين الإداريين في سجني "النقب" جنوب إسرائيل و"عوفر" وسط الضفة الغربية، وتجاوزت فترات الأحكام الإدارية في السجون الإسرائيلية لعدد من السجناء 10 سنوات وأكثر، كما هي الحال مع الصحافي نضال أبو عكر من مخيم الدهيشة قرب بيت لحم الذي أمضى 13 عاماً منفصلة رهن اعتقال إداري بلا تهمة، ودامت أطول فترة قضاها خمس سنوات متواصلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية قدورة فارس، أوضاع الأسرى في السجون الإسرائيلية بأنها "كارثية وخطرة للغاية"، مبيناً أن عددهم ارتفع 130 في المئة منذ السابع من أكتوبر، مضيفاً أن "شهادات الأسرى حول ما يتعرضون له في السجون من تعذيب وتنكيل وإهانة وإهمال تظهر الحاجة الملحة للتدخل الفوري من قبل المنظمات الدولية لوضع حد لهذه الانتهاكات وإلزام الحكومة الإسرائيلية اتفاقات حقوق الإنسان، وأهمها ’اتفاقية جنيف الرابعة‘ التي تحمي الأسرى في زمن الحرب".
وأكدت لجنة "مكافحة التعذيب" في إسرائيل أن إدارة مصلحة السجون أمام أزمة مع وجود نحو 10 آلاف معتقل فلسطيني في السجون بزيادة نسبتها 200 في المئة مقارنة بالأعوام العادية.
بدوره، قال مدير مركز "الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية" حلمي الأعرج إن "اسرائيل تستخدم الاعتقال الإداري لأجل غير مسمى بحق الفلسطينيين لممارسة أقصى درجات العقاب الجماعي عليهم في محاولة لإرهابهم وإسكاتهم عن التصدي والنضال".
وحدة "كيتر"
من بين الوحدات الخاصة التابعة لمصلحة السجون التي تعمل في سجن "النقب" ومعسكر "عوفر"، وحدة "كيتر" (قوة الرد الأولي)، ووظيفة هذه الوحدة التي أنشئت عام 2010، التدخل بسرعة في جميع حالات الطوارئ كرد أولي إلى حين وصول قوات تعزيز إضافية، وحدث في الماضي أن وجهت سهام النقد إلى هذه الوحدة في أعقاب ادعاءات بأنها استخدمت قوة مفرطة وتورطت في عمليات تعذيب ضد المعتقلين الإداريين منذ بداية الحرب، وارتبط اسمها بشبهات خطرة حول لجوئها إلى وسائل متطرفة ومخالفة للقانون.
وبحسب ما أفاد به مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان (بيتسليم)، فإن معظم الشهادات التي جمعت من معتقلين تم الإفراج عنهم يدل على أن الوظيفة المركزية التي تقوم بها هذه الوحدة منذ السابع من أكتوبر "هي تعذيب المعتقلين الفلسطينيين والتنكيل بهم جسدياً وجنسياً ونفسياً". كما أن الشهود الذين احتجزوا في مختلف مرافق الحبس وصفوا عناصر هذه الوحدة بصورة مشابهة، إذ يرتدون زياً أسود من دون بطاقات تعريف وهم ملثمون مسلحون بسلاح ناري وهراوات، وفي معظم الأحيان ترافقهم كلاب.
وأكدت "بيتسليم" أن سلوك السجانين من وحدة "كيتر" إجرامي وأن العنف المتطرف وغير المتوقع واللاعقلاني الذي مارسوه ألقى رعباً حقيقياً في قلوب المعتقلين، وهو رعب لازمهم طوال فترة سجنهم، وعلى الأرجح أنه قد أسهم في تعميق الصدمة النفسية التي ما زال يعانيها الفلسطينيون حتى بعد الإفراج عنهم.
واستنتجت "بيتسليم" أنه بالنظر إلى خطورة الأفعال وحجم الانتهاك الذي يرتكب ضد جميع المعتقلين الفلسطينيين على امتداد فترة طويلة وبوتيرة يومية، فإن "إسرائيل بأفعالها هذه تمارس التعذيب على نحو يبلغ حد ارتكاب جريمة حرب وحتى جريمة ضد الإنسانية".
ويرى ناشطون ومتخصصون في الشأن الفلسطيني أن مجمل الأوضاع التي يعانيها المعتقلون الفلسطينيون وتدهور حالهم النفسية والصحية وانتشار الأمراض المعوية والجلدية والتنفسية في ما بينهم وتردي أوضاعهم المعيشية، كبحت قدرتهم على خوض إضرابات جماعية أو فردية احتجاجاً على تردي أوضاعهم، خصوصاً بعدما شكل السابع من أكتوبر ذريعة لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لإزالة كل القيود التي كانت تحول دون السير في خطة إنهاء وضعية كون السجون "مخيمات صيفية للمخربين" بحسب تعبيره.
مقاتل غير شرعي
يشبه قانون الاعتقال الإداري المعمول به في الضفة الغربية منذ عام 1967 إلى حد كبير قانون "المقاتلين غير الشرعيين" الذي تمت المصادقة عليه عام 2002، ويُشرِّع اعتقال الأفراد الذين يشتبه في أنهم منتظمين في "أعمال عدائية" ضد إسرائيل، أو أنهم أعضاء في قوة ترتكب "أعمالاً عدائية"، واحتجازهم إلى أجل غير مسمى من دون لائحة اتهام ومحاكمتهم من دون إبراز الأدلة بحجة وجود "ملف سري" لدى الأجهزة الأمنية يدين المحتجز. ومنذ عام 2005، تطبق السلطات الإسرائيلية القانون على المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، ويتم بموجبه تجريدهم من حقوق المراجعة القضائية والإجراءات القانونية والمثول أمام محاكمة عادلة.
ومنذ اندلاع الحرب على غزة، قامت إسرائيل بتعديل القانون ليسمح باعتقال الفلسطينيين من قطاع غزة من دون اتخاذ إجراءات إدارية بحقهم لمدة 45 يوماً، بعدما كانت المدة الأقصى سابقاً 96 ساعة. وكان على النيابة إحضار المعتقل أمام المحكمة بعد 14 يوماً من توقيفه، أما الآن فصارت المدة 75 يوماً، وبالإمكان تمديدها حتى 180 يوماً مع منع المحتجزين من التواصل مع محاميهم عن طريق استصدار موافقة قضائية.
وأكدت منظمة العفو الدولية أن على السلطات الإسرائيلية الكفّ عن احتجاز الفلسطينيين من قطاع غزة لأجل غير مسمى، ومن دون تهمة أو محاكمة، وبموجب قانون "ينتهك بصورة صارخة القانون الدولي".
وقالت مصلحة السجون الإسرائيلية لمنظمة "هموكيد" الإسرائيلية غير الحكومية إنه حتى الأول من يوليو (تموز) الماضي، تم احتجاز 1402 فلسطيني بموجب القانون، باستثناء أولئك الذين تم توقيفهم لفترة أولية مدتها 45 يوماً من دون أمر رسمي.
وصرّح الجيش الإسرائيلي إلى وسائل إعلام إسرائيلية ومنظمات حقوقية بأن الموقوفين يتم استجوابهم في المنشآت منذ السابع من أكتوبر، ومن يتبيّن عدم تورطه بالنشاط الإرهابي يتم الإفراج عنه إلى قطاع غزة، مشيراً إلى أن بعض المحتجزين الذين توفوا كانوا يعانون إصابات أو حالات طبية، ومؤكداً أن كل وفاة يحقق فيها المحامي العسكري العام.