Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة النزوح من جنوب لبنان: طريق شاق بلا نهاية

طريق الجلجلة يستغرق نحو 16 ساعة إلى بيروت وسط غياب تام للخدمات

أصبح من الصعب إيجاد شقق للإيجار، والشقق المفروشة باتت حلماً بعيد المنال، ونزعت لافتات كثيرة عن بيوت كانت معروضة للإيجار (ا ف ب)

 

ملخص

رحلة شاقة لنزوح اللبنانيين من منطقة الجنوب، وما يعيشونه اليوم من ازدحام طرقات إلى الإيجارات الباهظة ما هي إلا دلائل ما ستكون عليه الحرب في الأيام المقبلة.

بات طريق العذاب أو طريق الجلجلة، وهو الطريق من قرى الجنوب إلى بيروت والذي يسلكه الأهالي بعد أن تهدمت بيوت قريبة منهم أو جزء من بيوتهم، أو بعد أن رأوا الخوف والرعب في وجوه أطفالهم، ذلك الخوف ذاته الذي اعتلى وجوههم هرباً من القصف والموت المحدّق أبداً في الأجيال المتعاقبة في لبنان.

لأيام، كان الأول من أمس أصعبها، تزدحم طريق الجنوب اللبناني إلى بيروت بسيارات تجمّع بها العائلات التي أقلت بعضها البعض، وحملوا معهم خوفهم وما قل من الأغراض ليفسحوا مجالاً لأشخاص لا سيارات لديهم.

بدأت الرحلة التي بدا أنها لن تنتهي منذ الصباح، والبعض انطلق ظهراً بعد أن اشتد الدمار، ووثق كثر المسير الطويل على وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات وصور وفيديوهات. 

قصص كثيرة مؤلمة حدثت يوم الاثنين الماضي في رحلة النزوح غير المسبوقة عندما اشتد القصف جنوب لبنان، "اندبندنت عربية" رصدت بعضها ونقلت معاناة من عاشها.

16 ساعة من النبطية إلى البترون

تقول رشا حمادي لـ"اندبندنت عربية" إنها انطلقت من بيتها في النبطية باتجاه البترون حيث استأجرت شقة منذ ثلاثة أشهر تحسباً لتصاعد أحداث الحرب، بعد أن سافرت إلى اليونان مع بداية الحرب، ومكثت في البترون لشهر كامل.

اعتبرت رشا أن هذه المرة ستكون مثل سابقاتها إلى أن بدأ القصف يقترب أكثر وأكثر من البيوت، مصاحباً بتهديد لترك المنطقة، وصرخت ابنتها باكية "لا أريد أن أموت".

وتقول "أخذت ابنتي إلى السيارة وانطلقنا من دون أن نحمل معنا شيئاً، وبدأ الازدحام من النبطية، حيث استغرقت ثلاث ساعات للوصول إلى المصيلح وهي تحتاج عادة 10 دقائق، ورافقتنا الغارات على جوانب الطريق طوال الوقت، وكانت الطريق مقفلة تماماً لا يمكن الإكمال ولا التراجع، وتوقف السير بشكل كامل عند تقاطع المصيلح – الغازية لأربع ساعات، ثم عاد السير ببطء شديد، فنحن انطلقنا منذ الساعة الواحدة ظهراً ووصلنا إلى البترون في الخامسة صباحاً".

تضيف أنها شاهدت بعض النازحين يكملون الطريق مشياً على الأقدام، وكانت السيارات تتعطل على الطرقات، والناس عطشى، والمحلات مقفلة وكذلك محطات التزود بالوقود، ولم يحمل الناس طعاماً معهم كونهم لم يتوقعوا هذا الازدحام.

وتقول المتحدثة "من أكثر المشكلات التي تعرضنا لها عدم وجود الماء، على رغم أننا زودنا بقارورة صغيرة من الماء على طريق حبوش، وعدم وجود سوبرماركت من الرابعة بعد الظهر حتى 12 ليلاً، وكان إرسال الموبايل يختفي في أحيان كثيرة".

تمنيت لو بقيت

وتقول هاجر التي انطلقت مع ابنها من خربة سلم قبل الظهر إنها نامت مرات عدة واستيقظت قبل أن تصل إلى بيروت، حيث استغرق الطريق أكثر من 12 ساعة للوصول إلى بيروت عند الثانية فجراً إلى بيت ابنتها، وكان بيت جيرانها المقابل لبيتها هدم إثر غارة إسرائيلية، وتكسر الزجاج في منزلها.

وتذكر هاجر أن أحدهم على طريق صيدا قدّم لهم الماء، فيما يقول ابنها إنه تمنى أن يبقى في الجنوب على رغم الدمار والتهديد بعد التعب الذي عاشه في رحلة النزوح.

قذائف على البيت وعلى الطريق

وروت اختصاصية الحماية الأسرية رنا غناوي رحلة النزوح بعد أن أصيب منزلها في كفر رمان وتدمرت الشرفة، وكانت العائلة قد انتقلت للتو للغرفة المجاورة. تقول إنهم عندما نزلوا من المنزل للمغادرة "كان الحي مدمراً، ورافقت الغارات طريقهم، وكانت تحمي رؤوس أولادها بالوسائد، ودمر صاروخ بيتاً على الطريق وأشعل السيارات، حتى أنها اعتقدت أن سيارتها تدحرجت ليتبين إنه صاروخ بحجم سيارة لم ينفجر، وكان بعض أفراد الجيش يحذرون الناس للابتعاد قبل أن ينفجر، وبعد أربع ساعات احتاج الأولاد استخدام الحمام وشعروا بالجوع، وجدت منزلاً قرب الطريق يقف على شرفته أطفال، فنزلت وطلبت من السيدة تحضير سندويشات للأولاد، فأجابتها أنها تحضر أصلاً لاستضافة الناس وإطعامهم".

وتابعت "أخذت الماء والطعام وبقيت بعدها مع زوجها وأطفالها 14 ساعة على الطريق، حتى وصلت إلى بيروت عند الرابعة صباحاً من رحلة المشقات إلى بيت زميلتها".

ولادة على الطريق

تخبر كارين أن "أختها الحامل في شهرها التاسع كانت تقود سيارتها ومعها طفلها البالغ من العمر سنتان في زحمة سير خانقة وتحت تهديد الصواريخ الإسرائيلية من الجنوب إلى بيروت، ومع مرور الوقت بدأت التقلصات تشتد وحان وقت الولادة، ولم تتمكن سيارة إسعاف الوصول إليها، ولكن شاب سوري على دراجته النارية أقلها إلى أقرب مستشفى حيث وضعت مولودتها سما". تقول كارين "كنا نخطط أنا وأختي لموعد الولادة واختيار الهدايا، ولم نكن لنتخيل إنها ستنجب وحيدة بمساعدة شاب غريب ودراجته النارية، متمنية أن تكبر سما في عالم يعمه السلام وبلا حروب".

إلى أي مكان آمن

يتلمس النازحون طريقهم إلى أماكن تشي بأمان ما، بعيداً من الدمار أولاً، وبعيداً من أصوات الغارات والصواريخ قدر الإمكان، بخاصة أولئك الذين يرددون أنهم لا يريدون لأولادهم عيش الرعب الذي حطم طفولة الأهل على مر العقود.

فتح الناس بيوتهم في عدد كبير من المناطق للنازحين، البعض الآخر استغل الموقف لزيادة أسعار الإيجارات التي عادت إلى معدلها الطبيعي بعد أن عاد كثر إلى بيوتهم في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب.

تقول منى ماجد "كأنهم يأجروننا رمق الحياة والأمان، ومَن يدري فعلاً أين سيكون الأمان في بلد تقصف فيه الأماكن المتوقعة وغير المتوقعة". وتضيف أن "أصدقاء لها استضافوا عائلاتها المكونة من خمس أشخاص وقطة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أصبح من الصعب إيجاد شقق للإيجار، والشقق المفروشة باتت حلماً بعيد المنال، ونزعت لافتات كثيرة عن بيوت كانت معروضة للإيجار منذ فترات طويلة.

وفي بعض المناطق رفض السكان تأجير منازل للنازحين خوفاً من أن يكون بينهم شخصيات من "حزب الله" مما قد يعرّض المنطقة للخطر، كما نشط في بعض مناطق المتن الشمالي حركات لجماعة "جنود الرب" تحاول مضايقة النازحين في المنطقة عبر رفع مساحات السيارات، والمرور في مسيرات صغيرة بالدراجات النارية مع بعض الحركات المستفزة.

وأقدمت بعض البلديات على إجراءات لتسجيل أسماء النازحين الذين وفدوا لتنظيم أمور المساعدات، في حين لم تتدخل بلديات أخرى بهذه التفاصيل.

المدارس مراكز الإيواء الأولى

في سياق متصل يقول عبدالله جبيلي الذي يقطن في منطقة الشوير ويشارك في مساعدة النازحين، إن ثلاث مدارس امتلأت بالنازحين، إضافة إلى مدرسة قريبة في المتين ومدرسة في زرعون، حيث يقوم الأهالي وبعض الأحزاب بمساعدة النازحين في تأمين مستلزمات الحياة اليومية، من فرش للنوم وبطانيات وثياب وأغذية وسواها.

وتخبر إحدى المتطوعات في شبيبة كاريتاس ميليسا خيرالله أن ما يقومون به توزيع حصص غذائية ووجبات ساخنة في عدد كبير من مراكز الإيواء من بعبدا وعاليه والشوف والشمال وجزين وصيدا وجبيل، ويعملون على إطلاق حملة لجمع التبرعات لتأمين بقية الحاجات. وتقول إن "الحاجة كبيرة وملحة في حرب كهذه، ونحاول التلبية قدر الإمكان، وعدد النازحين يتزايد كل ثانية".

في بيروت لا يختلف المشهد، فالمدارس وصل فيها العدد إلى الحد الأعلى من النازحين، وأعلنت بعضها عن عدم وجود أماكن شاغرة.

وأعلن وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي عن تأجيل انطلاقة العام الدراسي في المدارس الرسمية حتى 14 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وأصدر تعميماً حول استقبال النازحين في المدارس الرسمية طلب فيه فتح مباني المدارس والثانويات الرسمية، ووضعها بتصرف لجنة الطوارئ المركزية للتنسيق مع خلية الأزمة في وزارة التربية والتعليم العالي وتقديم الدعم والمساعدة للنازحين.

وكان وزير الداخلية بسام المولوي أعلن أول من أمس عن وجود نحو 28300 نازح موزعين على 296 مركز إيواء على الأراضي اللبنانية، وبالطبع يزداد هذا العدد مع كل ضربة أو تهديد بالإخلاء.

إلى سوريا در!

ازدحام سير خانق على معبر المصنع إلى سوريا بعد أن رحبت سوريا بالنازحين، كما يلعب الرابط الاجتماعي دوراً هاماً في انتقال العائلات اللبنانية المتصاهرة مع العائلات اللبنانية، إضافة إلى أن داخل دمشق يعد منطقة آمنة نسبياً، ولكن عدد اللبنانيين النازحين لا يزال خجولاً إذ ذكرت بعض وسائل الإعلام المحلية إنه لم يتجاوز الـ5000 شخص بعد، في حين تقول مصادر إن السيارات ذات اللوحات اللبنانية التي ازدحمت على الحدود تنقل السوريين بعد أن أصدرت الحكومة السورية سماحاً لمواطنيها الذين فقدوا جوازات سفرهم باستخدام الهوية أو إخراج القيد ووثائق أخرى لدخول بلدهم.

ترحيب قسم من السوريين بالنازحين اللبنانيين قابله مهاترات من أفراد في المعارضة السورية يحتفلون عبر وسائل التواصل بالتهجير اللبناني تحت عنوان الانتقام من مشاركة "حزب الله" في حرب سوريا.

بالمحصلة أينما اختار النازحون الاستقرار الموقت فقد تركوا وراءهم ما تركوا من بيوت تعج بالذكريات، بعضها تهدّم على مرأى من عيونهم، وبعضها قد يعودون ولا يجدون لها أثراً، بيوت ربما ابتلعت ساكنيها، أو تُركت وأصداء ذكرياتهم وتفاصيل حياتهم تتردد بين الجدران والزجاج المحطم، وقد يكون أبلغ ما كتب عن ترك البيوت والقرى ما نشرته الإعلامية بادية هاني فحص على "فيسبوك"، "كنت أسمع عن النكبة، اليوم شفتها، تركت بيتي بالنبطية بس جبت معي المفتاح".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات