ملخص
في السجون الإسرائيلية تحول مرض "الجرب" إلى أداة تعذيب، "اندبندنت عربية" استمعت إلى شهادات أسرى أفرج عنهم حول كيف جرى استغلال هذا الوباء لتعذيبهم
ربط الجندي الإسرائيلي الأسير الفلسطيني صابر في قضيب حديدي، وبسرعة نزع عنه ملابسه العلوية، وأحضر ليمونة وأخذ يعصرها على البثور والحبوب التي تنتشر في جسده بسبب إصابته بمرض الجرب الجلدي، لم يتحمل الرجل الألم وأخذ يصرخ بصوت عال.
تعذيب
صراخ صابر وألمه أزعج الجندي الذي أحضر قطعة قماش بالية وضعها في فمه وربط فوقها حبلاً ثم ألصق فمه بلاصق قوي، ليمنعه من التعبير عن ألمه، سالت دموع الأسير على خديه، وفي تلك اللحظات كان السجان قد أحضر عبوة خل طعام.
نزع السجان بنطال صابر، وأخذ يسكب على جسده الخل، لم يتحمل الأسير الألم ولكنه في الوقت نفسه لا يقوى على التعبير عن وجعه، ظل قلبه يعتصر وجعاً وعيونه تذرف دمعاً وبقي على هذه الحال مربوطاً في القضيب الحديدي نحو ثلاثة أيام.
أثناء نزوح صابر من النصف الشمالي لغزة، متجهاً نحو المنطقة الإنسانية في جنوب القطاع، عبر الممر الآمن الذي حدده الجيش الإسرائيلي للنازحين، اعترض طريق الرجل جنود الجيش الإسرائيلي، وبعدها اعتقلوه واقتادوه إلى سجن النقب.
ظروف الاعتقال
مكث صابر في الأسر نحو سبعة أشهر، خلالها تعرض لأنواع مختلفة من التعذيب، وعانى في الشهرين الأخيرين من فترة اعتقاله قلة مواد النظافة، يقول "كان في سجن النقب سياسة صارمة تمنعنا من استخدام الماء".
يضيف "كنا نستخدم الماء مرة واحدة كل ثلاثة أيام، وحصة كل فرد 100 ملليليتر من الماء، وفي الوقت نفسه لا تتوفر أدوات نظافة شخصية، كان السجانون يحرموننا من التعرض لأشعة الشمس أو التهوية، هذه الظروف خلقت بيئة مناسبة لانتشار الأمراض الجلدية".
لمدة 37 يوماً ظل صابر يرتدي الثياب نفسها من دون غسلها أو تشميسها، وهذه البيئة خلقت مرض الجرب وانتشر بسرعة بين الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي من أنحاء متفرقة من قطاع غزة.
خلق بيئة المرض
بحسب مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات" (مؤسسة حقوقية غير حكومية) فإن إسرائيل تعمدت نشر مرض الجرب "سكايبوس" إذ خلقت البيئة القذرة المناسبة لتفشي الوباء وسهلت انتشاره بين صفوف الأسرى المحتجزين.
رصد "حريات" انتشار الجرب بين 7500 أسير فلسطيني من أصل 10 آلاف أسير تحتجزهم إسرائيل في سجونها، وذكر مركز حقوق الإنسان أن سجون النقب ومجدو ونفحة وريمون تعد أكثر مراكز الاعتقال التي يتفشى فيها الوباء بسرعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين فإن من بين المصابين بمرض الجرب الجلدي أطفالاً وكباراً في السن وسيدات وأصحاب أمراض مزمنة، وأبشع ما في الأمر أن السجانين الإسرائيليين استغلوا هذا الوباء وحولوه إلى أداة تعذيب يومية في حق المصابين به.
ألقاب وشماتة
في شهادة خليل يقول لـ"اندبندنت عربية" إنه بقي في الملابس نفسها لمدة ثمانية أشهر وهذا جعله يصاب بمرض الجرب، بعدما تفشى الوباء في جسده بدأ الجنود يضربونه وكانوا يهددونه بأن الضرب بهدف الإعدام أو التسبب بعاهات مستديمة.
يضيف خليل الذي يتحفظ عن نشر اسمه الكامل "تعمد السجانون سحبي من شعر جسدي بطريقة مؤذية ومذلة، ثم بعد ذلك كانوا يحكون بأظافرهم جلدي وأماكن انتشار بثور وحبوب الجرب".
كان السجانون يشتمون خليل وينادونه بلقب "الجربان" في إهانة واضحة له واستهتار منهم في مرضه الذي أصيب به، وفي إحدى المرات أحضر أحدهم الدواء وسكبه على الأرض وخاطب الأسير قائلاً "لا تستاهل أن أمنحك هذا العلاج، أنت حيوان بشري ليس أكثر".
من دون أدوية
كثيراً ما كان يشعر خليل بالإهانة، لكن ما يؤلمه بشدة كان انتشار الدمامل في جسده، يكمل حديثه "بعد إصابتي بالتهابات شديدة نتيجة للحكة الشديدة التي كنت أعانيها على مدار اللحظة، اتفقت مع الأسرى أن نطلب الدواء في مقابل العمل على تنظيف المكان".
بحسب تأكيد خليل فإن السجانين رفضوا أن يحضروا العلاج ولكنهم أجبروا الأسرى على تنظيف المكان وثم بعد ذلك قاموا في نشر الأوساخ والقاذورات في المكان، وهكذا جعلوا مرض الجرب صورة من صور التعذيب الجسدي والنفسي.
تؤكد هيئة شؤون الأسرى والمحررين أن إسرائيل ترفض علاج الأسرى الفلسطينيين وبخاصة الذين تعود أصولهم من قطاع غزة، ويقول رئيس الهيئة فارس قدورة "حرمت إسرائيل السجناء من حقهم في العلاج، هذا أبسط شيء ومكفول في القوانين والمواثيق الدولية ولكن تل أبيب تتعنت في توفير الأدوية".
في إسرائيل تنفي مصلحة السجون الإسرائيلية منعها الأدوية عن السجناء، ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري "نتخذ إجراءات تتناسب مع القوانين الدولية وبما يضمن تقديم حق العلاج للسجناء الفلسطينيين".