Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نيكول كيدمان: كيف صارت النجمة أسيرة الحزن والترف على الشاشة؟

على رغم تنوع وغنى الأعمال السينمائية للممثلة الحائزة جائزة الأوسكار فإن أدوارها التلفزيونية - بدءاً من "التراجع"، وصولاً إلى "الزوجان المثاليان" - صارت محصورة في قالب ضيق. نستعرض كيف أصبحت كيدمان الخيار الأول لتجسيد شخصيات نساء الطبقة المخملية الجميلات

حجزت كيدمان مكانة خاصة بها على الشاشة الصغيرة (أمازون برايم،أبل تي في، ونتفليكس)

ملخص

نيكول كيدمان نجمة كبيرة في عالم السينما ولكن أدوارها  نمطية على الشاشة الصغيرة

هل تبدو بطلة مسلسلك المفضل الذي تشاهده حالياً غير مرتاحة في منزلها الفخم الذي تبلغ قيمته ملايين الدولارات؟ هل هناك احتمال كبير بأنها تخفي سراً مظلماً؟ هل تحب التحديق في غروب الشمس أو أفق المدينة أو أمواج المحيط المتلاطمة بينما تفكر في هذا السر؟ هل هي متزوجة برجل وسيم بدأت جاذبيته بالانهيار شيئاً فشيئاً مع كل حلقة؟ أخيراً، وهذا هو السؤال الأهم، هل يبدو شعرها رائعاً دائماً مع أنها تعاني ضغوطاً نفسية هائلة؟ إذا أجبتم بنعم على كل هذه الأسئلة، هنيئاً لكم لأن مسلسلكم قادر على اجتياز اختبار نيكول كيدمان بنجاح. في الواقع، هناك احتمال بنسبة 99 في المئة أن تكون كيدمان هي النجمة التي تجسد هذه الشخصية بالفعل.

على مدار العقد الماضي اتجهت كيدمان مراراً وتكراراً نحو الأعمال التي تطلب منها تجسيد نساء جميلات من طبقات اجتماعية عليا، مثقلات بأعباء الترف والماضي المضطرب. أصبحت كيدمان بامتياز نموذج الزوجة الحزينة في التلفزيون وخبيرة في تصوير النساء اللاتي يحاولن بصعوبة الحفاظ على تماسك حياتهن (بينما يحافظن على جمالهن الساحر أثناء القيام بذلك). هل قرأتم أخيراً رواية تشويق نفسي [تتناول شؤون النفس] عن سيدة ثرية تدفعها حادثة موت غامضة أو اختفاء مأسوي إلى حافة الانهيار؟ يمكنكم المراهنة على أن كيدمان وشركة "بلوسوم فيلمز" للإنتاج Blossom Films التي تعود ملكيتها لها قد اقتنصتا بالفعل حقوق الملكية الفكرية للكتاب (وإن لم تكن هي، فربما تكون صديقتها ريس ويذرسبون سبقتها إلى ذلك).

لنأخذ مثالاً، أحدث أعمال كيدمان البارزة على "نتفليكس" مسلسل "الزوجان المثاليان" The Perfect Couple المستند إلى رواية شهيرة للكاتبة الأميركية إيلين هيلدربراند. تؤدي كيدمان دور "غرير غاريسون وينبري"، الأم الحاكمة [ربة الأسرة الآمرة والناهية] في عائلة أميركية تقليدية ثرية تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية البيضاء ذات الأصول الأنغلوساكسونية والبروتستانتية، وكاتبة ناجحة لدرجة أنها تصدرت غلاف مجلة "تايم". عندما تتنقل غرير بين الأماكن لا تبدو وكأنها تمشي بقدر ما تنساب مثل عطر فاخر (وباهظ) يفوح بين الأروقة الفاخرة، ودوماً ما ترتدي أزياء بألوان هادئة وأنيقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في منزلها الفخم المطل على الواجهة البحرية في نانتكيت على ساحل شبه جزيرة كيب كود في ماساتشوستس، كانت غرير تستعد لإقامة حفل زفاف ابنها - إلى حين قذف الأمواج جثة على الشاطئ صبيحة الاحتفالات. مع تقدم تحقيقات الشرطة، تبدأ الشقوق في حياة غرير بالظهور بصورة واضحة، بما في ذلك زواجها الذي يبدو مثل قصة حالمة من تاد الذي يلعب دوره ليف شريبر. وسط هذا الدمار العاطفي، ليس من المستغرب أن تحتاج غرير إلى لحظات من التفكير الهادئ وهي تتأمل أفق ماساتشوستس، بينما تفرط باستمتاعها بشرب الكحول.

إذا كانت هذه التفاصيل تبدو مألوفة لكم بصورة مريبة فليس ذلك من قبيل الصدفة، بل لأنها تحمل تشابهات قوية مع مسلسل "أكاذيب صغيرة كبيرة" Big Little Lies الذي عرض عام 2017، وآذن بالدخول القوي لـكيدمان إلى عالم "الزوجة الحزينة" في التلفزيون (سبق لها أن ظهرت في التناول السينمائي لرواية "زوجات آل ستيبفورد" The Stepford Wives عام 2004، كما لعبت دور أم تحمل سراً في الموسم الثاني من "أعلى البحيرة" Top of the Lake، لكن "أكاذيب صغيرة كبيرة" كان العمل الذي أسس لهذا النمط فعلاً). هذه المعالجة التي كتبها ديفيد إي كيلي المقتبسة من رواية ليان موريارتي، عرضت حياة النساء الأثرياء المليئة بالاضطرابات في منازل فاخرة تطل على الساحل (في هذه الحالة، مونتيري في كاليفورنيا). وكذلك بدأت القصة بتحقيق في جريمة قتل، وشهدت استعراض كثير من ملابس النوم المترفة.

في دور "سيلستي" المحامية الجميلة التي تتحول حياتها إلى جحيم بسبب زوجها العنيف والمتحكم بشؤونها، قدمت نيكول كيدمان واحدة من أقوى خطوط الحبكة في المسلسل، إذ أضفت عمقاً ونكهة وثراءً نفسياً على تصويرها للعنف المنزلي. اعتبر أداؤها من أبرز نقاط القوة في العرض، وفازت بجدارة عن هذا الدور بجائزتي إيمي Emmy وغولدن غلوب Golden Globe، لكن منذ ذلك الحين وجدت كيدمان نفسها عالقة في سلسلة من الأدوار التي تبدو كنسخ باهتة من أدائها الباهر في الموسم الأول من "أكاذيب صغيرة كبيرة" (فيما كانت جودة الجزء الثاني متباينة ولم يمنح كيدمان مساحة كبيرة لتبرز مهاراتها).

في "التراجع" The Undoing الصادر سنة 2020، وهو سلسلة أخرى من تأليف ديفيد إي كيلي والتعاون الأول أيضاً لـكيدمان مع سوزان بير مخرجة "الزوجان المثاليان" جسدت كيدمان شخصية "غريس"، عالمة نفس غنية من نيويورك انقلبت حياتها رأساً على عقب بعد جريمة قتل وحشية طاولت أماً شابة كانت والدة أحد زملاء ابنها في المدرسة. طوال المسلسل، شاهدنا كيدمان تتجول في شوارع مانهاتن مرتدية باروكة مجعدة مستوحاة من عصر ما قبل النهضة، مع مجموعة من المعاطف التي يمكن وصفها بأنها تتمتع بـ"أناقة عالم ميدل إيرث في قصص ’سيد الخواتم‘".

في عام 2021 جسدت كيدمان شخصية خبيرة عافية مهووسة في مسلسل "تسعة غرباء تماماً" Nine Perfect Strangers، المستند إلى رواية أخرى للكاتبة ليان موريارتي. وعلى رغم أن الشخصية التي لعبتها كانت تتميز بلكنة روسية وباروكة شقراء مبعثرة، إلا أنها لم تكن خالية من نفس الأحزان والدراما التقليدية التي كثيراً ما ارتبطت بدور "الزوجة الحزينة". ثم في بداية هذا العام، ظهرت كيدمان في مسلسل "مغتربون" Expats الذي تدور أحداثه في هونغ كونغ، إذ لعبت دور امرأة أنيقة ذات جمال بارد، تواجه تداعيات اختفاء طفلها. في هذا العمل الذي عرضته منصة أمازون، قدمت كيدمان نسخة أخرى من هذه الثيمة المستهلكة.

على رغم أن هناك تبايناً طفيفاً في الشخصيات - فمثلاً شخصية غرير في "الزوجان المثاليان" أكثر حدة بقليل من النمط المعتاد للزوجة الحزينة، وتبدي ردود فعل غير تقليدية مثل قولها "فليذهب فستان الزفاف إلى الجحيم، أليس كذلك؟". عندما ترى خطيبة ابنها (التي تجسدها إيف هيوسن) تأكل قطعة خبز – إلا أن هذه الأدوار في الغالب تفتقر إلى التجدد وتبدو مثل تراجع متزايد سواء بالنسبة إلى كيدمان أو للمشاهدين. في "أكاذيب صغيرة كبيرة" Big Little Lies,، تمكنت السلسلة من الجمع بين السخرية والتعاطف في تصوير شخصياتها، ففي حين كانت الكاميرا تسلط الضوء على المنازل الرائعة، لكنها قدمت أيضاً رؤى عميقة وحاذقة عن حياة الشخصيات الداخلية وظلامها النفسي.

لكن منذ مسلسل "التراجع" وما تلاه، أصبحت هذه الأعمال تفتقر إلى تلك التفاصيل الدقيقة التي ميزت "أكاذيب صغيرة كبيرة"، إذ راحت تستعرض ثراء الشخصيات الفاحش من دون تقديم ما هو مثير للاهتمام متعلق بها. جعل التركيز المستمر على الأثاث الفاخر وتفاصيل حياة الطبقة العليا من الواضح أن القصص النسائية لا تكتسب قيمتها إلا إذا كانت البطلات جميلات، متعجرفات قليلاً ويمتلكن تسريحات شعر مبالغاً فيها بطريقة تكاد تكون هزلية.

ما يثير الحيرة بصورة خاصة هي الفجوة الكبيرة التي تبدو أنها ظهرت بين أعمال نيكول كيدمان في السينما وأدائها التلفزيوني، إذ كثيراً ما كانت أعمالها السينمائية مثيرة. فهذه هي المرأة التي حصلت على ترشيحين متتاليين لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة عن دورين متباينين تماماً، الأول في شخصية الراقصة الاستعراضية التي تصاب بداء السل في فيلم "الطاحونة الحمراء" Moulin Rouge! عام 2001، والثاني في شخصية فرجينيا وولف في فيلم "الساعات" The Hours الذي أكسبها جائزة الأكاديمية.

أخيراً، جسدت كيدمان شخصية ملكة الفايكنغ المخيفة في فيلم "رجل الشمال" The Northman (مرتدية باروكة مرعبة بالقدر نفسه)، وتقمصت شخصية أيقونة الكوميديا لوسيل بول في "أن تكون من آل ريكاردو" Being the Ricardos، وظهرت كطبيبة تواجه قراراً لا تحسد عليه في فيلم "قتل الغزال المقدس" The Killing of a Sacred Deer، الذي يعد من أغرب وأبزر أعمال المخرج يورغوس لانثيموس حتى الآن. وقد حصلت أخيراً على بعض من أفضل التقييمات النقدية في مسيرتها المهنية عن دورها في فيلم "الرضيعة" Babygirl، وهو تشويق عاطفي من إنتاج شركة A24 للأفلام المستقلة، تلعب فيه دور مديرة تنفيذية ذات سلطة كبيرة متورطة في علاقة نفسية جنسية مع موظف يصغرها إلى حد كبير (صرحت كيدمان أخيراً "شعرت بأنني تعريت تماماً كفنانة، وامرأة، وإنسانة" في هذا الدور).

إذا كانت هناك ممثلة يمكن الاعتماد عليها لتقديم أدوار جريئة على الشاشة - بما في ذلك تلك التي تتطلب تركيب أنوف اصطناعية، وتصفيفات شعر جريئة، ولكنات غريبة، ومشاهد جنسية، وما إلى ذلك - فهي نيكول كيدمان بلا شك. إنها حرباء متلونة حقيقية ومغامرة سينمائية متقنة. وعلى رغم أن أعمالها السينمائية واسعة ومتنوعة، فإن أدوارها التلفزيونية أصبحت عالقة في قالب محدود. بينما تقدم بعض أفضل المسلسلات في هذا النوع الفني المحدد تجربة ممتعة مليئة بالتشويق والإثارة (ويبدو أن "الزوجان المثاليان" عمل واعد في هذا الصدد)، إلا أن الأعمال الأخرى التي تلتزم أكثر بهذه الصيغة تبدو وكأنها إهدار لموهبة كيدمان.

كيف وجدت نيكول كيدمان نفسها عالقة في هذا النمط؟ قد يكون السبب أنها ببساطة تستمتع بالتمثيل في أماكن جميلة، وارتداء أزياء رائعة، وصنع مسلسلات قصيرة لا تتطلب مجهوداً كبيراً. إنه عمل مريح إن كنت تستطيع الحصول عليه، ولكن فترة "الزوجة الحزينة" التي تعيشها كيدمان تكشف أيضاً عن مشكلة أساسية في التلفزيون حالياً، إذ يبدو أن نجاح أحد المسلسلات يولد سلسلة من النسخ الضعيفة التي تحاول تقليد نجاحه. بدلاً من التركيز على جميع العناصر التي تنجح عملاً ما – في حالة "أكاذيب صغيرة كبيرة" هناك الطاقم التمثيلي الرائع، والبنيان الذكي، والعمق العاطفي، وتسليط الضوء على قصص النساء ممن هن فوق الـ40 - يظن القائمون على الإنتاج أن مجرد محاكاة القصة نفسها سيكون كافياً. نحن نغرق في موجة من التلفزيون المصمم [والمنمط] ليناسب نموذج "بما أنك شاهدت هذا المسلسل، قد يعجبك ذاك".

على رغم المتعة التي قد نجدها في رؤية نيكول كيدمان وهي تتنقل برشاقة في نانتكيت Nantucket وترتدي باروكة شقراء مائلة إلى الوردي وسراويل واسعة أنيقة، فإن هذا التكرار في الأدوار يسيء إلى ممثلة موهوبة مثلها. نحتاج إلى رؤية نيكول كيدمان في أدوار مبتكرة وجريئة! دعونا نرها تستكشف الفضاء الخارجي، أو تلعب دور محققة تحل الجرائم كما فعلت كايت وينسلت في "مير من إيست تاون" Mare of Easttown. وإذا كنا نريد حقاً كسر هذا القالب، فلنعط نيكول كيدمان فرصة لتجسيد شخصية امرأة تعيش زواجاً سعيداً وخالياً من الأسرار، وتبدو فوضوية بعض الشيء في الصباح أحياناً.

يتوفر مسلسل "الزوجان المثاليان" للمشاهدة حالياً عبر منصة "نتفليكس".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات