Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل من "طبخة رئاسية" لبنانية فوق نار الحرب؟

مراقبون: "حزب الله" يستعجل انتخاب رئيس يشارك في وصوله قبل أن تسوء الأمور العسكرية أكثر

رئيس مجلس النواب نبيه بري يتوسط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (يسار) ووليد جنبلاط (المكتب الإعلامي لرئاسة مجلس النواب)

ملخص

تفاوتت الآراء في قراءة موقف رئيس مجلس النواب الداعي إلى انتخاب رئيس توافقي من دون حوار، فالبعض رأى أنه اعتراف بتغير الوضع وموازين القوى في لبنان، فيما عد آخرون أن "حزب الله" يضغط بالرئاسة للحصول على وقف لإطلاق النار.

بما يشبه الاعتراف الواضح بالوضع الجديد الذي خلفته المواجهات العسكرية، واستباقاً للنتائج السياسية لحرب إسرائيل على "حزب الله"، كما فسره البعض، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري في اليومين الماضيين موقفاً متقدماً في موضوع الاستحقاق الرئاسي، الأول نقله عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أكد أن بري "سيدعو فور التوصل إلى وقف النار لانتخاب رئيس توافقي لا يشكل تحدياً لأي فريق"، والثاني تراجعه عن شرط الحوار قبل الدعوة إلى جلسة انتخاب، وهو ما نقله عنه نائبه إلياس بوصعب.

وترافق هذا الكلام مع مشهد ذي طابع تشاوري، كما وصفته مصادر في عين التينة (مقر رئاسة مجلس النواب) ترجم بسلسلة لقاءات بين بري ونواب من المعارضة ومستقلين، لكن الأبرز كان اللقاء الثلاثي بين بري وميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، من دون المكون المسيحي الذي خاطبه المجتمعون في بيان صدر عن اللقاء تحت مسمى "الشركاء في الوطن"، داعياً إياهم إلى "سلوك درب الوفاق والتلاقي تحت مظلة الوطن الواحد والدستور والمؤسسات الجامعة عبر انتخاب رئيس وفاقي للجمهورية يطمئن الجميع ويبدد هواجسهم المختلفة".

بالتوازي بدأ الكلام عن حوارات حول تسوية رئاسية، ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ليس بعيداً منها، تضمن إعادة تعويم مؤسسات الدولة لمواجهة نتائج العدوان. كل ذلك دفع الأوساط النيابية والسياسية إلى طرح مجموعة من الأسئلة أبرزها: هل الظروف الدولية والداخلية أصبحت ناضجة لانتخاب رئيس للجمهورية، وما الذي تغير بين ليلة وضحاها للرهان على إمكانية إخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم، ولماذا قرر رئيس مجلس النواب التخلي الآن عن شرط الحوار، وأين يقف "حزب الله" من هذا الموقف، وهل فوض بري البحث عن مخرج رئاسي، وما المقصود بالرئيس التوافقي، وهل يعني ذلك الاتفاق ثم الذهاب للانتخاب؟

لا انتخابات قبل وقف النار

من المؤكد أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار، وهذا ما أبلغه للنواب الذين التقاهم حتى الآن، لكن ماذا لو طالت هذه الحرب ولم يحصل وقف لإطلاق النار في المدى القريب؟ فسر البعض الربط بين جلسة الانتخاب ووقف إطلاق النار بأنه قد يكون ورقة ضغط يريد "حزب الله" استخدامها من خلال بري، تزامناً مع إعلانه الاستمرار في المواجهة للضغط على المجتمع الدولي المتخوف من توسع الحرب، وجعله يقنع إسرائيل بوقف عدوانها على الحزب.

ويؤكد مصدر نيابي لـ"اندبندنت عربية" فضل عدم الكشف عن اسمه، أن الحرب لا تزال تتقدم على كل شيء آخر، ومن المبكر الحديث في هذه المرحلة عن الاستحقاق الرئاسي، ويرى المصدر أن "حزب الله" انطلاقاً من الوضع السيئ الذي هو فيه بعد اغتيال أمينه العام وعدد كبير من قياداته يريد تسريع عملية انتخاب رئيس للجمهورية يكون له كلمة فيها ومشاركاً بوصوله قبل أن تسوء الأمور أكثر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الدور المعجل بحسب المصدر النيابي، هو الآن في أيدي المسيحيين، وفي هذا الإطار أتت زيارة عضو اللقاء الديمقراطي النائب وائل أبوفاعور إلى مقر حزب القوات اللبنانية في معراب، تزامناً مع زيارة قام بها ميقاتي إلى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، مقابل حراك لرئيس التيار الوطني الحر بناء على نصيحة من بري باتجاه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي عبر النائب طوني فرنجية، وذلك في محاولة للاتفاق على اسم مشترك بهدف قطع الطريق على قائد الجيش العماد جوزيف عون.

وعلى رغم تأكيد العاملين على التسوية الرئاسية أن البحث لم يتطرق بعد إلى الأسماء، كانت لافتة الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي أطلقها بري إلى المسيحيين، وخصوصاً إلى حزب القوات اللبنانية الملتزم حتى الآن الصمت، فيما اكتفى رئيسه سمير جعجع في بيان صدر بعد استقباله المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلا سخارت بتجديد التمسك بانتخاب رئيس في أقرب وقت للنهوض بمؤسسات الدولة، مستدركاً، "لكن ليس أي رئيس، نريد رئيساً فعلياً يمارس سلطة فعلية، وقادراً على اتخاذ القرارات، ويكون صاحب رؤية استراتيجية".

ففي حين شجع بري باسيل على العمل على تأمين توافق على اسم غير فرنجية، جدد في أحد لقاءاته مع النواب التمسك بضرورة تأمين 86 صوتاً أو أكثر للرئيس المنتخب، وغمز وفق ما كشفت مصادر نيابية لـ"اندبندنت عربية" من قناة قائد الجيش عندما أضاف أن نصاب الانتخاب إذا تخطى الـ86 تنتفي الحاجة إلى تعديل الدستور الذي يحتاج إليه انتخاب العماد جوزيف عون بحيث ينص الدستور على ضرورة أن يكون عون قدم استقالته قبل ستة أشهر من الانتخاب.

بري يريد موافقة جعجع

في حديث إلى "اندبندنت عربية" شدد عضو كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي "اللقاء الديمقراطي" النائب هادي أبوالحسن على أن باسيل مستعد أن يمشي بالتسوية الرئاسية لكن الإصرار من قبلهم هو أن يوافق عليها أيضاً سمير جعجع انطلاقاً من رفض بري وجنبلاط عدم استثناء أو إلغاء أحد. ويؤكد أبوالحسن أن بري كان بدأ يتحلى بالمرونة في موضوع الاستحقاق الرئاسي قبل العدوان الأخير، وفي الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من اللقاء الديمقراطي إلى عين التينة، سمعوا منه كلاماً حول استعداده إلى التوافق شرط أن يحصل ذلك عبر التشاور أو الحوار، أما اليوم فعندما يقول إنه مستعد للذهاب إلى جلسة وانتخاب رئيس بالتوافق من دون المرور بالحوار فهذا موقف متقدم، وعلى القوى الأخرى أن تلاقيه إلى منتصف الطريق.

ودعا النائب الاشتراكي الجميع إلى الاستفادة من هذه اللحظة المهمة لإحداث خرق في الملف الرئاسي، معبراً عن اعتقاده أن الخرق ممكن، ولم يكن بري ليطلق هكذا مواقف إن لم يكن بالاتفاق مع "حزب الله". وإذ يوضح أبوالحسن إلى أن الأولية لا تزال لوقف إطلاق النار، وأن الجهود تصب كلها لتحقيق هذا الهدف، فإنه يضيف أيضاً "الاتفاق سيكون بمثابة الرد الوطني الواحد، ويحصن الموقف اللبناني في المفاوضات، أما في ما يتعلق بأسماء المرشحين فالمسألة باتت ثانوية أمام المبدأ، ولكن من الممكن التوافق على أي شخصية قادرة على تحمل المسؤولية في هذه المرحلة إذا تحقق شعار التوافق من دون الدخول في التفاصيل".

 

 

بتكليف من الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وبقرار من اللقاء الثلاثي (بري وميقاتي وجنبلاط) زار النائب وائل أبوفاعور رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وعلى رغم ما نقله له عن مرونة يعول عليها في موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأن الاعتبارات والتحفظات والاشتراطات السابقة زالت نتيجة الظروف القائمة، وتأكيده أنه بات هناك أساس سياسي مرن يمكن البناء عليه لانتخاب رئيس للجمهورية، لكن جعجع طلب التدقيق أكثر ببعض القضايا، وهذا ما اعترف به أبوفاعور الذي أكد أنه لمس تجاوباً من قبل رئيس حزب القوات في عدد كبير من القضايا، فيما يحتاج بعض منها إلى تدقيق أكثر ووصف الأجواء بالإيجابية التي يمكن البناء عليها.

ويتجنب نواب ومسؤولو حزب القوات اللبنانية التعليق على ما يدور في الكواليس حيال "طبخة رئاسية" يمكن أن تنضج على نار العدوان الإسرائيلي على "حزب الله". وتنفي مصادر في القوات اللبنانية ما تردد عن دخول فرنسا على خط تليين موقفها وجعلها توافق على تسوية رئاسية توصل رئيساً توافقياً بعد الاتفاق على اسمه، وأن باريس استعانت بالسعودية لهذا الغرض، وتصف المصادر هذه الأخبار بأنها نوع من الخيال العلمي، في حين أن موقف الحزب لا يزال منذ البداية يقضي بانتخاب "رئيس لا كأي رئيس، وقادر على اتخاذ القرارات". وأعلنت القوات اللبنانية في بيان صدر عن الدائرة الإعلامية أنها "جاهزة في أي وقت للتجاوب مع دعوة رئيس المجلس لعقد جلسة انتخابية فعلية بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس للجمهورية". واللافت أن البيان صدر قبل وقت قليل من زيارة موفد جنبلاط إلى معراب.

ما قبل 7 أكتوبر

الرسالة نفسها نقلها موفد جنبلاط إلى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الذي انتقد اللقاء الثلاثي بين بري وميقاتي وجنبلاط معتبراً أنه لم يكن موفقاً، وغامزاً إلى استثناء المكون المسيحي عنه. الجميل عد أن "الحديث عن الانتخابات الرئاسية لا يمكن أن يتم قبل وقف التوغل البري الإسرائيلي الذي يتطلب تحمل الدولة مسؤوليتها وأن يتجاوب (حزب الله) معها ويقبل بانتشار الجيش، وبعد هذه المرحلة يتم الحديث عن الانتخابات الرئاسية وهذا مطلب أساسي، لكن بعد كل ما حصل لا يمكن الرجوع إلى ما قبل السابع من أكتوبر، ولا أن نطوي الصفحة".

 

 

أما في مقلب التيار الوطني الحر فيتحدث النائب غسان عطا الله عن تبدل واضح في موقف الثنائي ("أمل"- "حزب الله") لجهة تغيير الموقف الحاد والمتمسك بفرنجية مرشحاً وحيداً، ويعد أن رئيس مجلس النواب اتخذ مواقف متقدمة بموضوع انتخاب رئيس الجمهورية، وهو يحلحل كل المواقف الجامدة السابقة.

ويكشف عطا الله أن "البحث جار عن رئيس توافقي لا يكون مستفزاً لبيئة (المقاومة) أو للثنائي الشيعي، ومتوافقاً عليه من قبل المسيحيين، ويحوز على ثقة المجتمع الدولي حتى يتمكن من إنقاذ البلد"، مضيفاً "إذا عرف الفرقاء في لبنان الاستفادة من هذا الجو ومن التغيرات الظاهرة لدى الرئيس بري كونه أصبح صاحب القرار لوحده، فهناك فرصة حقيقية لانتخاب رئيس". ويشير إلى القوات اللبنانية قائلاً، "لكن هناك من لا يريد انتخاب رئيس اليوم لأنه يعتقد أنه في الفترة المقبلة يمكن أن يحقق نتائج أفضل، فإذا كان يمكنه أن يحصل اليوم على 50 في المئة مما يريده فباعتقاده أنه بعد فترة يمكن أن يصل إلى 100 في المئة".

ويعد النائب المقرب من باسيل والمكلف العلاقة مع الرئيس بري، أن هناك من لا يزال يراهن في لبنان على الوقت لتحسين شروطه، معتبراً أن الانتظار لن يكون لمصلحة أحد. ويذكر بموقف التيار الوطني الحر الداعي لضرورة انتخاب رئيس لأنه الضمان الوحيد لتحصين البلد، مستخدماً عبارة قالها باسيل لبري، "الرئيس الجديد سيعرض كتفيه إلى جانب رئيس مجلس النواب ورئيس حكومة أصيل، ليتمكنوا معاً من حمل العبء الثقيل الذي نمر به".

وفي ما يفضل النائب ميشال دويهي عدم التعليق في المرحلة الحالية على الحراك الحاصل استناداً إلى مواقف بري الجديدة، ويعد أنه من المبكر جزم أي شيء بعد، يرى النائب مارك ضو أن بري لديه تفويض من "حزب الله"، وهو الوحيد فعلياً الذي يملك شرعية شعبية وسياسية لإخراج اتفاق سياسي والتفاوض نيابة عن الحزب ولمصالحه والمصالح الشيعية السياسية في لبنان بصورة عامة.

ويعبر ضو عن اعتقاده أن باب انتخاب رئيس للجمهورية قد فتح، والمؤشران على ذلك كانا في سحب مرشح الثنائي سليمان فرنجية، واعتماد معيار رئيس توافقي غير استفزازي. كاشفاً عن أن النقاش يدور الآن في الكواليس حول الاسم وعدد الأصوات التي يمكن الحصول عليها، التي يمكن أن تكون مؤشراً لحجم التضامن الذي يحظى به الرئيس الجديد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير