Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين والرئيس الأميركي المقبل... من المنافسة إلى المواجهة

من السذاجة الاعتقاد بأن الأميركيين أصحاب رؤية "القرن الأميركية" و"استراتيجية الاستدارة نحو آسيا" ليست لديهم مخططاتهم العسكرية لمواجهة تنامي القوة الصينية لا سيما في منطقة الإندوباسيفيك

هل الصراع الصيني - الأميركي قدر مقدور في زمن منظور؟ (رويترز)

ملخص

من المؤكد أن الرغبة في إحباط الصين تطغى على الجهود المبذولة للعمل نحو تحقيق الأهداف المشتركة وتعزيز المصالح الأميركية. وهنا يبدو الاستعداد لأسوأ السيناريوهات يسود في كلا البلدين.

فأي طريق سوف يمضي فيه الرئيس الأميركي المقبل: المواجهة أم الاحتواء؟

على عتبات الانتخابات الرئاسية الأميركية، من المتوقع أن تكون للديناميكية بين المرشحين الرئيسيين كامالا هاريس ودونالد ترمب، آثار كبيرة على العلاقات الصينية - الأميركية، مع الأخذ في الاعتبار أن التحول الذي جرى على صعيد الحزب الديمقراطي، بعد استبدال الرئيس جو بايدن بهاريس، ترك حالة من عدم اليقين على مسارات الأحداث داخلياً وخارجياً.

وعلى مدى مناظرتين رئاسيتين، واحدة بين ترمب وبايدن، وأخرى بين ترمب وهاريس، وبغض النظر عمن سيصل إلى السلطة، فإن المواجهات ستظل قائمة، وتشكل مروحة من الصراع العسكري اللوجيستي، وصولاً إلى المنافسة التجارية.

هنا يتساءل المرء: هل الصراع الصيني - الأميركي قدر مقدور في زمن منظور؟ ما يعني أن فخ ثيوسيديدس، أي الصراع والمواجهة بين بكين وواشنطن أمر حتمي لا بدّ منه؟

المعروف أن ترمب يعتبر الصين قبل روسيا، هي العدو الأول للولايات المتحدة، وهو الأمر عينه الذي تظهره استراتيجية الأمن القومي الأولى والوحيدة التي صدرت في عهد بايدن، في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

 

هل هاريس أقلّ عدوانية، بدورها، من ترمب في وجه الصين؟

عبر تصريحاتها كافة، أظهرت هاريس عنفاً واضحاً، بل ومزايدة مؤكدة على مواقف ترمب من الصين، فقد اتهمته، علناً، بأنه أظهر ضعفاً في العلاقات مع بكين، ما يشير إلى نيتها مواصلة سياسة إدارة بايدن، التي لم تحافظ فقط على العقوبات التي فرضها ترمب، بل زادت، أيضاً، من عددها ضدّ الصين.

هل تعني مواقف سيد البيت الأبيض المقبل أن الصراع مع الصين قادم لا محالة؟

هذا ما يتبدى واضحاً من خلال المخططات العسكرية الأميركية الماضية قدماً.

غير أن عدداً من الثقات الأميركيين أخيراً، علت أصواتهم في محاولة لثني الإدارة المقبلة عن التخطيط لتعزيز العداء مع الصين، فهل يمكن أن تتغير استراتيجية البيت الأبيض، ويشهد العالم فترة هدنة على الأقل، بين القطبين القائم والمقبل؟ أم أن هناك من أصحاب المصالح الداخلية في أميركا من يسعى لتأجيج نيران الخصام؟

عن الصين والرئيس الأميركي المقبل

ربما يتحتم علينا البدء عبر قراءة في المعكوس، بمعنى أن نراجع أوراق الصين في طريقها لانتظار الرئيس الأميركي المقبل، وكيف تستعد لإدارة سياستها معه.

يكتب أخيراً يو جي زميل أبحاث أول في شؤون الصين في "برنامج آسيا والمحيط الهادئ" في "تشاتام هاوس"، ويقول إنه، بغض النظر عما إذا كان دونالد ترمب أو كامالا هاريس سيفوزان في الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن صناع القرار الصينيين يتوقعون نزاعاً مريراً بشأن التجارة والتكنولوجيا وتايوان، ومع شعورها بالحصار، تستعد الصين لعداء طويل الأمد مع أكبر اقتصاد في العالم.

 

ما الذي يجري في الصين على وجه الدقة؟

باختصار مفيد، إنها تستعد لمزيد من الاضطرابات من خلال اتباع نهج يشمل كل البلاد في التعامل مع الولايات المتحدة، وهذا يعني تجاوز نطاق الشؤون الخارجية والتنسيق مع صناع السياسات الاقتصادية والعسكريين وقادة التكنولوجيا، فضلاً عن تعبئة الموارد في جميع أنحاء البلاد.

ويستمد هذا النهج معلوماته من استراتيجية الاحتواء الأميركية، التي تضمنت، في السنوات الأخيرة، جهوداً لا هوادة فيها للحفاظ على التفوق التكنولوجي الأميركي، والحدّ من قدرة الصين على الوصول إلى السوق العالمية، وبناء تحالف من الحلفاء، سواء في آسيا أو في أماكن أخرى، لمعالجة "التحدي الصيني".

هل بلور نظام الرئيس شي جينبينغ آلية ما بعينها للتعاطي مع النوازل الأميركية المحدثة؟

يبدو الأمر، بالفعل، على هذا النحو، وكجزء من هذه العملية، حوّلت الصين نموذجها الاقتصادي بعيداً من ملاحقة النمو بأي ثمن إلى بناء اقتصاد مرن مدفوع بالابتكار، وقادر على التعامل مع التوترات الجيوسياسية المطولة. ومن خلال تسريع الابتكار المحلي، يهدف الرئيس الصيني، أيضاً، إلى إعادة هيكلة الاقتصاد والمساعدة في الحد من اعتماده المفرط على قطاع العقارات. وقد أعطت الدورة الكاملة الثالثة الأخيرة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الختم النهائي بالموافقة على هذا الإصلاح الشامل. ماذا يعني ذلك؟

من دون تهوين أو تهويل، الصين تستعد لمواجهة الرئيس الأميركي المقبل، على الصعيد الاقتصادي، وبصورة قطعية، بكل ما لديها من أدوات القوة المادية.

في هذا الإطار يبدو واضحاً أن الصين تضع في مقدمة أولوياتها التقدم العلمي والبراعة التكنولوجية، كأهداف استراتيجية رئيسية، يسعى جينبينغ إلى تحقيقها، كما أولت بكين أهمية كبيرة لتطوير قدرتها على الابتكار، وهي عازمة على أن تصبح بطلة عالمية في قطاعات تكنولوجية معينة.

غير أن متابعاً محققاً ومدققاً للشؤون الصينية، يدرك جسامة العقوبات الاقتصادية، لا سيما تلك التي وقّعها بايدن على بكين.

هل يعني ذلك أن الصين لها رؤية مختلفة عن منافسي الولايات المتحدة في العقود الماضية، لا سيما الاتحاد السوفياتي بنوع خاص؟

 

نفوذ آسيوي منفرد وشراكة عالمية

من أفضل العقول التي قدمت جواباً رحباً على علامة الاستفهام المتقدمة، البروفيسور موهان مالك أستاذ العلاقات الدولية والباحث في مركز "آسيا والباسيفيك"، ضمن قراءة قدمها لصورة العالم في 2030.

يرى موهان أن التحدي الصيني القوي للنظام الليبرالي الديمقراطي الغربي، يختلف عن المنافسين السابقين لهذا النظام، فعلى العكس من الاتحاد السوفياتي واليابان، لا تعتبر الصين قوة أحادية الأبعاد، وإنما قوة عظمى متعددة الأبعاد، اقتصادية، عسكرية، علمية، وتكنولوجية، وليس من السهولة لقوة بهذه المواصفات أن تصل إلى هذا المستوى بسهولة، أو تتلاشى بسهولة، كما أنه ليس من خصائص القوى الصاعدة أن تقف في حالة جمود، فهي تفرد عضلاتها وتظهر نفوذها كلما سنحت لها الفرصة.

من ناحية أخرى، فإن اللاعبين الجدد لا يلعبون طبقاً للقواعد القديمة، وإنما يبذلون جهدهم من أجل إعادة صياغة المنطقة وفق تصوراتهم، إلى جانب التأثير في المؤسسات الدولية من حيث القدرة على تغيير طبيعة عمل تلك المؤسسات ودورها.

هنا يمكن القول إنه في زمن انتقال القوى، تسعى القوى الصاعدة إلى إعادة تشكيل النظام الدولي. وتظل الصين، بوضعها الراهن وبمعايير الدولة والمكانة والنفوذ الذي تتمتع به، قوة لا تعيش في حالة جمود. ومثلها مثل كل القوى العظمى السابقة، تضع الصين علامات جديدة خارج حدودها وترسم خطوطاً جديدة على الأرض والمياه والثلوج حول أطرافها، وهو ما أمكن ملاحظته منذ زيادة الإصرار على تغيير استراتيجية دينغ زهاو بينغ، التي كانت تدعو إلى إخفاء القدرات حتى تلوح الفرص، وعدم اتخاذ زمام المبادرة، إلى انتهاز الفرص واتخاذ زمام المبادرة وإظهار القدرات لاستقطاب الآخرين إلى صف الصين.

وتدل الكتابات الصينية الاستراتيجية على أن بكين تفضل آسيا أحادية القطبية، مع وجود الصين في مركز نظام إقليمي وعالم متعدد القطبية، وهذا يجعل، بطبيعة الحال، من الصعب على الصين القبول بأي حواجز تفرض عليها من الخارج بهدف الحد من نموها.

وعلى المستوى العادي، فإن نفوذ الصين المتزايد على الصعيد العالمي من شأنه أن يعطيها الحق في وضع قواعد جديدة لنظام دولي جديد لما بعد الهيمنة الأميركية. وعلى رغم كونها المستفيدة الكبرى من النظام الدولي الحالي، فإنها تعتبر هذا النظام أداة في يد الاستعمار الغربي الذي يهدف إلى الحد من تحقيق الصين المزيد من النمو. ومن الواضح أن الصين لا تبدي ارتياحاً إزاء العديد من القوانين والقواعد التي يرتكز عليها النظام الدولي الراهن.

على أن السؤال "هل تهمل الصين الجانب العسكري في طريق صعودها كقوة عسكرية، لا سيما أنها ستواجه خصماً رئاسياً أميركياً سواء كان هاريس أم ترمب؟".

 

الصين النووية وصعود قواتها البحرية

تبدو الصين قادمة، ولا شك، في ذلك، كقوة عسكرية من الطراز الأول فر وقت قريب، لا سيما إذا مضت قدماً في طريق التسلح على الأصعدة كافة لا سيما النووية والبحرية، ومن غير أن نهمل الالتفات إلى جيش يبلغ تعداده قرابة الأربعة ملايين مجند.

وعلى عتبات رئاسة أميركية جديدة، سيكون على مكتب الرئيس في البيت الأبيض، أحد أخطر الملفات المزعجة، أي ملف التسلح النووي الصيني. فقد أجمعت وكالات الاستخبارات الأميركية، على أن الصين تسعى لرفع سقف صواريخها النووية إلى حدود الألف رأس، وقد رصدت الأقمار الاصطناعية الغربية، حواضن صواريخ تعدها الصين لقادمات أيامها.

وتدرك الصين أنه، على رغم ما يعرف بقوتها في مجال "الردع النقدي"، أي قوتها ومنعتها على الصعيد الاقتصادي، إلا أن ذلك كله يضحى مهدداً إن لم توجد قوة نووية تردع منافسيها أول الأمر، وترسل إشارات إلى جوارها الإقليمي.

وهنا تبدو الصين مهددة إقليمية للفضاء الآسيوي، لا سيما الدول الحليفة للولايات المتحدة، وفي المقدمة منها، اليابان، كوريا الجنوبية، وتايوان، والعديد من الأصدقاء الأميركيين من دول الـ "آسيان". بل إنه أبعد من ذلك، فإن الجاهزية العسكرية الصينية، على الصعيد النووي، ترسم خطوطاً مستقبلية لشكل العلاقة مع روسيا الاتحادية، فعلى رغم التعاون الذي يسعى لأن يضحى تحالفاً بين بكين وموسكو، إلا أن الحقيقة المقطوع بها، أن الطبقات الحضارية السلافية والكونفوشيوسية، لا ترتاح إلى بعضها البعض، بل تختلف في العمق اختلافاً جذرياً، الأمر الذي يجعل الصدام فرض عين في مرحلة تاريخية بعينها.

ولأن الصين تعتبر مياه المحيطين الهادئ والهندي، مناطق نفوذ مؤكدة لها، لهذا نرى اهتماماً عسكرياً صينياً متقدماً بعالم البحرية العسكرية، إلى درجة أن البعض في الداخل الأميركي بات يقطع بأن الصينيين ينتجون السفن البحرية العسكرية، بشكل قريب إلى صناعة النقانق عند العم سام.

ولقد باتت القدرة الصناعية السريعة التي تتمتع بها الصين تسمح لها ببناء السفن الحربية بسرعة أكبر كثيراً من الولايات المتحدة، تلك التي تكافح، في الوقت الراهن، في أحواض السفن التابعة لها لتلبية متطلبات وقت السلم، فضلاً عن ذلك فإن التقدم التكنولوجي الذي أحرزته الصين في الحرب البحرية، بما في ذلك الغواصات، يهدد التفوق البحري الأميركي، بخاصة بالقرب من المياه الصينية. وحديث البحرية الصينية المقبلة، يستدعي رؤية ماضوية لماو تسي تونغ، حول الكمية التي لها جودة خاصة بها. وفي الواقع، وكما يشاع أن ماو قال ذات مرة "إن الكمية لها جودة خاصة بها.

من هنا يحاجج فلاسفة الحزب الشيوعي الحاليين بأن الصين تقاتل بطريقة قذرة من المنظور الأميركي، ويتساءلون لماذا لا تفعل ذلك؟

إنها، أي الولايات المتحدة، هي التي تحاول الإطاحة بالنظام القائم. والمتمردون دائماً يقاتلون بطريقة غير عادلة، وبالتالي فإن الصين لا تتورع عن التلاعب بتعريف السفينة الحربية. ومن الأشياء التي تحب الصين القيام بها في الداخل، خلق ما يسمى التقنيات "ذات الاستخدام المزدوج"، وهي أنظمة مصممة لاستخدامات مدنية واضحة في زمن السلم، ولكن في زمن الحرب يمكن تحويلها بسهولة إلى أسلحة حرب.

فهل يمكن للولايات المتحدة، في ظل الرئيس المقبل، أن تقف مكتوفة الأيدي في ظل تنامي الردعين النقدي والنووي الصينيين؟

"تصميم القوة"... مبادرة لمواجهة الصين

ويضحى من السذاجة الاعتقاد بأن الأميركيين أصحاب رؤية "القرن الأميركية"، و"استراتيجية الاستدارة نحو آسيا"، ليست لديهم مخططاتهم العسكرية لمواجهة تنامي القوة الصينية، لا سيما في منطقة الإندوباسيفيك بنوع خاص.

في أوائل سبتمبر (أيلول) الجاري، أكد الجنرال إريك سميث القائد الجديد لسلاح مشاة البحرية الأميركية التزامه بمبادرة "تصميم القوة"، التي أطلقها سلفه الجنرال ديفيد بيرغر، في الأصل. وتركز هذه الاستراتيجية على تكييف سلاح مشاة البحرية لخوض حرب الجزر في غرب المحيط الهادئ، بخاصة في مواجهة طموحات الصين.

ويعتقد الجنرال سميث أن مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية تعني مواجهة الصين، وهذا يعني إعادة قوات المشاة البحرية إلى ماضيها كجزء لا يتجزأ من عمليات أسطول البحرية الأميركية.

وفي المخطط الجديد للبحرية الأميركية، سوف تعمل قوات مشاتها جنباً إلى جنب مع الأسطول، والقوات المشتركة الأخوية لمنع المعتدي، بحسب المنطوق الأميركي، من الوصول إلى أراضي الحلفاء والبحار والسماء المجاورة لها.

وعلى غرار الاستراتيجية الأميركية لمنع الوصول، والتي تم وضعها على أول سلسلة جزر في آسيا، فإن هذه الاستراتيجية من شأنها أن تغلق المضايق التي تمر عبرها السفن والطائرات من بحر الصين إلى غرب المحيط الهادئ والعودة، وسوف تحتفظ القوات المشتركة والقوات المتحالفة بسيادة الأراضي في حين تحوّل سلسلة الجزر إلى حاجز أمام الحركة البحرية الصينية.

ولفرض هذا الحاجز، سوف تنطلق مجموعات من القوات المسلحة بالصواريخ المتمركزة على الجزر ضدّ وحدات البحرية والقوات الجوية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، ناهيك عن الأسطول التجاري الصيني، في حين تقوم، أيضاً، بالاستكشاف نيابة عن القوات البحرية الصديقة. ومن شأن العمل الساحلي أن يحوّل البحر والمجال الجوي القريبين إلى أرض للقتال، تماماً كما تقترب المياه التي تتدفق على ساحل أوكرانيا من منطقة محظورة على الأسطول الروسي في البحر الأسود هذه الأيام.

هل يعني هذا المخطط أن العسكرية الأميركية تستعد، بالفعل، لمواجهة دامية مع الصين في وقت قريب؟

لعل الذين يتذكرون حديث الغواصات الأميركية النووية "فيرجينيا"، والتي ستزوّد بها واشنطن سيدني، يعرفون كيف أن الصينيين لم يتورعوا عن التهديد المباشر بقصف تلك الغواصات التي تهدد الحواضن الصينية في الحال والاستقبال.

من هذا المنطلق يبدو أن نشر قوات مشاة البحرية الأميركية على طول سلسلة الجزر من شأنه أن يحجب قدرة الصين على الوصول إلى المحيط الهادئ الأوسع، ما يجلب الضرر العسكري والاقتصادي والدبلوماسي، ولا يمكن لشي جينبينغ، كما يرى "البنتاغون"، وشركائه، لا سيما كوريا الشمالية، وربما روسيا، أن يتجاهلوا احتمال أن تؤدي أفعالهم إلى ردّ فعل من جانب الولايات المتحدة وحلفائها بغلق الطريق أمام مصير الصين البحري. بعبارة أخرى، تشكل حرب الجزر رادعاً قوياً للعدوان، وهو ما يفسّر سبب انتشار "التكامل البحري" في الخدمات البحرية الأميركية خلال السنوات الخمس الماضية، أو نحو ذلك، والحديث هنا للبروفيسور جيمس هولمز رئيس قسم الاستراتيجية البحرية في كلية "الحرب البحرية"، وزميل متميز في مركز "بروت كرولاك" للابتكار والحرب المستقبلية بجامعة "مشاة البحرية".

ولعل الجزئية التي تبرز اليوم في الداخل الأميركي وبقوة، هي أن مواجهة التحدي الصيني تتطلب من مشاة البحرية إعادة التوازن في ترسانتهم، فضلاً عن صياغة مفاهيم جديدة للعمليات، ويستند منطقهم إلى أنه في وقت الموازنات الراكدة، فإن إعادة ترتيب مزيج القوة يعني التخلص من الأسلحة اللطيفة لمصلحة الأسلحة الضرورية.

هل يعني ذلك أن الحرب حتمية في عهد الرئيس الأميركي المقبل؟ أم أن سيد البيت الأبيض ربما عليه أن يستمع إلى دعوات مغايرة في هذا السياق؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا للحرب مع روسيا والصين معاً

مع الأيام الأولى للرئيس الأميركي الجديد في البيت الأبيض، بعد الـ 21 من يناير (كانون الثاني) 2025، سوف يجد على مكتبه تقارير استخبارية مزعجة، تلقى بعضها بالفعل في شكل "إجازات استخبارية"، خلال فترة الانتخابات، بحسب البروتوكول المعمول به في أزمنة انتخابات الرئاسة.

في المقدمة، يبدو الملف المفتوح والأكثر خطورة، ملف المواجهات الروسية- الأوكرانية، لا سيما وأن حديث الصواريخ التي يتطلع إليها فولوديمير زيلينسكي، "أتاكمز" الأميركية، و"ستورم شادو" البريطانية، و"سكالب" الفرنسية، كفيلة بأن تشعل حرباً عالمية نووية، عند درجة معينة من سخونة الرؤوس الروسية، وهو ما ألمح إليه ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، حين أشار إلى مقدرة موسكو على تحويل "كييف إلى كتلة من اللهب".

هنا يبقى التساؤل المثير "هل يمكن للرئيس الأميركي المقبل أن يفتح جبهة صراع مع الصينيين، في الوقت الذي تظل فيه الساحة الروسية مشتعلة في الحال وكارثية في الاستقبال؟

الجواب عند ماكسيمليان هيس الزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية ومستشار المخاطر السياسية ومقره لندن. ويرى هيس من خلال متابعته لحملتي ترمب وهاريس، أنهما يقدمان رؤى تكتيكية مختلفة للاستراتيجية نفسها، أي حماية المصالح الاقتصادية الأميركية من خلال الدفع والانسحاب من الصين. ولكن كل منهما فشل في النظر في حقيقة مفادها بأن روسيا الأكثر عدوانية تشكل، أيضاً، تهديداً للنظام الاقتصادي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وأن مواجهة بكين وموسكو، في الوقت نفسه، سيكون حماقة كبيرة.

ما الذي يتوجب فعله إذاً بحسب هيس؟

يتعيّن على الولايات المتحدة أن تدرك أن الصين أكثر أهمية، من الناحية الاقتصادية، بالنسبة للدول التي وقعت في فخ هذه المنافسة العالمية، بما في ذلك الحلفاء، وينطبق هذا على جورجيا وكازاخستان، وهما دولتان لم تتبنيا نظام العقوبات الغربية ضدّ روسيا، ولكنهما أيدتا بعض الالتزام به، كما ينطبق على ألمانيا والإمارات العربية المتحدة، حيث تشكل الصين شريكة تجارية مهمة، تقريباً، مثل الولايات المتحدة. ونقطة مهمة أخرى يطرحها هيس، توجب على الرئيس الأميركي المقبل أن يجد طريقاً للتعايش، بل، والتعاون مع الصين، وهي أن "الممر الأوسط للتجارة الأوراسية الذي سعى الغرب إلى تعزيزه لردع نفوذ روسيا في المنطقة لا معنى له من دون موافقة بكين، وعلاوة على ذلك، فإن الضغط بقوة ضدّ الصين يخاطر بردود فعل عنيفة من شأنها، في أفضل الأحوال، تقويض أو حتى عكس بعض التقدم الذي تم إحرازه في كبح جماح الأجندة الجيواقتصادية الروسية.

والخلاصة في هذه الجزئية أنه إذا قرر الرئيس الأميركي المقبل، شنّ حرب اقتصادية على جبهتين ضدّ روسيا والصين، فإن هذا من شأنه أن يدفع بكين إلى الاقتراب من موقف موسكو. وفي الوقت الحاضر، يرى الرئيس الصيني أن بلاده هي المركز الشرعي للنظام الاقتصادي الدولي الناشئ، الأمر الذي من شأنه أن يحل محل الولايات المتحدة، وعلى النقيض من ذلك، يعتقد بوتين أن النظام الاقتصادي الدولي المقبل ينبغي تدميره حتى ولو لم يبقَ منه سوى الأنقاض بمجرد زواله.

هل يوصي هيس الرئيس المقبل بشيء ما بعينه؟

يرى أنه من المنطقي أن يسعى الزعيم الأميركي المقبل، إلى زيادة التعاون مع الصين الآن، أو على الأقل يحاول أن يضيّق هامش دعمه الصين قدر الإمكان. فهل من آراء أخرى تتسق ورؤية هيس؟

الرئيس المقبل والتراجع عن المواجهة

على الرئيس الأميركي المقبل أن يتراجع عن فتح محاور صراع استراتيجية مع الصين، هذا ما أوصت به البروفيسورة جيسيكا تشين فايس أستاذة الدراسات الصينية في كلية "جونز هوبكنز" للدراسات الدولية في نيويورك عبر العدد الأخير من مجلة "فورين أفيرز" الأميركية ذائعة الصيت.

وفي وصيتها هذه، أنه يتعيّن على صناع السياسات في الولايات المتحدة أن يسعوا إلى إيجاد أساس أكثر ديمومة للتعايش، وإيجاد توازن دقيق لضمان عدم تقويض الجهود الرامية إلى معالجة التهديدات الحقيقية من جانب الصين للقيم والمصالح ذاتها التي يهدفون إلى حمايتها. وتقطع فايس بأنه لا يمكن تحقيق الردع، بخاصة في مضيق تايوان، إلا بدعم من الدبلوماسية القوية التي تجمع بين التهديدات الموثوقة والضمانات الأكثر موثوقية. ويتطلب الردع والازدهار درجة معينة من التكامل الاقتصادي والترابط التكنولوجي، وإذا بالغ صناع السياسات في المنافسة مع بكين، فإنهم يخاطرون بأكثر من مجرد زيادة احتمالات الحرب وتعريض الجهود الرامية إلى معالجة التحديات العابرة للحدود الوطنية العديدة التي تهدد كلاً من الولايات المتحدة والصين للخطر، كما يخاطرون بوضع الولايات المتحدة على مسار قد يصبح نصراً باهظ الثمن، إذ تقوّض البلاد مصالحها وقيمها طويلة الأجل باسم إحباط منافسيها.

هل من خلاصة؟

من المؤكد أن الرغبة في إحباط الصين تطغى على الجهود المبذولة للعمل نحو تحقيق الأهداف المشتركة وتعزيز المصالح الأميركية. وهنا يبدو الاستعداد لأسوأ السيناريوهات يسود في كلا البلدين، وتهيمن خطوات بكين وواشنطن للحد من تعرضهما للإكراه والتخريب على الحوار العام والسياسي، ما يقلّص المساحة المتاحة للجهود الرامية إلى النظر في حدود المنافسة التي يمكن أن تدعم التعايش الأكثر استقراراً وإنتاجية، وأي تعايش سيكون غير مستقر، ولا يُبنى في المقام الأول على الثقة، ولكن على التهديدات والضمانات الموثوقة، الردع المقترن بالخطوات نحو تسوية موقتة يُمكّن كلاً من البلدين والشعبين أن يعيشا فيها ويزدهرا فيها.

أي طريق سوف يمضي فيه الرئيس الأميركي المقبل: المواجهة أم الاحتواء؟

المزيد من تقارير