ظل 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لأعوام طويلة اليوم التاريخي الذي لا يضاهى في بشاعة تداعياته، لدرجة أنه لم تفلح أحداث جسام مثل يوم سقوط صدام وتنحي حسني مبارك وانهيار نظام الإخوان في مصر عن احتلال موقعه على رأس قائمة الفظائع الأشد هولاً خلال القرن الـ 21، لكن تلك الهيمنة على التاريخ أصبح مشكوكاً في استمرارها بعد السابع من (تشرين الأول) 2023 وتداعياته المدمرة.
ولهذا كانت المقارنة بين الحدثين وتداعياتهما على المنطقة تستدعي كثيراً من المراجعة، دفعت "اندبندنت عربية" إلى تقصي الحكاية منذ البداية، فقد كان لافتاً أن الإسرائيليين والأميركيين أول المتسابقين إلى استدعاء نقاط التشابه لكن لأسباب مختلفة، فتل أبيب أرادت اختزال هول ما أصابها وتبرير ما ستقدم عليها لاحقاً من تنفيس غضب وتدمير، مثل أميركا تماماً حين ضربت في عقر دارها، بينما كان ربط واشنطن بين الحادثتين من جهة دعوة إسرائيل إلى أخذ العبرة من أخطائها السابقة.
ورأت ثلة من الخبراء في "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" أن الربط بين الحدثين وجيه في أكثر من جانب، وإن حذرت من أن يساق على هيئة تبرير للأخطاء الإستراتيجية التي اعتبرتها تسجيل أهداف في الذات بدل التعلم منها.
وذكرت أن "هجمات أكتوبر" شكلت "نقطة تحول ينبغي لها أن تسلط الضوء على الحقائق التي كثيراً ما يُتغاضى عنها في ما يتصل بالشرق الأوسط، وأن ترغم صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة على إعادة النظر في المفاهيم المسبقة حول المنطقة ودور أميركا ومصالحها فيها"، مشيرين إلى ضرورة عودة واشنطن بجدية للمنطقة بدل الانسحاب منها.
دوافع التشبيه: للتعلم أم التبرير؟
أما الجنرال الأميركي الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس الذي أشرف على حملة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، فرأى أن "هجوم 'حماس' أسوأ بكثير من هجمات الـ 11 من سبتمبر 2001".
ولم يكن نتنياهو في أول خطاب له بعد الحادثة أقل مبالغة، فقد رآها بالنظر إلى عدد سكان إسرائيل وطبيعة الخسائر التي وقعت "مثل أحداث الـ 11 من سبتمبر مضاعفة 20 مرة".
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من بين من شبهوا هجوم "حماس" باعتداءات الـ 11 من سبتمبر حين قال "إذا نظرت إلى هجمات أكتوبر بالنسبة إل حجم سكان إسرائيل فإن هذا يعادل 10هجمات من 11 سبتمبر"، ولهذا حذر بايدن من ارتكاب الحماقات نفسها الناجمة عن الغضب، وقال "بعد هجمات الـ 11 من سبتمبر شعرنا بالغضب، وبينما سعينا إلى تحقيق العدالة وحصلنا عليها ارتكبنا أخطاء"، وفق تصريحاته التي نشرها البيت الأبيض.
وللعرب أيضاً من المحللين والسياسيين تقريباتهم للحدثين وتوصيفهما، فمنهم من رآهما يلتقيان في أكثر من جانب، مثل الصدمة والخسائر غير المسبوقة لإسرائيل على أيدي فلسطينيين ومعاقبة البريء بذنب المخطئ، وأكثر من ذلك التداعيات المنتظرة التي أصبح بعضها واقعاً اليوم وأن المنطقة لن تعود كما كانت قبله.
AI يقلل من أكتوبر أمام سبتمبر
كما أدلى الذكاء الاصطناعي هو الآخر بدلوه في المقارنة، فهو يرجح بصورة عامة أنه "على رغم التشابه في كونهما هجمات إرهابية تسببت في معاناة كبيرة، فإن السياق السياسي والإقليمي والاستجابة لهما تميزت بطرق مختلفة"، مفسراً ذلك بأن "تداعيات '11 سبتمبر' كانت ذات طابع عالمي، فأثرت في سياسات الأمن العالمية والعلاقات الدولية بصورة شاملة، وفي المقابل فإن تداعيات' 7 أكتوبر' قد تكون أكثر إقليمية وتركز على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وتأثيره في العالم العربي".
لكن ماذا عن بقية أبرز القواسم المشتركة والمتغايرة في الهجومين وتداعياتهما التي رصدتها "اندبندنت عربية" وفقاً لخلاصات كتاب الرأي ومراكز الدراسات وأدلة الذكاء الاصطناعي؟
الجوانب المشتركة
قتل الأبرياء: شكّل استهداف المدنيين في كلتا الحادثتين من قبل جماعتين تدعيان أنهما جهادية تشويهاً لصورة العرب والمسلمين لاحقتهم في أنحاء العالم وفاقمت الغضب ضدهم وزادت حدة التنديد الدولي، وفيما تحرم المجامع الفقهية الإسلامية كافة استهداف المدنيين حتى في أعمال الدفاع المشروع عن النفس، فإن فقهاء ينتمون إلى جماعات الإسلام السياسي برروا العمليات الانتحارية في إسرائيل وغيرها ضد الأهداف المدنية بحجج طالما نقضت من العلماء المعتدلين.
قصر النظر: كان ذلك سمة في معظم الجماعات الشعبوية اليسارية والجهادية، فهي تنظر للعمليات من زاوية ضيقة مما أنتج منها ارتدادات جمة مثلما صار في هاتين العمليتين وسواهما، مع أنه بالنسبة إلى أقل الناس دراية فلم يكن صعباً توقع رد الفعل الإسرائيلي ولا الأميركي.
التغطية الأيدولوجية: حجم الدمار والخسائر التي أعقبت الهجومين لم يمنعا "القاعدة" و"حماس" من التبشير بهما واعتبارهما يومين من أيام الله وغزوتين مباركتين وأن النصر كان حليفهم، بل وكان التوظيف الأيديولوجي أكبر، إذ وظف تيارهما الحادثتين في التجنيد وشيطنة من يضاد أفكاره، وتكلف استدعاء فوائد غير مباشرة مثل مزاعم كثرة السؤال عن الإسلام في الغرب بعد الأولى، واستعادة قضية فلسطين زخمها بعد أكتوبر، مع أن كلا الطرفين بعد فترة من وقوع التداعيات كان يتمنى عودة الأمر إلى لما كان عليه قبل إشعال الأزمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قضية فلسطين: كان احتلال فلسطين دافعاً رئيساً في الهجومين ولو بصورة متفاوتة، مع أن كثيرين يجادلون بأنه ما أضر بالقضية العادلة أكثر من العنف والإرهاب، وجميع المكاسب التي حققتها حتى الآن كانت بدافع التفاوض والضغوط السياسية والمقاومة السلمية، وجاءت العمليتان قبيل مفاوضات حاسمة لمصلحة إنجاز حل نهائي للقضية.
أصابع إيران الخفية: لم يكن واضحاً في البداية علاقة إيران بـ "القاعدة" إلا في وقت لاحق بعد أن آوت عناصر التنظيم الفارة من أفغانستان، ووثق ابن لادن نفسه ذلك في بعض المذكرات التي وجدت في مقر إقامته، أما علاقة "حماس" بطهران وافتخار الأخيرة بتمويلها فلم يكن سراً.
القصاص الأعمى: لا يجادل أميركيون في أن تعاطيهم مع حدثهم كان انتقامياً بحتاً ويفتقد إلى العقلانية، ولا سيما في ما تعلق منه باجتياح العراق، وكذلك أقرت أقلام غربية وحتى إسرائيلية عدة بأن في رد فعل تل أبيب قصاص أعمى من المدنيين يزيد تدحرج كرة العنف أكثر مما هو فعل ردع وعقاب للمهاجمين.
حروب استنزاف: اتبعت "القاعدة" في امتصاص الغضبة الأميركية والغربية النهج نفسه الذي اتبعه محور إيران في نقل المعركة إلى أكثر من موقع، ولا ندري حتى الآن هل ستشن إسرائيل حروباً في الإقليم تردد أنها تسعى إليها للانتقام واستعادة تفوقها بقصد الردع لاتخاذ من يتجاسر عليها عبرة، إلا أنها إن فعلت فإن أميركا جربت ذلك، وكانت النتائج تدميرية على البلدان المستهدفة مثل أفغانستان والعراق ومحيطهما، لكنها أيضاً استنزفت واشنطن التي أقرت بخطأ ذلك لاحقاً وضريبته في الخسائر البشرية والمادية الأميركية.
زوايا الاختلاف
الدوافع والمبررات: مع أن القاعدة و"حماس" ينتميان إلى أيدولوجية واحدة إلا أن "القاعدة" كانت أكثر صراحة في "عولمة الجهاد"، فدافعها كان إيقاظ المسلمين عبر الإيقاع بينهم وبين الغرب، بينما كانت "حماس"، وهي منظمة فلسطينية تركز على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، أقل أممية في دوافعها، حتى وإن ظلت تحرض الأمة أجمع على الانضمام إليها في معركتها.
الجغرافيا السياسية: أهم عناصر الاختلاف تمثل في هذا العامل من جهات عدة سهلت الهجوم وصعبت الرد عليه من دون كلفة بشرية باهظة، كما أن إسرائيل حين تفرغُ من تدميرها الواسع لقطاع غزة فإنها لن تستطيع الانسحاب منه وتركه بالكلية مثلما فعلت واشنطن في أفغانستان والعراق، فهي وإن أضرت بسكان القطاع فإنهل تنتقم من نفسها في شق آخر، لأنها ستكون مجبرة لأسباب مختلفة على التعامل مع مخلفات حربها لزمن طويل.
التضامن الدولي: كان التضامن مع إسرائيل ممزوجاً بكثير من الانتقاد ولا سيما بعد أسابيع من رد فعلها، وذلك يعود لطبيعة أنها دولة محتلة ولم يكن الهجوم ناجماً عن دوافع أيدولوجية صرفة مقارنة بسابقه في نيويورك، لكن حتى التضامن الأول مع إسرائيل تراجع وانقلب إلى نقد مثلما حدث مع أميركا كذلك عندما ظهرت آثار انتقامها في العراق وأفغانستان.
التأثيرات العالمية: أثرت هجمات "11 سبتمبر" بصورة كبيرة في المجتمعات الغربية من خلال زيادة المراقبة والأمن، مما أدى إلى تغييرات في أساليب الحياة والمراقبة الأمنية، كما تفاقمت مشاعر الـ "إسلاموفوبيا" وازدادت القيود على المجتمعات الإسلامية في الغرب، بخلاف هجمات "7 أكتوبر" فإنها أدت إلى زيادة التوترات والصراعات الإقليمية وتفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، لكن آثارها لم تكن بالحجم نفسه.
سقوط دول: لم تش إسرائيل حتى الآن هجوماً منسقاً مع حلفائها الغربيين لإسقاط أي من دول محور الشر بالنسبة إليها مثلما فعلت أميركا، لكن هذه الفكرة يتردد أنها تراود تل أبيب لولا ضغوط واشنطن والإقليم المتمسك بالتهدئة، غير أن محاولة توظيف الهجوم في تمرير أجندة سياسية كبرى في المنطقة مثل التهجير إلى الأردن وسيناء لا يزال حدوثها وراداً حتى إن لم يكن محسوماً.
المآلات النهائية: تستبعد إسرائيل حتى الآن اتباع النهج نفسه الذي ختمت به واشنطن حربها في أفغانستان حين أبرمت اتفاق الانسحاب مع "طالبان" بسبب طبيعة الصراع المختلفة العائدة للجغرافيا، إلا أن حدوث ذلك يبقى حلماً يراود كل الأطياف الإسلاموية منذ انسحاب أميركا من أفغانستان وتسليمها لـ "طالبان"، فـ "حماس" ترى في تلك التجربة إلهاماً لها على رغم الاختلاف الكبير، وتؤمل هي والتيار المساند لها أن تخرج منتصرة ولو بعد حين بأن تكون بديلاً عن السلطة الفلسطينية، لكن ذلك مرفوض من كل الأطراف المعنية بالصراع، ليس فقط إسرائيل ولكن أيضاً المنطقة العربية التي ترى الحركة تنظيماً مدفوعاً بأيدولوجية تفتقر إلى الواقعية السياسية، وباتت حليفة لمحور إيران ذي الأهداف المغايرة للعربية المنصوص عليها في "مبادرة السلام العربية".
وبما أننا عدنا لذاكرة الـ 11 من سبتمبر فإن أكثر ما تعلمنا هي والأحداث التي أعقبتها، خصوصاً غزو العراق وما بعد "الربيع العربي"، أن أميركا وإسرائيل ومحور إيران غالباً ما خلصوا إلى النتائج نفسها في جانب إلحاق الأذى بالدولة العربية ومنظومة أمنها الإقليمي.