Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجرة الأدمغة من تركيا... الأسباب والتدابير الوقائية

البلاد بحاجة إلى خطط مثل اتخاذ مبادرات عاجلة لتحسين جودة الجامعات والمنشورات الأكاديمية

جامعة إسطنبول هي أقدم جامعة في تركيا (ويكيبيديا)

ملخص

الفئة العمرية الأكثر رغبة في الهجرة هي الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 25 و29 سنة، وعلى رغم وجود هجرة عكسية فالأفضل البحث عن أسباب هجرة العقول ومعالجتها

أعلن معهد الإحصاء التركي عن إحصاءات هجرة الأدمغة من خريجي التعليم العالي للفترة ما بين عامي 2021 و2023، وبلغت النسبة اثنتين في المئة من إجمالي الخريجين، في حين فضّل معظمهم الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

وتُعدّ هذه النسبة مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية، ففي 2015 بلغت نسبة هجرة العقول من خريجي التعليم العالي 1.6 في المئة، لترتفع إلى اثنتين في المئة عام 2023، وبصورة أدق بالنسبة إلى النساء 1.6 في المئة والرجال 2.4 في المئة، وكانت الفئة التي شهدت أعلى معدل هجرة تعود لخريجي مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة بلغت 6.8 في المئة، يليه مجال الهندسة والتصنيع والبناء بنسبة 4.4 في المئة، ثم العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء بنسبة 2.6 في المئة.

والدولة الأكثر تفضيلاً بالنسبة إلى المهاجرين من خريجي البكالوريوس كانت الولايات المتحدة، إذ هاجر إليها ما نسبته 21.04 في المئة من إجمالي المهاجرين، تليها ألمانيا ثم المملكة المتحدة فهولندا وكندا على التوالي.

ما هي الخطوات التي ينبغي اتخاذها لمنع هجرة العقول؟

لقد أصبح من الضروري جداً أن تعطي تركيا أهمية لهذه القضية لأن هذا الموضوع إذا استمر بهذه الطريقة فسيؤدي إلى خسران البلاد عدداً كبيراً من الأشخاص المؤهلين.

ووفق بيانات معهد الإحصاء التركي، فإن الفئة العمرية الأكثر رغبة في الهجرة هي الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 25 و29 سنة، وعلى رغم وجود هجرة عكسية "بعض العقول الأجنبية التي تهاجر إلى تركيا"، فإن الأفضل، إضافة إلى تشجيع الهجرة العكسية، السعي والبحث عن أسباب هجرة العقول ومعالجتها.

حرية التعبير وحرية الجامعات

الأستاذ المساعد في جامعة "بيلكنت" التركية سريم إلداي يقول إن التدخل في شؤون الجامعات يجب أن يتوقف على الفور، ويضيف أن "الجامعات يجب أن تكون حرّة في كل أمورها، بدءاً من عملياتها الداخلية وحتى موازناتها وتوظيف الطلاب وتعيينات الموظفين، وتنبغي حماية حرية التعبير أكثر في تركيا، إذا اعتقد الطالب أو الأكاديمي بأنه ليس آمناً أثناء وجوده معبراً عن رأيه، أو إذا لم يتمكّن من إيجاد بيئة حرة لإجراء بحثه، فبالطبع سيذهب إلى مكان آخر يوفر له هذه الميزات، وإذا رحل ليس من السهولة بمكان إقناعه بالعودة".

زيادة مبالغ المنح الدراسية

إلداي قدم مقترحاً يسهم في تقليل هجرة العقول، يشمل تحسين نوعية حياة الطلاب من خلال زيادة مبالغ المنح الدراسية، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع كلف المعيشة والتضخم، "ويجب زيادة قيمة المنحة بانتظام بما يتماشى مع التضخم الشهري، وهذه الطريقة ستخفف التزامات الطلاب الأخرى، إذ سيتفرغ للتعلم بدلاً من البحث عن أسباب المعيشة، وفي حال كان مكتفياً مادياً، سيكون لديه مزيد من الوقت للتفكير أكثر والتفوق أكثر، مما سينعكس على رغبته في البقاء".

وبغض النظر عن الحاجات العاجلة مثل مبالغ المنح الدراسية وتحسين الظروف الأكاديمية، تركيا بحاجة إلى خطط شاملة متوسطة وطويلة الأجل، مثل اتخاذ مبادرات عاجلة لتحسين جودة الجامعات والمنشورات الأكاديمية، إذ إن جودة التعليم في البلاد تتراجع بصورة متسارعة، وهذا أمر خطر للغاية. وتركيا، أخيراً، بدأت تفقد طلابها الأكثر نجاحاً، ومعظم الطلاب الناجحين يتركون البلد بسبب "الكساد السياسي"، أما الطلاب الأجانب واللاجئون، خصوصاً الذين جاؤوا إلى تركيا من دول الشرق الأوسط، فالناجحون منهم أيضاً يفضلون المغادرة إلى أوروبا أو أميركا، وكل هذا أدى في النتيجة إلى أن برامج الدراسات العليا باتت ضعيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عدم اليقين في شأن المستقبل

أما الأستاذ المشارك في جامعة "كوتش" التركية توغبا باغجي أوندر، فهو عاد إلى بلاده بعد قضاء 10 أعوام في الخارج، ويقول "إن قرار العودة لم يكُن سهلاً"، واحتاج إلى أربعة أشهر حتى يستطيع التأقلم مع الواقع الجديد، ويتابع أن "رواتب طلاب الدراسات العليا في تركيا أقل من الحد الأدنى للأجور، وجودة حياة الطلاب والأساتذة في تركيا منخفضة للغاية، وكثير من العقول التي تهاجر من الصعب جداً أن تعود، والهجرة تزداد تدريجاً، سواء من الطلاب وحتى من الدكاترة والباحثين. وبمعنى آخر، فإن العوامل المادية لم تعُد تجعل الطلاب فقط يفكرون في الهجرة، بل حتى أعضاء هيئات التدريس في بعض الجامعات".

إن عدم اليقين حول المستقبل يقود الطالب إلى الرغبة في السفر إلى الخارج، والطلاب الذين يواجهون مشكلات معيشية قد يضطرون إلى العمل والدراسة وهذه كارثة، وهناك بعض المؤسسات الحكومية تدرك هذا الأمر وتحاول تقديم دعم ومنح للطلاب، لكن هناك أسباباً أخرى يجب معالجتها، أبرزها عدم اليقين في شأن المستقبل، إذ إن بعض الطلاب الذين يعرفون بلدهم جيداً يخشون أنهم لن يحصلوا على وظيفة بعد التخرج، وهذا أمر غير صحي.

أوندر يقترح إنشاء بنى تحتية جيدة بالموارد المتوافرة لدى تركيا وخلق بيئة تعليمية أكثر راحة وخفض رسوم التسجيل في المؤتمرات الخارجية وتعديل السياسات الجمركية وأنظمة الشراء، خصوصاً بالنسبة إلى الطلاب، إذ إن مثل هذه الخطوات يمكنها أن تسهم في جعل الطلاب الناجحين يرغبون في البقاء بتركيا.

الدخل القومي والأنشطة العلمية

عضو هيئة التدريس في جامعة "البوسفور" بورا أكغون تقول إنه "من أجل منع هجرة الأدمغة، يجب على تركيا خلق بيئة حيث يمكن للطلاب والباحثين الشباب التعبير عن أنفسهم كأفراد كما يرغبون، ولا يقلقون على مستقبلهم، فلا يكون السفر إلى الخارج أمراً صعباً، كما تنبغي زيادة فرص البحث والتطوير في تركيا، ويجب تمكين الأشخاص الذين يقومون بأنشطة بحثية من الحصول على مستوى من الدخل يسمح لهم بالتمتع بمستوى معيشي جيد، ولا بد من تعزيز البنى التحتية العلمية للجامعات المنتجة وشركات التكنولوجيا والمختبرات الوطنية، وفتح الطريق أمامها للتعاون مع المؤسسات في الخارج في الأمور التي تعتبر ضرورية، باختصار يجب تخصيص ما لا يقل عن ثلاثة في المئة من الدخل القومي لأنشطة البحث والتطوير"، وتضيف أكغون أنه "للأسف الحكومة التركية تنظر إلى الأنشطة العلمية على أنها ترف، ولا تخصص لها موازنة مستقلة".

إحدى الخطوات الأخرى التي يجب أن تقوم بها تركيا على الفور أن تمكّن كل جامعة من أن تتمتع بسعة سكن تتناسب مع عدد الطلاب، فيجب أن يشعر الطلاب بالراحة في مكان سكنهم، فكيف تتوقع من شخص غير مرتاح في سكنه أن يكون فاعلاً ومنتجاً؟.

أما بالنسبة إلى المشاريع ذات الموازنة المرتفعة، فيجب إنشاء بيئة مريحة بحيث يمكن لكل من مدير المشروع والباحثين التركيز على عملهم من دون قلق على سبل عيشهم، وإن تنفيذ مشاريع تنافس الدراسات الأخرى في العالم لا يمكن تحقيقه إلا بموازنات قريبة من موازنة تلك الدراسات، واتخاذ مثل هذه الخطوة سيشجع الأساتذة الذين يجرون دراساتهم في الخارج على العودة إلى تركيا، كما أنه يسمح للشباب الذين أكملوا تعليمهم الجامعي في تركيا بالبقاء وبدء دراساتهم وأبحاثهم العلمية في بلدهم الأصلي.

في حال اتخذت تركيا مثل هذه الخطوات، فإن بإمكانها في وقت قصير حصد ثمرة الدراسات العلمية، خصوصاً في ما يتعلق بالتكنولوجيا الحديثة التي يتنافس العالم عليها اليوم.

وعلى الحكومة التركية اتخاذ إجراءات من شأنها ألا تجعل الطلاب يشعرون بالهروب من الواقع، أو يهربون من بلدهم إلى دول أخرى أكثر تقدماً مثل ألمانيا أو حتى هولندا، والعمل بجدية على المقترحات المذكورة أعلاه من شأنه أن يؤدي إلى هجرة عقول معاكسة، إذ إن المفكر يهاجر إلى البلد الذي يحترمه، بمعنى آخر إن الخطوات التي تتخذها تركيا في ما يتعلق بالاهتمام بالبحث العلمي هي التي تحدد مستقبل هذه البلاد.

ملاحظة: الآراء الواردة في المقالة تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت تركية".

إسراء أوز - صحافية وباحثة تركية

المزيد من تقارير