Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانقسام السياسي في لبنان ينعكس على أزمة النزوح الكبرى

قالت الحكومة اللبنانية إن عدد الذين غادروا منازلهم في الحرب الحالية فاق المليون شخص

على رغم الحال الصعبة التي يعيشها اللبنانيون جراء النزوح الجماعي، فإن الوضع أثار آراء مختلفة وانقسامات بين اللبنانيين (فدى مكداشي - اندبندنت عربية)

ملخص

مئات العائلات اللبنانية وجدت نفسها تفترش الكورنيش والساحات هرباً من الغارات الإسرائيلية، في وقت يشتد فيه الانقسام الداخلي حول استقبال النازحين، بينما يعتبر البعض أن التضامن الإنساني هو الواجب في هذه الظروف، يعبر آخرون عن مخاوف أمنية، محذرين من إمكانية استغلال النازحين كدروع بشرية أو لتهريب قياديين من "حزب الله".

مليون شخص في لبنان تركوا منازلهم خلال أيام قليلة لا تتعدى الأسبوع، رقم "صادم" وغير مسبوق في تاريخ البلاد الحديث، لم يحدث حتى في خضم الحرب الأهلية اللبنانية.

فعشرات البلدات الجنوبية والبقاعية وكذلك الضاحية الجنوبية لبيروت فرغت من أهلها تماماً، بعدما فرت آلاف العائلات على عجلة هرباً من القصف والموت، وكذلك بعد تهديدات بإخلاء مناطق عدة، أبرزها في العاصمة، وتحديداً المناطق التي تعد معقل "حزب الله".

وعلى رغم الحال الصعبة التي يعيشها اللبنانيون جراء النزوح الجماعي الذي حصل، فإن الوضع الحالي أثار آراء مختلفة وانقسامات بين اللبنانيين، فبينما يرى البعض أن نزوح العائلات إلى بعض المناطق يُشكل تهديداً أمنياً كبيراً وبخاصة أن عناصر وقادة من الحزب قد يكونون بين النازحين، مما يعني أن استهدافهم احتمال قائم بين المدنيين، يعتبر آخرون أن استقبالهم واجب وطني وإنساني في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، هذه الانقسامات تعكس تعقيدات المشهد الداخلي، حيث تتداخل الأبعاد الأمنية والسياسية والطائفية مع المشاعر الإنسانية والتضامن الوطني.

وليس بعيداً من هذه الأجواء، الانقسام الحاد بين اللبنانيين حول مشاركة "حزب الله" في الحرب وتأثير ذلك في البلاد، إذ تلومه مجموعة كبيرة من اللبنانيين، وبخاصة خارج بيئته، على قرار الدخول في هذه الحرب التي تركت تبعات سلبية على لبنان، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، ناهيك عن سقوط آلاف بين قتلى ومصابين، وتعتبر أن لبنان لا يحتمل الدفاع عن أحد وهو بالكاد يستطيع الدفاع عن نفسه.

طرد نازحين من عين الرمانة

وفي سياق متصل، شهدت بعض المناطق اللبنانية سجالات حادة تطورت إلى مشادات كلامية وصولاً إلى طرد النازحين من بعض المناطق التي رفضت إيواءهم. على سبيل المثال، وقعت أحداث داخل منطقة عين الرمانة في ضواحي بيروت، حيث نشب إشكال على خلفية محاولة نازحين، بينهم مسؤول مهم في "حزب الله"، دخول مبنى للإقامة فيه، لكن الأهالي رفضوا استقبالهم ثم تدخل الجيش اللبناني على الفور، وحلّ الإشكال، وتم ترحيل النازحين.

وفي حادثة أخرى، اعترض أهالي منطقة صربا، شمال العاصمة، على إقامة خيمة على الطريق السريع لمساعدة النازحين، مما تسبب بحال غضب لدى أهالي المنطقة واحتقان في الشارع، قبل أن تتم إزالة الخيمة، في ظل انتشار كثيف للجيش اللبناني في المنطقة.

كما شهدت مدينة طرابلس شمال البلاد توتراً حين أقدم عدد من الشبان على توقيف سيارات تابعة للنازحين تحمل صوراً للأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله، وطالبوهم بنزع الصور للسماح لهم بدخول المدينة.

تلك الأحداث عكست حجم الانقسام الداخلي في بعض المناطق في شأن استقبال النازحين، حيث تتفاوت الآراء بين من يعتبرونه تهديداً أمنياً وآخرون يسلمون بأنه واجب وطني لا يحمل أي تأويل أو مساومة.

الأصوات الرافضة للانخراط في الحرب

توجهنا إلى إحدى بلدات قضاء كسروان شمال العاصمة، حيث توجد مدارس رسمية تابعة للدولة تمت خصخصتها لاستقبال النازحين، فوصلنا إلى مدرسة حارة صخر الرسمية، وهناك تمت استضافة ما بين 90 إلى 100 نازح.

يهمس أهالي المنطقة سراً وبعضهم بالعلن أنهم يخشون قبولهم في المنطقة بتردد، إذ يخاف البعض من احتمال تسلل قياديين في الحزب بين النازحين، مما قد يؤدي إلى استهداف المدرسة، وبخاصة مع وجود مدنيين داخلها.

والحالة هنا ليست استثنائية، وتفاقمت أكثر بعد استهداف إسرائيل بلدتي المعيصرة ورأس قسطا في كسروان البعيدة تماماً عن الضاحية والجنوب، وقيل إن عناصر من الحزب وذخائر كانت في موقع الاستهداف، مما أثار قلق الأهالي من أن يستخدم النازحون كدروع بشرية، مما قد يتسبب في أضرار كبيرة.

انقسام عمودي في العالم الافتراضي

هذه التساؤلات والمخاوف والانقسام العمودي حول الوضع الحالي، حضرت بقوة في العالم الافتراضي. تطرح إحدى الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي، راكيل، تساؤلات عن القرارات المصيرية التي يتحكم فيها حزب سياسي واحد وتقول "لبنان لا يريد الحرب، وهذا الشعار اعتمدته لأكثر من 10 أشهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى متى سيستمر التفرد بقرار الدولة؟ هل يحق لجهة سياسية أن تتحكم بقرار مصيري يمثل السلم والحرب؟ أنا ضد انخراط لبنان في هذه الحرب التي لا تعنيه، كان من الأجدى للحزب قبل الانزلاق إلى أتون هذه النيران، أن يؤمن بيئته بالحد الأدنى من مقومات السلامة والأمان".

على الجانب الآخر، يعبر جورج هيكل عن استيائه مما وصفه بـ "طوابير الذل"، ويقول "أين الكرامة بطوابير الذل التي نراها؟ كيف نكون أشرف وأكرم الناس وقد انقطعت بنا السبل، ومكثنا في الشوارع والطرقات لساعات طويلة؟ بقينا على أبواب المدارس والساحات نبحث عن الأمن والأمان، كان الأجدى بالحزب الذي بدأ الحرب أن يعي إلى أية مرحلة سيصل بتهوره وتداعيات حربه على أهله". 

اليأس والمقاومة الصامتة 

لكن وفي مقابل هذا الاعتراض، تقول زينب هادي أنه مهما كانت الظروف صعبة وطالت، فإنهم مستعدون أن يتحملوا، وتقول "منازلنا سنعيد إعمارها، وجنوبنا سنعود إليه، المهم أن ننتصر على إسرائيل التي تريد بعد غزة أن تدخل إلى لبنان وتقضم من أراضينا، إن لم نصمد لن يعود لدينا وطن، لذلك فنحن مستعدون لأن نتحمل كل شيء".

وفيما تؤكد مجموعة كبيرة من مناصري الحزب أنهم يتحملون النزوح وعواقب الحرب القائمة "نصرة" لفلسطين حتى وإن طالت مدة المرحلة الصعبة الحالية، يرى آخرون وهم من الجنوب تحديداً أن ما يحدث فاق قدرتهم على التحمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أحد النازحين الذين فقدوا منازلهم وسقط قتلى من أسرهم، جاد سليم، يعبر عن مشاعر الإحباط والاستياء، ويقول "بقينا ساعات نبحث عن مكان للسكن لقد تدمرت منازلنا وخسرنا أقارب، ونحن لا ناقة لنا ولا جمل في هذا الصراع، كان من الأجدى قبل البدء بالحرب أن يتم بناء ملاجئ لنا لحماية أرواحنا. لكن كلما اعترضنا، اتهمونا بالعمالة والضعف، فسكتنا مرغمين. لدي عدد من الأصدقاء الذين يشعرون بالامتعاض، لكنهم صامتون خوفاً من ألا تشملهم تعويضات إعادة الإعمار".

هذه الأصوات تعكس حال الانقسام العميق بين اللبنانيين، إذ يرى البعض أن الانخراط في الحرب يمثل واجباً وجودياً، في حين أن آخرين يرفضونها تماماً، فيما مجموعة أخرى تعيش الخوف والإحباط، مكتفية بالصمت خشية فقدان المزيد.

تضامن مع النازحين

في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية"، صرح الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، اللواء الركن محمد خير، حول أوضاع النازحين في لبنان قائلاً "نقدر عدد النازحين في مراكز الإيواء بحوالى 80 ألفاً، إضافة إلى أولئك المقيمين في الفنادق والمدارس الخاصة والمنازل، ليصل العدد الإجمالي إلى حوالى 120 ألف نازح". وأوضح اللواء خير أنه جال على نصف مناطق لبنان لتفقد أوضاع مراكز الإيواء، مشيراً إلى أن "الوضع في المراكز جيد بصورة عامة، لكنها تحتاج إلى حوالى 80-85 في المئة من الفرش والحرامات، بينما بقية الحاجات، حوالى 15 في المئة، سيتم استكمالها بحلول الأيام المقبلة".

وأشار اللواء خير إلى أن "هيئة الإغاثة قدمت الفرش والحرامات وبعض المواد الغذائية بمساعدة المجتمع المدني والمنظمات الخيرية"، لكنه أكد أن الدعم الحكومي للهيئة مرتبط بقرار رئيس مجلس الوزراء في هذا الشأن.

عن التحديات التي واجهتها عملية استقبال النازحين، قال اللواء خير "صحيح أن هناك بعض المشكلات في استقبال النازحين، لكنها كانت ضئيلة، على سبيل المثال، المدارس المسيحية في بيروت، مثل مدرسة البطريركية، فتحت أبوابها لاستقبال النازحين".

وبالنسبة إلى عودة النازحين لمنازلهم، أوضح اللواء خير أن "هناك جهوداً دولية متوازية في مجلس الأمن، لكن العودة مرتبطة بالتفاهمات التي يجب أن يتم التوصل إليها، لا أحد يتخلى عن بيته، وهم سيعودون إن شاء الله".

النزوح إلى الساحات والمدارس

مع تصاعد الأزمة وموجات النزوح، توجه عدد من النازحين إلى الساحات والمدارس بحثاً عن الأمان. كبلدية عاليه التي شهدت جهوداً محلية ضخمة لاستقبال النازحين وتأمين حاجاتهم الأساسية. في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية"، أشار رئيس بلدية عاليه، وجدي مراد، إلى أن "البلدية تعمل بجهود مشتركة مع الجمعيات والمجتمع المدني لتوفير الدعم والمساعدات الضرورية".

وأوضح مراد أن "التعاون مع القائمقامية أدى إلى تشكيل لجنة إغاثة تضم مختلف الهيئات المحلية، مشيرًا إلى أن نحو 13 ألف نازح وصلوا إلى المنطقة، مع استمرار وصول المزيد يومياً، وأضاف أن المدارس والمراكز تم فتحها لاستقبال النازحين بالتنسيق مع السلطات المحلية، وأنه على رغم النقص في المستلزمات في البداية، تم تدارك الوضع لاحقاً بتوفير الضروريات".

دعم المجتمع المدني

وعلى رغم الصورة السوداوية التي يفرضها الواقع في لبنان اليوم والأزمة الإنسانية المتفاقمة، فإن المجتمع المدني لعب دوراً حيوياً في تقديم الدعم للنازحين، ففي الشمال، قامت جمعية كشافة الجراح، بالتعاون مع منظمات أخرى، بتوفير المساعدات الضرورية للنازحين.

عضو مجلس مفوضية الجمعية، أحمد حمد، أكد أن "الجمعية تعمل على تأمين كافة المستلزمات، بما في ذلك المياه والطعام، للنازحين في مركز الفندقية في المينا"، ورئيس بلدية طرابلس، رياض يمق، أكد بدوره أن المدينة استقبلت النازحين دون تمييز، وأن هناك خططاً لاستيعاب مزيد من الحالات الطارئة بالتعاون مع الوزارات المعنية".

التساؤلات حول العبء الوطني

على رغم التضامن الكبير الذي أبداه المجتمع اللبناني، تبقى هناك تساؤلات حول قدرة البلاد على تحمل هذا العبء الكبير، الناشط السياسي شادي فياض يرى أن النازحين هم "ضحايا لظروف سياسية لا تمثل لبنان"، مشيراً إلى أن "اللبنانيين استقبلوهم برحابة صدر، لكن الأزمات الاقتصادية المتفاقمة تجعل من الصعب استمرار هذا الوضع"، وبخاصة أن كل المؤشرات تؤكد أن الحرب ستطول ومعها الأزمة.

وتساءل فياض "لماذا يجب على لبنان تحمل كل هذا العبء، وبخاصة في ظل أزماته الاقتصادية؟". وأضاف أن "هناك شعوراً بأن لبنان يتحمل أعباءً لا تخصه، في وقت تتفاوض فيه القوى الإقليمية على حساب الشعب اللبناني. ومع ذلك، أكد فياض أن النازحين مرحب بهم طالما جاؤوا كلبنانيين وليسوا مدفوعين بأجندات سياسية".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات