خفض "الاحتياط الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ أربعة أعوام، منهياً أطول دورة لرفع الفائدة شهدتها البلاد منذ نحو عقد من الزمن.
وقال كبير الاقتصاديين في شركة "آر أس أم الأميركية" جو بروسويلاس لصحيفة "واشنطن بوست" "سيعمل هذا على تحسين الوضع الاقتصادي المادي لجميع الأميركيين. لقد شهدنا ثلاثة أعوام من السياسة النقدية العدوانية للغاية من الاحتياط الفيدرالي، ونحن الآن نتجه نحو تطبيع أسعار الفائدة في الاقتصاد ما بعد الجائحة".
وخفّض "الاحتياط الفيدرالي" أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية، في حين أن أي خفض في سعر الفائدة الأساس للبنك المركزي سيؤثر بصورة غير مباشرة على سوق الأسهم والتوظيف وسندات الحكومة والرهون العقارية، وأنواع أخرى من القروض.
خفض الفائدة وجذب مليارات الدولارات من الاستثمارات
وقال كبير الاقتصاديين في معهد "روزفلت" مايكل مادوفيتش إن "خفض أسعار الفائدة خبر رائع للطبقة الوسطى".
وأضاف مادوفيتش في تعليقاته "ليس فقط أنه يبرز اقتناع ’الاحتياط الفيدرالي‘ بأن التضخم تحت السيطرة، بل يشير أيضاً إلى أن الاقتصاد تعافى إلى مسار نمو أسرع ومستدام وجاهز لمزيد من الاستثمارات في خلق الوظائف. كما يجب أن تؤدي أسعار الفائدة المخفضة إلى جذب مليارات الدولارات من الاستثمارات طويلة الأجل التي كانت في انتظار، وخلق آلاف الوظائف طويلة الأجل".
وهذه بعض المجالات التي ستؤثر بها خفوض "الاحتياط الفيدرالي" على الشركات والمستهلكين...
أسعار الرهن العقاري وسوق الإسكان
من المتوقع أن توفر الخفوض في أسعار الفائدة بعض الراحة لسوق الإسكان التي شهدت فترة من التشوهات السعرية دفعت مزيداً من الناس نحو الإيجار. ومع ذلك لن تكون التأثيرات واضحة على الفور وفقاً لما قاله كبير الاقتصاديين في "تروستيج" ستيف ريك، فبعد الاضطرابات الشديدة التي خلفتها جائحة كورونا على سوق الإسكان في جميع أنحاء البلاد أصبح العبء المالي المترتب على إيجار منزل أو الحصول على رهن عقاري ثقيلاً على الأسر الأميركية، كما أن الفجوة بين الطلب المرتفع والعرض المنخفض أدت إلى أوقات غير مستقرة للمستأجرين وأصحاب المنازل.
وقد يوفر خفض سعر الفائدة بعض الارتياح للمقترضين في مجال الرهن العقاري، لكن قد يكون هناك تأخير في التأثير جزئياً لأن عدداً من المقرضين أخذوا بالفعل في اعتبارهم خفض الفائدة من قبل "الاحتياط الفيدرالي" في المستقبل القريب. ومن المحتمل أن تحدث خفوض أخرى في الاجتماعات المقبلة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) المقبلين، وفقاً لما ذكره المحللون.
وقال ريك "على رغم أن التأثير لن يكون فورياً فإننا نتوقع أن تؤدي خفوض الفائدة هذه في النهاية إلى خفض أسعار الرهن العقاري... ينبغي أن يزيد هذا من عرض المساكن خلال الأشهر والأعوام المقبلة".
في حين قد تساعد أسعار الرهن العقاري المتراجعة مزيداً من الأشخاص على شراء منزل إذا تمكنوا من العثور على واحد لشرائه، وفقاً لما قاله بروسيلاس. وعلى رغم أن مزيداً من المنازل قد تبنى تدرجاً مع خفض الأسعار فقد تشهد بعض المناطق زيادة في الأسعار على المدى القصير إذا تنافس مزيد من الأشخاص على نفس مجموعة المنازل، بحسب ما أضاف.
ومن جانبها اعترضت كبيرة الاقتصاديين في وحدة الاستخبارات الاقتصادية كونستانس هنتر على توقعات بروسيلاس، وقالت إن عدداً من أصحاب المنازل كانوا مترددين في بيع منازلهم خلال وقت كانت فيه أسعار الفائدة مرتفعة نسبياً، لأنهم كانوا قلقين من أنهم لن يتمكنوا من تحمل كلفة رهن عقاري جديد لشراء منزلهم المقبل، والآن سيصبح بعض هؤلاء الملاك بائعين.
وأضافت هنتر "توجد احتمالية قوية جداً أن يؤدي ذلك فعلاً إلى زيادة العرض في السوق... سيحل هذا مشكلتين في آن واحدة. كما أنه من المرجح أن يوفر الناس مزيداً من العرض، وبالنسبة لأولئك الذين يشترون فإن أسعار الفائدة المخفضة تجعل كلفة التمويل أكثر ملاءمة للمشترين".
بطاقات الائتمان وقروض السيارات
ولن يستفيد الأشخاص الذين يسددون ديون بطاقات الائتمان ذات الفوائد المرتفعة بصورة كبيرة من خفض أسعار الفائدة من قبل "الاحتياط الفيدرالي"، مقارنة بمن يسعون إلى تجنب الفوائد العالية على الرهن العقاري، إذ إن معدلات الفائدة على بطاقات الائتمان تكون عادة أعلى بكثير من غيرها، ولا تخفضها الشركات بصورة متكررة.
وقال أستاذ في جامعة نوتردام والأستاذ السابق في بنك الاحتياط الفيدرالي في بوسطن جيفري بيرغستران "لن يساعد ذلك كثيراً الأشخاص الذين يحملون ديون بطاقات الائتمان".
وبخلاف الرهون العقارية أشار بيرغستران إلى أن المنتج الاستهلاكي الأكثر استجابة لخفض الفائدة من "الاحتياط الفيدرالي" سيكون قروض السيارات، إذ يمكن أن تجعل أسعار الفائدة المخفضة هذه القروض أكثر قدرة على التحمل والسيارات متاحة بصورة أكبر الآن، لذا من غير المرجح أن ترتفع الأسعار بصورة كبيرة، فيما يتوقع وكلاء السيارات زيادة في عدد العملاء.
أسعار الفائدة على المدخرات
عادة ما تعود أسعار الفائدة المرتفعة تاريخياً بالنفع على الأشخاص الذين يودعون أموالاً في حسابات مصرفية معينة أو أدوات استثمارية (بعض الأشخاص خلال الأعوام الأخيرة تفاجأوا عند اكتشافهم أنهم ملزمون بدفع الضرائب على الفوائد التي يكسبونها في حساباتهم المصرفية، بعدما لم يكن لديهم أية فائدة في حياتهم من قبل).
وأشارت هانتر إلى أن كمية الأموال المستثمرة في حسابات سوق المال زادت مع إدراك الأميركيين لأسعار الفائدة المواتية، ومع خفض الأسعار سيسحب بعض الأشخاص الأموال من تلك الحسابات واستثمارها في أماكن أخرى. وقالت "من المرجح أن تذهب تلك الأموال للاستثمار في سوق الأسهم، وبخاصة لأن المستثمرين قد يتوقعون أن خفض الفائدة سيؤدي في الوقت نفسه إلى تقليل عائداتهم من المدخرات وتحسين أداء الأسهم".
وسيعود خفض كلفة الاقتراض بالنفع على جيل الألفية الذين هم في مرحلة من حياتهم المالية إذ يتطلعون لشراء منازل، بينما خفض الفائدة على المدخرات سيؤثر سلباً في المتقاعدين الذين يركزون على تعظيم قيمة حساباتهم، فيما عديد من المتقاعدين ممن اشتروا شهادات إيداع خلال الأعوام الأخيرة سيستمرون في تحقيق معدلات فائدة مرتفعة، إذ إن الأسعار محجوزة في وقت الشراء.
سوق الأسهم
وبما أن بعض المستثمرين يعتقدون أن "الاحتياط الفيدرالي" تأخر في اتخاذ الإجراءات، نظراً إلى أن البنوك المركزية في دول أخرى خفضت أسعار الفائدة خلال الأشهر الأخيرة، فإن الخفض المتوقع في سعر الفائدة لن يترجم على الأرجح إلى تحركات كبيرة في السوق، وبدلاً من ذلك يعتمد الأمر أكثر على مزيد من الخفوض، وفقاً لما قاله مستشار ثروات ومدير إداري في شركة "فارثر" روبرت باروني.
وأضاف أن خفض الأسعار سيؤثر أساساً على "الأكثر ثراء" ممن يمكنهم تحمل وضع مبالغ كبيرة من الأموال في حسابات التوفير منذ البداية.
وأضاف المحللون في "سينتيمنت تريدر" أنه من الصعب تحديد كيفية استجابة الأسواق، لأن خفض سعر الفائدة المركزي المتوقع كان "مجازفة للمستثمرين" بصورة عامة.
وأوضح المحللون في تعليقات لصحيفة "ذا بوست"، "لم يكن هناك نمط ثابت في العوائد المستقبلية بعد دورات رفع أسعار كبيرة، وكانت الدورات الأخيرة بمثابة إشارات تحذيرية رئيسة، بينما لم تكن معظم الدورات الأخرى كذلك. لكنها كانت أكثر سلبية للدولار (لبعض الوقت)، والأسهم التقنية (بشكل ساخر)، بينما كانت جيدة لأذون الخزانة والسندات والأسهم القيمة، والقطاعات الدفاعية".
توقعات التضخم
كان الهدف الرئيس من رفع أسعار الفائدة هو كبح التضخم، ومع ذلك لا يتوقع معظم الاقتصاديين أن ترتفع الأسعار مرة أخرى بصورة كبيرة مع خفض أسعار الفائدة.
ولا يتوقع أن تعود الأسعار إلى مستويات ما قبل الجائحة، لكن معدل النمو سيكون أكثر توافقاً مع المعايير التي شهدناها خلال العقود القليلة الماضية، وفقاً للمراقبين.
قد تستمر الأسعار في الارتفاع لبعض السلع المتأثرة بعوامل أخرى بخلاف السياسة النقدية، إذ أشارت هانتر إلى أن المستهلكين سيستمرون في رؤية زيادات حادة في كلفة تأمين المنازل بسبب كلفة الكوارث التي تسبب فيها المناخ، وكذلك الارتفاع في أسعار المواد الغذائية والمشروبات المعالجة بسبب تأثير تغير المناخ القاسي على محاصيل السكر.
آفاق التوظيف
ويعد تباطؤ سوق العمل أحد الأسباب الرئيسة لقرار مجلس الاحتياط الفيدرالي بخفض معدلات الفائدة، وفي أغسطس (آب) الماضي وخلال أهم خطاب له هذا العام قال رئيس "الاحتياط الفيدرالي" جيروم باول إن المسؤولين لم يسعوا أو يرحبوا بمزيد من التباطؤ في ظروف سوق العمل.
سوق العمل
وتعد سوق العمل محرك الاقتصاد الأميركي، وأظهرت المؤشرات الاقتصادية أن هذا المحرك قد يكون في حال اهتزاز إذ ارتفع معدل البطالة الوطني خلال الأشهر الأخيرة ليصل إلى 4.2 في المئة وفقاً لأحدث تقرير للوظائف من مكتب إحصاءات العمل.
وقال الاستراتيجيان في إدارة استثمارات "جون هانكوك" إميلي رولاند ومات ميسكين في تحليل نشر خلال وقت سابق من هذا الأسبوع "لا يريد الاحتياط الفيدرالي أي تراجع إضافي في سوق العمل"، مشيرين إلى أنه عادة ما يصل معدل البطالة إلى 5.1 في المئة خلال فترات الركود الاقتصادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حال أسهمت خفوض الفائدة في زيادة تدفق المال في الاقتصاد، فقد يؤدي ذلك إلى توسع الشركات من خلال الاستثمارات والتوظيف.
وكتب الاقتصاديان إليس غولد وجوش بيفينز من معهد السياسة الاقتصادية في منشور على المدونة الأسبوع الماضي أن سوق العمل قوية بصورة استثنائية عند الحكم عليها وفقاً لأي معيار تاريخي، ومع ذلك أثارت العلامات الأخيرة على التباطؤ قلقاً من أن "الاحتياط الفيدرالي" يتحرك ببطء شديد لخفض المعدلات.
وقال الاقتصاديان "لا يوجد سبب يجعل ’الاحتياط الفيدرالي‘ يسعى إلى توليد سوق عمل أضعف، لكن الأشهر الأخيرة شهدت علامات على تراجع طفيف في سوق العمل على الهامش. في حين ستؤدي السياسة النقدية الانكماشية المستمرة إلى تفاقم هذا الضعف في سوق العمل، حتى وإن أظهرت الأعوام القليلة الماضية أن مثل هذا الضعف ليس ضرورياً لإزالة آخر بقايا التضخم المفرط من النظام".