Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحوير قصة غزة: وسيلة خامنئي ونتنياهو للحفاظ على الشرعية

منذ عام على هجوم 7 أكتوبر يروج كل طرف بأنه يملك الذراع الطولى عبر سرديات متصارعة 

حرب سرديات محتدمة بين إسرائيل وإيران ووكلائها (غيتي)

ملخص

توصف السرديات المتصارعة بين إيران ووكلائها وإسرائيل بأنها "سرديات دائرية" أي سرديات تعزز بعضها بعضاً، وخطورتها تكمن في أن كلاً من طرفي الصراع يرى الآخر مشكلة وجودية ولا بد من القضاء عليه.

في ثنايا حرب البندقية في فلسطين ولبنان، تنشط حرب سرديات محتدمة بين إسرائيل وإيران ووكلائها، فبينما تبرر إسرائيل عملياتها العسكرية المتوسعة، تحاول طهران ممثلة بمرشدها علي خامنئي وشبكة وكلائها تصوير الصراع على أنه نصر للفلسطينيين وقرب لهزيمة "العدو". لكن الواقع يخالف الرواية الإيرانية، في ضوء الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي يتعرض لها ما يعرف بـ"محور المقاومة" والتي أضرت بصورته، بخاصة خلال الأسابيع الماضية بعد استهداف "حزب الله".

ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، روجت أطراف الصراع لروايات متصارعة ومتغيرة، ففي البدء انتعش المحور الإيراني بهجوم "حماس" الذي خلف مئات القتلى الإسرائيليين وبهجمات "حزب الله" المحدودة، ودخل الحوثيون ساحة المعركة لكن ما لبث بعضهم أن بدأ انتقاد عدم جاهزية "حماس" للدفاع عن المدنيين ضد آلة الحرب الإسرائيلية، في حين اتضح أن تأثير هجمات الجماعة اليمنية على إسرائيل لم يكُن كبيراً بقدر الضرر الذي ألحقته بالاقتصادين المصري والأردني، في ضوء الاضطرابات بقناة السويس وميناء العقبة، نقطة الوصول الساحلية الوحيدة إلى الأردن.

ومثّل اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية في طهران ضربة قوية لصورة المحور الإيراني وتعمق الضرر بعد تأجيل إيران ردها أكثر من شهرين، ولم يأتِ إلا بعد اغتيال زعيم "حزب الله" حسن نصرالله في الـ27 من سبتمبر (أيلول) الماضي. وعلى رغم نجاحات إسرائيل في اقتناص أعدائها، إلا أن الضغوط عليها لمنع توسيع رقعة الحرب تزايدت وتضررت صورتها في الساحة الدولية، كما ظهر في انسحاب وفود دبلوماسية عدة أثناء كلمة نتنياهو أمام الأمم المتحدة الشهر الماضي.

سرديات "دائرية"

يصف الباحث في الشؤون الإسرائيلية عبدالعزيز الغشيان نوع السرديات المتصارعة بين إيران ووكلائها وإسرائيل بأنها "سرديات دائرية"، أي سرديات تعزز بعضها بعضاً، وخطورتها تكمن في أن كلاً من طرفي الصراع يرى الآخر مشكلة وجودية ولا بد من القضاء عليه، إضافة إلى أنهما متعصبان ويفتقدان إلى البراغماتية".

وأشار الغشيان إلى أن القادة السياسيين في إيران وإسرائيل كانوا يستفيدون من شيطنة بعضهما بعضاً لتعزيز شعبيتهما الداخلية، لكن هذا تضاءل بعد حرب غزة، فداخل الشارع الإيراني تقلصت قدرة النظام على شيطنة إسرائيل لخدمة أغراضه السياسية، وتوصل الشعب الإيراني إلى أن النظام يريد المماطلة وإطالة أمد الحرب لتعزيز نفوذه الداخلي، أما داخل إسرائيل، ففقد نتنياهو شرعيته الداخلية وثقة الإسرائيليين به.

وإقليمياً، يؤكد الباحث أن هناك رواية سائدة، تحديداً لدى معظم دول الخليج، أن كلاً من إسرائيل وإيران تمثلان مصادر لعدم الاستقرار في المنطقة، وترتبط هذه السردية في "علاقة غير بناءة" بالسردية العالمية لأن منتقدي إسرائيل عالمياً يعززون جهود إيران ووكلائها لشرعنة أنفسهم. وأضاف أن هناك قناعة متزايدة على المستوى الدولي بأن نتنياهو لا يريد السلام أو تقديم تنازلات تنتهي بقيام دولة فلسطينية مستقلة.

ويرى الغشيان أن ضحايا هذه الحرب هم الفلسطينيون ودعاة السلام وحل الدولتين في إسرائيل الذين أصبحوا في مأزق، وأن المنتصرين في حرب السرديات هم المتطرفون ومنهم نتنياهو الذي على رغم أنه خسر بعض جمهوره وشرعيته، إلا أنه مدّد عمره السياسي، إضافة إلى متطرفي المنطقة الذين يحاولون استغلال الحرب لتعزيز شرعيتهم عبر خطوات رمزية وغير مؤثرة.

استراتيجية إيران

وتقول الباحثة في معهد واشنطن حنين غدار إن إيران وأذرعها الإقليمية تحاول السير على حبل رفيع جداً في هذا الصراع بهدف الظهور على أنها جزء من هذه الحرب، وفي الوقت نفسه عدم التورط بصورة كاملة. ويقوم الحوثيون و"حزب الله" بدور في هذا الاستراتيجية الإيرانية، مشيرة إلى أن إيران ووكلاءها يفعلون ذلك ليس لأنهم يريدون دعم غزة، بل للحصول على مكان على طاولة أي مفاوضات تخص المنطقة، سواء كانت متعلقة بمسألة السلام بين السعودية  وإسرائيل أو وقف إطلاق النار في غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت غدار لـ"اندبندنت عربية" إن إيران تحاول ضبط وكلائها لتجنب الحرب الكبرى لأنهم لا يستطيعون تحملها، وتركيز الصراع الإقليمي على حرب غزة وجبهتي اليمن ولبنان، مضيفة أن "حزب الله يعتمد بصورة كبيرة على الصواريخ الموجهة بدقة وأصوله العسكرية التي لم تُستخدم حتى الآن وهذه الأسلحة ليست مخصصة لغزة، بل لحماية إيران ونظامها ومصالحها".

وأكدت أنه مع مرور الوقت، "بدأ الناس في لبنان، بخاصة داخل المجتمع الشيعي، ينتقدون ’حزب الله‘، لا سيما عائلات الذين فقدوا أبناءهم، سواء كانوا عسكريين أو غير عسكريين. هؤلاء لا يفهمون لماذا يحدث هذا الأمر، وبدأت النيران ترتد على الحزب وتؤثر سلباً فيه".

تعاطف ليس بالضرورة تأييداً لـ"حماس"

وفي قراءته لصراع السرديات، يلاحظ مؤسس ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب سعود الشرفات أن "حماس" "تستغل ذكاءها السياسي من خلال الدعم المباشر من قبل النظام الإيراني، للتلاعب بمشاعر الجماهير العربية والإسلامية وتزيف وعيها بتصوير التأييد والتعاطف مع الشعب الفلسطيني على أنه دعم وتأييد لها ولمشروعها السياسي، وتسعى إلى ربط الاثنين بصورة لا تنفصم".

ويقول الشرفات وهو عميد متقاعد من الاستخبارات الأردنية، إنه وفي الأردن تحديداً تسعى "حماس" بنشاط إلى استغلال الحرب على نحو أكبر لكسب مزيد من الدعم، وأبرزت التصريحات الاستفزازية لعضو المكتب السياسي لـ"حماس" موسى أبو مرزوق مدى الشعور بالراحة الذي تشعر به الحركة، إذ ادعى في مقابلة في الـ29 من أبريل (نيسان) الماضي أن "الأردن سيكون الوجهة المقبلة لقيادات الحركة في حال غادرت قطر. والأردن شعب مضياف وكريم ومؤيد للمقاومة الفلسطينية".

وأوضح الباحث الأردني ضمن مقالة في "معهد واشنطن" أن تعاطف الأردنيين مع الفلسطينيين ليس بالضرورة تأييداً لـ"حماس"، وقال "لا بد من التوضيح والتأكيد على أن جزءاً كبيراً من حركة الشارع الأردني هي عاطفية وتعبير إنساني عفوي عن حال الغضب الشعبي على ممارسات إسرائيل ضد المدنيين في غزة والضفة الغربية التي تحمل كثيراً من المعاني والذكريات للأردنيين، بخاصة لدى كبار السن من العسكريين الذين يتذكرون كيف كانت الضفة الغربية جزءاً من ’المملكة الأردنية الهاشمية‘ قبل أن تحتلها إسرائيل من الأردن في حرب 1967".

الرأي العام الإسرائيلي

على رغم أنه أشرف على أسوأ فشل استخباراتي وعسكري في تاريخ إسرائيل في أكتوبر الماضي، إلا أن شعبية نتنياهو تعززت بعد النجاحات العسكرية ضد "حزب الله"، ويشير استطلاع للرأي أجرته "القناة 12" الإسرائيلية الأسبوع الماضي إلى أن حزب "الليكود" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي سيفوز بمقاعد أكثر من أي حزب آخر إذا أجريت انتخابات عامة.

وانقسم الإسرائيليون في شأن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتقد تصرفات حكومتهم في الحرب، إذ يقول نصفهم إن هذه المنشورات يجب أن تخضع للرقابة، بينما لا يوافق 41 في المئة. وبحسب إحصاء لمركز "بيو" للأبحاث نشر في الـ26 من أغسطس (آب) الماضي، فإن مؤيدي حكومة رئيس الوزراء الحالي الائتلافية أكثر ميلاً من غير المؤيدين له إلى القول إنه لا ينبغي السماح بالمنشورات التي تنتقد الحكومة.

ويقول 59 في المئة من الإسرائيليين إن المنشورات التي تعبر عن التعاطف مع المدنيين في غزة يجب أن تُمنع من وسائل التواصل الاجتماعي. ويريد 72 في المئة من الإسرائيليين أن يتم فرض الرقابة على المنشورات التي تتضمن مقاطع فيديو أو صوراً للعنف في الحرب.

وتتباين وجهات نظر اليهود والعرب في إسرائيل حول منشورات وسائل التواصل الاجتماعي حول الحرب. وهذا ينطبق بصورة خاصة على المنشورات التي تُظهر التعاطف مع المدنيين في غزة، إذ يقول 70 في المئة من اليهود إنه لا ينبغي السماح بهذه المنشورات، ويوافقهم على ذلك 18 في المئة فقط من العرب.

التغطية الإعلامية

وتشير البروفيسورة لي إدواردز من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية إن التغطية الإعلامية للصراع في غزة تركز بصورة أساسية على المعاناة الفلسطينية، من خلال عرض صور الدمار والشهادات الإنسانية، لكنها تفتقر إلى السياق التاريخي والسياسي الأوسع للقضية الفلسطينية، مما يظهر الفلسطينيين كضحايا لكارثة إنسانية حديثة، بدلاً من أنهم عالقون في صراع قديم وطويل الأمد، لافتة إلى أن هذا يحدّ من مناقشة  "آثار الحرب على النسيج السياسي والاجتماعي والثقافي الغني في فلسطين والذي يشكل تدميره جانباً حاسماً من العنف الوجودي الذي يمارس ضدهم".

في المقابل، تنعكس الرواية الإسرائيلية من خلال أصوات الحكومة والجيش الإسرائيلي والرهائن وعائلاتهم، وعلى رغم أهمية هذه الأصوات، فإن التركيز على الصدمات الشخصية للمدنيين الإسرائيليين يجعل من الصعب عرض معاناتهم بصورة منفصلة عن الأجندات العسكرية والسياسية، مما يؤدي إلى تضاؤل وضوح تجاربهم الحياتية.

ويمثل المنظور الإسرائيلي رئيس الوزراء نتنياهو والجيش والرهائن وأسرهم، وتعدّ إدوارز أن مشاركة المكون العسكري تشكّل صورة إسرائيل كأمة ومعتدية وضحية، ولكن الروابط القوية بين هذه العناصر الثلاثة تعني أن الصدمات الشخصية التي تعرض لها الضحايا والتي تعرضوا لها أثناء هجوم "حماس" وبعده يصعب سردها بصورة منفصلة عن الحرب الكارثية التي جاءت رداً على الهجوم، مشيرةً إلى أن هذا الربط قد يجعل "تجارب الضحايا تصبح أقل وضوحاً وقد تتعرض معاناتهم لخطر الخضوع لأجندات عسكرية وحكومية".

وتلفت إدواردز ضمن بحثها عن التغطية الإعلامية لحرب غزة إلى أن تقارير وسائل الإعلام يغيب فيها التمييز بين إسرائيل بحكومتها وعناصرها العسكرية وبين الهوية اليهودية بصورة عامة، وتقول إن "الهويتين الإسرائيلية واليهودية مرتبطتان على نحو واضح، إلا أن إسرائيل لم تكُن يهودية بصورة حصرية قط، والخلط بين الاثنتين يخلق ميلاً إلى إخفاء حقيقة مفادها بأن اليهود في جميع أنحاء العالم وكذلك في إسرائيل نفسها احتجوا منذ فترة طويلة على احتلال الأراضي الفلسطينية ويستمرون في رفض الرد المتطرف ضد الفلسطينيين في جميع أنحاء غزة، فضلاً عن العنف الذي يمر من دون عقاب في الضفة الغربية".

وترى الباحثة البريطانية أن تأثير الحرب امتد إلى بريطانيا في ضوء التمييز المتزايد ضد المجتمعات اليهودية والمسلمة منذ هجوم السابع من أكتوبر والذي تجلى في الزيادة الهائلة في جرائم الكراهية المعادية للسامية وكراهية الإسلام، مما يشكل جزءاً من العواقب البعيدة المدى للحرب الحالية، إذ ينظر إلى هذه المجتمعات على أنها امتداد أو وكلاء أو ممثلون لطرفي الصراع في إسرائيل وغزة.

المزيد من متابعات