Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تواصل الاشتباكات بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" وسط الخرطوم

السكان يستقبلون عبور الجيش إلى العاصمة بمزيج من الفرح والقلق والخوف

تصاعد الدخان خلال غارات جوية في وسط الخرطوم بينما يهاجم الجيش السوداني مواقع تسيطر عليها قوات الدعم السريع في جميع أنحاء العاصمة، 26 سبتمبر 2024 (أ ف ب)

ملخص

الجيش السوداني يواصل هجومه الواسع لتحرير قلب الخرطوم بقصف جوي مكثف

تجددت المعارك في مدينة الخرطوم لليوم التالي صباح اليوم الجمعة الـ27 من سبتمبر (أيلول) الجاري على رغم تراجع حدة ووتيرة الاشتباكات بصورة نسبية، إذ شهد وسط المدينة اشتباكات وقصفاً مدفعياً متبادلاً بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" خلال وقت لم يعلن أي من الطرفين رسمياً الموقف الميداني لقواته وسط مدينة الخرطوم.

وبث جنود من الجيش فيديوهات لدخولهم منطقة المقرن، ونشر جنود من قوات "الدعم السريع" صوراً أخرى مناوئة من منطقة داخل (مول الواحة) وسط الخرطوم يؤكدون فيها استمرار وجودهم بالمنطقة.

وقبل أن تنجلي سحب الدخان التي خلفتها المواجهات الشرسة فجر أمس الخميس عن سماء مدن العاصمة الثلاث، أفاق مواطنو الخرطوم من العالقين هناك منذ الصباح الباكر على دوي الأسلحة الرشاشة وأصوات الانفجارات المتقطعة التي استمرت لأكثر من ساعتين، مع تصاعد سحب وأعمدة الدخان في محور وسط المدينة ومصفاة الجيلي للنفط ومحيط سلاح المدرعات التابع للجيش بمنطقة الشجرة العسكرية.

وكان الجيش قد بدأ أمس هجوماً واسعاً من عدة محاور بالعاصمة السودانية وتمكن من إكمال سيطرته على أهم ثلاثة جسور تربط بين مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري)، وانطلق الهجوم في وقت كان السودانيون يتأهبون لسماع خطاب الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

أهم الجسور

وشكل هجوم أمس الواسع المنطلق من مدن العاصمة الثلاث الذي تمكنت فيه قوات الجيش من عبور أهم ثلاثة جسور في العاصمة نحو قلب مدينة الخرطوم التي ظلت تهمين عليها قوات "الدعم السريع" منذ اندلاع شرارة الحرب الأولى، تعزيراً لعملية انفتاحها متعدد المحاور بما يمكنها من تطويق قوات "الدعم السريع" المنتشرة وسط مدينة الخرطوم، التي تضم أهم مؤسسات الدولة الحيوية بما فيها القصر الجمهوري ومقار الوزارات ورئاسات البنوك.

واستقبلت تجمعات من سكان العاصمة أنباء عبور الجيش إلى مدينة الخرطوم من جهتي أم درمان والخرطوم بحري بمزيج من الفرح والقلق والخوف، واشتعلت مواقع التواصل بالصور والفيديوهات التي بثها جنود الجيش من مناطق العمليات العسكرية من داخل بعض المواقع وسط وجنوب الخرطوم وأجزاء من بحرى، يؤكدون تحريرها من قبضة "الدعم السريع" بعد أن ظلت تحت سيطرتها لأكثر من عام ونصف العام منذ بدء الحرب.

تزامناً مع معارك اليوم بالخرطوم تابع الطيران الحربي استهدافه لمواقع قوات "الدعم السريع" في كل من مصفاة الجيلي شمال الخرطوم بحري ومنطقة صالحة جنوب غربي أم درمان، إلى جانب مطارات مدن الجنينة والضعين في غرب وشرق دارفور.

تطوير الهجوم

وكشفت مصادر ميدانية أن الجيش خاض أعنف المعارك وأشدها ضراوة بعد عبوره نحو الخرطوم وتمكن بالفعل من إجبار قوات "الدعم السريع" على التراجع من منطقة المقرن الاستراتيجية المنفتحة على أهم جسرين يربطان مدينة أم درمان بالخرطوم نحو وسط الخرطوم.

أوضحت المصادر أن الجيش يعمل على تطوير هجومه خلال الأيام المقبلة بهدف استعادة قلب الخرطوم الحيوي وكسب مساحات أخرى لتوسيع سيطرته على العاصمة عبر بسط سيطرته على محوري الخرطوم بحري وجنوب وغرب أم درمان التي كان قد خسرها بداية الحرب، مشيرة إلى أن التقدم في الخرطوم يجيء تزامناً مع تقدم قوات منطقة الكدرو العسكرية وسط اشتباكات عنيفة مع قوات العدو وتمكنها منها والتقدم نحو سط مدينة بحري والوصول إلى أكبر شوارع الخرطوم بحري (شارع المعونة) وعبورها كوبري الحلفايا لتلتقي مع الجيش القادم عبر كوبري أم درمان.

وأشارت المصادر نفسها إلى أن قوات الجيش تقدمت غرباً حتى مشارف كوبري المك نمر، ومن ثم توجهت نحو القيادة العامة وتابعت شرقاً حتى نادي الشرطة بمنطقة بري شرق مطار الخرطوم، وسط اشتباكات ومقاومة عنيفة مع جانب قوات "الدعم السريع".

محاور الولايات

على صعيد المعارك خارج العاصمة قالت المصادر إن الجيش تابع عملياته الحربية في محور الفاو بولاية القضارف شرق السودان، حيث تحركت قوات مشتركة من منطقة الحواتة إلى منطقة الدندر والحصيرة، وتمكنت قوات العمل الخاص من تدمير ارتكازات لقوات "الدعم السريع" في عدد من قرى المنطقة.

في هذا الوقت لا يزال محور جبل موية وسنار نشطاً من خلال عمليات القصف الجوي المتتابعة إلى جانب بعض الاشتباكات في اتجاه مدينة الهدى ومحيط مدينة المناقل.

وتابعت قوات "الدعم السريع" قصفها المدفعي المتواصل على مدينة الفاشر، وذكر شهود عيان أنها قصفت ليومين متتالين سوق المواشي داخل المدينة مما أدى إلى مقتل 18 شخصاً وجرح العشرات.

في وقت تمكن فيه الجيش من تنفيذ عملية إسقاط جوي ناجحة لإمدادات قواته العسكرية هناك إلى جانب وصول تعزيزات بشرية كبيرة من الجيش والقوات المشتركة بغرض تأمين المدينة المحاصرة منذ أشهر عدة، من أي هجوم جديد متوقع من قبل قوات "الدعم السريع".

تقدم وإصرار

وفي السياق، اعتبر الباحث الأمني والعسكري ضو البيت دسوقي أن النجاح الأكبر الذي حققه هجوم الجيش الواسع أمس كان في ناحية كوبري الحلفايا الرابط بين شمال أم درمان والخرطوم بحري، إلى جانب النجاح في العبور من أم درمان إلى الخرطوم عبر جسري السلاح الطبي والفتيحاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح دسوقي أن بطء قوات الجيش التي عبرت من أم درمان إلى الخرطوم في التقدم مباشرة وسرعة الوصول إلى وسط الخرطوم كان بسبب المقاومة والمعارك العنيفة التي واجهتها عند منطقة قاعة الصداقة وقبالة جسر جزيرة توتي، في وقت لم تكن فيه تلك القوات تتمتع بالتحصينات اللازمة.

إمداد وقناصة

وأشار الباحث إلى أن مجموعات الإمداد التي وصلت إلى "الدعم السريع" من غرب أم درمان ومنطقة الصالحة إلى جانب الانتشار المكثف لقناصة "الدعم السريع" على البنايات العالية في المنطقة، أسهمت في وقف تقدم الجيش المباشر نحو السوق العربي والقصر الجمهوري حيث كان يفترض أن تلتحم مع القوات القادمة عبر جسر المك نمر والقيادة العامة شرق الخرطوم.

ولفت الدسوقي إلى أن المعارك التي تجددت فجر اليوم الجمعة تؤكد إصرار الجيش على التقدم صوب قلب الخرطوم من ارتكازاتها الجديدة بعد سيطرتها على منطقة المقرن وحدائق ستة أبريل وكل من فندق الهيلتون ومسجد الشهيد وبرج الساحل والصحراء.

وتوقع الباحث العسكري أن تتابع ارتدادات هجوم أمس الواسع وتستمر كعملية عسكرية لأسابيع عدة تالية لاستكمال أهدافها على كل محاور القتال، لافتاً إلى أن الانفتاحات متعددة المحاور والاتجاهات التي نفذها الجيش هدفت إلى تقطيع أوصال قوات "الدعم السريع"، وعزلها تجمعاتها عن بعضها بعضاً في سياق مخطط كامل يتوج بتحرير كامل العاصمة.

الحسم العسكري

على صعيد آخر، قال المحلل السياسي بشير أبو مدين إن التصعيد العسكري الأخير من قبل الجيش يحمل مؤشرات واضحة على تمسكه بخيار الحسم العسكري وعدم الذهاب للتفاوض والحوار، على رغم أن الحرب شارفت على إكمال عامها الثاني من دون أن يحقق أي من طرفيها أهدافه المعلنة.

 شدد أبو مدين على أنه لا مفر في نهاية المطاف من الجلوس إلى طاولة التفاوض لإنهاء هذه الحرب المتصاعدة، التي يتأكد كل يوم أنها تتجه نحو تهديد وجود كيان دولة السودان بعد كل ما خلفته من خراب ودمار للبنية التحتية وتشريد وقتل وكراهية.

تابع "لقد أعادت العملية الأخيرة الواسعة الزخم المعنوي لتنامي قدرات الجيش مقابل تناقص وتآكل قدرات الطرف الآخر داخل العاصمة مما يجعل الجيش يتطلع إلى حسمها كمعركة يسعى إلى تسخير كل قدراته وإمكاناته لكسبها، بهدف إنهاء الحرب من حيث بدأت وتوسعت".

معاناة متزايدة

في الأثناء تتواصل معاناة المواطنين في مناطق سيطرة الجيش بمحلية كرري شمال أم درمان بسبب تزايد وتيرة القصف المدفعي بواسطة قوات "الدعم السريع" على الأحياء بالمنطقة التي تجاور قاعدة وادي سيدنا العسكرية.

وتعيش العاصمة السودانية حالاً من القلق والرعب من شدة دوي الانفجارات وتصاعد ندرة وأسعار المواد الغذائية ومخاوف التفشي المتزايد لحميات (الضنك والكوليرا والملاريا والتيفويد) منذ أسابيع مضت في ظل شح الأدوية والمستشفيات والمراكز الصحية.

 وأعلنت وزارة الصحة عن تسجيل 268 إصابة جديدة بوباء الكوليرا في ست ولايات منها أربع حالات وفاة، بينما بلغ إجمال حالات للإصابة 15577، منها 506 حالة وفاة في 10 من مجمل ولايات البلاد الـ18.

وقررت اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم برئاسة والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة رفع درجة الاستعداد تحسباً لوباء الكوليرا والأمراض الأخرى التي انتشرت بعدد من الولايات.

 ووجهت اللجنة وزارة الصحة بتجهيز مراكز العزل والأدوية والكوادر الطبية علماً أن ولاية الخرطوم خالية حتى الآن من مرض الكوليرا والحالات التي وصلت من الولايات الأخرى عولجت وغادرت المستشفيات.

استمرار الحرب

وعلى رغم تصدر حرب السودان المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي والكارثة الإنسانية التي خلفتها لجدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة منتصف هذا الأسبوع، فإن خطابي كل من قائد الجيش وقوات "الدعم السريع" في هذه المناسبة لم تؤكد التزاماً قاطعاً من أي منهما بالجلوس إلى التفاوض من أجل إيقاف الحرب.

وبحسب منظمة الصحة العالمية بلغ عدد قتلى حرب السودان حتى الآن نحو (20) ألف شخص فيما قال المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو إن عدد القتلى ربما وصل إلى 150 ألف شخص، وحذرت تقارير أممية من خطر تفشي المجاعة على نطاق واسع في السودان بصورة غير مسبوقة عالمياً.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات