Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لعبة "الترند" تفرض شروطها على "وقار" المأذون المصري

البعض يعد إلقاءه للدعابات إساءة للمهنة وآخرون يشجعون هذه الظاهرة بشرط الاعتدال

بات بعض حفلات الزفاف في مصر استعراضا يغازل الترند    (التواصل الاجتماعي)

ملخص

الدعاية التي بات يتبعها بعض المأذونين الشرعيين في مصر أصبحت تبعدهم كثيراً عن الصورة النمطية لهذه المهنة شديدة الكلاسكية، فلم يعد مجرد "مأذون مودرن"، ودخل في سباق ترويجي على وسائل التواصل الاجتماعي للفوز بأكبر قدر من عقد القران واعداً العروسين بتسهيلات وهدايا واستشارت زوجية مجانية، وأجواء من الكوميديا خلال عقد القران، وهي  ظاهرة قد تبدو غير لائقة في نظر البعض ولا تتوائم مع طبيعة هذه المهنة التي تنوب بالأساس عن القاضي الشرعي".

أمام صرعات التسويق الإلكتروني التي لا تنتهي لا يمكن الصمود بسهولة، فالأطباء ينافسون بعضهم البعض بخطط ترويجية خارجة عن المألوف، وكذلك المعلمون والمحامون، ومهندسو الديكور.

كما تطالعنا الإعلانات الممولة لكل هؤلاء جنبا إلى جنب مع مراكز التجميل، والتجمعات السكنية وبائعي التجزئة، وهي أمور طبيعية فلا يمكن تجاهل وسيط مهم مثل "السوشيال ميديا" في الإعلان عن الخدمات المدفوعة في عصر التنافس.

في بعض الأوقات تصل الحمى التسويقية والرغبة في الابتكار وجذب المستهلك إلى درجة من المبالغة، أو على الأقل تسهم في تغيير الصورة المعهودة لبعض المهن، لا سيما مهنة المأذون في مصر، فبعد ما يقرب من 130 سنة من ظهور وظيفة المأذون الشرعي بمواصفاته الحالية ولائحة مهامه المعروفة والمحدودة للغاية أجبرتهم التنافسية الشديدة ومحاولات استقطاب الجمهور على الاعتماد على فنون وأساليب دعائية تبدو في نظر البعض غريبة وبعيدة تماما من جدية وكلاسيكية المهنة.

فمظهر وشخصية المأذون كما عرضتها في السينما المصرية منذ عقود، وكما عايشها المجتمع على مدى السنوات الماضية، تتغير وفقا لمتغيرات العصر وبشكل ملحوظ.

وفي حين هناك تحفظ شديد على هذا التحوّل، إلا أن هناك أيضا آراء ترى أن من حق هذه الفئة أن تبحث عن طرق للانتشار، مؤكدين أن الجمود ليس في صالحهم، وبالتالي فالمأذون صاحب العمة والقفطان الذي يتحدث الفصحى ولا ينطق حرفا خلاف الصيغة المتعارف عليها خلال مراسم عقد القران أو حتى الطلاق باتت خارج الزمن.

من حيث الزي أصبح المأذون يرتدون زيا عصريا مثل البدلة والقميص إضافة إلى الزي التقليدي بالطبع، وعلى مستوى الحديث، لم يعد شخصا متجمدا يعتمد على الجدية المبالغ فيها التي كانت تنفر أحيانا العروسين منهم.

دعابات مصطنعة أم ترويج مقبول؟

المأذون الشرعي في الدول العربية منوط به توثيق عقود الزواج والطلاق للمسلمين، ومن ضمن أبرز شروط مزاولة تلك المهنة في مصر الحصول على رخصة يحصل عليها من وزارة العدل، حيث يتم تعيينه وفق شروط وقواعد محددة، أهمها أن يكون مصري الجنسية، ودارسا للعلوم الشرعية، وأن يكون حسن السلوك وأن يكون متزوجا أو سبق له الزواج على الأقل، ولائقا طبيا وألا يكون قد صدرت ضده أحكام في قضايا مخلة بالأمانة والشرف، وأن يكون عمره 30 سنة على الأقل.

