Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكفي "داعش" وأخواتها لتفسير الخوف من العرب؟

هكذا جرى توظيف ذاكرة "الاستشراق" وحروب "الألف عام" في صنع الظواهر الجديدة مثل الإرهاب والإسلاموفوبيا

الخوف من الإسلام يكتسب مناطق ومساحات جديدة في أوروبا والولايات المتحدة (رويترز)

ملخص

يقول المفكر الأميركي المعروف برنارد هيكل على سبيل المثال "يجب علينا حشد المسلمين في بلادنا لنأخذهم معنا في حربنا ضدها، فالمجتمع ضد فكر ’داعش‘ وهم أول وأفضل من يحاربون ’داعش‘ وخط الدفاع ضد هذه الحركة"، في إشارة إلى أنهم عندما ينتقدون أيديولوجية التنظيم الدموي فلا يمكن المزايدة عليهم، كما أنهم يستطيعون التمييز بين الإسلام كدين و"داعش" كحركة مارقة عنه، مشدداً في الوقت نفسه على "الواقعية الصارمة واستراتيجية عدم المبالغة في رد الفعل تجاه الهجمات علينا وعلى الآخرين، كي لا نلعب دوراً مسانداً لرواية التنظيم".

إلى أي مدى تعتقد أن الصراعات في المنطقة العربية والإسلامية والإرهاب والتطرف الذي نتج منها، الجزء الأكبر منها من صنع سياسات غربية؟ ثم ماذا لو عكسنا السؤال بأن يقال إن عمليات معاداة الإسلام والمسلمين في الغرب التي زادت لنحو 400 في المئة بعد السابع من أكتوبر، نحن العرب من يتحمل إثمها الأعظم وليس المسيء الغربي؟

قد لا نحظى بإجابات منصفة في الحالتين، فالأسهل دائماً القول إن "الآخر" غربياً كان أو شرقياً هو من يتحمل المسؤولية.

لكن في لحظات تحقق نادرة تستهدف معرفة الحقيقة فقط بغض النظر عمن كان المصيب أو المخطئ عرقاً أو ديانة ثمة إجابات مفاجئة. هذا ما حدث في جلسة شهادة سرية أقامها مجلس الشيوخ الأميركي وبدأها بقسم المتحدثين فيها بألا يقولوا غير الحقيقة.

لدى مراجعة "اندبندنت عربية" النص المفرغ عن وقائع الشهادة، حاولت اللجنة المشكلة برئاسة السيناتور رون جونسون وتمثيل 11 شخصاً آخر من أعضاء الكونغرس خلال يناير (كانون الثاني) 2016 أن تعرف من الشهود الذين شكلوا نخبة من المفكرين والفلاسفة وأساتذة الجامعات الأميركيين المتخصصين في الإسلام أمثال برنارد هيكل وميرا حمدي أشياء كثيرة تتصل بانتشار "داعش" وقتها، ولا سيما "كيف نجحت في تقديم سردية ملتوية مفادها أن الولايات المتحدة في حال حرب مع الإسلام، وأن من واجب الشباب المسلم أن يدافع عن دينه من خلال مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها"؟

كان اللافت ظهور ما يشبه الإجماع بين المفكرين والفلاسفة الشهود بأن كثيراً من الخطاب الرائج غربياً في مقاومة الإرهاب وتنظيماته الدموية شكل ما يشبه "الذخيرة التي يقتل بها"، فقد نشأت أساساً على فرضية هي محاولة إقناع المسلمين بأن "الغرب عدو"، وهي لسوء الحظ لا تعدم الإثباتات على ذلك في تصريحات الزعماء الغربيين.

"حرب الكلمات"

يقول المفكر الأميركي المعروف برنارد هيكل على سبيل المثال "يجب علينا حشد المسلمين في بلادنا لنأخذهم معنا في حربنا ضدها، فالمجتمع ضد فكر ’داعش‘ وهم أول وأفضل من يحاربون ’داعش‘ وخط الدفاع ضد هذه الحركة"، في إشارة إلى أنهم عندما ينتقدون أيديولوجية التنظيم الدموي فلا يمكن المزايدة عليهم، كما أنهم يستطيعون التمييز بين الإسلام كدين و"داعش" كحركة مارقة عنه، مشدداً في الوقت نفسه على "الواقعية الصارمة واستراتيجية عدم المبالغة في رد الفعل تجاه الهجمات علينا وعلى الآخرين، كي لا نلعب دوراً مسانداً لرواية التنظيم".

وهنا يتدخل السيناتور كاربر ليعقب بأن "لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة من رواية داعش أننا نحارب الإسلام، هذا ليس ما نحن عليه، لكن المهم أن ننقل هذا باستمرار في جميع أنحاء العالم، ليعلم أن هذه المعركة ليست ضد الدين، هذه المعركة ضد داعش بكل بساطة".

وأضاف "لماذا لا نقول إن ’داعش‘ هي مجموعة جبانة من القتلة الذين يقتلون المسلمين، ويقتلون اليهود ويقتلون المسيحيين، ولا يحترمون حياة الإنسان. وتشير التقديرات إلى أن عددهم يبلغ 30 ألفاً، لا علاقة لهم بالمليار ونصف المليار مسلم".

وخلص بعد الاستقراء إلى أنه يؤمن "في نهاية المطاف بأن هذه المعركة ضد ’داعش‘ هي حرب الكلمات والأفكار بقدر ما هي حرب قوة عسكرية والعمل. ولهذا السبب من المهم جداً ألا نكتفي فقط الاستمرار في سحق ’داعش‘ في ساحة المعركة ولكن أيضاً مواجهتها في رسالتهم الفكرية".

قد تكون واشنطن اكتسبت خبرة من رد فعلها المتغطرس بعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) واستفادت منها في معركتها ضد "داعش"، ولذلك دعت إسرائيل لاحقاً بعد السابع من أكتوبر إلى استلهام تجربتها وعدم تكرار أخطائها. لكن السؤال أليست "داعش" نتاج سياسة أميركية بعد غزو العراق؟

قبل ذلك علينا الذهاب أبعد من "داعش" ولجنة الاستماع في الكونغرس إلى المفكر الأميركي إدوارد سعيد الذي أنشأ نظريته "الاستشراق" لانتقاد "تنميط" الشرق بثقافاته وأفكاره وأشخاصه باعتباره "الفرع الإسلامي للعداء للسامية"، بما قال إنه أدى إلى قيام "العالم الإلكتروني والأفلام وجميع موارد أجهزة الإعلام بتشكيل المعلومات قسراً، حتى تلائم القوالب التي تتخذ صوراً موحدة ونمطية يوماً بعد يوم"، رأى أن توظيفها في نهاية المطاف أدى إلى "تدعيم النظرة إلى ’الشرق الغامض‘ باعتباره شيطاناً".

ماذا يقول إدوارد سعيد؟

وذكر ثلاثة عوامل قال إنها تقف خلف تلك النظرة المتأثرة بكتابات القرن الـ19 حتى في البحوث الأكاديمية والأعمال الإبداعية، وهي "تاريخ التعصب الشائع في الغرب ضد العرب والإسلام والصراع بين العرب والصهيونية الإسرائيلية، وثالثاً الانعدام التام لأي موقف ثقافي يتيح للفرد التعاطف مع العرب أو الإسلام أو مناقشة أيهما مناقشة غير انفعالية".

ولم يلبث الكاتب وقتاً طويلاً حتى ظهر ما يخشى منه من رد فعل، وإن كانت له أسبابه الأيديولوجية التي تحركه إلا أنه طالما وجد في التراث "الاستشراقي" وقوداً من التاريخ والمظالم، تمكنه من التجنيد وكسب الأنصار.

 

ويورد الكاتب في المؤلف الذي أصبح أيقونة ضجت بها المراكز الغربية عشرات النماذج والنقول عن مفكرين كبار، بالغة السوء والكراهية للشرق وإنسانه بالجملة والعربي بوجه خاص، فضلاً عن السينما ووسائل الإعلام.

فعلى الشاشة الصغيرة "ترتبط صورة العربي إما بالفسوق أو الخيانة وسفك الدماء، فهو يظهر في صورة صاحب الشهوة الجنسية الطاغية والمنحط، القادر ولا شك على أن يحيك مؤامرات خبيثة بارعة لكنه في جوهره يتلذذ بتعذيب غيره خؤون وضيع. ومن الأدوار التقليدية للعربي في السينما دور تاجر الرقيق وسائق الجمال والصراف والوغد الجذاب" (ص 438)

أما الغاية التي تقف خلف جميع تلك الصور التي عدد كثيراً منها، فهو في نظره التوجس من "التهديد بخطر الجهاد أو الخوف من أن المسلمين أو العرب سيستولون على العالم".

وليس "داعش" وحده الذي وجد في ذلك الإرث من الازدراء رافعة لأهدافه، فهناك آخرون مثل الروس بنوا عليه أيديولوجية الخطاب المضاد، في مثل تنظيرات المفكر الروسي الموصوف بعقل بوتين ألكسندر دوغين في أعقاب حرب أوكرانيا 2022م، على رغم السياق الثقافي والديني المشترك مع الغرب.

هل محيت حروب الألف عام من الذاكرة؟

ويقر الباحث الأميركي المتخصص في شؤون المنطقة ويليام ريو بولك بأن مسألة الإرهاب والظواهر المصاحبة له بين الثقافة الغربية والإسلامية، لا يمكن فهمها بمعزل عن "حروب الألف عام" التي سادت بين العالمين، وتجددت في صور عدة تالياً مثل الاستشراق والاستعمار،والهيمنة والحرب على الإرهاب.

جاء ذلك في سياق كتابه الأخير عن "الصليبية والجهاد" الواقع في 582 صفحة حاول فيها استقراء أحداث الماضي منذ الحروب الصليبية بين "الشمال العالمي" الذي وصفه بأنه "أصبح منذ القرن الـ15 متقدماً علمياً وقوياً عسكرياً، و"الجنوب العالمي" الذي يرى أنه "كان متقدماً ومتحضراً بصورة عامة قبل أن ينحدر في ظلام التخلف والجهل والضعف والخضوع للقوى الإمبريالية الشمالية".

ويستهدف المؤلف من ذلك وهو أستاذ سابق للأدب العربي في جامعتي هارفرد وشيكاغو إيجاد صيغة من شأنها أن تفضي إلى فهم الصراع الذي كانت هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) عنوانه الأبرز، حاملاً معه آلاف الأسئلة والعناوين بما فيها تفسير الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ما حدث بالقول "هجم علينا الإرهابيون الجبناء لأنهم يحسدوننا على حريتنا وديمقراطيتنا"، وهو ما علق عليه الكاتب بالقول "أتذكر استغراب بعض الصحافيين من هذا التفسير الغريب، حين اعترض أحدهم بالقول، هل تعتقد فعلاً أنهم جبناء؟ ولم يصدق أحد فكرة الحسد أيضاً".

سببان خلف العداء المتبادل

وخلص إلى أن أسباب عدة جعلت كلاً الشمال والجنوب، يشعر بـ"انعدام الأمن بعد أن أصبح العنف هو الطبيعي" في تقديره المتشائم، إلا أن اثنين منها تطغى على ما سواها.

وقال "إن السبب الأول لخطورة انعدام الأمن الذي نشعر به هذه الأيام، هو تاريخ الإمبريالية الطويل. قرن كامل أو أكثر من الغزو والاحتلال والإذلال والإبادة الجماعية، تركت آثارها ندبات وجروحاً لم تندمل حتى الآن، ولا يمكن أن تشفى إذا أعيد فتحها باستمرار".

وهو ما قال إنه حدث بالفعل "بالغزو الأميركي لأفغانستان والعراق وليبيا والصومال، الذي مزق هذه المجتمعات أشلاء"، في سياسة يجزم بأنها إن حققت أي شيء، فهو ليس "تأمين السلام أو الاستقرار"، ولا سيما في العراق الذي اعتبره أسوأ المغامرات، إذ "كانت النتيجة المباشرة لحملتنا هناك هو تشكيل الدولة الإسلامية ’داعش‘ وإذا استمر الأمر كما نفعل الآن فإن طريق قمع التمرد سيقود إلى حرب بلا نهاية".

أما السبب الثاني في ميلاد الخطر القائم في نظره، فهو "طرد إسرائيل للفلسطينيين من وطنهم، وهو نتيجة مباشرة لمعاداة السامية في أوروبا التي حركت أحداثاً أدت إلى "المشكلة الفلسطينية".

 

 وفي تحليله الذي ختم به كتابه لفت إلى أن كلا الفلسطينيين والإسرائيليين ضحايا لما سماه الإمبريالية، "فقد أدى الطرد والمحرقة إلى بؤس أناس أبرياء وظهور خطر العنف في أيامنا"، إذ كانت النتيجة النهائية "مليون فلسطيني طردوا من وطنهم ودفعوا الثمن النهائي لما فعله الشمال العالمي باليهود".

النظرة التاريخية أو البانورامية لقصة الإرهاب أو الإسلاموفوبيا لا تفيد في جانب التلاوم والترامي بكرة الثلج، ولكن أهميتها في الوعي بالجذور الأصلية للمشكلة بدلاً من الظواهر الناشئة عنها. ولكي ينظر الطرف الآخر (مهما يكن) إلى نفسه في المرآة بتواضع أكبر، فالوجه الآخر من الصورة التي يتربع عليها أسامة بن لادن أو أبو بكر البغدادي قد يكون محتلاً من تشرشل أو حتى ملكة بريطانيا أو الرئيس الأميركي هاري ترومان الذي كان أول رئيس دولة يعترف بإسرائيل يوم إعلانها 1948، بل ربما شاه إيران.

هل يعالج التاريخ أزماتنا أم يزيدها؟

العكس كذلك واقعي عند النظر بعين الآخر، فوفقاً للمحلل السياسي في بلومبيرغ مارك شامبيون "القصر في النظر التاريخي ليس محصوراً في الغرب المسيحي، بل إنه يشكل عاملاً مؤثراً أيضاً لدى عديد من المسلمين الذين يرون في إسرائيل فصلاً آخر من فصول الاستعمار الأوروبي، ودولة صليبية بالوكالة يديرها اليهود منذ 76 عاماً فحسب بعد أكثر من ألف عام من السيطرة العربية الإسلامية"، معتبراً أن هذا "يتجاهل آلاف الأعوام التي سبقت وصول الرومان ناهيك بالإسلام عندما كان تاريخ فلسطين يهودياً، وكان مجمع المسجد الأقصى موقعاً للمعابد اليهودية".

وكان هذا النوع من الاحتجاج بـ"الحق التاريخي" موضوع سجال متجدد بين المفكرين والسياسيين العرب ونظرائهم الغربيين، قبل أن تحسم المنظمات الدولية الموثوقة مثل "اليونيسكو" بفتواها الثقافية والتاريخية بحق العرب في المسجد الأقصى، لب الصراع. وقبل ذلك كان زعيماً سعودياً أجاب نظيره الغربي عن تلك الشبهة بأنه "لو كان الاحتجاج بالتاريخ كافياً لامتلاك أوطان الغير، لطالب العرب بأجزاء واسعة من جنوب أوروبا حكموها لقرون".

حديث شامبيون جاء في سياق قراءته كتاباً حديثاً لملازم بريطاني سابق بعنوان "بيت الحرب، الصراع بين المسيحية والخلافة"، شدد فيه على أهمية الوعي بالأحداث التاريخية التي قد يتفاجأ من لا يتأملها صلتها بالوقائع التي تشكل أزمات اليوم، في مثل الصراع المتجدد بين العرب وإسرائيل وبينهما وإيران.

فهو يرى أن فهم الطبيعة العميقة للانقسام السني الشيعي على سبيل المثال أو التاريخ الطويل للصراع بين الفرس والعرب، ربما كان كافياً لتجنب كارثة إعادة غزو أميركا للعراق خلال عام 2003.

وأضاف "الواقع أن إدراك السجل الطويل من التطهير العرقي كأداة لبناء الدولة في المنطقة من شأنه أن يبقينا جميعاً على دراية بالأخطار في غزة وإسرائيل".

وفي الجانب الإيراني ينقل عن مؤلف "بيت الحرب" أن طهران لم تزل "تشعر بالمرارة إزاء حقيقة وصول الإسلام إليهم من خلال ما يعدونه ثقافة عربية أدنى، وهذا يزعجهم إلى الحد الذي يجعل الأميركيين غير قادرين على تجاوز أزمة الرهائن خلال عام 1979 لرؤية ذلك".

 ويضيف أن هذا مهم لأنه على رغم أن إيران قد تستخدم "حماس" وهي منظمة عربية سنية تتوافق مصالحها مع مصالح طهران ضد إسرائيل، فإنها لن تعرض نفسها للخطر من أجلهم.

وكان سيمون مايال وهو ملازم أول سابق في الجيش البريطاني تناول في كتابه الصادر أخيراً حسب "بلومبيرغ" المعارك الرئيسة التي أرخت لمد وجزر الصراع الذي دام نحو 1300 عام بين الغرب والمسلمين، من اليرموك إلى سقوط القسطنطينية وآخر خلافة خلال عام 1924، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بهزيمة العثمانيين وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين.

 

لكن الكتاب لم يتوقف عند ذلك الحد، فقد أراد إسقاط ذلك التاريخ على الواقع اليوم، فأبقى على مصطلح "الخلافة" الذي يرمز أيضاً إلى "داعش" وبدأه بإيراد فتاوى أسامة بن لادن و"إعلان الحرب ضد الأميركيين المحتلين لأرض الحرمين الشريفين (1996)، والجبهة العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين (1998).

بالنسبة إلى الأميركيين والأوروبيين في ذلك الوقت كانت تلك الفتاوى "مجرد هذيان غريب لرجل مجنون عالق في عالم من العصور الوسطى وكهف أفغاني، إنما بين المسلمين كانت هذه الفتاوى مفهومة للغاية، وكانت ذات صدى لدى عدد كبير من المسلمين". والسبب في ذلك حسب المعلق يعود إلى أن تأثير ذلك التاريخ في الجانب الغربي أقل بكثير بفضل التفوق التكنولوجي والاقتصادي.

"ماذا فعل الجنوب ضد نفسه؟"

هل يعني ذلك التماس العذر للمجتمع العربي الذي أصبح يمد العالم بالانتحاريين بدلاً من الأطباء والمثقفين؟ قد يكون ذلك ملهباً للعواطف أحياناً لكنه ليس مفيداً لمعالجة المشكلة، فالقاعدة و"داعش" والحشد الشعبي وسواها، ضحاياها من المسلمين أكثر آلاف المرات من قتلاها الغربيين، وهذا للمفارقة أكبر جانب تعامى عنه المدفوعون بإلقاء كل خطأ فردي يرتكبه مسلم على المجموع الكلي.

اللافت أن هذه النظرة "الاستشراقية" انتقلت إلى شعوب متأثرة بهذه الأيديولوجيا في مشهد أقرب ما يعبر عنه فيلم "حياة الماعز" الذي استمات في تشويه صورة العرب والسعوديين لأن أحدهم أساء لخادمه، هذا إن صحت الرواية.

وفي هذا السياق يعيد الكاتب الأميركي ويليام ريو بولك الذي سبقت الإشارة إلى نظرته المنصفة للعرب والمسلمين عدداً كبيراً من معاناة المنطقة التي يرى الإرهاب أحد تجلياتها، إلى "وجود نوع من التقبل لمرض ما بعد الاستعمار، فقد احتار القوميون والأصوليون في الحال التي وجدوا أنفسهم فيها، فقد ظنوا جميعاً أن لديهم الإجابات ولكن الأحداث أثبتت خطأ ذلك"، ذكر على سبيل المثال حسن البنا وروح الله الخميني اللذين قال إنهما كلفا بلادهما "خسائر رهيبة حتى في أتباعهما"، وفقدا بوصلة إصلاح الدين والدنيا التي كانت الشعار، مثلما فشل القوميون.

وهكذا يرى النتائج الأكثر وضوحاً، تتمثل في "الشعور بالتشدد والجمود الذي وضع الأساس لتبرير العنف، ولذا فإن العالم الإسلامي اليوم في قبضة حال ذهنية تشبه التي كانت موجودة أثناء الحروب الدينية في أوروبا"، ولذلك كان أشد فصول كتابه تصويراً للواقع العربي والإسلامي، هو الذي سماه "ماذا فعل الجنوب لنفسه"، في إشارة صريحة إلى أن الجنوب شريك في صنع معاناته، ولا يكفي إلقاء التبعة على الآخر، مهما كان دوره مؤثراً.

بل إن توماس هيجهامر وهو باحث بارز في تاريخ الجهاديين وثق في ما نقلت عنه "الغارديان" البريطانية وقت تمدد "داعش"، أن ما كان يخشى منه الغربيون حدث بالفعل بعد أن تجاوز الإرهاب استهداف المدن الغربية إلى تجنيد شبانها، بعد إقناعهم بالتحول عن ديانتهم إلى الإسلام.

وقال "يبدو أن المقاتلين الأجانب ممثلون بصورة مفرطة بين مرتكبي أسوأ أعمال تنظيم الدولة الإسلامية، لذا فهم يساعدون في تطرف الصراع وجعله أكثر وحشية. وربما يجعلون الصراع أكثر صعوبة، لأن الأشخاص الذين يأتون كمقاتلين أجانب هم في المتوسط أكثر أيديولوجية من المتمردين السوريين النموذجيين". وكانت "داعش" برزت بين نظيراتها بقدرتها الفائقة على التجنيد واستمالة عناصر يصعب التنبؤ بهم.

 الشائك في هذه الجزئية أنها توحي بخطر الإسلام ذاته باعتبار الدعوة إليه البوابة الأولى لما بعد من الفظائع. وهو ما أجمع خبراء لجنة الاستماع في الكونغرس على ضرورة تجنبه في الخطاب السياسي المضاد لـ"داعش"، بوصفه أفضل ما يخدم التنظيم الدموي الذي لا يشكل نسبة المنتمين إليه من المسلمين حتى واحد في المئة، لكن هذا الخطاب من شأنه أن يقنع شريحة واسعة من المسلمين بأنهم مستهدفون، وعليهم إعلان الحرب، كما تصر أيديولوجية القاعدة و"داعش".

أرقام تظهر الترابط المعقد

ومع الجهود الرامية إلى تخفيف أيديولوجية الكراهية ضد الإسلام والعرب فإن تمدد جناحي اليمين واليسار المتطرفين في الغرب يهدد كل تلك الجهود، ولا سيما أوقات الأزمات التي يحاول المتطرفون في المنطقة والغرب توظيفها لإحياء أيديولوجيتهم في مثل الحال الراهنة في فلسطين ولبنان.

الصراعات السياسية التي لا تنطفئ في المنطقة أكبر مولدات الإرهاب والإسلاموفوبيا وأيديولوجيتهما، ذلك أن مفعولها سحري في استعادة ماضي الصراعات الأليم وأمجاده وذكرياته وأشخاصه.

ويظهر مؤشر الإرهاب العالمي عام 2024 أن الظاهرة شهدت تزايداً بنسبة 22 في المئة، إذ بلغت الوفيات الناجمة عنها أعلى مستوى لها منذ عام 2017، في وقت لا يزال "الصراع العنيف هو المحرك الأساس للإرهاب"، إذ وقعت أكثر من 90 في المئة من الهجمات و98 في المئة من الوفيات الناجمة عن الإرهاب خلال عام 2023 في بلدان تشهد صراعات.

وفي المقابل أظهر تقرير للأمم المتحدة خلال مارس (آذار) الماضي ارتفاع أعمال "المضايقة والترهيب والعنف والتحريض على أساس الدين أو المعتقد بصورة حادة في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي"، مشيراً إلى أنها وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق مما عبرت بأنه "صادم للضمائر، ويخلق مناخاً من الخوف وانعدام الثقة العميق".

غير أن الأخطر الذي لاحظه الخبراء في جلسة التقييم التي يجرونها سنوياً أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تمضي في طريقها لتكون مساراً مقبولاً في بعض الأحزاب والأوساط السياسية، "فقد بات اليوم يطأ أصحاب الكراهية والأحزاب السياسية والجماعات المسلحة والزعماء الدينيين وحتى الجهات الفاعلة في الدولة في جميع أنحاء العالم احترام تنوع الأديان والمعتقدات، ويمارسون التمييز وينتهكون حقوق الإنسان ويتغاضون عن هذه الانتهاكات أو حتى يحاولون تبريرها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن بين المؤشرات التي تظهر ما أشير إليه آنفاً من حال الاستعداد للكراهية نظير الثقافة الجمعية ضد الإسلام والمسلمين، وكذلك ارتباط تأجج تلك الحالات بالصراعات السياسية والعمليات الإرهابية، ما وثقته تقارير عدة من ارتفاع الحوادث المعادية للمسلمين بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) إلى أرقام مهولة، ففي الولايات المتحدة ارتفع هذا النوع من الحوادث بنحو 70 في المئة خلال النصف الأول من عام 2024 وسط حرب غزة، حسب "رويترز".

أما وحدة الاستجابة لظاهرة الإسلاموفوبيا (IRU) وهي مؤسسة خيرية مخصصة لدعم الأشخاص المتضررين من الحوادث المعادية للإسلام في إنجلترا وويلز، فكشفت في بيان لها أنها رصدت ارتفاع الحالات الواردة إليها بعد هجمات السابع من أكتوبر إلى 365 في المئة، وحتى بعد التراجع المتدرج الذي شهدته لا تزال مرتفعة، إذ بلغت نسبتها 206 في المئة خلال يناير الماضي.

وذكرت المؤسسة التي يديرها متطوعون من خلفيات عدة أن بياناتها تشير إلى زيادة مستمرة في ظاهرة الإسلاموفوبيا منذ تلك الهجمات، "ويشمل ذلك بعض الهجمات المروعة حقاً وحالات التمييز المتطرفة. وكانت عديد من الهجمات وكثير من صور التمييز مرتبطة بفلسطين، إذ يهاجم الناس المسلمين لأنهم يرونهم رمزاً لفلسطين".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير