ملخص
بعد الأجزاء الثلاثة من ملف اختفاء مساعد الطيار الإسرائيلي، والتي تطرقت إلى ارتباط مصيره بمصير إيرانيين أربعة اختفوا في لبنان عام 1982، ثم قيام إسرائيل باختطاف القيادي في حركة "أمل" مصطفى الديراني من البقاع في محاولة للوصول إلى معلومات عن أراد، نستعرض في الجزء الرابع والأخير من سلسلة التقارير الوثائقية كيف حاولت عائلة أراد من خلال بريطانيا للضغط باتجاه الكشف عن مصيره، وكذلك موقف لندن من قضيته.
انشغلت إسرائيل لعقود من الزمن برحلة البحث عن مساعد الطيار الإسرائيلي رون أراد الذي سقطت طائرته الفانتوم (F-4) بسبب عطل تقني فوق لبنان عام 1986 وتم أسره، ليبقى بعدها مصيره غامضاً من دون أن يحسم حتى اليوم.
كذلك دخلت الدول الغربية، من ضمنها بريطانيا، على خط محاولة البحث عن أراد، إن عبر قنواتها الدبلوماسية المباشرة وغير المباشرة في لبنان أو عبر الضغط على الدول المعنية بهذا الملف، كسوريا وإيران.
بعد الأجزاء الثلاثة من ملف اختفاء مساعد الطيار الإسرائيلي، التي تطرقت إلى ارتباط مصيره بمصير إيرانيين أربعة اختفوا في لبنان عام 1982، ثم قيام إسرائيل باختطاف القيادي في حركة "أمل" مصطفى الديراني من البقاع في محاولة للوصول إلى معلومات عن أراد، نستعرض في الجزء الرابع والأخير من سلسلة التقارير الوثائقية كيف حاولت عائلة أراد من خلال بريطانيا للضغط باتجاه الكشف عن مصيره، وكذلك موقف لندن من قضيته، وذلك بالارتكاز على مجموعة وثائق رفعت أخيراً وزارة الخارجية البريطانية السرية عنها وتتضمن رسائل متبادلة بين الحكومة البريطانية من جهة والسفارة الإسرائيلية ومجلس النواب اليهود في البرلمان البريطاني ومنظمات طلابية يهودية كانت أقامت حملات واسعة لدعم قضية أراد في تسعينيات القرن الماضي.
مساعي عائلة أراد للوصول إلى ابنها
تكشف البرقية رقم 191 المرسلة من وزارة الخارجية البريطانية في لندن بتاريخ 19 أكتوبر (تشرين الأول) 1993 إلى سفارتها في تل أبيب عن لقاء جمع عائلة أراد مع كبار مسؤولي الوزارة في لندن طالبين من الحكومة البريطانية إثارة قضيتهم مع إيران وسوريا، وذلك بعد أيام قليلة من الذكرى السابعة لوقوعه في الأسر.
يصف معدو البرقية البريطانية السرية نهج عائلة أراد بأنه كان معقولاً ومدروساً، وكانوا على يقين من أن ابنهم على قيد الحياة ومن المرجح أنه محتجز في لبنان. وتذكر البرقية أنه كانت هناك "أجواء جديدة" في المنطقة نتيجة للتطورات الأخيرة في عملية السلام العربي- الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وينبغي لأسرى الحرب أن يستفيدوا من هذا.
عائلة أراد اعتبرت حينها أن "إيران مسؤولة ويجب أن تتعرض لضغوط من لندن وغيرها وأن التواصل معهم (الإيرانيين) ليس مضيعة للوقت، وعلينا أن نطلب المساعدة منهم من دون أن نتهمهم"، كما جاء في نص الوثائق، لكن في الوقت عينه لم تكن العائلة مقتنعة بأن الأمم المتحدة لديها القدرة على المساعدة في إعادة ابنهم، كذلك سألوا ما إذا كان المسؤولون البريطانيون سيطرحون هذه المسألة مع السوريين أثناء زيارتهم المقبلة.
فكان رد الجانب البريطاني بأن هناك تعاطفاً كبيراً في المملكة المتحدة مع أراد، وبأنهم أثاروا المسألة مع الإيرانيين وتلقوا الرد الإيراني القائل إنهم لم يكونوا على علم بمكان وجوده. وتضيف البرقية في نصها أنه يتعين على عائلة أراد أن تفكر في مطالبة رئاسة الاتحاد الأوروبي التواصل مع الإيرانيين.
تعاطف شعبي ورسمي في بريطانيا
تكشف لندن من خلال هذه الوثائق أنها لم تكن تمتلك معلومات موثوقة فعلاً عن مكان وجود أراد، وتذكر أنه "على رغم الاعتقاد بأنه ربما لا يزال على قيد الحياة، فإننا لا نملك معلومات موثوقة عن مكانه. ونعتقد أنه محتجز لدى جماعات متعاطفة مع إيران. ولكن لا توجد أدلة تشير إلى أن أراد موجود حالياً في طهران. وقد انتشرت معلومات مماثلة عن الرهائن البريطانيين، وفي جميع الحالات ثبت أنها كاذبة".
في تلك الفترة، أي في بداية تسعينيات القرن الماضي، اكتسبت الحملة المنظمة جيداً في لندن لتأمين إطلاق سراح أراد زخماً كبيراً مع اقتراب الذكرى السابعة لأسر أراد، وفي هذا الإطار سجلت محاولات حثيثة من مجلس نواب اليهود البريطانيين باتجاه الخارجية البريطانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في 19 أكتوبر كتب قاضٍ من مجلس نواب اليهود إلى وزير الخارجية يطلب منه إثارة مسألة مكان رون أراد ومصيره مع السوريين أثناء زيارته. كذلك حاولت السفارة الإسرائيلية عقد اجتماع بين عائلة أراد ورئيس الوزراء.
لكن لندن كانت قلقة من إثارة غضب السوريين، وهذا ما تكشفه برقية ضمن الوثائق السرية ذُكر فيها على لسان مسؤولين بريطانيين أنه "إذا أثرنا هذه المسألة مع السوريين، فيجب أن يتم ذلك بعناية شديدة إذا أردنا تجنب إثارة غضبهم. ليس لدينا أي مجال في هذه القضية. فضلاً عن ذلك فإن العنوان البريدي الطبيعي للاستفسارات عن أراد هو طهران وليس دمشق".
الحل يكمن في الأمم المتحدة
في السياق نفسه، تتحدث الوثيقة الصادرة في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1992 من مكتب رئاسة الوزراء في بريطانيا عن أن رئيس الوزراء قد تجنب استقبال عائلة أراد خوفاً من أن يترك هذا اللقاء وتداعياته الإعلامية انطباعاً لدى الخاطفين بأنهم يمتلكون ورقة تفاوضية باهظة الثمن.
وفي نص الوثيقة على لسان رئيس الوزراء البريطاني حينها "ما زلنا نعتقد أن أفضل وسيلة في التوصل إلى حل شامل لمسألة الجنود الإسرائيليين المفقودين في لبنان يكمن في الأمم المتحدة. إنني أشعر بتعاطف كبير مع أقارب كل أولئك الذين وقعوا في فخ الممارسة اللاإنسانية المتمثلة في أخذ الرهائن في المنطقة. وأعتقد أن الدبلوماسية الهادئة من جانب الأمم المتحدة أكثر فعالية من الإيماءات العلنية في مساعدة أولئك الذين ما زالوا محتجزين. ولهذا السبب، لا أعتقد أن الاجتماع مع ابنة أراد والدعاية التي قد يجتذبها من شأنه أن يساعد قضيته. إن خاطفيه قد يتعزز لديهم اعتقاد بأنهم يمتلكون ورقة تفاوضية قيمة، وهو ما يشجعهم على الصمود من أجل الحصول على تنازلات أكبر".
إقناع السلطات السورية بالمساعدة
وفي سياق محاولات الضغط على لندن للعب دور في إيجاد أراد، تكشف الوثائق السرية عن رسالة بعثها رئيس مجلس النواب اليهود البريطانيين إلى وزير الدولة للشؤون الخارجية دوغلاس هيرد في 19 أكتوبر 1993 طرح فيها ثلاث قضايا على الوزير لمناقشتها مع السوريين عند زيارة مرتقبة له إلى دمشق.
وجاء في الرسالة ما نصه:
"في زيارتكم المقبلة والمهمة إلى دمشق، تتمنى لكم الجالية اليهودية كل النجاح في جهودكم الرامية إلى تشجيع الحكومة السورية على تبني نهج أكثر إيجابية تجاه عملية السلام في المنطقة... إننا نحثكم على بذل قصارى جهدكم لإقناع السلطات السورية بضرورة المساعدة في تسهيل إطلاق سراح رون أراد".
وفي سياق آخر، تتطرق الرسالة إلى مسألة اليهود المتبقين في سوريا حينها، وجاء في نصها "سيكون من المفيد أن تتمكنوا من إثارة مسألة حالة اليهود المتبقين الذين يعيشون في سوريا. ففي المراحل الأولى من عملية السلام، قيل لليهود السوريين إنهم مجبرون على الهجرة. ولكن الدلائل تشير إلى أن أولئك الذين يرغبون في المغادرة لم يعد يُسمح لهم بذلك. وآمل بأن تتمكنوا من الحصول على ضمانات بأن أي من اليهود المتبقين الذين يرغبون في الهجرة من سوريا سيُسمح لهم بذلك من دون عائق".
أراد محتجز لدى عناصر موالية لإيران
ويكشف هذا الملف السري في رسالة بعثها وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1993 إلى عضو مجلس العموم البريطاني جون مارشال عن عدم تأكيد تقارير صحافية نشرت في صحيفة "اندبندنت" حينها وتحدثت عن احتمال احتجاز السوريين لرون أراد وذلك نقلاً عن مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية.
ويقول الوزير لعضو مجلس العموم "لقد اتصلت بي أخيراً بشأن مكان وجود رون أراد، الطيار الإسرائيلي المفقود، والتقارير الصحافية الأخيرة التي تفيد بأنه محتجز في سوريا... لم نتلق أي تأكيدات بأن المعلومات المنسوبة إلى مسؤول الأمن في منظمة التحرير الفلسطينية في التقارير الصحافية الأخيرة موثوقة، وليست لدينا معلومات مؤكدة حديثة حول من يحتجز أراد، أو مكان وجوده. ومن المعلومات التي تلقيناها، فمن المرجح أنه محتجز لدى عناصر موالية لإيران".
ويضيف في رسالته كاشفاً أنهم أثاروا قضيته مع القائم بالأعمال الإيراني، وكذلك مع السفير السوري (في لندن) حينها، ولكنه يعتبر أن "الدبلوماسية من هذا النوع، كما يدرك أقارب رون أراد أنفسهم، تكون أكثر فعالية عندما تُدار بتكتم".
هل قتل أراد في لبنان؟
ضمن المساعي الحثيثة لمحاولة الوصول إلى أراد، شكلت تل أبيب في عام 2004 لجنة لهذا الهدف، وهنا تكشف الرسائل والوثائق السرية البريطانية أن هذه اللجنة خلصت بتقريرها إلى أن "أراد قد توفي في تسعينيات القرن الماضي في منشأة تابعة للحرس الثوري الإيراني في لبنان، فيما قال ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي إن مبعوثين إيرانيين قتلوه انتقاماً لمقتل أربعة دبلوماسيين إيرانيين عام 1982، وهو قتل في لبنان ولم ينقل إلى إيران"، من دون أن تؤكد الوثائق هذه المعلومة.
كذلك يذكر نصها أن "إسرائيل اختطفت اثنين من اللبنانيين في محاولة لتحديد مكان أراد لكن استجوابهما لم يكشف عن شيء. واختطف عملاء الموساد، جنرالاً إيرانياً في سوريا، واقتادوه إلى بلد لم يذكر اسمه في أفريقيا واستجوبوه هناك"، كذلك قتل عام 2003 عميل للموساد أثناء محاولته إنقاذ أراد.