وهي أمور من شأنها أن تنظم العمل، ولكن لم تحدد اللائحة أن يكون له شكل ومظهر محدد، ومع ذلك جرت العادة أن يكون في سماته أقرب للشيخ، وأن يتمتع بوقار وألا يظهر كثير المزاح حيث تكون كلماته بحساب وفق ما يقتضيه الموقف، متحريا الفصحى قدر الإمكان.

فيما كثرة التباسط ربما تضر بالمهنة وبما يمثله المأذون كونه واجهة للقاضي المنوط بأحوال الأسرة، لكن تدريجيا وحسب الشواهد هل سيذهب المأذون صاحب هذه السمات بلا رجعة؟

 

خلال السنوات الأخيرة يظهر عديد من مقاطع الفيديو مشاهد لبعض المأذونين يقهقون ويدخلون في نوبات طويلة من المزاح مع العروسين وذويهم، فهذا يحترف إلقاء الدعابات وآخر يلقي كلمة طويلة في الميكروفون طالبا من العروس أن تدلل عريسها باسم معين، وذلك يتعمد الإطالة في مدة عقد القران أثناء وضع المنديل بالطريقة الشهيرة، زاعما أنه لم يسمع جيدا ما يقوله الطرفان، ثم يدخل في نوبة من الضحك.

فيما يقدم آخرون وصايا كوميدية للعريس تجعل القاعة تضج بالضحك، ويوزع آخرون هدايا ويستغرقون وقتا وهم يشرحون مميزاتها على الملأ، كما أن هناك من أضاف ميزة تنافسية للغاية وهي تقديم استشارات بعد الزواج للعروسين لحل مشكلاتهم.

 في النهاية بات من الشائع أن يتحول الموقف الذي كان يتسم بالهدوء الشديد ويصمت فيه الحاضرون تماما تبجيلا لهذا الحدث الذي ينتهي بزغرودة معلنة أن العروسين باتا زوجين رسميا، إلى كرنفال من الألوان والحكايات والمفارقات الكوميدية التي يبدو كثير منها مصطنعا من أجل أخذ اللقطة وتداولها على مواقع التواصل الاجتماعي مع دعوات للتواصل مع المأذون المرح (الفرفوش)، صانع البهجة.

بالطبع الهدف الدعائي للمأذون مشروع تماما بل واجبا عليه، ولكن أحياناً يحدث ما يثير حفيظة بعض العاملين بالمأذونية الشرعية، بينهم المأذون الشرعي عمرو محمد أبو العينين، الذي يصف بعض التصرفات بأنها "تشبه أداء المهرجين الذين لا يليق بشكل أو بآخر بمهنة رفيعة الشأن مثل المأذونية الشرعية".

هموم المأذون ووقار المهنة

يتابع المأذون الذي يعمل في محافظة الشرقية، (شرق العاصمة) بالقول، "كثير من المأذونين الذين يظهرون بفيديوهات التريند على مواقع التواصل الاجتماعي، ليست لديهم رخصة مزاولة المهنة، ولم يجتازوا المراحل التي تؤهلهم للعمل بالمأذونية الشرعية، وكل ما يهمهم هو جذب العروسين بطريقة تكون مبتذلة أحياناً، منها المزاح الثقيل وإلقاء النكات وغيرها، وهي أمور مرفوضة تماما وتسيء للمهنة، وليس فقط تخرجها عن وقارها".

 ولكن لدى عمرو أبوالعينين تفسير لزيادة عدد الدخلاء على المهنة بحسب قوله، ولعل أبرز الأسباب في رأيه يتعلق بعدم وجود عدالة في توزيع أعداد المأذونين بالجمهورية التي يتم فيها تحرير نحو مليون عقد زواج سنويا، وفقا لما كشفه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.

وأشار إلى أن هناك مناطق يمكن أن تقع فيها 50 زيجة يوميا ومع ذلك لديها مأذون وحيد معين رسميا، في مقابل مناطق أخرى بها فائض في الأعداد فيما يقطنها عدد قليل للغاية من السكان، وبالتالي تقل الزيجات بالتبعية.

 وبحسب ما يشير أبوالعينين فإن بعض المأذونين في الأماكن التي تشهد زيجات كثيرة يلجأون لطرق غير مشروعة باللجوء لما يعرف بـ"سماسرة المهنة"، ويستعينون بخطباء المساجد أو المدرسين أو المحامين للقيام بأداء مراسم عقد القران رغم عدم امتلاكهم رخصة رسمية، مقابل إعطائهم مبلغا من المال، رغم أن هذا غير قانوني لأن اللائحة تنص على عدم جواز فكرة الإنابة، كما أن كل مأذون متخصص بمنطقة جغرافية معين لأجلها، وإذا ثبتت المخالفة يجب مجازاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عرف المصريون عقود الزواج منذ العصر الفاطمي، حيث كان القاضي الشرعي هو المنوط به هذه المهمة، ولكن مع زيادة عدد السكان كان طبيعياً أن يلجأ إلى من ينوب عنه في المناطق المختلفة وهم الفقهاء، الذين تنطبق عليهم الشروط، ولكن بعد ما يقرب من تسعة عقود على هذه الطريقة تم استحداث المحاكم الشرعية في عام 1894، وظهرت مهنة المأذون الشرعي بشكل رسمي.

مرت لائحة عمل المأذونين التي وضعتها وزارة العدل بتعديلات عدة منذ العقد الثاني من القرن الـ20 وحتى عام 1955، حيث ينادى المنتسبون للمهنة وهم تقريبا 5 آلاف مأذون رسمي، بأن يتم الاستجابة لمطالباتهم وتعديل لائحة عملهم وفقا لمتطلبات العصر، ولكن مشروع القانون يتأجل مرارا وتكرارا، وهو المطلب الذي يوازيه مطلب آخر أكثر إلحاحا يتعلق بضرورة أن يكون للمأذونين نقابة مهنية لها قواعد محددة تقدم الخدمات لأعضائها بدلا من كونها مجرد جمعية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي.

للدعاية شروط

لكن أليست هموم المهنة نفسها هي سبب أدعى لمحاولة القيام بمبادرات فردية لتجاوزها، وقد يكون التسويق وفيديوهات الدعاية وتدوينات التعريف، التي تعد المتقدمين للزواج بأجواء عقد قران غير تقليدية وبها هداية رمزية وتذكارية، أحد أبرز تلك الحلول ووسيلة منصفة لتجاوز المعوقات؟

الشيخ أشرف موسى المعروف عبر مواقع التواصل الاجتماعي بـ"مأذون السعادة"، يعتقد أن هذا أمر ضروري لمواكبة المتطلبات الجديدة، وتطورات التكنولوجيا، مذكرا بأن الجمهور ليلا ونهارا يتابع منصات السوشيال ميديا، وتجب مخاطبتهم بنفس أسلوبهم.

 يوضح موسى وجهة نظره بالقول، "التسويق ظاهرة طبيعية وجيدة طالما أنه يتناسب مع هيبة ووقار مهنة المأذون الجليلة، حيث يتم الاعتماد على الوسطية في ممارسة الدعاية الإعلانية، المعتمدة على سلوكيات المأذون نفسه، بحيث لا تتضمن إسرافا في الهزار أو التجهم الذي يثير الضيق، بل على العكس يجب أن يكون من يؤدي هذه المهمة بشوشا ومصدرا لزوال القلق، مع حسن المعاملة واللباقة في الحديث، إضافة إلى بعض النكات الطيبة التي لا تؤثر في الوقار، لأن المأذون يتلو على الزوجين والوكيل والشهود كلام الله ورسوله وبالتالي ينبغي أن تتناسب شخصيته مع هذا الجلال".

وفيما يتعلق بانتشار الكثير من الألقاب التي تبدو غير متوائمة بشكل كبير مع الصورة الذهنية المهنة، يبدي موسى سعادته بلقبه الخاص الذي يعتبره مختلفا عن بعض الأسماء الشائعة، مشيرا إلى أنه لقب يحمل بهجة وسرورا وهو "مأذون السعادة"، وأنه لقب ألقي إليه ولم يطلقه على نفسه، حيث وصفته به العائلات لسلوكه الطيب مع الأهالي سواء فيما يتعلق بطريقة حديثه أو بالهداية التي يهديها إليهم على سبيل التذكار.

 

ظاهرة اضطرارية

في المقابل يؤكد عمرو محمد أبوالعينين الأزمات الكثيرة التي يعانيها المأذون الشرعي، منوهاً إلى أنه يعتبر موظفا حكوميا تابعا لوزارة العدل، حيث يدفع ضرائب على العقود التي يحررها وهناك لوائح وجزاءات تطبق عليه، ولكنه مع ذلك بلا معاش ولا راتب ثابتا، ولا تأمين صحي أو حتى نقابة مهنية.

وأبدى استغرابه من عدم تحديد أتعاب المأذون بشكل رسمي، وعدم تحديث القانون الذي ينظم عملهم منذ 70 سنة لدرجة أن به بعض البنود التي تتضمن إشارة إلى الأجر تحسبه بالقرش الذي لم يعد متداولاً، مؤكدا أنه حتى مع التحديث الجزئي الذي طرأ على القانون عام 2015 لم يتم الاقتراب من هذا البند، كما تُركت كثير من الأمور بحاجة إلى حل.

 وأضاف أن رسوم المأذون من المفترض أن تكون نسبة من مؤخر الصداق، ولكن هناك معضلة أن كثيرين لا يكتبون مؤخرا، وبالتالي تبقى العملية خاضعة للتقديرات الشخصية والعرف المجتمعي، منوها إلى أن مستوى المنطقة السكنية عامل كبير في تحديد أجر عاقد القران سواء كانت شعبية وريفية أو منطقة فاخرة.

كل هذه العقبات ربما شجعت البعض على محاولات الوصول إلى الجماهيرية التي تسهم في شهرتهم ولمعان أسمائهم وكذلك في تحسين دخلهم، بخاصة أن القانون يمنع المأذون الشرعي من الجمع بين وظيفته وأي وظيفة أخرى سواء كان محاميا أو معلما مدرسيا أو غيره، وذلك وفقا للمادة 13 من لائحة المأذونين، مما اضطرهم إلى الدعاية لأنفسهم كل على طريقته، على الرغم من أن بعض الأمور قد تبدو صادمة وغير متوافقة مع الصورة النمطية للمهنة، ولكن الاقتراب من جمهور "السوشيال ميديا" بات هاجسا للكثيرين، ومعه انتشرت ظاهرة فيديوهات المأذونين التي أثارت استغراب البعض.

يفسر مأذون السعادة أشرف موسى هذه الفكرة بالتأكيد على أن من أسبابها أن المأذون يضفي الشرعية على العقد وهو تقليد يدعو للبهجة والبشرى، وظهوره في مكان الزفاف يستدعي دائماً الزغاريد والتهاني، فهو رمز فرح وسعادة ومعه تبدأ أسرة جديدة مشوارها بأركان متكاملة ومشهرة وفقا للشريعة الإسلامية.

وتابع، "أن المأذون الشرعي هو الوحيد المنوط بها توثيق عقود الزواج الشرعية بين المصريين المسلمين في الجهات المعنية وفقاً للقانون المصري، وقد أخذ لفظ شرعي كونه ممثلا للقاضي الشرعي"، مشيرا إلى أنها "وظيفة مستقرة في المجتمع، وراسخة ولا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها نظرا للارتباط الشعبي بها، فوزارة العدل على سبيل المثال من شأنها أن تعقد الزواج بين الأجانب إذا كان أحد طرفي الزيجة غير مصري، كما أن عقود الزواج لدى المحامين لا توثق وتكون بغير صفة رسمية".

يشار إلى النساء في مصر دخلن منذ أكثر من 15 سنة على خط مهنة المأذونية، وأثبتن جدارتهن وقد بلغ عددهن إلى أكثر من 50 مأذونة شرعية في البلاد وفقا لتصريحات سابقة للشيخ إسلام عامر نقيب المأذونين.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات