Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من لبنان إلى سوريا... رحلة البحث عن النجاة

بين استغلال مقيت واستقبال بحفاوة: لبنانيون يروون لـ"اندبندنت عربية" قصص وصولهم

مع بدء حركة النزوح بدأ السماسرة ومعهم أصحاب البيوت يحاولون تأجير لبنانيين عوضاً عن السوريين (اندبندنت عربية)

ملخص

طوابير النازحين تسد الحدود بين سوريا ولبنان والجهات الرسمية تتحرك، وعلاقات عشائرية وأسرية ومناطقية تربط الوافدين اللبنانيين بكثير من سوريي الداخل.

على وقع تصاعد وتيرة العنف والقصف الإسرائيلي المتواصل على لبنان شهدت الحدود السورية – اللبنانية حركة نزوح كثيف، إذ أفادت وحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية أنه حتى الخميس الـ26 من سبتمبر (أيلول) الجاري، سجل الأمن العام اللبناني عبور 15600 مواطن سوري و16130 مواطناً لبنانياً إلى الأراضي السورية عبر المعابر الشرعية المختلفة في دمشق وحمص وبنسبة أقل في طرطوس.
وتواصلت "اندبندنت عربية" مع الجهات المعنية بالمتابعة ضمن مكاتب الجاهزية السورية، وطابقت الأرقام التي بدت متشابهة إلى حد كبير مع الأرقام التي قدمها الجانب اللبناني.

تحضيرات متسارعة

في الوقت ذاته، شرعت السلطات التنفيذية التابعة للنظام السوري بتحضير مراكز إيواء رئيسة في مدن عدة وتوفير خدمات الماء والكهرباء والمرافق الصحية والأغطية والأسرة ومعدات المطبخ وبقية المستلزمات، ضمن خطة الاستجابة السريعة التي وضعتها حكومة النظام الجديدة التي تشكلت قبل أيام. وفي اجتماع الحكومة الأول مع رئيس النظام بشار الأسد قبل بضعة أيام، استهل حديثه قائلاً إنه "مع الساعات الأولى لعملكم يجب أن يكون العنوان الأساس الآن في هذه الساعات وفي تلك الأيام قبل كل العناوين الأخرى، كيف يمكن أن نقف مع أشقائنا في لبنان بكل المجالات وبكل القطاعات من دون استثناء ومن دون تردد".

إجراءات إضافية

على الفور بادرت الهيئة العامة الناظمة للاتصالات بإبلاغ موافقتها لشركات قطاع الخلوي على تسهيل بيع الخطوط الخلوية من طريق الهوية اللبنانية مع سمة الدخول أو من طريق جواز السفر، "إضافة إلى منح باقات إنترنت مجانية لهم. وبينت الهيئة أن شركات الخلوي أرسلت سيارات جوالة على مناطق محددة لتسهيل شراء الخطوط الجديدة لإخوتنا اللبنانيين بكل سرعة ويسر".
وضمن حزمة الإجراءات الفورية أعلن مدير عام الشركة السورية للنقل والسياحة، المهندس فائز منصور، أنه اعتباراً من السبت المقبل لن يكون هناك حجوزات في المنشآت السياحية الرئيسة في طرطوس (بلو باي، الكرنك الشرقي، الكرنك الغربي، روز ماري) لتقتصر مهامها على استقبال الوافدين اللبنانيين، ولعل هذا الإجراء أتى في وقت عانى فيه بعض اللبنانيين استغلالاً واضحاً وصريحاً في مدينة حمص، وهو ما استدعى خرق الصمت من المستوى الحكومي في البلد، من خلال تصريحات أدلى بها وزير السياحة محمد مارتيني.


وقت للعمل والمحاسبة

وتعهد وزير السياحة بمحاسبة فنادق حمص في الوقت المناسب بعدما ألزموا الوافدين بدفع مبالغ وصلت إلى 200 دولار لقاء ليلة في الفندق، علماً أن التسعيرة لغير السوري في أفضل وأرفع فنادق حمص القليلة لا يجب أن تتجاوز حد ما بين 50 و100 دولار.
وبرر الوزير مارتيني قرار تأخير المحاسبة في حاجة الدولة إلى تلك الفنادق التي على قلتها إلا أن اتساعها مهم لاستخدامها من قبل اللبنانيين في هذه الظروف الحرجة، إذ يمكن اعتبارها أماكن إيواء ولكن مدفوعة الأجر، وهو بطبيعة الحال أمر اختياري.

الفنادق ليست خياراً مثالياً

أحمد خليل مواطن لبناني وصل وأسرته إلى سوريا قبل نحو أسبوع، بعد استشعاره الخطر المبكر في بعلبك، فاتجه إلى حمص وتحديداً إلى أحد فنادقها، وهناك فوجئ بالأسعار التي عليه دفعها.
وقال "كثيراً ما كنا نزور سوريا حتى خلال الحرب، صحيح أننا ندخلها مجاناً ونستهلك من خدماتها ونلقى تسهيلات وتستضيفنا فنادقها ولكن ما يحصل الآن هو جشع واستغلال، نعلم أن تسعيرة قضاء ليلة لغير السوري تكون أكبر من قيمتها للسوري، حتى قبل أسابيع أو أشهر كنا ندفع 60 إلى 80 دولاراً حسب الغرفة، أما الآن فأدفع 200 دولار في الليلة، ولا أعتقد أن مكوثي هنا سيطول، سأتجه غالباً لاستئجار شقة سكنية مفروشة كما يفعل من ليس لديه أقرباء هنا".

الأفضلية للبناني

وارتفعت أسعار الفنادق فجأة وبين ليلة وضحاها ارتفعت أسعار إيجار الشقق لتصل بعضها إلى 1000 دولار في حادثة نادرة، إذ كانت ذات الشقق تؤجر بربع هذا المبلغ.
واستطلعت "اندبندنت عربية" أسعار استئجار الشقق، وهي عادة ما تكون كثيرة العرض، فرصدت اختلافاً كبيراً من أسبوع لآخر، ومن يوم لآخر، فبات السماسرة ومعهم أصحاب البيوت يحاولون تأجير لبنانيين عوضاً عن السوريين.
وفي إطار التجربة تم التواصل مع مكتب عقاري في دمشق لسؤاله عن إيجار شقة في حي المزرعة، فأجاب أن الأولوية الآن للوافدين من لبنان بناءً على رغبة أصحاب الشقق.
وبعد محاولة إقناعه وإغرائه بالسعر وافق على أن يكون الإيجار لشهر واحد، وحين أبلغ المكتب العقاري أن العائلة التي ستقطن الشقة هي لبنانية، مباشرة رفع صاحب المكتب لهجته معتبراً أنه تعرض للاحتيال وبأن سعرها في هذه الحالة سيتضاعف.

نصف شهر قبل البحث عن خيارات أخرى

كذلك وجد مهدي الحاج الوافد من جنوب لبنان مع زوجته وطفليه أن أسعار الإيجارات بات مبالغاً بها، وبصعوبة بالغة تمكن من الحصول على إيجار نصف شهر مقابل 500 دولار، ولكن المنزل كما يصفه "أكثر من ممتاز ومدعم بالطاقة الشمسية والمياه المتواصلة". ويضيف "إذا انقضى نصف الشهر هذا ولم ينته العدوان في لبنان فسنكون أمام خيارات صعبة، إما الإيجار بالعشوائيات، أو العودة إلى وطننا إلى الأماكن الأكثر أمناً ولو كانت بعيدة من الجنوب على أن تكون أسعارها معقولة، أو الذهاب إلى مراكز الإيواء، ونعتقد فعلياً أن الدولة السورية جهزت تلك المراكز لتناسب ضيوفاً لا لاجئين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


في مقابل الاستغلال

في مقابل ذلك الاستغلال الذي طاول عائلات كثيرة، ليس على صعيد الإيجارات فحسب، بل ارتفاع أسعار كل شيء، بدءاً بإيجار السيارات إلى المواد الغذائية والتموينية والوقود وخلافه، وهو بطبيعة الحال ما سيدفع ثمنه المواطن السوري الذي سيخسر بالضربة القاضية أمام العملة الصعبة التي جاء بها اللبنانيون مهما بدت قليلة قياساً بسعر ليرة السوريين المنهارة تماماً.
إذاً مقابل تلك العائلات التي تعرضت للاستغلال، ثمة مئات العائلات الأخرى التي حظيت بأفضل استقبال وحفاوة نظراً للارتباطات الجغرافية والعشائرية والمناطقية بين البلدين، فوجد كثير منهم أنفسهم في ضيافة عائلات فتحت بيوتها لهم، أو منحتهم منازل بالمجان، كما حصل في أحياء عدة في حمص، وفي دمشق أيضاً.

على صعيد الإحصاءات

صحيح أن الجانبين اللبناني والسوري قدما ويقدمان إحصاءاتهما لتعداد الداخلين من المعابر الشرعية، إلا أنه من المهم أيضاً إحصاء تعداد أولئك الذين دخلوا سوريا عبر المعابر غير الشرعية التي استحدثت خلال سنوات الحرب.
ويتركز معظم تلك المعابر في منطقة وادي خالد اللبنانية باتجاه تل كلخ في شمال غربي حمص، ومعابر حمص الكثيرة من جهة القصير وامتدادها عبر عشرات القرى المحاذية للشروط الحدودي، التي شهد معظمها معارك أو آثاراً مباشرة للحرب قبل سنوات، وكذلك بعض المعابر باتجاه الزبداني في ريف دمشق.
ذلك العبور صعب مهمة الإحصاء كثيراً، لكنه في الوقت ذاته أمن ملاذاً جيداً لقاصديه في بيوت مفتوحة أصحابها تربطها بالقادمين إليهم كثير من صلات القرابة.

"أشقاء وافدون" لا لاجئون

تصر المستويات العليا في القيادات السياسية والتنفيذية والتشريعية التابعة للنظام السوري وصف القادمين من لبنان بـ"الأشقاء الوافدين"، نازعة عنهم صفة اللجوء أو النزوح أو الاحتياج المقرون بالمهانة، ويمكن تفسير ذلك من خلال طرق عدة وأسباب واستيضاحات تقود إلى نتائج.
إلا أن مصدراً مطلعاً طلب عدم كشف هويته بسبب دقة الوضع، اعتبر أنه قد يكون ملف استقبال النازحين سابقاً لأوانه خصوصاً أن لبنان كدولة حتى اللحظة لم يعلن حالة الحرب.
وفي هذا الإطار يرى الدكتور في الاقتصاد ناصر حرستاني أن "الظروف البنيوية في سوريا أساساً غير مرشحة لاستقبال نازحين بأعداد كبيرة، بسبب شبه انعدام الخدمات ودمار البنية التحتية وعدم التمكن من رفع الجاهزية حتى الدرجة الممتازة".

حجر في مياه راكدة

في خضم كل ذلك يبدو أن ذكر السوريين العائدين من لبنان يأتي ضمن إطار وضع الإحصاءات لا أكثر، فلا أحد بين مصيرهم، أو ما سيحل بهم، أو أين سيقطنون، فيما تركزت كل الجهود على دعم عبور اللبنانيين إلى الأراضي السورية وتحضير مراكز وفنادق واتصالات وخدمات لاستقبالهم. ويرى الدكتور ناصر أن "ذلك قد يكون طبيعياً على اعتبار أن اللبناني سيعامل كما السائح، لذا ستتم الاستفادة من القطع الأجنبي الذي معه في رفد الخزانة، ومن عوائد رسوم إدخال سيارته، وتعامله المباشر مع الأسواق، مما يؤمن في الأقل رمي حجر في المياه الاقتصادية الراكدة، وذلك بخلاف السوري الذي لن تغير عودته شيئاً، سوى أنها ستزيد الواجبات الرسمية تجاهه بوصفه مواطناً أصيلاً، وهي ذات الفكرة التي كانت تعتمد على عدم المغامرة في إعادة سوريي الخارج لئلا يزداد العبء بصورة مضاعفة على القطاع التنفيذي".
كما اختلف السوريون على المستوى الشعبي حول وجوب استقبال اللبنانيين من عدمه، إذ يدور هذه الأيام صراع عنيف على منصات التواصل الاجتماعي بين قطبي المعارضة والتأييد، أي ما بين الخارج والداخل، فمن في الخارج يبرر آراءه بأن هؤلاء الوافدين هم البيئة الحاضنة لواحد من أشد خصومهم السياسيين والعسكريين أي "حزب الله"، بينما يرى فيهم آخرون في الداخل حلفاء وأشقاء.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات