Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف صار "سبتمبر" شهر نزاع واحتفال كل الفرقاء في اليمن؟

يحتفل فيه أنصار النظام السابق بإسقاط حكم الأئمة فيما يتخذه الحوثيون عيداً وطنياً لسيطرتهم على صنعاء والانقلاب على حكامها من آل صالح وأنصاره

فرقة الموسيقى العسكرية تجوب شوارع "مأرب" احتفاء بذكرى 26 سبتمبر (اندبندنت عربية)  

ملخص

لعقود كان الـ 26 من سبتمبر يوماً وطنياً لتذكر ثورة اليمنيين ضد الحكم الإمامي قبل أن يصبح الشهر لاحقاً يوم نكبة لهذه الشريحة، فقد سيطر الحوثيون (أنصار الحكم الإمامي) على صنعاء واتخذوا الـ 21 من سبتمبر عيداً لهم، وهكذا صار ترميز هذا الشهر لا يزال الشيء الوحيد الذي يشترك فيه فرقاء اليمن من كل الأطياف، إلا أن ذلك الاشتراك كان هو الآخر عامل توتر لا اجتماع، إذ صار التنازع على الدولة يظهر في أكثر تجلياته خلال "سبتمبر".

ليس هناك صدفة في عالم السياسة كما يقال، أو ثمة صدفة في الأمر، لا نستطيع الجزم، لكن المؤكد أن شهر سبتمبر (أيلول) ومنذ هيمنة الحوثيين فيه على صنعاء عاصمة اليمن صار شهراً يحتفلون به بعد أن كان لا يزال شهراً لاحتفالات أسلافهم من آل الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأنصاره المؤمنين بأفكاره الحزبية والقومية.

ولعقود كان الـ 26 من سبتمبر يوماً وطنياً لتذكر ثورة اليمنيين ضد الحكم الإمامي قبل أن يصبح الشهر لاحقاً يوم نكبة لهذه الشريحة، فقد سيطر الحوثيون (أنصار الحكم الإمامي) على صنعاء واتخذوا الـ 21 من سبتمبر عيداً لهم، وهكذا صار ترميز هذا الشهر لا يزال الشيء الوحيد الذي يشترك فيه فرقاء اليمن من كل الأطياف، إلا أن ذلك الاشتراك كان هو الآخر عامل توتر لا اجتماع، إذ صار التنازع على الدولة يظهر في أكثر تجلياته خلال "سبتمبر".

وفي الشهر المثير للأفراح والأشجان يكون اليمنيون في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران على موعد مع حملة تهديدات واختطافات واستنفار أمني للأجهزة الأمنية، فضلاً عن عملية رصد مكثف للناشطين السياسيين والصحافيين والإعلاميين في وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول المناصرون للحكومة الشرعية إن ميليشيات الحوثي تخشى من تحمس المجتمع الضائق ذرعاً بها من تكرار مشاهد ذكرى الاحتفال بثورة الـ 26 سبتمبر والتي تكررت خلال الأعوام الماضية في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتي شهدت خروج جماهير يمنية تحتفل بصورة عفوية بهذه المناسبة الوطنية، وهذا يدفعها لأن تتخذ إجراءات كفيلة بقمع من ينادي بهذه الثورة، وذلك أنها على عداء تاريخي مع هذه الثورة التي حررت اليمنيين من حكم الأئمة، بحسب قول هذه الشريحة.

ومع ظهور الأفكار الدينية والأيديولوجية التي تحاول الجماعة فرضها على حياة اليمنيين والتي تتعارض بصورة كبيرة مع مبادئ الجمهورية والدولة والعدالة التي عاشها اليمنيون على مدى العقود الستة الماضية، وبات كل من ينتقد سياستها سواء كان في مناسبة وطنية أو غير ذلك خصماً لها، إما يعتقل أو يسجن ويعذب.

وعلى رغم أن الحشود الكبيرة التي خرجت العام الماضي في عدد من المدن الرئيسة الواقعة تحت حكم جماعة الحوثي للاحتفال بذكرى الثورة التي أطاحت بحكم أسلافهم خرجت بصورة عفوية وأعداد هائلة من مختلف التوجهات للدفاع عن الجمهورية، بعد أن رأوا في حكم الجماعة تهديداً لحياتهم بعد عقد من الانقلاب، فإن بعض الأصوات داخل الجماعة الحوثية تتهم حزب المؤتمر الشعبي العام، بجناحيه في صنعاء والمنفى، الذي تشكل قواعده النسبة الأكبر من السكان في مناطق سيطرة الجماعة، بأنه المسؤول عن الوقوف وراء الاحتجاجات.

ولهذا السبب وبعد أيام من احتفالات سبتمبر العام الماضي، قامت الجماعة بإقالة الحكومة غير المعترف بها التي كان يترأسها عبد العزيز بن حبتور، أحد قيادات المؤتمر الشعبي العام، والذي كان حزب المؤتمر الشعبي العام مشاركاً فيها بصورة صورية، وقبل أسابيع من تشكيل حكومة جديدة هذا العام استبعد جناح حزب المؤتمر الشعبي العام صنعاء وأتباعه من أي أدوار حتى في المشاركة الشكلية في الحكومة الجديدة ذات الطابع الأمني والطائفي.

حملة اختطافات

وفي وقت باكر من هذا العام كثفت الميليشيات الحوثية حملاتها الأمنية ضد الناشطين ومؤيدي ثورة الـ 26 سبتمبر المجيدة، إذ اختطفت العشرات من اليمنيين منذ بداية الشهر الجاري، كما سخرت جزء كبيراً من جهودها الأمنية والعسكرية لمواجهة أية صوت في مناطق سيطرتها يسعى إلى إحياء الذكرى الـ 62 لثورة الـ 26 سبتمبر (أيلول) عام 1962.

وهذا ما حدث مع عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام الشيخ أمين راجح، إذ وثق له فيديو وهو يردد شعار "بالروح بالدم نفديك يا يمن" وسط جموع تردد الصرخة الحوثية في العاصمة صنعاء، وبعد مغادرته قاعة التجمع لاحقته عناصر حوثية إلى منزله واقتحمته واختطفته مع آخرين كانوا في منزله بتهمة الاحتفال بثورة سبتمبر ونقلتهم إلى أحد سجونها السرية بعد ذلك، لينضم راجح إلى قائمة تضم خمس قيادات أخرى خطفتهم الجماعة وجميعهم أعضاء في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام جناح صنعاء، أعلى هيئة تقريرية داخل حزب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.

وأفادت مصادر في محافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء، بأن جماعة الحوثي اختطفت خلال اليومين الماضيين ستة من قيادات الأحزاب بسبب نشاطهم في الاحتفال بذكرى ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962 ضد النظام الإمامي السابق في اليمن.

وذكرت مصادر محلية لـ "اندبندنت عربية" أن ميليشيات الحوثي قامت باختطاف خمسة من أعضاء اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام في المحافظة، إضافة إلى قيادي في حزب العدالة والبناء ونقلتهم إلى سجونها.

وأوضحت المصادر أن من بين المختطفين أعضاء اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر، وهم عبدالخالق المنجر وحسين الخلقي والدكتور عبدالرحمن القادري، إلى جانب اثنين آخرين والقيادي في حزب العدالة والبناء عمر منة.

وأضافت المصادر أن عملية الاختطاف جاءت نتيجة نشاط هؤلاء القيادات على أرض الواقع ومنصات التواصل الاجتماعي في الاحتفال بذكرى ثورة الـ 26 سبتمبر ضد الحكم الإمامي.

وينفي الحوثي عادة حملات القمع التي يتهم بانتهاجها، مبرراً بعضها بأنها إجراءات لفرض النظام العام في مناطق سيطرته، فيما يرد أحياناً على الحكومة الشرعية بأن مناطقه أكثر وازدهاراً، بحسب السجال الممتد بين الفريقين.

تهديدات بالتصفية

ولتخويف ناشطي وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام، دفعت ميليشيات الحوثي بأحد قيادات الحزب المعروف عنه الارتباط الوثيق بالميليشيات لإطلاق تهديدات ضمنية لمن يحتفل بثورة الـ 26 من سبتمبر.

وخرج الوزير السابق للتعليم العالي في حكومة الانقلاب غير المعترف بها حسين حازب ليزعم أن الاحتفال بثورة 26 سبتمبر هو حدث خاص تنظمه حكومة الميليشيات، على رغم الإطاحة به من منصبه أخيراً.

وهدد حازب أنصار الاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر ضمنياً بالتصفية والقتل، وبخاصة القيادات القبلية والحزبية والمدنية التي تبنت دعوات الاحتفاء بعد استدلاله بأحد الأمثلة الشعبية القائلة "من نصحك بالقتل لن يعاونك بالدية"، وهو مثل يمني دارج يستخدم لمن يتلقى مشورة الآخرين التي قد تقوده إلى لمهالك.

وفي مديرية السدة بإب، وسط البلاد ومسقط رأس القائد العسكري لثورة سبتمبر علي عبدالمغني، نفذت الميليشيات حملة اعتقالات استهدفت عشرات النشطاء الذين كانوا يعتزمون إقامة فعالية احتفالية في المنطقة، وذلك ضمن محاولاتها المستميتة لمنع إحياء هذه الفعالية الشعبية السنوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر كتب الصحافي بسيم جناني، وهو أحد أبناء المدينة، أن الحوثيين استدعوا نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي والمصورين إلى أحد فندق المدينة، وحذرهم من نشر أي محتوى يتعلق بذكرى الـ 26 من سبتمبر، وطلبت منهم نشر منشورات تدعي أن الاحتفال بهذه المناسبة يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار.

وفي حادثة أخرى دهمت الميليشيات منزل أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة الحديدة الدكتور عباس الحرازي (60 سنة) والذي يعاني أمراضاً مزمنة عدة، واختطفته واقتادته إلى جهة مجهولة، على خلفية كتابته منشوراً عن "عيد 26 سبتمبر" في إحدى مجموعات "واتساب".

تصاعد الخوف من انتفاضة شعبية

وفي سياق ردود الأفعال على الإجراءات والممارسات الحوثية تلك، قال المدير العام لقناة الجمهورية محمد عايش إن هناك ارتباكاً جعل الحوثيين مشتتين، غير قادرين على تحديد مصدر التهديد المقبل.

وفي ظل هذه الضبابية لجأ الحوثيون إلى تنفيذ سلسلة من الاعتقالات والاختطافات ضد موظفي المنظمات والنشطاء الإعلاميين، وصولاً إلى قيادات وناشطي المؤتمر الشعبي العام خلال الأيام الأخيرة.

ولفت عايش إلى أنهم يظهرون شعوراً بالذعر تجاه الاحتفال الواسع بالذكرى السنوية لثورة الـ 26 من سبتمبر التي تحمل رمزية معادية لوجودهم وأيديولوجيتهم، لكنهم يخشون من احتمال انتفاض المجتمع ضدهم لأنهم لم يفوا بأي من وعودهم أو شعاراتهم، سواء في ما يتعلق بصرف رواتب موظفي الدولة أو تقديم أية خدمات حقيقية للمواطنين.

وفي السياق يقول الكاتب والصحافي سلمان شمسان إن "المؤتمر الشعبي العام فقد ميزات الشراكة مع الحوثيين على مستويات عدة، سواء في المجلس السياسي الأعلى أو في الحكومة والقضاء والنقابات بعد التغييرات الأخيرة". وأضاف شمسان أنه "لا يوجد أمل لمن بقي من قادة المؤتمر في الحصول على أية فوائد إذا التحقوا بالحكومة الشرعية".

وأوضح سلمان أن "المؤتمر الشعبي كان مهيمنًا على السلطة لأربعة عقود تقريباً، ولكن للمرة الأولى يظهر خارجها"، مؤكداً أن "المؤتمر قاد عملية إسقاط الدولة انتقاماً عندما فقد جزءاً من السلطة عام 2011، وحين شعر الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بأن الحوثيين استغنوا عنه عام 2017، قاد حملة عسكرية ضدهم".

وفي ما يتعلق بالتحركات الحالية، أكد شمسان أن "ما يحدث الآن هو رد فعل قوي من المؤتمر الشعبي ضد الحوثيين، إذ يدرك قادته أن مقاومة الحوثيين هي السبيل الوحيد لاستعادة السلطة مجدداً". ومع تصاعد الغضب الشعبي ضد الحوثيين، بخاصة من الفئات الشابة، وشمل ذلك بعض التيارات المهمشة داخل الجماعة، وبدأ قادة المؤتمر بالتحرك لمواجهة الحوثيين.

وتطرق شمسان إلى حادثة الشيخ أمين راجح الذي رفع شعارات مناهضة للحوثيين وسط قاعة مليئة بهتافات الجماعة، مشيراً إلى أن كثيراً من الحاضرين استجابوا له.

الحوثي يحتفل بـ "سبتمبر" على طريقته

من جهته يدافع القيادي في جماعة أنصار الله محمد علي الحوثي عن توجه تياره في اتخاذ يوم سيطرتهم على صنعاء يوماً وطنياً عوضاً عن اليوم الذي كان من سبقوه يحتفلون به، وقال "للذين سعوا إلى وأد ثورة الـ 21 سبتمبر المجيدة نقول لقد باءت محاولاتكم بالفشل، فثورتنا ليست مجرد لحظة في الزمن، بل إنها تحول عميق في مجتمعنا وثورة وعي قيم ومبادئ ومثل عليا، وهي ثورة حرية واستقلال أيقظت شعبنا، وألهمته النضال من أجل حقوقه وكرامته وحريته"، بحسب ما قال عبر حسابه في منصة "إكس".

ورداً على ما تتهم به الجماعة من إهدار مقدرات البلاد، أضاف أن "هذه الثورة أتت لتبني الجيش اليمني الذي فشل أبناء السفارات في بنائه، وأتت لتبني التعليم من جديد"، في إشارة إلى تغيير المناهج على النحو الذي يوافق أيدولوجية الجماعة الموالية لطهران.

وأكد أن "التغييرات الجذرية التي أقدم عليها قائد الثورة عبدالملك الحوثي إنما هي من أجل بناء شعب وجيش قويين".

ويقول اليمنيون إنه خلال عقد من انقلاب الحوثيين بات واضحاً أن ملامح العهد الإمامي الذي ثار عليه آباؤهم وأجدادهم في ستينيات القرن الماضي، قد عادت بقوة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، حيث اختفى التعليم وتدهورت الرعاية الصحية وانقطعت الرواتب وتراجعت الحريات وعادت الفوارق الطبقية التي كانت قد اندثرت، ونتيجة لهذا الواقع بدأت مقاومة الجماعة ومعارضة حكمها بصورة محدودة ثم اتسعت لتشمل قطاعات واسعة من المجتمع رافضة لحكم الحوثيين ومؤكدة على قيم الثورة والجمهورية، وقد شكل هذا تحديًا للجماعة التي حاولت طوال العقد الماضي وعبر شتى الوسائل إقناع الداخل والخارج باستقرار المناطق الواقعة تحت سيطرتها ورضوخ اليمنيين لحكمها.

وأضاف شمسان أن "تحركات المؤتمر الشعبي الأخيرة، مثل دور عقال الحارات الذين كانوا عاملاً مهماً في إسقاط المحافظات عام 2014، تعكس قوة الحزب وتأثيره، وهؤلاء العقلاء الآن وبخاصة في محافظة إب، يقودون وينظمون ويشجعون على التظاهرات ضد الحوثيين"، بحسب قوله.

وأشار إلى أن "توسع عمليات الاختطاف التي تقوم بها الجماعة لا تعكس قوة الحوثيين بقدر ما تعكس توسع المقاومة ضدهم، سواء من المؤتمر الشعبي أو غيره".

وقارن شمسان الوضع الحالي في اليمن بعمليات الاقتحام الإسرائيلية في الضفة الغربية، موضحاً أن "توسع المقاومة هو الذي أجبر الحوثيين على الرد بهذا الشكل".

الصحافي اليمني عبدالكريم المدي أشار في حديثه إلى أن الحوثيين اليوم "يرون في المؤتمر الشعبي العام خصماً رئيساً، ويسعون إلى اغتيال الحياة السياسية في البلاد، معتبراً أن "ما يحدث اليوم على يد ميليشيات الحوثي يتطلب قراءة سياسية عميقة من قبل الأطياف السياسية والنخب الاجتماعية كافة، بما في ذلك المشايخ والمثقفين والكتاب وقادة الرأي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير