ملخص
تراهن السلطات التونسية على رفع نسبة المشاركين في الاقتراع الرئاسي خصوصاً إثر تسجيل أدنى نسب أثناء الانتخابات البرلمانية والمحلية السابقة، لكن من غير الواضح قدرتها على تعبئة الناخبين خلال السادس من أكتوبر المقبل.
أحيت الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في تونس خلال السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، الاستقطاب السياسي داخل البلاد، بين موالين للرئيس قيس سعيد الساعي إلى الفوز بولاية ثانية مدتها خمسة أعوام، ومعارضين له.
وأدت حال الانفتاح السياسي التي شهدتها تونس بعد انتفاضة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011 والتي أطاحت الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لـ23 عاماً، إلى تطور على مستوى التنافس على السلطة. فالمتنافسون حولوا خلال الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها البلاد سواء برلمانية أو رئاسية المواجهة إلى فرز بين من معهم ومن يقف ضدهم، وتجسد ذلك بصورة أكثر وضوحاً بين العلمانيين والإسلاميين وبصورة رئيسة خلال عام 2014 عندما تنافس الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي والرئيس الموقت وقتذاك المنصف المرزوقي على منصب الرئاسة، فيما احتدم الصراع بين "حركة النهضة" الإسلامية وحزب "نداء تونس" العلماني بالتوازي على الغالبية في البرلمان.
لحظة فرز
وانحصر السباق الرئاسي هذا العام في تونس بين ثلاثة مرشحين يحاول كل منهم تعبئة الناخبين لصالحه، وهم الرئيس قيس سعيد الذي تشارف عهدته على الانتهاء، والأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي، والأمين العام لحركة "عازمون" المحتجز منذ أيام العياشي زمال.
وقال الناطق باسم حزب "التيار الشعبي" محسن النابتي إن "ما يحدث هو لحظة فرز وهي متوقعة ومنتظرة، منذ أشهر أعلنا دعمنا للرئيس قيس سعيد وقلنا إن هذه الانتخابات تدور على قاعدة شحن سياسي يصل إلى درجة المعادلة الإلغائية وهذا ما أثبتته مجريات الأحداث".
وتابع النابتي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "المرشحين المنافسين للرئيس سعيد لا برنامج لهما سوى إزاحة الرجل من السلطة وفسخ كل منجزاته السياسية، سواء توحيد السلطة التنفيذية ضمن نظام حكم رئاسي أو المؤسسات الدستورية التي أنشأها، أو المنجزات الأخرى مثل قوانين الشيكات وغيرها".
ولفت إلى أنه "بالنسبة لهما (منافسا سعيد)، المهم هو إلغاء هذه المرحلة وهو أمر انتظرناه في الواقع لأن الرئيس قيس سعيد فرض معادلة تصفي تركة المنظومة الحاكمة سابقاً، وبالطبع هذه المنظومة لها مصالح متعددة ومتنوعة وتلتقي حتى وإن اختلفت أيديولوجياً في مستوى مصالحها".
وشدد النابتي على "أن هناك اليوم ضغطاً سياسياً وإعلامياً أجنبياً ضد تونس والرئيس سعيد وهو ما يعكس امتداد بعض الأطراف السياسية إلى الخارج، بالتالي غاب أي حديث بالنسبة إلى بقية المرشحين وداعميهم عن برامج اقتصادية أو غيرها".
واستنتج المتحدث ذاته أن "على الرئيس سعيد في المقابل الرفع من نسق حملته الرئاسية من خلال التوضيح للتونسيين معنى شعاره ’الشعب يريد الإنشاء والتعمير‘، ما هو هذا الإنشاء والتعمير؟ لأن من المهم شرح وتفكيك هذا الشعار. ومن المؤكد أن ثقة التونسيين في إنجاز وعوده كبيرة".
أزمة سياسية
وتشهد تونس تصاعداً للتوتر السياسي في أعقاب رفض الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إعادة ثلاثة مرشحين إلى السباق الرئاسي.
وفي تونس الآن معسكران، الأول يدعم سعيد ويتألف من أحزاب وناشطين مثل "التيار الشعبي" و"حركة تونس إلى الأمام"، والقيادي السابق بـ"حركة النهضة" عماد الحمامي، فيما يتألف المعسكر الآخر من معارضي الرئيس على غرار "حزب العمال" اليساري و"التيار الديمقراطي" و"الحزب الجمهوري" و"جبهة الخلاص الوطني" و"الحزب الدستوري الحر"، لكن هذا المعسكر منقسم على نفسه بصورة كبيرة.
واعتبر القيادي في حزب "التيار الديمقراطي" هشام العجبوني أن "هناك أزمة سياسية خانقة أسهم الرئيس المنتهية عهدته في تعميقها باستفراده بالحكم خلال عام 2021 ورفضه لأي حوار مع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين وحل كل المؤسسات المنتخبة، وضرب كل الأجسام الوسيطة، وإصدار المرسوم 54 سيئ الذكر لإسكات وترهيب كل الأصوات الحرة المعارضة".
وأوضح العجبوني "لا أعتقد أن البرامج الانتخابية على أهميتها ستكون المحك الرئيس في هذه الانتخابات على رغم وجود رغبة للتغيير لدى جزء كبير من التونسيين بقطع النظر عن البرامج التي ستقدم للناخبين".
وأردف "طبعاً، من المهم الاطلاع على البرامج الانتخابية وأولويات المرشحين للمرحلة المقبلة وعلى رأسها مواقفهم من الدستور وتصوراتهم للنظام الرئاسي، وكذلك مواقفهم من احترام الحقوق والحريات وإلغاء مراسيم أصدرها قيس سعيد، وبرنامجهم لوقف نزف الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الفترة المقبلة".
وذكر أنه "للأسف، المناخ العام الحالي لا يسمح بنقاش برامج وتصورات وحلول المرشحين للرئاسية، لأن الحد الأدنى الديمقراطي غير متوافر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معسكر ثالث خارج الانتخابات
ويرى مراقبون في تونس أن هناك معسكراً ثالثاً بصدد التشكل بعيداً مما ستفرزه الانتخابات الرئاسية المرتقبة من نتائج، وذلك في أعقاب إطلاق تكتلات تدافع عن الحريات في بلد شكل الاستثناء في المنطقة العربية منذ 2011.
وقال الباحث السياسي محمد صالح العبيدي إن "الاستقطاب في تونس في السابق كان محصوراً بين الإسلاميين والعلمانيين وكأنه فرض على التونسيين، لكن الآن نرى معسكراً جديداً بدأ بالفعل يتشكل خارج الاستحقاق الرئاسي".
وأشار العبيدي إلى أن "هذا المعسكر بدأت ملامحه من خلال شبكة الحقوق والحريات التي أعادت الزخم إلى الشارع أخيراً عندما قادت احتجاجاً مثيراً في توقيته ودلالاته، إذ نجحت في كسر حال من الجمود سادت الشارع منذ أشهر".
وأفاد بأن "هذا المعسكر من شأنه كسر الاستقطاب بين الرئيس قيس سعيد وجبهة الخلاص الوطني وأن يطرح نفسه بديلاً على رغم أن قدرته الحالية على التغيير تبدو على المحك، خصوصاً أنه ليس له مرشح للاستحقاق الرئاسي".
وتأتي هذه التطورات في وقت تراهن فيه السلطات على رفع نسبة المشاركين في الاقتراع الرئاسي، خصوصاً إثر تسجيل أدنى نسب في الانتخابات البرلمانية والمحلية السابقة، لكن من غير الواضح قدرتها على تعبئة الناخبين خلال السادس من أكتوبر المقبل.
اقتراح قانون
في سياق متصل، اقترح 34 نائباً في البرلمان التونسي اليوم الجمعة مشروع قانون عاجل مثيراً للجدل يهدف لتجريد المحكمة الإدارية من سلطتها بالفصل في النزاعات الانتخابية، وهو تغيير رئيس تقول المعارضة إنه أحدث خطوة لتشويه صدقية الانتخابات الرئاسية بصورة كاملة.
وينظر إلى المحكمة الإدارية على نطاق واسع على أنها آخر الهيئات القضائية المستقلة، بعد أن تولى الرئيس سعيد تغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وعزل العشرات من القضاة خلال عام 2022.
وتصاعد التوتر السياسي في تونس منذ أن أقصت لجنة الانتخابات ثلاثة مرشحين بارزين هم منذر الزنايدي وعبداللطيف مكي وعماد الدايمي.
وتحدت لجنة الانتخابات المحكمة الإدارية وهي أعلى هيئة قضائية في النزاعات المتعلقة بالانتخابات، ورفضت إعادة الدايكي والزنايدي والمكي إلى السباق وأبقت فقط على قيس سعيد والعياشي زمال وزهير المغزاوي.
وقال أساتذة في القانون هذا الشهر إن رفض الهيئة الانتخابية إعادة المرشحين يهدد بجعل الانتخابات غير شرعية إذا طعن أي مرشح في نتائج الانتخابات أمام المحكمة الإدارية.
وقضت محكمة أول من أمس الأربعاء على المرشح الرئاسي زمال بالسجن لمدة 20 شهراً، معززة مخاوف المعارضة من انتخابات غير نزيهة تهدف إلى إبقاء سعيد في السلطة.
وتمنح وثيقة مشروع القانون المحاكم العادية في القضاء العدلي ولاية قضائية حصرية على النزاعات الانتخابية، على عكس ما حدث في الانتخابات السابقة في تونس حيث كانت المحكمة الإدارية هي الحكم.
ويشير مشروع القانون إلى أن التغيير سيكون بدءاً من الانتخابات الرئاسية الحالية.
وقال معارضون ونشطاء إن المبادرة البرلمانية هي أحدث خطوة تهدف إلى وأد أية مؤسسة تصدر أحكاماً لا ترضي سعيد.