Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ما زالت واشنطن تعتقد بإمكانية احتواء التصعيد في لبنان؟

تتمثل العقبة بنتنياهو لكن مزج ردع إيران بالدبلوماسية نجح في منع توسيع الحرب

صورة نصرالله معلقة على أحد جدارن شقة مدمرة في حيّ الحدث بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ ف ب)

ملخص

مع تردد إيران وضعف أو اضطراب "حزب الله" تجد الإدارة الأميركية سبباً آخر ربما يشجعها على إمكانية قبول مبادرتها خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة، وهو أن الإسرائيليين يعتقدون أن الضربات العسكرية التي وجهت الجمعة قرب العاصمة اللبنانية كانت تهدف إلى كسر "حزب الله" من خلال قتل كبار قادته، وإذا نجحت فإنها ستسمح لإسرائيل بتجنب غزو بري للبنان.

على رغم المخاوف التي عبر عنها كبار المسؤولين الأميركيين بعد استهداف إسرائيل الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله وقادة آخرين في الجماعة، من أن إيران ووكلاءها من الميليشيات يمكن أن ينجروا إلى القتال ويزيدوا من زعزعة استقرار الشرق الأوسط، فإن واشنطن لا تزال تعتقد أن بالإمكان وقف هذه الحرب، فما السبب وراء إصرار الولايات المتحدة على الاستمرار في طرح مبادرتها في ظل الإحباطات المتزايدة من نتنياهو و"حزب الله"؟ وهل تتوقع واشنطن أن تمنح طهران الضوء الأخضر وتتراجع إسرائيل عن غزو لبنان إذا تأكد مقتل نصرالله؟

لحظة خطرة

لم تخف الولايات المتحدة شعورها بالقلق من إمكانية انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة حاولت منعها على مدار عام كامل، كان هذا واضحاً في تحذير وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن الخيارات التي تتخذها البلدان في الأيام المقبلة من شأنها أن تشكل مستقبل المنطقة، وأن الأحداث الأخيرة تؤكد مدى خطورة هذه اللحظة بالنسبة إلى الشرق الأوسط والعالم.
وعلى رغم الضربات الإسرائيلية المستمرة ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك الاستهداف الأخير ضد مقر قيادة "حزب الله" في الضاحية الجنوبية ببيروت، حيث يعتقد أن زعيم الحزب حسن نصرالله كان مجتمعاً فيه إبان الضربة مع كبار قيادات الحزب، لا تزال إدارة بايدن تقول إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" قابل للتحقيق ومرغوب فيه، بل هو هدف مشروع ومهم لإسرائيل بحسب بلينكن لأنه سيخلق من خلال الدبلوماسية مرة أخرى بيئة يمكن للناس فيها العودة إلى ديارهم، وأن وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً، هو أفضل طريقة للقيام بذلك بما يسمح بالتوصل إلى اتفاق يسحب القوات من الحدود ويعطي الناس الثقة في أنهم يستطيعون العودة إلى منازلهم.

هل زالت الإحباطات؟

ربما تؤدي الضربة الإسرائيلية الأخيرة إلى تفاقم التوترات بين بايدن ونتنياهو، بعدما فوجئت الإدارة مرات عدة بجرأة إسرائيل في هجماتها ضد خصومها من دون تنسيق مع الإدارة الأميركية، وسط محادثات وقف إطلاق النار الحساسة، بما في ذلك التفجيرات الأخيرة لأجهزة النداء (البيجر) واللاسلكي التي يستخدمها عناصر الحزب ويتردد أنها قتلت وأصابت مدنيين.
كانت واشنطن تأمل قبل الضربة الإسرائيلية الأخيرة بإحراز تقدم للتوصل إلى اتفاق لوقف القتال بين إسرائيل و"حزب الله"، لكنها أحبطت حين تراجع نتنياهو عن الخطط التي تقودها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً، والتي تم طرحها على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بعدما أيدتها إسرائيل، وهو ما اعتبره مساعدو بايدن أحدث مثال على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول لهم شيئاً على انفراد، ثم ينكر تلك الوعود في العلن.
وانعكس ذلك على بايدن الذي أبلغ المقربين منه والحلفاء أثناء وجوده في نيويورك هذا الأسبوع أنه غاضب من نتنياهو ولا يعتقد أنه يريد التوصل إلى سلام مع "حماس" أو "حزب الله"، وفقاً للمسؤولين الأميركيين، مما زاد من إحباطات بايدن في شأن عدد المرات التي أذل فيها نتنياهو، بلينكن والرئيس الأميركي نفسه.
ويشير مايكل ستيفنز المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد "رويال يونايتد سيرفيسز" إلى أن "إسرائيل لا تريد حلاً موقتاً لوقف إطلاق النار لا يلبي حاجاتها ويعني أنه في غضون عامين ستضطر إلى تكرار الشيء نفسه مرة أخرى".
ويتمثل التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة في أن مصالحها ومصالح إسرائيل ليست متوافقة تماماً في لبنان، فبينما تريد الولايات المتحدة أن ترى الإسرائيليين في شمال إسرائيل يعودون إلى ديارهم، فإنها تريد أيضاً تجنب اندلاع حريق كبير يهدد بالانزلاق إلى حرب أهلية لبنانية أخرى، وهو مصدر قلق مشروع، كما أن الولايات المتحدة لديها حاجة أكثر أهمية لتحرير قواتها البحرية في الشرق الأوسط حتى يمكن إعادة نشرها لردع الأفعال الصينية المتصاعدة بسرعة ضد الفيليبين في بحر الصين الجنوبي.


تجديد الردع

غير أن الواقع الجديد المتمثل في إمكانية إزاحة حسن نصرالله، تتعامل معه الإدارة الأميركية بحذر، فبينما راقبت واشنطن ردود فعل "حزب الله" وإيران، والتي ربما تشير إلى ما إذا كان الشرق الأوسط يتجه نحو النتيجة التي حاولت منعها لمدة عام وهي حرب إقليمية شاملة، وجه بايدن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لتقييم وتعديل وضع القوات الأميركية في المنطقة حسب الضرورة، مما يعني أن الولايات المتحدة مستعدة للدفع بمزيد من قواتها إلى الشرق الأوسط مرة أخرى لردع إيران عن الانخراط بصورة مباشرة ضد إسرائيل، وهو ما يتماشى مع حث مسؤولين إسرائيليين الحكومة الأميركية على الوقوف بحزم إلى جانب إسرائيل من أجل تقديم جبهة موحدة للردع.
وما قد يشجع إدارة بايدن على تكرار نهجها التحذيري السابق تجاه إيران، هو أن طهران ظلت مكتوفة الأيدي إلى حد كبير في حين كانت إسرائيل تعمل على القضاء على نواة قيادات "حزب الله" في الأسابيع الأخيرة، والسبب الأكثر ترجيحاً وراء حذر إيران هو خوفها من اتخاذ إجراءات قد تؤدي إلى رد عسكري أميركي، مما من شأنه أن يقوض قاعدة قوتها المحلية الهشة، بالتالي إمكانية توجيه ضربات إسرائيلية إلى برنامجها النووي.

تحول درامي

ومع ذلك فإن القضاء على نصرالله (إذا تأكد بالفعل) من شأنه أن يمثل تحولاً درامياً في ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، لأن مقتله من شأنه أن يقوض المشروع الشيعي الإيراني وطريقة استعراضه للقوة، وربما ينظر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى هذا باعتباره تحدياً مباشراً لقدرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على البقاء.
ومن المرجح أن يخشى خامنئي أن يؤدي السماح لإسرائيل بالقضاء على نصرالله دون عقاب، إلى دعوتها إلى العمل المباشر ضد المصالح الأساس لنظامه مثل البرنامج النووي، ومقر "الحرس الثوري"، وربما حتى مقر خامنئي نفسه، ولهذا قد يقرر المرشح أن خطر العمل ضد إسرائيل أصبح الآن يفوق خطر التقاعس عن العمل.

مشكلة إيران

لكن هذه لا تعدو عن كونها مخاوف، فبينما تقوم إيران بتقييم كيفية الرد على إسرائيل، فإنها تواجه مشكلة مألوفة، وهي كيف يمكن إرساء الردع ضد إسرائيل من دون تشجيع الحرب الشاملة، بخاصة أن طهران امتنعت حتى الآن عن السماح لإسرائيل بجرها إلى حرب مفتوحة، ومن المرجح أن يستمر هذا الموقف.
ووفقاً لمدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن، علي فايز، "يبدو أن موقف إيران هو أنه إذا أرادت إسرائيل الحرب، فستنالها في وقت تختاره إيران، كما أن هناك سبباً آخر وهو أن قطع إسرائيل رؤوس حلفاء إيران الإقليميين في الماضي، لم يؤد إلى القضاء على التهديد، بل غذى التطرف، ومكن طهران من تجنيد مزيد من العناصر".
ويعكس الغضب الإيراني قدراً أقل مما كان متوقعاً، فعلى رغم دعوة خامنئي إلى اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي مساء الجمعة للنظر في التقارير التي تفيد بأن نصرالله كان هدفاً للضربة الإسرائيلية، ظلت تصريحات المسؤولين الإيرانيين مثل إبراهيم عزيزي، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، تركز في استخدام "محور المقاومة"، وهي الميليشيات الإقليمية المدعومة من إيران، بصورة أفضل من أي وقت مضى، مما يشير إلى أن إيران ستبقى على الأرجح خارج نطاق أي مواجهة عسكرية قادمة مع إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


احتواء التصعيد

والسؤال الكبير الذي تحاول الإدارة الأميركية إجابته، هو ما إذا كان "حزب الله" لن يطلق صواريخه المتقدمة الدقيقة على إسرائيل، أو ما إذا كان لا يستطيع أن يفعل ذلك بسبب تآكل قدراته إلى حد كبير، أم أن إيران التي تمول الحزب، تمنعه من إطلاق صواريخها الأكثر تطوراً، والتي تعدها مخزوناً استراتيجياً مخصصاً فقط للاستخدام في حالة شنت إسرائيل ضربات على منشآتها النووية.
في الوقت ذاته يقول المقربون من "حزب الله" إن الحزب اختار عدم التصعيد لأن قادته يعتقدون أن هذا هو ما تريده إسرائيل عبر استفزاز إيران والحزب ودفعهما إلى التصعيد بما يسمح لها بطلب التدخل الأميركي، بينما لا يرغب "حزب الله" أو إيران في ابتلاع الطعم أو الوقوع في هذا الفخ.

ومع ذلك يروج البعض للحجج القائلة إن "حزب الله" لم يعد قادراً على التصعيد حتى لو رغب في ذلك، لأنه بصرف النظر عن الاغتيالات التي طاولت كبار قادة الحزب، فإن الهجمات التي استخدمت فيها أجهزة النداء واللاسلكي أدت إلى مقتل أو تشويه أو إعاقة عديد من كبار القادة المخضرمين والقيادات الوسيطة، لدرجة أن الحزب شهد انخفاضاً كبيراً في قدرته العسكرية على خوض حرب. ووفقاً لبعض المحللين، فقد نحو 1500 مقاتل بصرهم أو أطرافهم في هذه الهجمات، وهذا يعني أن هؤلاء الأشخاص الذين يديرون عديداً من عمليات "حزب الله" الآن هم من الشباب وغير المتمرسين.


ضرر لا يمكن إصلاحه

وتراقب الولايات المتحدة في الوقت الراهن أداء الحزب وتشكيله بعد الضربات الأخيرة، وما إذا كان تضرر بصورة لا يمكن إصلاحها، أم إنه سيكون قادراً على إعادة بناء نفسه، إذ يشير مراقبون إلى أنه، حتى لو أعاد بناء نفسه، فإنه سيكون مجرد ظل لما كان عليه في السابق لأنه لن يكون قادراً على الإصلاح أو التعافي من هذه الخسارة التاريخية.
وعلى رغم أن مقتل سلف نصرالله، عباس الموسوي، بواسطة مروحيات إسرائيلية عام 1992 يشير بوضوح إلى أن قتل زعيم لا يعني بالضرورة شل الحركة التي قادها، فإن نصرالله كان هدفاً رمزياً وكان صوت ووجه "حزب الله"، بينما يعود اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية الكبرى إلى المسؤولين التنفيذيين الذين يتبعون في النهاية إيران وليس نصرالله.

تجنب الغزو البري

ومع تردد إيران وضعف أو اضطراب "حزب الله" تجد الإدارة الأميركية سبباً آخر ربما يشجعها على إمكانية قبول مبادرتها خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة، وهو أن الإسرائيليين يعتقدون أن الضربات العسكرية التي وجهت الجمعة قرب العاصمة اللبنانية كانت تهدف إلى كسر "حزب الله" من خلال قتل كبار قادته، وإذا نجحت فإنها ستسمح لإسرائيل بتجنب غزو بري للبلاد.
ويعود ذلك إلى أن نصرالله شخصية فريدة من نوعها، إذ كان على مدى 32 عاماً من قيادته للحزب مهووساً ببناء المجموعة بمساعدة إيران، بهدف تهديد إسرائيل، ولهذا يمكن أن توجه وفاته ضربة حاسمة للمنظمة السياسية والعسكرية للجماعة في لبنان، وأي خطط أخرى للعنف من قبل إيران. وإضافة إلى ذلك يتحدث المسؤولون العسكريون في إسرائيل عن أن الضربات التي شنت هذا الأسبوع في لبنان، والتي أسفرت عن مقتل مئات الأشخاص، دمرت نحو نصف قدرة "حزب الله" على استخدام الصواريخ والقذائف.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير