ملخص
تاريخياً لم يحظ "الإخوان" في الأردن برئاسة مجلس النواب سوى مرة عام 1990 وشاركوا بخمسة وزراء في حكومة مضر بدران عام 1991.
أسفرت تشكيلة الحكومة الجديدة في الأردن عن بوادر أزمة مبكرة بين "الإخوان المسلمين" وحكومة جعفر حسان، وذلك بعد إقصاء رموز الجماعة من تسلم حقائب وزارية، فيما حظيت أحزاب أخرى بحقائب عدة.
واعتبر مراقبون أن هذه الخطوة تحمل أبعاداً كبيرة باتجاه استمرار سياسة عدم ثقة الدولة بالجماعة ومراوحة الإصلاح السياسي مكانه، فيما اعتبر"الإخوان" هذا الإقصاء تهميشاً متعمداً لهم على رغم حصولهم على الغالبية من حيث عدد المقاعد الحزبية في البرلمان، مما دفعهم إلى التلويح بالتصعيد في الشارع، وحجب الثقة عن الحكومة تحت قبة البرلمان.
مخيبة للآمال
ويقول حزب جبهة العمل الإسلامي (الإخوان) إن تشكيلة الحكومة الـ14 في عهد الملك عبدالله الثاني، جاءت "مخيبة للآمال وتكرس ذات النهج السابق الذي أوصل الأردن إلى ما يمر به من أزمات، كما أنها مخالفة لإرادة الشارع الأردني التي عبر عنها في الانتخابات ولا تتوافق مع التأسيس الحقيقي لمرحلة التحديث السياسي".
ويصف الحزب الإسلامي ما جرى بأنه "أقرب للتعديل الوزاري وتكرار ذات الوجوه التي أثبتت التجربة فشلها في إدارة الملفات الموكلة إليها، مع بقاء 14 وزيراً من الحكومة السابقة، بما في ذلك بعض وزراء التأزيم ومن سبق لهم تولي الوزارة في حكومات سابقة وأثبتت التجربة فشلهم في إدارة الملفات التي يديرونها". ويضيف الحزب أن "المزاج العام الشعبي كان يتطلع لمرحلة جديدة من تشكيل الحكومات على أساس الكفاءة والقدرة على معالجة ما تسببت به الحكومات السابقة من أزمات في مختلف القطاعات". ويؤكد أن "نتائج الانتخابات النيابية كانت رسالة بضرورة تغيير النهج القائم في إدارة مؤسسات الدولة والتأسيس الحقيقي لمرحلة التحديث السياسي عبر إجراء مشاورات نيابية حول شخص رئيس الوزراء ابتداء، ووصولاً إلى تشكيلة الحكومية، بعيداً من نهج المحاصصة".
وانتقد الحزب توزير مسؤولين سابقين من منتسبي أحزاب بعينها لرسم صورة غير حقيقية عن مشاركة حزبية في الحكومة دون الاستناد إلى ما أفرزته إرادة الشعب الأردني في هذه الانتخابات من نتائج.
عدم ثقة متبادلة
وبرز في تشكيل حكومة جعفر حسان التي أدت اليمين الدستورية أمام العاهل الأردني الأسبوع الماضي، الاستعانة بثمانية وزراء حزبيين، خمسة منهم من حزب الميثاق الذي تمكن من حصد أربعة مقاعد فقط في الانتخابات البرلمانية.
ويقول مراقبون إن رئيس الوزراء الجديد تعمد ضم وزراء حزبيين من دون الإسلاميين لإيصال رسالة مفادها أن الدولة لا تثق بعد بنوايا "الإخوان المسلمين" وإمكانية اندماجهم في الحياة السياسية على قاعدة مصالح الدولة لا المصالح الحزبية الضيقة.
لكن آخرين يعتقدون أن الدافع الوحيد لإقصاء الإسلاميين هو التوجه نحو "حكومة تكنوقراط" لمعالجة التحديات الاقتصادية بعيداً من الاعتبارات السياسية أو الأيديولوجية، وهو ما لا يتناسب مع خبرات الإسلاميين الذين لا يملكون خلفية مهنية وتقنية، ويتسم خطابهم السياسي العاطفي بالقضايا الاجتماعية والسياسية.
معركتان بالانتظار
وبذلك تخلو الحكومة الجديدة من أي تمثيل للمعارضة الأردنية، بانتظار مشوب بالقلق لانعقاد الجلسة الأولى للبرلمان منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل الذي سيشهد تصويتاً برلمانياً لنيل الحكومة ثقة المجلس، إذ ألمح عدد من قيادات الجماعة إلى أن نوابها في البرلمان سيحجبون الثقة عن حكومة جعفر حسان، التي يفترض أن تبدأ بإعداد بيان وزاري موسع تتقدم من مجلس النواب الجديد على أساسه بطلب الثقة.
بعدها ووفق الدستور وتعليمات القانون الداخلي للمجلس وبنوده، سيخوض "الإخوان المسلمون" معركة أخرى تتمثل بالمنافسة على رئاسة مجلس النواب عبر نائبهم المخضرم صالح العرموطي، في مواجهة الرئيس السابق للمجلس أحمد الصفدي وفق التوقعات والترجيحات.
ويعتقد مراقبون للمشهد البرلماني أن الحكومة الجديدة غير قلقة من تلويح جماعة "الإخوان المسلمين" بحجب الثقة عنها، في ظل عدم تحقيق نواب الجماعة نصاب الثلث المعطل في المجلس، إذ يمثلون 31 مقعداً من أصل 138، وعليه يتوقع أن تفوز حكومة حسان بثقة النواب وبغالبية مريحة قوامها حوالى 100 صوت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إقصاء أم توازن
بكل الأحوال، يعكس إقصاء الإسلاميين حكومياً، بخلاف ما كان متوقعاً، محاولة للتقليل من نفوذ الإخوان، الذين كانوا جزءاً من المشهد السياسي الأردني لعقود.
لكن ما يراه الإخوان إقصاء يسميه آخرون محاولة لـ"إعادة التوازن" في الساحة السياسية، وإفساح المجال أمام تيارات سياسية أخرى، بعد عقود من احتكار الجماعة للعمل السياسي والحزبي في الأردن.
ويتوقع أن يدفع رد الفعل الإخواني الحاد على الإقصاء من الحكومة، إلى اللجوء للشارع كوسيلة للضغط، والتلويح بالاحتجاجات وممارسة الشغب البرلماني ضد سياسات حكومة جعفر حسان ومواقفها تحت قبة البرلمان، إذ يمتلك نواب الجماعة قدرة على تعطيل الكثير من القرارات الحكومية، أو نبش ملفات قوانين سابقة، وبخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردنيون.
ومن بين الملفات التي يتوقع أن يبادر نواب الجماعة في البرلمان إلى إعادة فتحها، ملف العلاقة مع إسرائيل ومراجعة اتفاقية الغاز والمطالبة بإلغاء "اتفاقية وادي عربة" مع إسرائيل، وهو ما يفسر استباق وزير الخارجية أيمن الصفدي لهذه الخطوة والإعلان عن أهمية هذه المعاهدة للأردنيين والفلسطينيين على رغم أنها تحولت إلى وثيقة يعلوها الغبار.
تحالف ثم صدام
تاريخياً لم يحظ "الإخوان" برئاسة مجلس النواب بالأردن سوى مرة واحدة وتحديداً عام 1990 ولثلاث دورات متتالية، بينما لم تشهد الحكومات الأردنية في صفوفها وزراء من جماعة "الإخوان" سوى في حكومة مضر بدران عام 1991 مع خمسة وزراءـ
ومنذ تأسيسها عام 1945 مرت علاقة الجماعة بالحكومات الأردنية بتحولات كبيرة من تعاون وتحالف حيناً، وتوتر وصدام حيناً آخر، مدفوعة بالظروف السياسية في المنطقة.
فمنذ بدايات الدولة الأردنية، وتحديداً في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ربطت الإخوان علاقة وثيقة بالنظام الأردني وصِفت بأنها أشبه بالتحالف بهدف مواجهة التيارات القومية واليسارية. أما في فترة السبعينيات والثمانينيات، وتحديداً إثر أحداث "أيلول الأسود" والصدام مع الفصائل الفلسطينية، وعلى إثر موقفها الموالي للدولة، توسع نفوذ الجماعة وقوتها السياسية والاجتماعية.
بينما اعتُبرت فترة التسعينيات فترة الذروة للإسلاميين إذ حصدوا 22 مقعداً في انتخابات عام 1989 وكان لهم حضور وتأثير كبيران في السياسات الحكومية دون أن يصلوا إلى السلطة التنفيذية بصورة مباشرة باستثناء حقائب وزارية عدة غير سيادية.
واتسمت فترة بداية الألفية الثانية بالتوتر حيناً والصدام حيناً آخر بين الحكومات الأردنية وجماعة الإخوان، لتكون الضربة القاضية لهذه العلاقة خلال فترة الربيع العربي، إذ لعب الإخوان دوراً كبيراً في الاحتجاجات الشعبية في الأردن ضد السلطة على وقع نشوة انتصار الجماعة في مصر، وهو ما أذن لاحقاً بمرحلة انقسام الجماعة وتفككها داخلياً وتراجع نفوذها وحضورها في الشارع.