Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهجرة غير الشرعية في الجزائر... بين المخاوف والتساؤلات

بين 1500 و3000 دولار ثمن رحلة نحو إسبانيا على متن قارب صيد فيما السريع يكلف ما بين 6800 وأكثر من 10 آلاف دولار

أعضاء من منظمة "أطباء بلا حدود" ينقذون مهاجرين من قارب في البحر الأبيض المتوسط، 12 يونيو 2021 (أرشيفية - أ ف ب)

ملخص

"هناك من يريد العيش بحرية ومن دون قيود، وهناك من يريد العيش بكرامة تحت سيادة القانون من دون تمييز، وهناك من يريد العيش في بيئة تتميز بالانضباط والنظام، وهناك من يريد الهجرة لأجل أبنائه".

أصبحت الهجرة بحراً بطريقة غير شرعية نحو أوروبا، أو كما يطلق عليها محلياً "الحرقة"، حديث العام والخاص في الجزائر، وتأتي المآسي التي يتم تسجيلها في عرض البحر المتوسط لتزيد من معاناة العائلات، مما يجعل وضع هذا الملف تحت المجهر خطوة استعجالية، على رغم أن حله لا يبدو قريباً، وقد لا نجد له سبيلاً في ظل الإقبال المتزايد على الظاهرة التي تفرض أسعاراً خيالية.

أحداث ووقائع تحبس الأنفاس

وعلى رغم أن ظاهرة الهجرة السرية ليست بجديدة في الجزائر فإن ما يحدث راهناً يثير استفهامات عدة، بعد أن بات هدف جميع الراغبين بالهجرة الوصول إلى السواحل الإيطالية والإسبانية خصوصاً، عبر القوارب، إذ لا يكاد يمر يوم من دون تسجيل إحباط محاولات هجرة غير شرعية، أو إلقاء القبض على شبكة الاتجار بالبشر، أو نجاح مجموعة في بلوغ اليابسة الأوروبية.

ويبقى ما يتم تداوله من أخبار وفيديوهات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعية يثير المخاوف، لا سيما الذين تنقلب بهم القوارب أو تنتهي خزانات وقودها في عرض البحر، وهذه كانت حال 14 شاباً فقدوا في البحر، ينحدرون من أحد أحياء مدينة البليدة (شمال)، تبعد 50 كيلومتراً من الجزائر، خرجوا في الثالث من سبتمبر (أيلول) الجاري، في رحلة هجرة غير شرعية، من شاطئ لارهاط التابع لمحافظة تيبازة قرب العاصمة.

قبض 40 ألف دولار وفرَّ إلى إسبانيا

وفي السياق أيضاً، عرف أحد أحياء مدينة الشراقة بالجزائر العاصمة إحباط محاولة هجرة سرية لـ14 شاباً من مختلف أحياء المدينة وما جاورها، بعد أن انكشف أمرهم وهم يستعدون لمغادرة أحد شواطئ غرب العاصمة، وحسب ما روى أحد الشبان المعنيين بالرحلة "فإن كل الأمور كانت تسير وفق ما تم التخطيط له مع المشرف على العملية، لكن إلقاء القبض على صاحب السيارة المكلف نقل الوقود في أحد طرق المدينة، فضح المستور"، وقال إن عملية التوقيف كانت في سياق إجراء روتيني لأحد الحواجز الأمنية، إذ تم الاستفسار بخصوص وجهة البنزين على اعتبار أن هناك مخاوف وشكوكاً حول حرق الغابات، غير أن التشديد الأمني دفع الشاب إلى الحديث عما يتم التحضير له من قبل زملائه.

أضاف المتحدث نفسه أنه كان برفقة الشباب الذين حضروا إلى الشاطئ للإبحار نحو السواحل الإسبانية قبل أن ينقض عليهم أفراد حرس السواحل، وقيدوا، ومن ثم التحقيق معهم، وعرضهم على قاضي التحقيق الذي ألزمهم الغرامة المالية التي ينص عليها القانون، ولاحقاً أطلق سراحهم مع بقائهم تحت المراقبة، ولفت إلى أن المشرف على الرحلة تمكن من الفرار من داخل المركز الأمني والانتقال إلى إسبانيا بحراً عبر هجرة غير شرعية، وأخذ معه مبلغاً مالياً حصيلة ما أخذه من الشبان بقصد مساعدتهم على الهجرة بحراً، وقدر المبلغ بنحو 40 ألف دولار أميركي.

أسعار مرتفعة والإقبال يتزايد

وتبقى الأسعار المطلوبة من قبل شبكات تهريب البشر إلى السواحل الإسبانية تثير كثيراً من التساؤلات والاستفهامات، ليس بسبب ارتفاعها ولكن كيف لشخص يملك هذا المبلغ الضخم يتحدث عن العوز والفقر، وهو قادر على تأسيس مشروع اقتصادي أو تجاري.

ومعلوم أن إبحار شاب من أحد شواطئ الجزائر نحو السواحل الإسبانية على متن قارب صيد تراوح كلفته ما بين 1500 دولار و3 آلاف دولار، أما إذا تعلق الأمر بقارب أكثر تطوراً وسرعة فتبلغ كلفته ما بين 6800 وأكثر من 10 آلاف دولار.

وفي عام 2009 صادق البرلمان الجزائري على قانون يجرم الهجرة غير الشرعية، ويعاقب مرتكبها بالسجن لمدة قد تزيد على ستة أشهر، أما رؤساء الشبكات فقد تصل عقوباتهم إلى خمس سنوات سجناً فما فوق.

ميسورو الحال أيضاً لهم نصيب

وليست هذه الحوادث وحدها التي سجلت، إذ يتم التداول بوقائع على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الشارع، حول أن هذه الظاهرة باتت تأخذ أبعاداً مقلقة، إذ إن الرغبة بالهجرة لم تعد بسبب ظروف اجتماعية واقتصادية وغيرها، بخاصة بعد الكلام عن فرار ميسوري الحال.

وفي السياق، قال الباحث في العلوم الاجتماعية دحو بن مصطفى إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تحتاج إلى دراسة وتحليل اجتماعي ونفسي، فلا يمكن مثلاً تفسيرها فقط بظروف اجتماعية حينما تجد شخصاً ميسور الحال يبيع ممتلكاته ويخاطر بحياته. وتابع بن مصطفى "في السنة الماضية، حضرت جنازة شاب توفي وهو في طريقه إلى السواحل الأوروبية عبر قارب، ووالده كان مصدوماً لأن ابنه يملك شقة وسيارة وجواز سفر وتأشيرة، لكنه مع ذلك ركب القارب، إن الأمر معقد"، وأشار إلى أنها ظاهرة متعددة الأبعاد، اقتصادياً واجتماعياً، وتتداخل فيها الآمال والطموحات الشخصية مع البيئة الاجتماعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حديث عن هجرة جماعية؟

وتبقى الأخبار عن وصول ما يزيد على 800 جزائري إلى السواحل الإسبانية عبر القوارب خلال أسبوع فحسب، من يوليو (تموز) الماضي في أذهان العائلات، إذ نشر الناشط الإسباني في قضايا الهجرة غير القانونية، الذي يشتغل في المركز الدولي لتحديد هوية المهاجرين غير القانونيين، فرانتشيسكو خوزيي كليمونت مارتين، أن "800 جزائري حطوا عبر القوارب في الشواطئ الإسبانية، بين مدن ألميريا وموريسيا وأليكانت وجزر بيلاراس"، وأضاف أن المهاجرين قدموا على متن 50 قارباً، وعددهم الإجمالي 1100، نحو 80 في المئة منهم جزائريون.

عدم الثقة

واعتبر الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية سلامة الصادق فرابي أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية ليست وليدة السنوات القليلة الماضية، بل لها امتدادات منذ بداية الألفية الثالثة، لكنها لم تكن بهذه الكثافة، وقال إن الشباب أصبحوا يبحثون عن الحياة الفضلى في مكان يسود فيه القانون، مضيفاً أن من بين الأسباب التي جعلت هذه الظاهرة تتفشى الظروف الاجتماعية الصعبة مع زيادة نسبة البطالة، وارتفاع معدلات التضخم، وانهيار القدرة الشرائية، واستمرار الفساد والبيروقراطية.

وواصل فرابي أن اتساع الهوة بين الشباب والنظام السياسي دفع إلى العزوف عن الانتخابات أخيراً، "بعد أن أصبح عدم الثقة في الوعود بتحسين الأوضاع سائداً بقوة"، مشيراً إلى أن الرئيس عبدالمجيد تبون قام بخطوات مثل دعم الشباب كتأسيس منحة البطالة ومحاولة خلق مناصب عمل غير أنها تبقى إجراءات غير كافية لوقف الهجرة غير الشرعية، وحذر من "استغلال مافيا التهريب والاتجار بالبشر معاناة الشباب بإعطائهم وعوداً كاذبة بأنهم سيجدون الجنة في الضفة الأوروبية، وهو ما ليس صحيحاً، إذ إن معظم المهاجرين بطريقة غير شرعية يكون مصيرهم إما الموت في عرض البحار أو السجن أو الترحيل". وختم في رده على سؤال عن إقبال ميسوري الحال على الهجرة غير الشرعية "أن هناك من يريد العيش بحرية ومن دون قيود، وهناك من يريد العيش بكرامة تحت سيادة القانون من دون تمييز، وهناك من يريد العيش في بيئة تتميز بالانضباط والنظام، وهناك من يريد الهجرة لأجل أبنائه".

المزيد من تقارير