Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد أجهزة الـ"ووكي" والـ"بيجر"... هل هواتفنا وسياراتنا قنابل موقوتة؟

سلسلة التفجيرات المتزامنة والقاتلة التي هزت مختلف المناطق في لبنان وسوريا دفعت كثيرين إلى القلق من أن تشكل أي أجهزة إلكترونية في حوزتهم خطراً عليهم. كاتب التقرير، الخبير في التكنولوجيا، يستعرض هذه المسألة بمزيد من التدقيق

عناصر في الجيش اللبناني خارج محل لبيع الهواتف بعد انفجار جهاز "ووكي توكي" في الداخل (أ ب)

ملخص

سلسلة التفجيرات التي ضربت لبنان وسوريا تثير القلق في شأن إمكان تحويل الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف والسيارات إلى قنابل موقوتة. وعلى رغم أن هذا السيناريو يبدو غير محتمل، فإن الهجمات على أجهزة الـ"بيجر" القديمة توضح كيف يمكن استغلال التكنولوجيا لأغراض خبيثة، مما يعزز من مخاوف الأمان العالمية

تمت صفقة شراء أجهزة الراديو اللاسلكية الـ"ووكي توكي" walkie-talkie  منذ خمسة أشهر مضت، وتزامنت مع شراء أجهزة الاستدعاء أو الـ"بيجر" pager غير المؤذية. لم يكُن أحد يعلم آنذاك أن هذه القطع التكنولوجية الصغيرة اليومية الاستخدام والقديمة بعض الشيء ستتحول بعد مرور أشهر إلى أسلحة قاتلة، في المرحلة الأولى من هجوم يعتبر واحداً من أكثر الهجمات جرأة واستهدافاً التي تنفذها دولة أجنبية على أرض عدو لها. اعتداء ترك خلفه في يومه الأول آلاف المصابين، و12 قتيلاً في أقل تقدير، وأعداداً أكثر من القتلى والجرحى في جولة التفجير الأحدث.

حتى مع العلم أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تلقى علانية معارضة وانتقادات صريحة وجريئة، ومع مراعاة أنه إلى جانب ثلاثة آلاف جريح لقي طفلان أقله حتفهما نتيجة الهجوم، فإن الهجمات التكنولوجية التي شنتها الاستخبارات الإسرائيلية هذا الأسبوع، بما انطوت عليه من مخيلة ولوجستيات ونطاق واسع، تثير في نفوسنا شيئاً من الانبهار والإعجاب. أن ينجحوا في تفجير سلسلة من الأجهزة المتفجرة في مختلف أنحاء لبنان وسوريا مستهدفين جماعة "حزب الله" الإرهابية المدعومة من إيران، يبدو لا ريب مشهداً من مغامرة في أحد كتب القصص المصورة التي يعشقها الفتيان.

من الرسوم الكرتونية، مروراً بالقصص المصورة اليابانية "مانغا" والرسوم والأفلام اليابانية المتحركة المرسومة بالكمبيوتر "أنمي"، وصولاً إلى الأدوات المتفجرة في سلسلة أفلام "جيمس بوند"، كالسجائر والنظارات وساعات المنبه وغيرها، تبدو الأدوات التي لا يتوقع الناس أن تكون قابلة للانفجار، ولكنها تفاجئهم بذلك، الدعامة الأساس المثيرة لفضول الأطفال وانبهارهم ودهشتهم في مختلف أنحاء العالم. حتى إن إحدى حلقات المسلسل التلفزيوني الأميركي "فرايزر" Frasier تضمنت وعاء متفجراً من الكرز، مما عزز شغفنا وحبنا الطفولي للنماذج الخيالية غير الواقعية من المفاجآت المتفجرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حتى، في العالم الحقيقي، عندما يشعل أشخاص مجانين الفوضى باستخدام أجهزة تبدو غير مرتبطة بالعنف ومن غير المتوقع استخدامها كمتفجرات، من الصعب ألا تقف منبهراً إزاء سخافة بعض الأجهزة المفخخة، خصوصاً عندما تكون مطمئناً إلى أنها قد أخفقت في مهمتها. مثلاً، الشاب النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب الذي فشل في إسقاط طائرة عام 2009 [فوق مدينة ديترويت الأميركية] باستخدام ملابس داخلية خبأ فيها مواد متفجرة.

ولكن الحقيقة المرة، كما ربما تكشف الأسابيع المقبلة في الشرق الأوسط، أن الأضرار الناجمة عن استخدام التكنولوجيا في تخريب وتعطيل أدوات وأجهزة تشكل جزءاً من حياتنا اليومية [مثل الأجهزة الإلكترونية والمنزلية ووسائل النقل...]، تفوق بأشواط أي فوائد محتملة.

ولكن ليس مدعاة للضحك والفكاهة موت أبرياء أو تشوههم بسبب تفجير أي أجهزة أو أدوات عادية. وستلقى رداً قاسياً إذا سألت أي شخص شارك في العمليات العسكرية في أفغانستان أو العراق عما إذا كان بعث فيه أي شعور بالضحك والمرح والمتعة عثوره على أجهزة تفجير عن بعد مخبأة في أغراض عادية مثل زجاجات الحليب وصخور مجوفة.

والمشكلة أن دولاً عدة، إضافة إلى إسرائيل، تتمتع أيضاً بعبقرية أقرب إلى الجنون في تسخير التكنولوجيا من أجل خلق حال من الفوضى والاضطرابات، وأبرزها الصين وروسيا. والأجدر بالغرب وإسرائيل المتحالفة معه أن يعلما أن استفزاز عقدة الدونية لدى تلك الجهات لا تصب في مصلحة أحد. من ثم، لن يتأخر الانتقام كثيراً.

لا أحد، باستثناء قلة في إسرائيل، يعرف ما إذا كانت أجهزة الاتصالات المتفجرة تحوي قطعة صغيرة من المتفجرات دُست فيها في مرحلة ما ضمن عملية توريد هذه الأدوات [بدءاً من الإنتاج وحتى التسليم]، مع إدخال تحديث برمجي بسيط إليها، أو ما إذا كانت بطاريات الليثيوم التي تنطوي على خطر محتمل والتي تشتمل عليها كل هذه الأجهزة، قد جرى تحويلها إلى سلاح متفجر بطريقة ما.

من شأن قصر الدائرة في بطارية الليثيوم [اتصال غير مقصود في قطبي البطارية ينتج منه تدفق كهربائي غير طبيعي] أن يتسبب في نشوب حريق كبير في الجهاز، لذا توفر شركات الشحن ترتيبات خاصة للطرود التي تحوي هذا المصدر من الطاقة، كذلك لن تسمح لك شركات الطيران بوضع أي أجهزة تحوي بطاريات ليثيوم في أمتعتك في قسم الشحن بسبب أخطارها المحتملة. لذا، في حين زعم أحد المصادر أن أجهزة الاستدعاء هذه التي يُعتقد بأن وراء تصنيعها شركة مجرية تحمل ترخيصاً باستخدام العلامة التجارية لشركة "غولد أبولو" Gold Apollo ومقرها تايوان، قد تعرضت للتعديل والتلاعب "في مرحلة الإنتاج"، من الوارد أيضاً أن تكون الرسالة النصية الأبجدية الرقمية المحددة المرسلة عبر أجهزة "بيجر" المستخدمة من "حزب الله" السبب في حدوث قصر الدائرة الكهربائي الذي أدى إلى تفجر الأجهزة.

في الواقع، لا تُخفى على أحد الخبرة الرائدة لدى إسرائيل على مستوى العالم في تحويل الأغراض العادية إلى أسلحة. في فترة زمنية سابقة، استخدمت ما يسمى "الطرود المفخخة" أو "الرسائل الملغومة" التي حققت أهدافها المطلوبة. ومن بين النجاحات الأخيرة التي سجلتها البلاد في هذا المجال مقتل يحيى عياش، أحد كبار صانعي المتفجرات التابعين لحركة "حماس" في غزة عام 1996 الذي اغتيل بهاتف محمول مزود بمواد متفجرة، انفجر عندما ردّ على مكالمة واردة إليه.

وعام 2008، اغتيل في دمشق عماد مغنية، أحد أكثر العقول المدبرة للعمليات الإرهابية في العالم، بعد انفجار سيارة مفخخة بقنبلة مدسوسة في أحد المقاعد، تحديداً مسند الرأس. وفي الوقت نفسه تقريباً، تعرض البرنامج النووي الإيراني للاختراق وكاد أن يدمره فيروس "ستاكسنت" Stuxnet الذي أُدخل إلى نظام كمبيوتر شركة "سيمنز" بواسطة ناقل بيانات "يو أس بي" USB واحد.

وقبل بضعة أسابيع فقط، جرى تتبع الزعيم السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، بواسطة هاتفه المحمول إلى دار ضيافة في طهران، حيث تعرض للقتل. وفي حادثة مختلفة إنما متصلة باستخدام التكنولوجيا المتقدمة في الاغتيالات، تعود لعام 2020، قُتل كبير علماء الأسلحة النووية الإيرانية، محسن فخري زاده، بواسطة مدفع رشاش آلي مثبت على شاحنة صغيرة تتحكم فيه عن بعد الأقمار الاصطناعية.

ولكن لم نشهد سابقاً هجوماً يماثل في نطاقه وشموليته الهجوم الذي فوجئنا به هذا الأسبوع. والآن، كل شخص تقريباً في العالم يملك هاتفاً محمولاً أو جهاز كمبيوتر محمولاً أو سماعات رأس لاسلكية أو أي أداة متصلة بالإنترنت، أو حتى سيارة، يشغله السؤال، إلى أي مدى نحن عرضة للهجمات الخبيثة؟.

"كم من الوقت سيمر قبل أن يأتي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو نظيره الصيني شي جينبينغ بقرارات وأفكار تجعل ملايين هواتف ’آيفون‘ حول العالم تشتعل في جيوب أعدائهما؟"، سأل مارك ألموند، مدير "معهد بحوث الأزمات" في "جامعة أكسفورد" البريطانية، في مقالة له نُشرت في "ديلي ميل" أمس الأربعاء.

هل في مستطاع أحد اللاعبين الأشرار في الساحة الدولية أن يتلاعب بسماعات الرأس اللاسلكية، أو كاميرا مراقبة الأطفال، أو أي عدد من الأجهزة الأخرى المتصلة بالشبكة لتتحول إلى قنبلة متفجرة؟ هل في مقدور الحكومة الصينية أن تحول عن بعد، في المرة المقبلة التي تختلف فيها مع الغرب، سيارتي الصينية الجديدة المتصلة بالإنترنت إلى "قاتل زومبي" [مركبة يُفقد السيطرة عليها] رباعي العجلات؟.

في حالة هواتف "آيفون" التي يسود اعتقاد واسع بأنها مأمونة الاستخدام أكثر مقارنة بهواتف "أندرويد" الأقل كلفة، ربما تكون الإجابة كلا. وكما صرحت شركة "كاسبرسكي" Kaspersky المتخصصة في مجال الأمن الرقمي: "لحسن الحظ بالنسبة إلى محبي ’أبل‘، تبقى فيروسات ’آيفون‘ نادرة جداً، ولكنها موجودة؛ وخلال الأعوام الأخيرة، واجه بعض مستخدمي ’آيفون‘ عواقب كبيرة بسبب ’بيغاسوس‘ Pegasus، أحد أشكال برامج التجسس التي تخترق هواتف الضحايا عبر رسائل نصية قصيرة، أو ’آد ثيف‘ AdThief، وهو نوع من البرمجيات الخبيثة يستخدمه القراصنة لسرقة عائدات الإعلانات وتحويلها إليهم.

وبطبيعة الحال، يذكر أن الولايات المتحدة تعتبر شركة "كاسبيرسكي" نفسها مرتبطة بالدولة الروسية إلى حد يجعلها غير أهل للثقة. في الحقيقة، يبدو معقداً العالم حيث جميع الأدوات مترابطة، ويكون في الغالب غير واضح المعالم [بالنسبة إلى المستخدمين، لا سيما في ما يتعلق بالأمان والخصوصية].

أما تفخيخ جهاز "آيفون" أو "أندريود" واحد، أو حتى الآلاف منهما، بكمية من المتفجرات، فيبقى على الأرجح أمراً محالاً، ولهذا السبب اختارت العقول التكنولوجية التي كانت وراء الهجوم الأول من هجومَي هذا الأسبوع أجهزة "بيجر" القديمة. يعود تاريخ أجهزة الاستدعاء البسيطة هذه إلى أوائل ثمانينيات القرن الـ20، وفي داخلها مساحات فارغة تكفي للكمية الصغيرة - 10 غرامات كافية - اللازمة لتتحول إلى قنبلة صغيرة. ولكن في المقابل الهاتف الذكي الحديث مملوء حتى الجزء الأخير من الميلميتر بالدوائر الكهربائية والقطع الأخرى. لذا، فإن إيجاد مساحة لخاصيات جديدة في هاتف جديد يستغرق أعواماً من التشاور بين الفرق التكنولوجية في شركة مثل "أبل" أو "سامسونغ".

سيكون من المستحيل أيضاً إدخال أي متفجرات إلى أكسسوارات الهاتف، مثل سماعات "أبل" الواسعة الانتشار "إيربودز"، وذلك نظراً إلى أنها محكمة الغلق، وسيكون أي تعديل فيها واضحاً للعيان.

ولكن مع ذلك، فإن انتشار الهجمات القائمة على التكنولوجيا هذا الأسبوع ربما يعني أنه على رغم أننا لسنا في الواقع هدفاً محتملاً للتفجيرات، ربما ينظر الجميع من الآن فصاعداً إلى الأجهزة التكنولوجية على أنها تهديد محتمل، مهما كان بعيداً، وليس كأدوات أساسية.

وعلى رغم أن "حزب الله" تلقى ضربة قوية في صميم كبريائه ومعنوياته، في رأي تشاطره الخبراء في إسرائيل وبقية العالم أمس، ليس مرجحاً أن تردع الهجمات على أجهزة الاتصالات الإصرار لدى عناصر هذه الجماعة. في الحقيقة، إن العار الكبير الذي ألحقته بهم جرأة هذه الهجمات سيعني، على الأرجح، أنهم سيزدادون إيماناً وتمسكاً بمعتقداتهم.

والمتوقع، في الحقيقة، أن يسفر إحراج "حزب الله" وإظهاره في مظهر غبي عن نتائج عكسية. في حين كان الهجوم الإسرائيلي عبقرياً من نوعه، فإن وكلاء إيران في لبنان يمثلون قوة عسكرية فاعلة وسيكونون بلا شك في حاجة ماسة الآن إلى إثبات ذلك، وبسرعة. أحد لا يستطيع أن يخمن المكان الذي سيأتي منه الهجوم المفخخ التالي، ولكن فجأة لا يبدو أن جهاز الاستدعاء القديم الـ"بيجر" سيعود إلى الاستخدام في أي وقت قريب.

© The Independent

المزيد من تحلیل