Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيئة العمل... هل من طريقة لمحاربة الزملاء الأشرار؟

ضغط التنافس يمهد الطريق أمام بعضهم للكذب والغش وإلحاق الضرر بالآخرين وتقويمهم عملية معقدة وغالباً تبوء بالفشل

هناك من يرى أن تسلق السلم الوظيفي على أكتاف الأقران وأحياناً من خلال دهسهم مهارة ينبغي اكتسابها وتنميتها باستمرار (مواقع التواصل)

ملخص

قصص المكائد وحكايات الدسائس وسرديات المؤامرات في أماكن العمل أكثر من أن تعد أو تحصى. وإذا كان موقع "ستاتيستا" المتخصص في الإحصاءات والأرقام يقدر عدد الشركات في العالم بنحو 334 مليون شركة، وعدد مشاريع رواد الأعمال بنحو 582 مليوناً، فهذا يعني أن ما لا يقل عن 916 مليون "زومبة" تفعل في كل يوم عمل.

زملاء العمل الذين هم أقرب إلى الموظف من أهل بيته بحكم عدد الساعات التي يمضيها معهم تحت سقف شركة واحدة، يتحولون إلى أخوة وأصدقاء أو يصبحون ألد أعداء. يقفون مع بعضهم بعضاً وقفة الأهل والأقارب في الضراء قبل السراء، لكن هناك أيضاً من "يفقعون" بعضهم بعضاً مكائد وحيلاً.

يظهرون في مسيرتهم المهنية من مهارات الخدع والحيل في حق زملائهم ما يفوق مجموع ما أنجز من مؤامرات ومكائد في عصر الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثالث، والذي سمي "عصر الدسائس الكبرى".

ويتقلب روميل في قبره إجلالاً وتبجيلاً مبدياً استحقاقهم للقبه "ثعلب الصحراء" مع تغيير المكان ربما إلى "ثعلب الشركة" أو المؤسسة أو المكتب أو المصلحة. بعضهم ينتهج نهج قائد المغول تيمورلنك أعنف قادة التاريخ وأكثرهم قسوة لكنها قسوة عابرة للمكاتب بديلاً عن القبائل، تسري عبر البريد الإلكتروني سماً مدسوساً في عسل تقارير تقييم الزملاء كما سرى منهج تيمورلنك في النهب والغنائم المجزية.

توثيق دسائس العمل

الغريب أن مكتبات العالم الكبرى من الكونغرس والمكتبة الوطنية البريطانية، إلى مكتبة الدولة الروسية ومكتبة الصين الوطنية، إلى مكتبتي الفاتيكان والأزهر وغيرها من آلاف المكتبات حول العالم، تزخر بوثائق ودراسات ومخطوطات تسرد تفاصيل مؤامرات الإمبراطوريات ودسائس الممالك وخدع القادة والزعماء التي أثرت في العالم ولا تزال، لكنها قل ما تعرف مؤامرات أماكن العمل ودسائس الزملاء لبعضهم بعضاً أو خدع الموظفين ومداهنات صغار العمال ومكائد كبارهم طريقها إلى الوثائق والأرشيف.

 

 

يرجح بعضهم أن سبب عدم وصولها إلى الأرشيف مرده أن مؤامرات أماكن العمل ومكائده أشبه بوظائف الجسم الأساس من ضخ الدماء إلى هضم الطعام والتنفس والسمع والكلام، لذلك هي سمة من سمات البشرية، وتحديداً في أماكن العمل، لذا لا تستحق الأرشفة، فقط محاولات الفهم لتقليص هوامش الخسارة.

آخرون يجدون في التعامل مع كواليس الشر وقصص إلحاق الضرر بالزملاء وحكايات تسلق السلم الوظيفي على أكتاف الأقران وأحياناً من خلال دهسهم واغتيالهم مهنياً أو معنوياً أو كليهما مجرد مهارات ينبغي على الموظف الذكي أن يعيها ويكتسبها ويعمل على تنميتها وتحديثها حيث "زُنب العمل (ومفردها زومبة)"، وعلى من أراد عملاً بلا زومبة أن يراجع نظام التقاعد الباكر أو يعيد قراءة "المدينة الفاضلة" لأفلاطون بعين الألفية الثالثة.

نخوة وشهامة

تامر (38 سنة) أصيب بكسر في قدمه أثناء لعب كرة القدم. تبرع هشام زميله في العمل، والذي يعمل تحت إدارته، بإخبار مديره بالإصابة وتوصيل الشهادة الطبية التي تفيد بضرورة بقائه في البيت من دون حركة ثلاثة أسابيع في الأقل. بعد ثلاثة أسابيع، قال الطبيب إن على تامر أين يبقى 10 أيام إضافية. مرة أخرى، أظهر هشام نخوة وشهامة، وتبرع بتوصيل الشهادة الطبية للمدير. وحين عاد إلى العمل، فوجئ بمديره يتهمه بالكذب والنصب والاحتيال، وبأن الشهادات الطبية مضروبة، وإنه كان يتحجج بكسر في القدم بينما يمضي إجازة مدفوعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد كثير من النقاش الهادئ حيناً والمشتعل أحياناً، وبعد أن فوجئ تامر بأن زميله الشهم هشام قد عُين في منصبه، عرف من طريق زملاء آخرين أن هشام لم يقم فقط بالدور المنوط به من توصيل الشهادات، لكنه تقرب من المدير تارة بدعوة على العشاء وأخرى بهدايا فطائر وأجبان من قريته، وأقنع الرجل بأن تامر كذاب ومدع وغير مصاب.

وشهد مكتب للمحاسبة والاستشارات الضريبية تحول حمامة السلام "فاطمة" إلى "حدأة" تخصصها إشعال الحرائق والتأكد من بقائها متوهجة. ضحايا فاطمة كثيرون في المكتب، منهم من اكتشف باكراً أن طريقتها الناعمة وأسلوبها اللطيف المهتم بتفاصيل الجميع ليس إلا ستاراً لنياتها المتسلقة على أكتافهم والانتهازية المعتمدة على الطعن في قدرات الزملاء والزميلات والتشكيك في مهاراتهم، لا تنمية قدراتها أو تقوية مهاراتها.

المكائد عدة

قصص المكائد وحكايات الدسائس وسرديات المؤامرات في أماكن العمل أكثر من أن تعد أو تحصى. وإذا كان موقع "ستاتيستا" المتخصص في الإحصاءات والأرقام يقدر عدد الشركات في العالم بنحو 334 مليون شركة، وعدد مشاريع رواد الأعمال بنحو 582 مليوناً، فهذا يعني أن ما لا يقل عن 916 مليون "زومبة" تفعل في كل يوم عمل، وذلك من دون إضافة أماكن العمل الأخرى من محال وأكشاك ومقاه ومطاعم وغيرها، يعمل فيها مليارات البشر، وهو ما يعني مليارات "الزُنَب".

لغوياً، تبرع اللغة العربية، وإن لم تكن الفصحى، في الخروج بكلمة "زومبة" وجمعها زنب. ليس هذا فقط، بل إن قائمة مفردات "زومبة" عامر وثري. يقال إن فلاناً أعطى لعلان "خازوقاً". والخازوق بعيداً مما يجري في أماكن العمل هو في الأصل إما عمود يستخدم في البناء ضمن الأساسات، أو عمود مدبب الرأس كان يستخدم في أزمنة غابرة كأداة تعذيب بشعة. واليوم، ما زال كذلك، أداة تعذيب بشعة، لكن معنوياً ومهنياً ونفسياً. كما يقال إن فلان "خَزْوَق" علاناً، وتظل أصل الكلمة والفعل وتصريفاتهما مشتقة من "الخازوق".

تنقيح الكلمة

وفي الأزمنة الحديثة، نقح بعضهم الكلمة، وخففوا من وقعها المريع، فيقال إن أحدهم أعطى زميله "إسفين" في العمل، أو أسفنه، أي شوه صورته أو تحدث عنه بسوء أمام الإدارة. ويشار إلى أنها من الكلمات القليلة المعبرة عن "الزومبة" لكن باللغة العربية الفصحى. وبسحب قواميس اللغة، فإن "دق بينهم إسفيناً" تعني فرق بينهم بالوشاية.

فلان أعطى علاناً "مهموزاً" أو "مهمزه"، بل إن هناك من أطلق على زميل العمل "أستاذ مهموز عبدالوهاب" بدلاً من "محمود"، لشهرته في عالم "المهاميز" وظل لصيقاً به حتى أحيل كلاهما للتقاعد.

 

 

ومن أدبيات "الزنب" و"الخوازيق" النادرة، ما كتبه السفير السابق عبدالعزيز حسين الصويغ في عام 2017 في مقالة عنوانها "الزومبة". كتب: "كلمة "الزومبة" لا تبتعد كثيراً عن كلمة "الخازوق" دلالة على ما يتعرض له الفرد، أحياناً، من مقالب أو مصائب. يقال إن فلاناً "أكل خازوقاً" أو تخوزق، أو أعطي لصديقه "زمبة" إذا أصابته مصيبة أو وقع في ورطة. كما يقال إن فلاناً رجل (زومبجي)، والزومبة كلمة تعني المسمار، والزومبجي هو الذي يدق المسامير أو يخلعها، والمعنى أنه طعنه من الخلف، أو كان سبباً في مشكلة أوقعه فيها.

البيئة التنافسية

ولأن بيئة العمل تنافسية، تختلف "زونبها" و"خوازيقها" عن غيرها من مكائد الأصدقاء أو الأقارب أو حتى الأهل. وسر الاختلاف هو المنافسة. في ورقة بحثية عنوانها "هل تفسدنا المنافسة؟" منشورة على موقع "سايكولوجي توداي"، تشير أستاذة التسويق البريطانية جانينا ستاينمتز والمتخصصة في دراسة الجوانب الاجتماعية في منظومة الاستهلاك أن الفلاسفة والاقتصاديين ناقشوا على مدى عقود إذا كانت المنافسة تهذب الناس وتدربهم على التصرف بشكل أخلاقي، أم إنها تدفعهم إلى الفساد والإفساد، ولا سيما أن ضغط التنافس يمهد الطريق أمام بعضهم للكذب والغش وإلحاق الضرر بالآخرين.

وتخلص بناء على دراسات استطلاعية عدة إلى أن المنافسة بشكل عام تؤدي أو في الأقل تدفع بعضهم إلى اتباع سلوك غير أخلاقي. وأضافت أن الأفراد الذين يجدون أنفسهم في أجواء تنافس يكونون أكثر عرضة من غيرهم للكذب والغش والأنانية، كفاعلين أو مفعولاً بهم، مقارنة بأقرانهم ممن لا يعملون أو يوجدون في أجواء تنافسية.

تقول ستاينمتز "على رغم أن بعض الناس سيغش ويكذب ويلحق الضرر بالآخرين دائماً، سواء وجد في أجواء تنافس أو لا، وغيرهم سينأى بنفسه دائماً عن الغش حتى وإن وجد في أعتى أجواء المنافسة، لكن المنافسة بشكل عام تميل إلى إفساد الناس".

خبراء شركة "ذو ميوز" الأميركية المتخصصة في دعم أماكن العمل بنصائح ودورات تدريب لمساعدة المديرين في الإدارة، ولتدريب الموظفين على العمل في أجواء تنافسية بأقل أضرار ممكنة، وضعوا دليلاً استرشادياً لأبرز 13 نموذج لزملاء عمل "الذين يمكن الاستغناء عنهم في حياتنا". بين هؤلاء نموذج يمكن إدراجه تحت بند زملاء العمل المتخصصين في منظومة "الزومبة".

نماذج "الزومبجية"

الأول هو الزميل المعتدي السلبي. وعلى رغم أن هذا الزميل لا يشكو أو يلحق الضرر بزملائه مباشرة، فإنه دائم المجاهرة بعدد الساعات الطويلة التي يعملها، وكم الأعباء التي يقوم بها، والليالي الطويلة التي أمضاها في المكتب دون أن يطلب منه المدير لينجز عمله وأحياناً أعمال الآخرين المتأخرة، وهو ما يؤدي أحياناً بالمدير إلى عقد المقارنات بينه وبين آخرين، فيتهمهم بالتواكل أو التكاسل.

النموذج الثاني وثيق الصلة بـ "الزومبة" هو "الطاعن في الظهر"، وهو الزميل الذي يقول ويتصرف كأنه صديق، لكنه لا يتوانى عن سرقة أفكارك وعرضها باسمه أمام الإدارة، ناهيك بوصفك بنعوت الكسل أو الإهمال أو أكثر للمدير، وقد يكتبها في تقرير يتبرع بكتابته عنك. وما هي ألا أشهر عدة حتى يحصل على علاوة ويترقى درجة أو اثنتين ويحظى بالمكتب المميز المطل على واجهة جميلة.

 

 

النموذج الثالث هو "مدمن العمل". وعلى رغم أن هذا المدمن ربما لا يجتهد كثيراً في إيذاء زملاء العمل، إلا أن إدمانه هذا، وتنفسه وأكله وراحته في مكان العمل، وحياته الخالية من الأسرة أو الترفيه أو حتى المرض تضع الآخرين لا إرادياً في خانة المقصرين. وعلى رغم علم المدير بأن هذا الموظف "مدمن عمل"، إلا أن تقييم الموظفين من طريق كمية العمل يدفعه إلى مقارنة زملائه به.

النموذج الرابع يشبه الثالث في كونه لا يسبب الضرر لزملائه عن قصد، لكنه بسبب سوداويته وتشاؤمه وشكواه المستمرة ومهارته في إشاعة أجواء الكآبة والشعور بالاضطهاد وبث مشاعر الإحساس بالظلم يدفع بزملائه إلى عوالم الإحباط والاكتئاب التي تحول بينهم وبين الإتقان أو الابتكار في العمل، وقد تعرضهم للعقاب أو حتى الفصل. أما هو، فيبقى كما هو، يعمل وينجز من دون أن يتأثر سلباً بالأجواء المميتة التي يشعها.

الزميل المتخصص

وبعيداً من هذه النماذج "الأنيقة"، يظل الزميل "الزومبجي"، أي المتخصص في توجيه "الزنب" لزملائه سواء بغرض الحصول على مميزاتهم ومناصبهم، أو إزاحتهم بعيداً من طريقه نحو الترقي عبر تشويه صورتهم أو سمعتهم أمام الإدارة، أو لأنه "زومبجي" بالفطرة، تظل السمات المميزة له واحدة لا تتغير كثيراً.

أغلب محترفي السعي وراء الترقي أو الحصول على مكاسب من خلال إلحاق الضرر بالزملاء أو الاستيلاء على الأفكار أو تسفيهها أو كتابة تقارير مسيئة عنهم وغيرها يتسمون بضعف المهارات المهنية وتدني القدرات الابتكارية وتقلص الأفكار المميزة، إضافة إلى أن الجانب الأكبر من وقتهم ومجهودهم يتم توجيهه لمخططات إدارة المكائد وتنظيم المؤامرات وترتيب الدسائس للنيل من الزملاء.

 

 

خبراء علاقات العمل أجمعوا على أن تقويم زملاء العمل الأشرار عملية معقدة وغالباً تبوء بالفشل، وأن أقصى ما يمكن عمله هو تقليص شرورهم وتحجيم أخطارهم، ولكن تبقى مشكلة وحيدة ألا وهي المدير الذي يرى في هذه النوعية فرصة أو منهجاً للإدارة. بين مبدأ "فرق تسد"، والاعتماد على الموظف "الزومبجي" ليكون عيون وآذان المدير في المكان، تشيع أجواء سامة في مكان العمل، غالباً لا يكتشف أثرها المميت إلا بعد أن تكون قد تمكنت من مفاصل العمل تماماً.

وتبقى طريقة ثالثة للتعامل مع الزملاء الأشرار، وهي طريقة يعتبرها كثيرون منافية للخلق القويم ومناهضة للسلوك السليم. إنها طريقة "داوها بالتي كانت هي الداء".

المضي قدماً بتدمير الزملاء

كتاب "12 طريقة للمضي قدماً عبر تدمير زملاء العمل الأشرار" لمؤلفه جي. آر. ردينغ يقترح أن يبني الموظف المهتم بعمله والتميز فيه من طريق التفاني والإخلاص، والذي يتعرض لشرور الزملاء، أن يبني تقدمه في العمل وترقيه على أكتاف أولئك الأشرار.

وجهة نظر ردينغ مبنية على أساس أنه بدلاً من السماح للزملاء الأشرار بالحصول على أفضل ما لدى أقرانهم من الزملاء المتفانين غير الأشرار "هو استخدام أولئك الحمقى كقطع شطرنج تدعم تقدم الموظف المتفاني". ويقدم المؤلف عدداً من النصائح للموظف المتفاني عن كيفية التلاعب بأولئك الذين يناصبونه العداء لتحقيق ما يطمح إليه في العمل. الكتاب يحمل شعار: "كيف تطور نفسك وتحقق طموحك في العمل على أكتاف معوقي العمل ومعطليه".

يمكن القول إن الكتاب دليل إرشادي لتعليم الموظفين المجتهدين تحقيق طموحهم وضمان الوصول السريع لطموحاتهم عبر تصيد أخطاء الأشرار، وذلك في تقرير يعرضونه أمام الزملاء، أو أرقام يقولون إنهم يتقنون حسابها، أو مقترحات يقدمونها باعتبارها من بنات أفكارهم.

تظل طريقة محاربة الشر بتصيد الأخطاء مثيرة للجدل بين مؤيد ومعارض. كما تظل "زنب" و"خوازيق" و"أسافين" الزملاء الأشرار في أقرانهم غير الأشرار سمة من سمات الغالبية المطلقة من أماكن العمل، ولا يفرق بينها وبين بعضها إلا مقدار الشر ومدى تكراره وحدود تصعيده، إضافة إلى حصافة المدير وأولوياته ومنهجه في الإدارة في ما يختص بـ"الزنب" و"الزومبجية".

المزيد من تحقيقات ومطولات