خفض الفائدة يحفز صفقات الاستحواذ المصرفية في أوروبا

على مدى العقدين الماضيين، تعرضت البنوك الأوروبية لأزمات متتالية، مما أدى إلى تدخلات حكومية وإعاقة نمو القطاع، لكن في هذا الشهر شهدت البنوك الأوروبية نشاطاً غير عادي في القطاع المالي، بعدما بدأ "يونيكريديت" وهو بنك إيطالي مربح، في شراء حصة تبلغ الآن 21 في المئة في منافسه الألماني المتعثر "كوميرزبانك"، بعدما بدأت برلين في بيع أسهمها في البنك، في خطوة جريئة أذهلت المستثمرين والمسؤولين الألمان، وضغطت على "كوميرزبانك" للنظر في إمكانية اندماج محتمل بين البنكين. وبدأت المحادثات الجمعة الماضي، لكن السياسات في ألمانيا وبروكسل تؤثر في احتمالات أي صفقة.

من جانبه أعلن "يونيكريديت" عن رغبته في الاستحواذ على مزيد من أسهم "كوميرزبانك"، مما زاد من التكهنات بأن أوروبا قد تشهد أول صفقة عبر الحدود منذ تقسيم ثلاثة بنوك للبنك الهولندي المتعثر "أي بي أن أمرو" في عام 2007، وهي صفقة وصفت بـ"الفاشلة".

الاندماج بين البنكين

ويحتفل المستثمرون باحتمال الاستحواذ، إذ ارتفعت أسهم "كوميرزبانك" بنحو 30 في المئة خلال الأسبوعين الماضيين، وتصل الآن إلى أعلى مستوى لها منذ 13 عاماً، وسط التفاؤل بربط البنك الألماني بشريك أكبر. وكتب المحلل في "سيتي بنك"، بورخا راميريز سيغورا، في مذكرة للعملاء الخميس الماضي، "على المدى الطويل، نعتقد أن الاندماج بين البنكين هو النتيجة الأكثر احتمالاً".

من جانبها، قالت مديرة صندوق في "يونيون إنفستمنت"، ألكسندرا أنيكي، التي تملك حصة بنسبة 1.5 في المئة في "كوميرزبانك"، إن "التعاون مع يونيكريديت - بأي صورة - لا يجب أن يكون على حساب كوميرزبانك".

لكن السياسيين الألمان وقادة النقابات يقفون في طريق هذه الخطوة، إذ قال المستشار الألماني، أولاف شولتز، هذا الأسبوع خلال زيارته لنيويورك، "الهجمات غير الودية والاستحواذات العدائية ليست بالأمر الجيد للبنوك، ولهذا اتخذت الحكومة الألمانية موقفاً واضحاً في هذا الاتجاه".

من جانبه، خفف الرئيس التنفيذي لـ"يونيكريديت" وصانع الصفقات البارز، أندريا أورسيل، من الحديث عن السعي لعرض عدائي، قائلاً هذا الأسبوع إن شركته لا تسعى إلى الحصول على مقعد في مجلس إدارة "كوميرزبانك".

الصفقات العابرة ومدى تحمل الاتحاد الأوروبي

قد تختبر الصفقة مدى تحمل الاتحاد الأوروبي لمثل هذه الصفقات العابرة للحدود، وقال أورسيل إنه يرى أن الاندماج الدولي هو أفضل طريقة لبناء بنك أوروبي ضخم يمكنه منافسة أمثال "جي بي مورغان تشيس".

في الوقت نفسه، يقول رئيس المؤسسات المالية في وكالة "سكوب ريتينغز"، ماركو تروجيانو، لصحيفة "نيويورك تايمز"، أن انخفاض أسعار الفائدة قد يؤدي إلى مزيد من الصفقات، مشيراً إلى أن الارتفاع في معدلات الفائدة في السنوات الأخيرة عزز أرباح "يونيكريديت"، مما أعطى أورسيل قوة مالية لدعم الاندماجات والاستحواذات.

من جانبه أشار رئيس الوزراء الإيطالي السابق، ريكو ليتا، الذي كتب تقريراً مؤثراً حول مستقبل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، إلى أن السوق وليست الحكومات هي من يجب أن تقرر مصير المحادثات بين البنوك.

من جهة أخرى، يمكن لانخفاض أسعار الفائدة أن يحفز مزيداً من صفقات الاستحواذ، إذ كانت أسعار الفائدة المرتفعة في السنوات الأخيرة تعزز أرباح "يونيكريديت"، مما وفر للمدير التنفيذي أندريا أورسيل القوة المالية لتمويل عمليات الدمج والاستحواذ، بحسب ما أشار رئيس المؤسسات المالية في وكالة التصنيف "سكوب ريتينغز"، ماركو ترويان.

ومع اتجاه الفائدة نحو الانخفاض، قد تجد البنوك الأخرى نفسها أكثر ميلاً لاستكشاف فرص الاستحواذ، إذ إن البيئة الجديدة تجعل عمليات التوحيد المالي أكثر جاذبية وواقعية.