Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تريد إسرائيل إبعاد قوات "اليونيفيل" عن جنوب لبنان؟

أهمية هذه القوات الأممية تكمن في الصلاحيات التي تستمدها من القرار الدولي رقم (1701)

علق وزير الدفاع الإيطالي على التطورات الأخيرة قائلاً إن لبنان ليس أفغانستان وما يحدث في جنوبه تجاه "اليونيفيل" غير مقبول (ا ف ب)

ملخص

مع التطورات الأمنية الأخيرة في جنوب لبنان، واستهداف إسرائيل أبراج مراقبة تابعة لقوات حفظ السلام، يطرح متابعون جملة أسئلة تصب غالبيتها في مكان واحد، وهي هل تهدف تل أبيب لإبعاد قوات "اليونيفيل" تماماً عن الحدود تمهيداً لعمل عسكري بري كبير؟ وهل التطورات الحالية تمهد لإعادة النظر في دور "اليونيفيل" ومهماتها؟   

على خط قوات حفظ السلام الدائمة جنوب لبنان "اليونيفيل"، تتسارع التطورات بصورة كبيرة و"دراماتيكية"، تزامناً مع تطورات الميدان على الأرض وكذلك في الجو.

خلال الساعات الماضية تركز الحديث عن رغبة إسرائيل بإبعاد قوات "اليونيفيل" من جنوب لبنان لبضعة كيلومترات، فيما اتهمت قوات حفظ السلام هذه التابعة للأمم المتحدة الجيش الإسرائيلي بقصف أحد أبراج المراقبة التابعة لها ضمن مقرها في الناقورة.

وقالت إن اثنين من أفرادها أصيبا بنيران دبابة إسرائيلية على مقرها في جنوب البلاد أمس الخميس، في حين تدور اشتباكات بين إسرائيل و"حزب الله" على الحدود. كما كشفت في بيان أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على مدخل مخبأ في موقع اللبونة للقوات الدولية في رأس الناقورة، حيث كان جنود حفظ السلام يحتمون.

في الوقت عينه خرج  مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة أمس، بتصريح "لافت" قال فيه إن إسرائيل توصي بنقل القوات الدولية جنوب لبنان لمسافة خمسة كيلومترات شمالاً "لتجنب الخطر مع تصاعد القتال".

امتعاض أوروبي

الدول الأوروبية المسهمة في القوة الأممية نددت بهذا القصف الذي حذرت روما من أنه قد يرقى إلى "جريمة حرب"، فيما علق وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروزيتو على هذه التطورات قائلاً إن لبنان ليس أفغانستان وما يحدث في جنوبه تجاه "اليونيفيل" غير مقبول.

بدوره أكد المتحدث باسم قوات "اليونيفيل" في لبنان أندريا تينينتي أنهم عازمون على البقاء في مواقعهم جنوب لبنان على رغم الهجمات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، وأضاف "ربما يكون هذا من أخطر الأحداث أو الوقائع التي شهدناها على مدار 12 شهراً ماضية".

فيما كانت قوات "اليونيفيل" قد أثارت قبل أيام قليلة، وتحديداً في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري علناً مخاوف في شأن الأنشطة العسكرية الإسرائيلية المجاورة مباشرة لموقع البعثة جنوب شرقي مارون الراس، فيما وجد تحليل صور الأقمار الصناعية الذي أجرته مجموعة التحقيق المستقلة "بيلينغكات" وجود نشاط عسكري إسرائيلي جديد مرئي قرب موقع "اليونيفيل" 6-52، مع وجود 30 مركبة عسكرية في الأقل بدا أنها تابعة للجيش الإسرائيلي قرب الموقع في الوقت عينه.

وكانت "هيومن رايتس ووتش" علقت على التطورات الأخيرة بالقول إن الجيش الإسرائيلي شن هجمات متكررة أضرّت بعمليات حفظ السلام التابعة لـ "الأمم المتحدة" في جنوب غربي لبنان في انتهاك مفترض لقوانين الحرب. 

وهنا يطرح متابعون جملة أسئلة تصب غالبيتها في مكان واحد، وهي هل تهدف إسرائيل لإبعاد قوات "اليونيفيل" تماماً عن الحدود تمهيداً لعمل عسكري بري كبير؟ وهل التطورات الحالية تمهد لإعادة النظر في دور "اليونيفيل" ومهماتها؟ 


ماذا نعرف عن قوات "اليونيفيل"؟

تعد قوات "اليونيفيل" واحدة من أقدم بعثات الأمم المتحدة في الشرق الأوسط وأطولها خدمة. نشأت قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان عام 1978، بعد العملية العسكرية البرية التي نفذتها إسرائيل حينها تحت مسمى "عملية الليطاني" بهدف إبعاد فصائل فلسطينية مسلحة كانت متمركزة في جنوب لبنان على حدودها. وبعد حرب يوليو (تموز) عام 2006 بين إسرائيل و"حزب الله" تم تعديل مهمات وعدد قوات حفظ السلام، فيما يبلغ عدد عناصرها اليوم نحو 10500 عنصر من 47 دولة حول العالم  أبرزها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وإندونيسيا والهند وغانا، ينتشرون في 50 قاعدة.

وأهمية هذه القوات الأممية جنوب لبنان تكمن في الصلاحيات التي تستمدها من القرار الدولي رقم (1701) التي تعطيها حق التحرك والتأكد من عدم وجود ميليشيات مسلحة وإدخال أسلحة إلى المنطقة الخاضعة لها بين الخط الأزرق على الحدود مع إسرائيل وصولاً إلى نهر الليطاني جنوب لبنان.

ولا تزال معظم الأطراف المحلية والدولية تعول على الأهمية الإستراتيجية لقوات حفظ السلام الدولية "يونيفيل" لإعادة ترتيب الاستقرار بين لبنان وإسرائيل، وهذا ما عكسه الإجماع الدولي على تجديد مهمة تلك القوات لعام آخر ينتهي في الأول من سبتمبر (أيلول) 2025.

بصفتها قوة لحفظ السلام، تتمتع "اليونيفيل"، "بتفويض لضمان الاستقرار في المنطقة، وحماية السكان المدنيين، ودعم الأطراف في الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه تحقيق وقف دائم لإطلاق النار". يشمل هذا استخدام القوة "لحماية المدنيين المعرضين لخطر العنف الجسدي الوشيك".

وتتلقى "اليونيفيل" تمويلها من موازنة الأمم المتحدة المخصصة لعمليات حفظ السلام، التي تحدد بناء على إسهامات الدول الأعضاء، وتبلغ 503 ملايين دولار سنوياً.

إسرائيل وإبعاد "اليونيفيل"

يتفق جميع الخبراء العسكريين أن الهدف وراء الضغط الإسرائيلي على قوات حفظ السلام جنوب لبنان يعود إلى سبب واحد وواضح وهو إبعاد "اليونيفيل" وكذلك الجيش اللبناني عن مناطق النزاع الحدودية، على نحو يترك للجيش الإسرائيلي حرية الحركة في مواجهة الحزب، لا سيما في العمليات البرية.

يرى المتخصص العسكري العقيد الركن المتقاعد أكرم سريوي أن إسرائيل تحاول إقامة منطقة عازلة محروقة بالنار وخالية من السكان بعمق خمسة كيلومترات، ويبدو واضحاً هذا المشروع أولاً من القصف العنيف وتدمير المنازل وتهجير السكان، وثانياً من الإنذار الذي وجه لقوات الأمم المتحدة لمسافة محددة عن الحدود، ويضيف أن تل أبيب ترغب بفرض سيطرتها على هذه المنطقة، التي لا تُبعد في المنظور العسكري خطر صواريخ "حزب الله" عن المستوطنات الشمالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف أن ما يجري حقيقة على الأرض هو أن إسرائيل تريد تعديل القرار (1701) وأن يصدر عن مجلس الأمن قرار جديد لا يلزمها بالانسحاب من جنوب لبنان، وبخاصة من النقاط الإستراتيجية التي لا تريد التخلي عنها، لذا هي تريد قراراً جديداً يفرض عليها الانسحاب من المناطق التي ستدخلها مستقبلاً في مقابل انسحاب "حزب الله" إلى شمال الليطاني، كما تريد أن يكون القرار الجديد ينص على توسيع مهمة القوات الدولية شمالاً.

يعتبر المتخصص العسكري أن تل أبيب لا تريد أي شاهد على ما ستقوم به من توسيع لعملياتها في الجنوب، لذلك كان الهدف الرئيس من استهدافها قوات "اليونيفيل" خلال الأيام الماضية هو أبراج المراقبة والكاميرات المركبة لدى قوات الطوارئ، التي تسجل وتدون للأمم المتحدة ما يحصل جنوباً على جانبي الحدود.

ويقول "لا أعتقد أن ’اليونيفيل‘ ستترك مراكزها، فهي تنفذ قراراً دولياً، أما وإن حصل أن غادرت قوات ’اليونيفيل‘ مكانها جنوباً فهذا يعني أن تل أبيب لا تعترف بالحدود التي رسمت عام 2000 وبالخط الأزرق، وهذا يعني أيضاً أنها ترغب بتعديل الحدود، وكان قال الإسرائيليون مراراً إن حدود دولتهم شمالاً هي نهر الليطاني، وهذا سيطرح معضلة كبيرة أمام لبنان وأمام المجتمع الدولي".

هل تخرج الـ"يونيفيل" تحت الضغط؟

في مقابل الضغط الإسرائيلي الميداني على قوات الـ"يونيفيل" باستهداف أبراج مراقبة تابعة لها برزت تصريحات من دول أوروبية عبرت عن رفضها لما تقوم به القوات الإسرائيلية، ومنها تصريح لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز دعا خلاله المجتمع الدولي إلى وقف بيع الأسلحة لإسرائيل، مندداً بالهجمات التي تستهدف القوات الأممية جنوب لبنان.

يقرأ الصحافي المتخصص في الشؤون الأوروبية تمام نورالدين التطورات الأخيرة ويقول، "ما يحصل ليس مشهدية جديدة أو مستغرباً على رغم أنه خطر للغاية، فمنذ دخول القوات الأممية جنوب البلاد أواخر سبعينيات القرن الماضي وإسرائيل تحاول التضييق عليها لدفعها الخروج والابتعاد نحو الشمال، وهي رفضت وترفض اليوم".

يعتبر نور الدين أن تل أبيب بما تقوم به تضرب عرض الحائط بكل القوانين الدولية وشرع حقوق الإنسان، أما الكلام في الكواليس فيتضمن سيناريوهات تضب غالبيتها في خانة تغيير ميداني جنوب لبنان، منها خيار وجود قوة متعددة الجنسيات، وسيناريو آخر يتحدث عن تعزيز الـ"يونيفيل" تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ويعترف نور الدين أن الضربات الإسرائيلية قد تدفع الـ"يونيفيل" للخروج من الجنوب، لكنها ستعود بعد فترة، كما حصل خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ويعتبر أن هناك حساسية تجاه الجيش الإسرائيلي، إذ من الصعب أو شبه المستحيل أن نرى جندياً من الـ"يونيفيل" يطلق النار لإبعاد جندي إسرائيلي أو الدبابات من التقدم، مهما فعلت القوات الإسرائيلية.


مضايقات منذ عقود

تكشف وثيقة سرية أعدتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وتعود لعام 1983، وكانت "اندبندنت عربية" انفردت بنشر تفاصيل منها، أن المضايقات الإسرائيلية لقوات "اليونيفيل" ليست جديدة، بل تعود لأكثر من أربعة عقود أي منذ وجود هذه القوات جنوب لبنان.

والتقرير الأميركي السري المذكور يقول إن إسرائيل حينها كانت تعتبر أن منع عودة هيكلية عسكرية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية (التي كانت موجودة في تلك المرحلة جنوب لبنان) يتطلب عدم وجود قوات "يونيفيل"، فهي تعدها (اليونيفيل) غير فعالة وعلى الأرجح ستتعارض مع قدرة إسرائيل فرض سيطرتها على الوضع، كما ذكرت الوثائق.

وجاء في نصها أيضاً أنه "بهدف تقوية قوة الرائد سعد حداد (في إشارة إلى جيش لبنان الجنوبي المؤيد لإسرائيل) في الجنوب بصورة أكبر، أدخلت القوات الإسرائيلية في عمليات مضايقة مستمرة لقوات ’اليونيفيل‘ للحد من سلطتها في مناطق نفوذها. وتأمل تل أبيب على الأرجح أنه من خلال منع ’يونيفيل‘ من تأدية مهماتها، ستثبط عزيمة الدول المشاركة فيها من تجديد مهماتها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير