Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف كشف "إعصار درنة" عن تعاظم خطر التصحر في الشرق الأوسط؟

أسهمت زيادة تآكل التربة بصورة كبيرة في خسائر كارثية للفيضانات الصحراوية

مؤتمرات وأوراق علمية تعيد التحذير من الظاهرة وتدعو إلى تبني أساليب عاجلة للحل (أ ف ب)

ملخص

تترأس السعودية مبادرة مهمة لخفض نسبة الأراضي المتدهورة بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2040 

تمثل اليوم قضية التصحر بوصفها أحد أهم التحديات التي تضع العالم أمام تحدٍ وجودي خطر، في وقت لا تزال الدراسات العلمية المعتبرة والمؤتمرات والندوات الأكاديمية تؤشر إلى تفاقم الظاهرة على نحو واسع، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما يمكن أن يستتبعها من تحولات على صعيد حياة البشر، من تغير بالمناخ وإزالة الغابات وأنشطة الرعي الجائر، إلى جانب الممارسات الزراعية غير المستدامة، وفقدان التنوع البيولوجي.

من بين آخر أجراس الإنذار التي قُرعت ما خلصت إليه دراسة كلية الهندسة بجامعة "جنوب كاليفورنيا فيتربي"، إلى جانب باحثين من معهد فيزياء الأرض في جامعة "باريس سيتي"، من أن زيادة تآكل التربة في المناطق الساحلية بسبب التصحر تؤدي إلى تفاقم آثار الفيضانات على مدن الموانئ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، استناداً إلى ملاحظات الباحثين على الفيضانات المدمرة التي حدثت عام 2023 في مدينة درنة الليبية في سبتمبر (أيلول)، والتي أودت بحياة أكثر من 11300 شخص وأظهرت كيف أسهمت زيادة تآكل التربة بصورة كبيرة في الخسائر الكارثية لهذه الفيضانات الصحراوية غير العادية.

على مدى العقد الماضي، واجهت الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا، وهي منطقة أكبر من الولايات المتحدة، مزيجاً خطراً من الظروف القاحلة بصورة متزايدة، تتخللها العواصف المطيرة الساحلية الشديدة، إذ أدى التصحر المتزايد إلى تكثيف الجفاف، وزادت وتيرة العواصف المطيرة في المنطقة بسبب ارتفاع درجة حرارة مياه البحر في شرق البحر الأبيض المتوسط بسبب الاحتباس الحراري العالمي.

الظروف المتطرفة

تشير الورقة البحثية إلى أن هذه الظروف المتطرفة معاً تزيد تآكل التربة وتولد تدفقات طينية قاتلة تصعب السيطرة عليها مع السدود القديمة الموجودة في المنطقة، وفي حين يعتقد بعض العلماء أن الجفاف هو التهديد الأكثر فتكاً للصحراء الكبرى، تحذر الورقة التي تحمل عنوان "تقييم تآكل الفيضانات المفاجئة في أعقاب العاصفة دانيال في ليبيا" من أن هذا ليس صحيحاً.

قبل عام، في خريف عام 2023، ضربت العاصفة دانيال المعروفة أيضاً باسم "ميديكان دانيال" الساحل الشرقي لليبيا، مما تسبب في فيضانات مفاجئة غير مسبوقة أسفرت عن مقتل أكثر من 11300 شخص وأضرار واسعة النطاق في البنية التحتية، في فيضانات مفاجئة لم تُلاحظ في القارة منذ أكثر من 100 عام.

ويوضح المؤلفون أن أخطر فيضان تشهده أفريقيا منذ قرن، الذي حدث في الصحراء، حدث بسبب مجموعة من العوامل: هطول أمطار غير عادية، وانهيار سدين للتحكم في الفيضانات، وفشل البنية التحتية "الزرقاء" أو المائية في المدينة في تنظيم هذا الحدث المتطرف، ويشيرون إلى أن تحميل الرواسب، الناتج من تآكل السطح، أدى إلى زيادة كثافة المياه المتدفقة وتفاقم التأثير الكارثي للفيضانات المفاجئة في المدن الساحلية درنة وسوسة، إذ تعرضت 66 في المئة من الأسطح الحضرية في درنة و48 في المئة من سوسة لأضرار متوسطة إلى عالية.

فترات الجفاف المطولة

ويلفت مؤلف الورقة عصام حجي، إلى أن فترات الجفاف المطولة تؤدي إلى تآكل التربة مما يؤدي إلى تضخيم آثار الفيضانات في المناطق القاحلة مثل الصحراء الكبرى وشبه الجزيرة العربية، وعلى هذا، إضافة إلى مراقبة الأمطار وبناء هياكل التحكم في الفيضانات مثل السدود والمجاري المائية، نحتاج اليوم إلى مراقبة ظروف التربة والحفاظ على مستجمعات المياه المعرضة للفيضانات في الصحاري القريبة من المناطق الحضرية مع تغطية نباتية كافية للحد من تآكل التربة، ومن ثم جعل هذه الفيضانات أقل تدميراً.

هنا يأتي دور أقمار مراقبة الأرض المتقدمة، إذ تشير الورقة إلى ضرورة الاعتماد على أنظمة الرادار والموجات الدقيقة المدارية والمحمولة جواً التي تميز استجابة الصحاري للاحتباس الحراري العالمي، وبخاصة من خلال قياس رطوبة التربة وتغيرات المياه الجوفية، إذ يمكن استخدام أقمار الرادار لتوفير استجابات أسرع في المناطق المتضررة من الفيضانات، وبخاصة في الصحاري.

في أفريقيا، يعيش اليوم نحو 40 مليون شخص في ظروف الجفاف الشديد وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان "قياس تأثير تغير المناخ في الصحة البشرية 2024"، وفي آسيا، تعد الصين وأوزباكستان وقيرغيزستان من بين البلدان التي شهدت ارتفاعاً حاداً في درجات الحرارة، وفقاً لموقع Earth.org، وبينما جرى تصنيف بعض هذه المناطق على أنها ذات مناخ صحراوي منذ ثمانينيات القرن الـ20، فقد استمر التصحر، مما أدى إلى مناخات أكثر حرارة ورطوبة.

مواجهة التصحر ودعم الأمن الغذائي

اليوم، يأتي صوت آخر ليعيد تسليط الضوء على خطر الظاهرة، ففي ورشة إقليمية تحتضنها القاهرة لمواجهة التصحر ودعم الأمن الغذائي بالتعاون مع جامعة الدول العربية، المركز الدولي للزراعة الملحية "إكبا"، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد".

بحسب مسؤولة السياسات في مكتب تنسيق مبادرة الأراضي العالمية لمجموعة الـ20 في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، سلمى الصياد، فإنه على رغم أن تدهور الأراضي هو قضية عالمية، فإن التعامل معها يتطلب نهجاً يتناسب مع واقع كل منطقة.

وتبدأ مبادرة مجموعة الـ20 العالمية للحد من تدهور الأراضي والمحافظة على الموائل البرية، والمعروفة أيضاً باسم مبادرة مجموعة الـ20 لإصلاح الأراضي، ومقرها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر تدريباتها في العاصمة المصرية، بورشة تدريبية حول "الزراعة الملحية كنهج لإصلاح الأراضي المتضررة في العالم العربي".

وتشير الصياد، إلى أنه يتعين تحديد جوهر الشراكة بين مبادرة مجموعة الـ20 لإصلاح الأراضي مع المؤسسات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية، التي تعمل على تكييف عالمية المبادرة بطريقة تضمن التعامل مع الحاجات الإقليمية، والتحديات البيئية الفريدة لكل منطقة.

خفض الأراضي المتدهورة إلى النصف

وتضيف، "تأتي هذه الدورة ضمن جهود مبادرة مجموعة الـ20 لإصلاح الأراضي التي أطلقتها مجموعة الـ20 عام 2020 خلال ترؤس السعودية اجتماعات المجموعة، لخفض نسبة الأراضي المتدهورة بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2040 بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية، الذي من دوره، دعم الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة في مواجهة تحديات التغيير المناخي وندرة المياه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، يلفت المنتدى الاقتصادي العالمي، في ورقة بحثية، إلى ضرورة تبني عدد الإستراتيجيات لتقليص الخطر الماثل من التصحر، مشيراً في تقرير حديث نشره نهاية سبتمبر (أيلول) الجاري، إلى أن هناك مجموعة واسعة من الأساليب لمعالجة الظاهرة، أبرزها إعادة التشجير وإعادة زراعة الأشجار يمكن أن تساعد في إحياء التربة المتدهورة، وهو ما من شأنه إعادة إحياء الأراضي، وتخزين أكثر من 220 مليون طن من الكربون، وتخلق 10 ملايين فرصة عمل بحلول عام 2030.

وبحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن جزءاً كبيراً آخر من معالجة تدهور الأراضي يتمثل في إدخال ممارسات إدارة الأراضي المستدامة، التي تراوح ما بين الزراعة الحراجية إلى الرعي المستدام، والتي يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تحسين غلة المحاصيل وسبل العيش، إذ يمكن لممارسات إدارة المياه مثل تخزين مياه الأمطار والري بالتنقيط وزراعة المحاصيل المقاومة للجفاف أن تعالج تأثير ندرة المياه، وتشمل الخطوات العلاجية الأخرى إعادة التشجير واستعادة الموائل الطبيعية مثل الأراضي الرطبة أو مجاري الأنهار بأكملها.

اقرأ المزيد