ملخص
عملية الضاحية الجنوبية تأتي أيضاً في سياق الإصرار الإسرائيلي على استمرار تكثيف القتال في لبنان، وتنفيذ بنك الأهداف المتعلق بملاحقة قيادة "حزب الله" والقضاء عليها
جاء القصف الثالث لضاحية بيروت الجنوبية خلال عملية "سهام الشمال"، قبل وصول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى نيويورك، في ذروة النقاشات الداخلية والخلافات حول المقترح الأميركي- الفرنسي الداعي لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. وبينما أُعلن في إسرائيل أن نتنياهو قال، قبل انعقاد اجتماع "الكابينت" المصغر لحكومته، في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء، إنه منح الضوء الأخضر لوزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر للتفاوض في المقترح المقدم، اضطر نتنياهو، وهو في طريقه إلى نيويورك، أن يعلن، عبر مكتبه، أنه لم يوافق بعد على المقترح بل أوعز للجيش لتكثيف القتال في لبنان.
عملية الضاحية الجنوبية تأتي أيضاً في سياق الإصرار الإسرائيلي على استمرار تكثيف القتال في لبنان، وتنفيذ بنك الأهداف المتعلق بملاحقة قيادة "حزب الله" والقضاء عليها، لكنها، في الوقت نفسه، أسهمت في تهدئة الأوضاع المشتعلة في إسرائيل حول المقترح الأميركي- الفرنسي، إذ وصلت حدة التهديدات إلى الانسحاب من الحكومة، من قبل أحزاب الائتلاف، والامتناع عن التصويت لدعم الموازنة، من قبل أعضاء "الليكود"، حزب نتنياهو.
وكشف موقع "واللا" الإخباري أن نتنياهو الذي أسهم في صياغة مقترح وقف النار تراجع بعد ضغط وتهديدات وزراء ائتلافه. وفي أعقاب المعارضة الواسعة والتهديد بتفكيك حكومته عاد وتراجع عن موقفه بمنح الضوء الأخضر للوزير ديرمر للتقدم في المفاوضات.
وأعلن نتنياهو بعد وصوله إلى نيويورك أن إسرائيل مستمرة في ضرب "حزب الله" بقوة "لن نتوقف حتى نحقق جميع أهدافنا، وفي مقدّمها العودة الآمنة لسكان الشمال إلى ديارهم. هذه هي السياسة ولن يخطئ أحد في ذلك".
وقال الخبير السياسي براك ربيد إن "تغيير نتنياهو اتجاهه، الذي يأتي بعد تهديدات علنية من وزراء يمين متطرفين في الحكومة وهجمات من المعارضة، يمكن أن يزيد من التوترات مع الإدارة الأميركية".
ونقل ربيد عن مسؤولين أميركيين أن المناقشات بشأن مبادرة وقف إطلاق النار بدأت بعد مكالمة هاتفية، الإثنين الماضي، بين مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن المحادثة مع ديرمر انتهت باتفاق على أن وقف إطلاق النار الموقت هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به وأن الولايات المتحدة تنوي نشر مبادرة وقف إطلاق النار قبل وصول نتنياهو إلى نيويورك.
وجرت خلال يومي الثلاثاء والأربعاء مفاوضات مكثفة بين كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية والوزير ديرمر وكبار المسؤولين اللبنانيين "الرسالة التي تلقاها مستشارو بايدن من ديرمر هي أن نتنياهو يعتقد أن وقف إطلاق النار الموقت هو الشيء الصحيح لأنه لا يريد الانجرار إلى غزو بري يمكن أن يؤدي إلى تعقيدات ويقوّض الإنجازات التي حققها الجيش الإسرائيلي حتى الآن"، بحسب ما قال مصدر مطلع على تفاصيل المحادثات.
وفي تفاصيل الحدث، فإنه خلال اجتماع "الكابينت"، مساء الأربعاء، كان الموضوع المركزي مناقشة خطط الجيش في لبنان وعرض تقارير على الوزراء من دون مناقشة مسألة وقف إطلاق النار على الإطلاق "فقط عندما غادر الوزراء الاجتماع، وشاهدوا العناوين الرئيسة حول اقتراح وقف إطلاق النار، بدأ بعضهم بإصدار بيانات قوية ضدّ هذه الخطوة. وسمع نتنياهو عن هذه الإعلانات عندما كان على متن الطائرة، وسارع مكتبه إلى إصدار بيان يفيد بعدم وجود وقف لإطلاق النار، مؤكداً أن نتنياهو لم يعطِ رده بعد على الاقتراح"، وفق ربيد الذي نقل عن مسؤول أميركي كبير أن ديرمر ونتنياهو كانا في الصورة التفاوضية على نص الإعلان الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار "وكانا يعرفان كل كلمة"، وأشار إلى أن "البيت الأبيض لم يكن ليصدر الدعوة لوقف إطلاق النار لو لم يتلقّ رسالة من نتنياهو والجانب اللبناني بأنهما يتفقان من حيث المبدأ".
"النصر المطلق" لم يعد مقتصراً على نتنياهو
وقد تأجّل أربع مرات موعد سفر نتنياهو إلى نيويورك، بسبب الأوضاع الأمنية وتصعيدها في لبنان بعد عملية "سهام الشمال".
والخميس، وبعد ساعة من انتهاء اجتماع "الكابينت" المصغر فجراً، توجه نتنياهو إلى نيويورك، وهذه واحدة من المرات النادرة التي لا يتحدث فيها للإعلام من المطار قبل إقلاع طائرته. فنتنياهو ترك خلفه نقاشاً عاصفاً حول مقترح التسوية الأميركي- الفرنسي الصادر بعد اجتماع لمجلس الأمن الدولي.
والمقترح يقوم على وقف نار فوري لـ 21 يوماً بين إسرائيل ولبنان، يعيد وفق التسوية، المدنيين من جانبي الحدود إلى مناطقهم، ويفسح المساحة الدبلوماسية توصلاً لتسوية تتفق مع القرار 1701، وهو مرتبط بلبنان، ومع تنفيذ القرار 2735 بشأن وقف النار في غزة.
وأعلن بعض وزراء حكومة الائتلاف، بشكل واضح، رفضهم القاطع للاتفاق، بل هدد وزيرا الأمن القومي والمالية إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش بالانسحاب من الحكومة وتفكيكها. وعقد بن غفير اجتماعاً لكتلة حزبه "عوتسا يهوديت"، أعلن في نهايته أن حزبه يرفض أي اتفاق لوقف موقت للنار وأنه في حال التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و"حزب الله" سينسحب من الحكومة. وقال بن غفير "الأمر الأساس والمفهوم تلقائياً أنه عندما يكون عدوك على ركبتيه، لا تسمح له بترميم نفسه، وإنما تعمل على حسمه وتسعى إلى هزمه".
أما سموتريش فدعا إلى إنهاء المعركة في الشمال بسيناريو واحد وهو تحطيم "حزب الله"، وسلب قدراته على تهديد سكان الشمال. وبحسب سموتريش يجب "عدم منح العدو وقتاً للتعافي من الضربات القوية التي تلقاها أو التهيؤ لمواصلة الحرب بعد مرور 21 يوماً، وعليه فإما استسلام حزب الله أو الحرب، فقط بهذه الطريقة يمكننا إعادة الأمن لسكان الشمال".
وأعلن وزير الخارجية يسرائيل كاتس، الذي ينوب عن نتنياهو خلال وجوده في نيويورك، أنه لن تكون هناك صفقة ولا وقف للنار مع "حزب الله" قبل تحقيق أهداف حملة "سهام الشمال".
أما وزيرة الاستيطان أوريت ستروك فقالت "لا يوجد تفويض أخلاقي لوقف إطلاق النار 21 يوماً ولا حتى 21 ساعة. حزب الله حوّل لبنان إلى برميل بارود، والقرار 1701 جعل سكان الشمال رهائن ومهجرين في أرضهم".
وفيما هدد وزراء وأعضاء من حزب "الليكود" برئاسة نتنياهو، بأنهم سيقفون ضد الحكومة وعدم دعمها في التصويت على الموازنة إذا ما وافقت الحكومة على المقترح لوقف النار دعا يائير لبيد، زعيم المعارضة، إلى اقتراح إسرائيلي بأن تقتصر فترة الهدنة على أسبوع بدل ثلاثة أسابيع بذريعة أن هذه الفترة تشكل فسحة من الزمن لـ "حزب الله" لإعادة تأهيل قدراته العسكرية.
وساند لبيد في موقفه رئيس حزب اليمين الوطني جدعون ساعر معتبراً أن فترة "سبعة أيام كافية ولن يكون بإمكان حزب الله إعادة تأهيل قيادته ومنظومته العسكرية". أما رئيس حزب "الديمقراطيون"، تحالف "ميرتس" و"العمل"، الجنرال احتياط يائير غولان، فرأى أن "ثلاثة أيام كافية لوقف النار والتوصل إلى اتفاق ومن دون ذلك فسيكون في مصلحة حزب الله، وتعزيز قدراته العسكرية واستمرار تشكيله خطراً على السكان".
وما بين هذه الأصوات، دعا رؤساء بلدات الشمال إلى مؤتمر صحافي خاص حثوا فيه الحكومة على عدم المساومة والتوصل إلى أي اتفاق واستمرار القتال والدخول إلى عملية برية حتى "النصر المطلق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقدان الثقة بالقيادة السياسية
الوضع الذي تشهده إسرائيل قبل أسبوع من مرور سنة على حرب "طوفان الأقصى"، وبعد أيام من "السهام الشمالية"، تجاه لبنان، أكد أكثر من مسؤول أنه يعكس حالاً من الفوضى وعدم الاستقرار الداخلي واستمرار العمل من دون استراتيجية واضحة حتى تجاه لبنان.
ونقل عن مسؤول أمني كبير أن الشعور الذي يسود داخل أجهزة الأمن هو عدم الثقة بالقيادة السياسية. وقال هذا المسؤول "وفق ما يتضح داخل أروقة الأبحاث الإسرائيلية، فإن تل أبيب ستدير المفاوضات على شاكلة المفاوضات التي أجرتها مع دول الوسطاء، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بعد الصفقة الأولى للأسرى في غزة، والتي كانت لها أهداف عدة في مركزها عدم التوصل إلى اتفاق أسرى". وأشار هذا المسؤول إلى أن نتنياهو منح الضوء الأخضر لمحادثات التسوية بهدف الحصول على شرعية دولية لعملية "سهام الشمال" في لبنان. وفيما أضاف أن "التوصل إلى تسوية مع حزب الله سيتطلب أن تشمل بنداً يتعلق بقطاع غزة"، قال نتنياهو في بيان مصور "لا أستطيع الكشف عن كل ما نقوم به، لكنني أؤكد أننا مصممون على إعادة سكان الشمال بأمان".
حملة برية وعملية محددة
الجيش الإسرائيلي، من جهته، واصل التدريبات على سيناريوهات عملية برية وأجرت وحدتا احتياط، الخميس، تدريبات مكثفة في المنطقة الحدودية. وأكد أكثر من مسؤول عسكري من رئيس الأركان هرتسي هاليفي، أن العملية البرية في لبنان مسألة وقت، والإصرار على تنفيذها يأتي ضمن الخطوات التي صودق عليها لتحقيق هدف إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم.
وتأتي العملية البرية في حين حذر أمنيون وعسكريون من خطورة تنفيذها بعد أن اتضح، بعد ثلاثة أيام من قصف مكثف وملاحقة قيادة "حزب الله" وتدمير ترسانته الصاروخية، أن الحزب يملك ترسانة صواريخ دقيقة ومتطورة ومخزون مسيرات قادرة على الوصول إلى كل منطقة في إسرائيل.
وإلى حين حسم القرار بشأن العملية البرية شرعت إسرائيل في تنفيذ عمليات تستهدف نقل أسلحة تقول إن إيران تزودها لـ "حزب الله" سواء عبر سوريا والعراق أو براً أو جواً.