Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معارك "جبل موية" حاسمة في الخطوة القادمة للجيش السوداني

مسرح العمليات الحربية شهد تحولاً كاملاً بانتقاله من الدفاع إلى الهجوم النشط المتعدد المحاور والجبهات

الجيش السوداني يؤكد استعادة السيطرة على جبل موية وقوات "الدعم السريع" تنفي (أ ف ب)

ملخص

الاستراتيجية العسكرية التي ينتهجها الجيش السوداني ترتكز على فتح الجبهات القتالية كافة بهدف منع عمليات الإسناد التي تعتبر من أهم تكتيكات "الدعم السريع"، كما أن تنشيط كل محاور القتال مع ملاحقة الطيران الحربي شتت قوات "الدعم" وأرهقها بشدة.

ضمن محاولاته لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة قوات "الدعم السريع" منذ اندلاع الحرب بينهما منتصف أبريل (نيسان) الماضي، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة على منطقة جبل موية في ولاية سنار وسط السودان، بعد معارك ضارية في هجوم متعدد المحاور الذي كان بدأه في العاصمة الخرطوم منذ 10 أيام، في وقت ما زالت المعارك والعمليات الحربية محتدمة في كل من محوري العاصمة ودارفور.

إشراف وتعهدات

وقال بيان لمجلس السيادة إن الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة نائب القائد العام للجيش، أشرف بنفسه على سير العمليات العسكرية في محور ولايتي النيل الأبيض وسنار حتى تم التحام متحركات الجيش من ولاية سنار مع قوات الفرقة 18 المتقدمة من ولاية النيل الأبيض، وتم فتح الطريق القومي سنار ربك، بتحرير منطقة جبال موية.

وتعهد كباشي الذي وصل إلى ولاية النيل الأبيض بمواصلة قوات الجيش زحفها حتى يكتمل تطهير آخر شبر من البلاد من عناصر "الدعم السريع"، وتابع زيارته لمسرح العمليات حيث وصل صباح أمس الأحد إلى مدينة المناقل العاصمة الموقتة لولاية الجزيرة، وتلقى شرحاً شاملاً من الوالي المكلف وقادة الفرقة الأولى ولجنة أمن الولاية حول سير العمليات العسكرية في محور الجزيرة.

تحرير الجزيرة

وأوضح والي الجزيرة المكلف الطاهر إبراهيم من جانبه أن تحرير جبل موية وفتح طريق ربك - سنار القومي من الركائز القوية الداعمة لتحرير مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، مبشراً المواطنين بأن تحرير مدن وقرى الولاية كافة والقضاء على التمرد أصبحا قريبين.

وسيطرت قوات "الدعم السريع" في أواخر يونيو (حزيران) الماضي على منطقة جبال موية، وقطعت طرق الإمداد عن ولايات النيل الأبيض وكردفان ودارفور، وتحركت من هناك لاجتياح معظم قرى ومدن ولاية سنار ودخلت عاصمتها سنجة.

ونشر ضباط وجنود من الجيش مقاطع فيديو أعلنوا فيها استعادة السيطرة على مناطق بجبل موية بعد معارك ضارية مع قوات "الدعم السريع"، آخرها في منطقتي البليجاب وفنقوقة الجبل، حيث ظهرت بالمقطع مجموعة من الضباط والجنود وهم يحتفلون بالتقاء قوات الجيش التي تحركت من ولاية سنار بالقوات التي وصلت من النيل الأبيض، لتفتح بذلك طرق الإمداد من شرق السودان إلى النيل الأبيض جنوباً.

نفي واتهام

في المقابل أكد قائد العمليات في قوات "الدعم السريع" اللواء عثمان محمد حامد، المعروف بـ"عثمان عمليات" أن قواتهم ما زالت تحكم سيطرتها على المنطقة الاستراتيجية منذ يونيو الماضي، بعد أن تصدت لمحاولات الهجوم عليها عبر محورين من ولايتي النيل الأبيض وسنار.

وأوضح حامد في تغريدة على منصة "إكس" أن قواتهم تمكنت من دحر ما أسماها "ميليشيات الفلول وحركات الارتزاق" وأجبرتهم على التراجع بعدما كبدتهم خسائر بشرية ومادية كبيرة، واستولت على كميات من العتاد والمؤن.

وعطفاً على تكثيف الجيش غاراته الجوية داخل العاصمة السودانية وخارجها، جددت قوات "الدعم السريع" اتهامها لطيران الجيش باستهداف المدنيين والأسواق في مدينة حمرة الشيخ بولاية شمال كردفان أمس السبت، وقالت إن الاستهداف أدى إلى مقتل وجرح عشرات المدنيين.

تقدم وتعزيز

على صعيد العمليات الحربية في العاصمة السودانية، أكدت مصادر ميدانية أن قوات الجيش تتابع تقدمها في قلب العاصمة ومحاور أخرى عدة، وتتابع مهاجمة دفاعات "الدعم السريع" وسط الخرطوم، مدعومة "بعمليات قصف نفذها الطيران المسيّر لنقاط ارتكاز العدو في محيط القصر الرئاسي".

وأوضحت المصادر أن الجيش تمكن من تحرير عدد من الحارات بمحلية أم بدة في مدينة أم درمان، بينما يجري عمليات تمشيط في محيط منطقة الشجرة العسكرية (سلاح المدرعات) جنوب الخرطوم، في حين لا يزال الجيش يعزز انتشاره في أحياء مدينة الخرطوم بحري ويحكم حصاره على مصفاة نفط الخرطوم في منطقة الجيلي شمال العاصمة السودانية.

وتابعت المصادر نفسها أن الطيران الحربي نفذ عدداً من الطلعات الجوية الناجحة قصف خلالها مخزناً للأسلحة والذخيرة يتبع لقوات "الدعم السريع" في محيط مصفاة الجيلي شمال الخرطوم بحري، و"ضربات نوعية استهدفت اجتماعاً لعدد من قيادات التمرد داخل أحد المقار في منطقة الرياض، وكذلك سوق دقلو (للمسروقات) في منطقة سوبا شرق الخرطوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هجوم معاكس

وفي دارفور كشفت مصادر محلية عن أن الجيش والقوات المشتركة بادرت إلى مهاجمة ارتكازات قوات "الدعم السريع" شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، محرزة بعض التقدم شرق المدينة.

وقال المتحدث باسم القوات المشتركة الرائد أحمد حسين لـ"اندبندنت عربية" إن "الهجوم ما زال مستمراً وتم القضاء على كل ارتكازات ’الدعم السريع‘ شرق الفاشر".

وحول العمليات العسكرية في محور غرب دارفور وما تواتر من أنباء عن استيلاء الجيش والقوات المشتركة على مدينة سربا واقترابهما من مدينة الجنينة عاصمة الولاية، تجنب حسين الحديث عن أي تطورات في هذا الشأن، حفاظاً على سرية العمليات الجارية هناك.

وأكدت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر تجدد الاشتباكات والقصف المدفعي المكثف المتبادل بين الطرفين على المحورين الشرقي والجنوبي للمدينة.

إدانات للطيران

في الأثناء، دانت قوى سياسية عدة ومنظمات حقوقية غارات الجيش الجوية التي استهدفت مدينة الكومة ومناطق في أم ضو بان بالخرطوم، وود أبو صالح ومليط في ولاية شمال دارفور، نتج منها مقتل عشرات المدنيين وجرح المئات.

ونددت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بالغارات الجوية، معربة عن أسفها لاستمرار وتكرار الانتهاكات على المدنيين بصورة ممنهجة في مختلف أنحاء السودان، مذكّرة بإعلان جدة الإنساني الذي شدد على التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والامتناع عن أي هجوم يُتوقع أن يسبب أضراراً مدنية عرضية مفرطة.

ودعت "تقدم" طرفي القتال إلى حقن دماء السودانيين والدخول فوراً في مفاوضات لوقف الحرب.

ووصفت القوى المدنية الدارفورية قصف الطيران الحربي لمدينتي الكومة (60 قتيلاً) وسرادق عزاء في مدينة مليط (أكثر من 100 قتيل) ومنطقة حمرة الشيخ اليوم (30 قتيلاً) بالصواريخ والبراميل المتفجرة والأسلحة المحرمة دولياً، بأنها "مجازر من أبشع جرائم الحرب"، بينما ظل الجيش يؤكد أن عملياته الحربية الجوية إنما تستهدف بدقة قوات "الدعم السريع".

ودانت هيئة محامي الطوارئ ما وصفته بـ"تمادي الطيران الحربي في جريمته باستهداف المدنيين العزل الذي يمثل جريمة حرب"، مطالبة "المؤسسات الحقوقية الوطنية والإقليمية الدولية بالضغط لوقف مثل هذا القصف العشوائي".

عزل وتطويق

في السياق، أوضح الباحث الأمني والعسكري ضو البيت الدسوقي أن سيطرة الجيش على جبل موية تعني إحكام قبضته على الطريق القومي الحيوي الرابط بين مدينتي ربك - سنار عاصمتي ولايتي النيل الأبيض وسنار، وقطع كل طرق الإمداد عن قوات "الدعم السريع" الموجودة في كل من مدن سنجة والدندر والسوكي وبقية قرى ولاية سنار.

وتابع أن "قطع هذا الطريق الحيوي يعني كذلك عزل قوات ’الدعم السريع‘ عن قواتها الموجودة في ولاية الجزيرة، مما يسهل حصارها وحرمانها من وصول أي دعم لوجستي لها سواء بالسلاح أو المقاتلين، فضلاً عن أن التقاء قوات الجيش في ولاية النيل الأبيض بقوات ولاية سنار يعزز قدراته الهجومية ويهيئ لعمل عسكري أوسع".

وشرح أن الاستراتيجية العسكرية التي ينتهجها الجيش في الوقت الراهن ترتكز على فتح الجبهات القتالية كافة بهدف منع عمليات الإسناد التي تعتبر من أهم تكتيكات "الدعم السريع" في تعزيز كثافة هجماتها، كما أن تنشيط كل محاور القتال مع ملاحقة الطيران الحربي شتت قوات "الدعم السريع" وأرهقها بشدة وحرمها من أهم عناصر قوتها.

الخرطوم حاسمة

وفي ما يخص معارك العاصمة الخرطوم، رأى الدسوقي أن حرب المدن يصعب حسمها في وقت وجيز أو هجوم واحد، لكن مجرى العمليات حتى الآن يؤكد أن قوات "الدعم السريع" بدأت تخسر معاركها العسكرية وتتراجع بصورة متتابعة، لكن تبقى النتيجة الحاسمة في كسب هذه الحرب مرهونة بتحرير العاصمة الخرطوم والسيطرة عليها.

ويلاحظ الدسوقي تراجع هجمات "الدعم السريع" بصورة مطّردة، بعد أن أحدثت استراتيجية التوسع والانتشار الجغرافي التي انتهجتها خلال أشهر الحرب الأولى ضرراً بليغاً بخططها اللاحقة في المحافظة على الأراضي التي اكتسبتها من دون أن تتمكن من إحكام سيطرتها الفعلية عليها.

تحول عملياتي

على الصعيد نفسه، كشف المتخصص في إدارة الأزمات بمركز الدراسات الدولية في الخرطوم أمين إسماعيل مجذوب أن مسرح العمليات الحربية شهد تحولاً كاملاً بانتقال الجيش من الدفاع إلى الهجوم النشط المتعدد المحاور والجبهات، مشيراً إلى أن الهدف النهائي من هذه الاستراتيجية هو تطهير العاصمة بالكامل من قوات "الدعم السريع".

وأوضح أن تحقيق هدف تحرير العاصمة سيشكل دافعاً معنوياً كبيراً وعقيدة قتالية جديدة تكونت لدى الجيش ستمكنه من نقل المعارك إلى مسارح أخرى في الولايات الوسطى والأطراف الشرقية للبلاد وولايات دارفور.

وقال "نستطيع أن نؤكد الآن أن ميزان القوة تغير كلياً لمصلحة الجيش نتيجة مراحل عدة من التحضير الطويل أسهم في تحطيم قوة ’الدعم السريع‘، ولم يتبقَّ لها سوى بعض القوات من المستنفرين والكسابه والشفشافه أي ’النهابين‘"، لكنها لا تستطيع مواجهة هجمات الجيش الحالية، وتجسد ذلك في الانسحابات المتعددة وتسليم الأسلحة والمركبات أو محاولة الهروب بالثياب المدنية.

حرب إعلامية

ورأى مجذوب أن تهديد قوات "الدعم السريع" بالحرب أو وقف التفاوض، مجرد حرب إعلامية لرفع معنويات عناصرها بعد الورطة الكبيرة التي دخلت فيها عندما قررت مواجهة الجيش ومحاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة.

ويكتسب طريق ربك - سنار أهمية استراتيجية كبيرة لأنه يتحكم في التواصل بين غرب السودان وشرقه وولاية النيل الأبيض وهو منفتح أيضاً على الحدود الإثيوبية ومع دولة جنوب السودان، الرابط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض.

وتقع منطقة جبل موية الزراعية الخصبة ضمن سلسلة جبلية تمتد في حدود ولاية سنار، وتشكل نقطة تلاقي لثلاثة طرق تربط النيل الأبيض غرباً والنيل الأزرق جنوباً وولاية الجزيرة شمالاً، وتبعد من الخرطوم العاصمة نحو 250 كيلومتراً من الجهة الجنوبية الشرقية ونحو 24 كيلومتراً من الجهة الغربية لمدينة سنار.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير