ملخص
الفنانون المقيمون في غزة عايشوا الحرب لحظة بلحظة فهم يرسمون على خطوط النار ومنهم من نزح مع النازحين أو فقد بيته أو بعض أحبائه.
يبني كل فنان في العالم أرشيفه وتاريخه في سنوات طويلة ليكون هذا كنزه وحصاد رحلته وهو الشيء الأكثر قيمة الذي يمتلكه، ولكن في بقعة من العالم هي غزة فقد قطاع كبير من فنانيها التشكيليين كامل أرشيفاتهم بفعل الحرب الطاحنة الدائرة منذ أكثر من عام، فكثير منهم هدمت منازلهم ومراسمهم وسويت بالأرض من جراء القصف الإسرائيلي، ويجد كثير منهم نفسه مطالباً بانطلاقة جديدة في ظل أجواء شديدة القسوة وإبداع من وحي التجربة الإنسانية التي يعيشها، فكيف عبر هؤلاء عن عام من الحرب؟
ولكن بارقة الأمل هنا هي أن هؤلاء الفنانين المحاصرين في غزة انطلق كثير من أعمالهم التي أبدعوها من وحي الحرب بأقل الإمكانات والخامات الفنية المتاحة لتجوب كل القارات وتكون صوتاً لكل أهل القطاع في كل أنحاء العالم، فالفن لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة. وتزامناً مع المعارك أقيم عدد من الفعاليات شارك في بعضها أعمال لفنانين مقيمين في قلب الحرب الدائرة.
المتابع لصفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالفنانين التشكيليين الفلسطينيين على مدى عام مضى سيجد أن أعمالهم الأولى في بدايات الحرب جاءت بخطوط مرتبكة وغير واضحة مثل كل المشهد من حولهم، ومع مرور الأيام أصبحت أكثر ثباتاً، حتى إن بعضهم بعد 12 شهراً على الحرب يمكن أن نقول إنه قدم تجربة فنية متكاملة من وحي الحدث على رغم قلة الإمكانات وفي بعض الأحيان انعدامها.
إضافة إلى ذلك وجدت تجارب مثلت علامات فارقة على الصمود ورفض الهزيمة وإضفاء طابع الجمال على رغم الدمار وقسوة الظروف، فانتشرت صور لفنانة من غزة ترسم على أنقاض المنازل المهدمة بفعل القصف، ورسم فنان على عبوات المساعدات الغذائية التي ترسلها المنظمات الدولية إلى سكان القطاع. وفي الوقت نفسه قدم كثير من الفنانين أدواراً مجتمعية، مثل إقامة ورشات فنية للأطفال في المخيمات لإدخال صورة من صور السعادة عليهم في ظل الظروف القاسية.
أرشيفات فنية تحت الركام
الخيام والنزوح والأمتعة والسير إلى المجهول كلها تيمات ظهرت بقوة في أعمال الفنانين المقيمين في غزة خلال عام الحرب، فبعضهم يرسم من قلب مخيمات النزوح، فهم في الواقع في قلب لوحاتهم ولا يعبرون عن مشهد رأوه أو سمعوا عنه، وجاءت شخوص اللوحات بملامح حزينة وخائفة ومترقبة، ونفذ معظم الأعمال الفنية بخامات بسيطة نظراً إلى ندرة وصعوبة الحصول عليها.
يقول الفنان الفلسطيني باسل المقوسي "في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 استيقظنا على صوت الصواريخ والقصف في كل مكان، خصوصاً أنني أسكن في منطقة بيت لاهيا القريبة من الحدود مع جنوب إسرائيل، ومن شدة القصف خرجت أنا وأسرتي إلى حي الشيخ رضوان بعيداً إلى حد ما عن القصف، لأعرف بعدها بساعات أن بيتي تعرض للقصف المباشر وتم تدمير جزء كبير منه وأصبح لا يصلح للسكن. لم يبقَ شيء في غزة كما كان لا المكان ولا الزمان، وكفنان فقدت كل ما أملك من لوحات أنتجتها منذ عام 2000 وحتى 2023، وكنت قد خزنتها في بيتي المدمر للمرة الثانية فقد دمرته الطائرات عام 2008 ليذهب كل ما به من مقتنيات تحت الركام". ويضيف "أومن تماماً بأن للحرية ألف باب، ويجب علينا أن نطرق الأبواب كلها لننال حريتنا ونبني دولتنا ونحيا كما يحيا كل إنسان في العالم. هذه الحرب هي الأفظع في العالم. دمروا كل ما نملك سواء الحضارة والفنون والمقتنيات التي يحمل كل منها ذاكرة مليئة بالفرح".
الفنان أول من يقاوم وآخر من ينهزم
مع كل حرب شهدها العالم ظهرت أعمال فنية مختلفة عبرت عن حال الناس في هذه الفترة بجميع أنواع الفنون وتحول بعضها مع الزمن إلى رموز وأيقونات، فمنذ أقدم العصور كان دور الفنان حاضراً بقوة في التوثيق والتسجيل لتنتهي الحروب وتبقى الأعمال الفنية شاهدة على هذا الحدث.
يعود المقوسي ليقول "أنا لا أرسم ما هو مباشر عن الحرب، فالكاميرا والصحافيون يوثقون هذه المشاهد بصورة أفضل وأسرع، ولكني أرسم اللحظات والمشاهد التي لا يمكن للكاميرا توثيقها أو التعبير عنها، هنا تحديداً يأتي دوري كفنان، أن أعبر عنها بطريقتي الخاصة التي تتلاءم مع خصوصية كل لحظة نعيشها في هذه الأيام. أحاول مثلاً رسم (رائحة الضحايا)، فالفكرة تبدو غريبة، الرسم يدرك بالحس والعين، وربما باللمس، لكن كيف ستدرك الرائحة في اللوحة، هنا تأتي اللحظة واللون، ويأتي الحس والحب والانتماء والعلاقة مع المكان والزمان بماضيه وحاضره ومستقبله فيكبر الإنسان ثلاثة أضعاف عمره، عندما يحاول التأقلم مع حياة ليست مناسبة له". ويستكمل "كنت من أوائل الفنانين الذين أقاموا الورش والإشراف على كثير من الشباب لإنجاز ورش مع الأطفال. عملت أيضاً مع الأمهات وكانت من أصعب الورش بحياتي، إذ كن يرسمن ويبكين وكنت أبكي معهن. رسمن أحلامهن ومستقبلهن وخوفهن والكوابيس التي تلاحقهن، فالفنان أول من يقاوم وآخر من ينهزم. رسوماتي وأعمالي الفنية ليست لوحات ولا أعمالاً فنية نرسمها ليقتنيها أو يشاهدها المهتمون بالفن، بل هي قطع من أجسادنا تناثرت مع الشظايا في كل لحظة قصف خارجة من فوهات المدافع والصواريخ الساقطة من السماء على بيوتنا فتتناثر أجسادنا معها. هي صرخاتنا التي تخرج وتجرح حناجرنا، هي بفحم وحبر وألوان شكلتها دماؤنا، هي بسمة أطفالنا التي اختفت مع مدارسهم في زمن ليس بزمانهم ولا مكانهم، هي حب في زمن الحرب وهي الخوف من الموت، من الفقد، من المجهول".
الفن كعلاج نفسي
العلاج بالفن هو جانب من الجوانب المعتمدة في الطب النفسي باعتبار أن الفنون المختلفة مثل الرسم والموسيقى والأعمال اليدوية تساعد في تفريغ الطاقة والتنفيس عن المشاعر السلبية. يحدث هذا في الظروف العادية فما بالنا بأجواء الحرب؟
كثير من الفنانين في غزة سخر طاقاته الفنية في عمل ورش فنية للأطفال في مخيمات النزوح باعتبار أن هذا في شأنه تقديم بعض الدعم وإدخال شيء من السعادة عليهم، فجاء الدور المجتمعي للفنانين بصورة لا تقل في الأهمية عن الدور الفني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من بين هؤلاء الفنانة التشكيلية ميساء يوسف التي تقول "أعيش في مدينة دير البلح في قطاع غزة ومنذ بدايتي في عالم الفن كنت أعمل بخامات مختلفة وأنفذ أعمالاً تعتمد على إعادة التدوير. أفادني هذا كثيراً في الوضع الحالي في ظل شح المواد الفنية فأعتمد حالياً في ورشاتي مع الأطفال على المواد المتاحة من أوراق أو خامات ونعيد تدويرها، فالفن هو إحدى أدوات العلاج النفسي والأنشطة التي أقوم بها مع الأطفال. كانت تمنحني الدعم النفسي فكنت أحاول الحصول على الأمل والجمال من نفوس الأطفال كما نحاول منحهم لحظات من السعادة وسط أجواء شديدة القسوة". وتضيف "في واحدة من الورش طلبنا من الأطفال رسم أكثر شيء يحبونه فقدوه في الحرب. رسم بعضهم ألعاباً وحيوانات أليفة وأشياء متعددة بينما رسمت واحدة من الأطفال أمها التي فقدتها هي وكامل أسرتها في المعارك. سعيت للحصول على صورة لعائلة الطفلة من إحدى قريباتها ورسمت لها صورة لعائلتها مجتمعة، فرحت الفتاة فرحة طاغية وإلى الآن اللوحة معلقة على جدران الخيمة التي تسكنها. هذا هو دور الفن".
إبادة للهوية الثقافية والفنية
الفنانون المقيمون في غزة يعايشون الحرب لحظة بلحظة فهم يرسمون على خطوط النار ومنهم من نزح مع النازحين أو فقد بيته أو بعض أحبائه، فهم مثل غيرهم ينتظرون المجهول ولكنهم حملوا على عاتقهم أن يوثقوا ويعكسوا كل هذه المشاعر الإنسانية في عمل يحمل مسحات من الجمال على رغم قسوة المشهد.
تقول ميساء "في هذه الحرب فقدت منزلي بعد ما تم إجلاؤنا منه قسراً للتوجه لأماكن آمنة، ولكن لا يوجد مكان آمن في غزة، ليقصف المنزل ويحرق بالكامل ومعه مرسمي وعالمي الخاص. هدم المنزل فوق أعمالي وتاريخي ومسيرتي الفنية التي راحت بكاملها، ولكننا استخرجنا بعض الخامات والأوراق من تحت الأنقاض وأقمنا بها ورشاً للأطفال فلا بد أن نصمد ونقاوم. الحرب وقعها وأثرها كبير في نفسي ونفس كل شخص بالعالم، ولكننا في غزة نعيش التفاصيل، فما يحدث حالياً هو حرب إبادة ليست فقط على البشر ولكنها إبادة للهوية الثقافية والفنية باستهداف كل المعالم التراثية والتاريخية التي تؤكد انتماءنا لهذه الأرض وأننا أصحابها الأصليون. تغيرت نظرتي لكثير من الأمور ولكني عقدت العزم على الاستمرار كفنانة وإنسانة وأن أستكمل مشروعاتي وخططي". وتروي "رسمت عن النكبة والنزوح والحصار والاحتلال، وها نحن نعيش نكبة جديدة سيذكرها أولادنا فهي ليست أول حرب ولكن أكثرها قسوة. منذ بدء الحرب نعيش حالة من الخوف والترقب. الفنان بشر وهو جزء من المجتمع يجري عليه ما يجري على غيره في ظروف الحرب، ولكن نظرته للأشياء وتعبيره عن المشاعر يختلفان، فهو يحاول استخراج الجمال في أصعب الظروف، فأحكي في لوحاتي عن مشاعري وعلى رغم أننا محاصرون في القطاع فإن لوحاتنا كفنانين انطلقت إلى جميع القارات وكانت صوتاً لكل فلسطيني".
فنان يرسم على "كراتين المساعدات"
في واحدة من النماذج التي تعكس قدرة الفنان على النظر للأشياء بصورة غير مألوفة تأتي تجربة الفنان محمد مهنى مع الحرب، فمع شح المواد الفنية وندرتها ونفادها مع الوقت استطاع أن يخلق مشروعاً فنياً يعكس فلسفة خاصة بالرسم على "كراتين المساعدات" التي تنتشر في القطاع حاملة المواد الغذائية، لتتحول بعد ذلك إلى مهملات لا تلفت انتباه أحد ولا يفكر معظم الناس في أنها يمكن أن تحمل رسالة فنية من وحي أجواء الحرب.
يقول الفنان مهنى "قطاع غزة دائماً بقعة جغرافية صغيرة مليئة بالأحداث والمستجدات، وما قبل الحرب كان لدي مشاريعي الفنية الخاصة كفنان متفرغ في مرسمي الخاص، وكنت أعمل متخصصاً في مجال التفريغ النفسي والانفعالي من خلال الفنون لدى الأطفال. مع الحرب انقلب كل شيء رأساً على عقب من هول الأحداث والشعور بالخوف والقلق المفرط. ظللت لنحو ثلاثة أشهر تقريباً لا أستطيع أن أمسك قلماً أو فرشاة لأرسم من هول الصدمة، ولكن مع مرور الوقت استجمعت قواي وكأن شيئاً ما في داخلي يقول لي أنت قوي وأنت فنان يجب عليك أن تستجمع نفسك، وأن توصل رسالة لكل العالم بأن لك شيئاً في هذا العالم فقم وارسم". ويضيف "وثقت كثيراً من المشاهد المتعلقة بالحرب كحالات فقد الآباء لأبنائهم. حالات النزوح والحصول على الماء والطوابير والمجاعة في شمال القطاع وكثير كثير. ورسالتي لكل العالم بأن غزة تباد عن بكرة أبيها يجب عليكم إيقاف الحرب بأي طريقة. كان في القطاع الأدباء والمثقفون والفنانون الذين يجب عليهم أن يوصلوا رسالتهم إلى كل العالم".
توثيق مشاهد الحرب
عن فكرة الرسم على "كراتين المساعدات" والهدف منها يقول مهنى "أثناء جلوسي في المرسم المطل على الشارع بجوار مدارس الأونروا التي تعج بالنازحين كنت أشاهد وجوه الناس المتعبة التي أنهكتها الحرب، والأطفال وهم يجرون ويحملون الماء، وطوابير الحصول على الغذاء والماء، وكثيراً من المشاهد التي تحولت إلى ذاكرة بصرية كان لا بد من توثيقها، وعندما بدأت في ذلك كان لدي بعض الأوراق البيضاء ولكنها نفدت مع الوقت، بخاصة مع تردد الأطفال النازحين في المحيط على مرسمي وكنت أوفر لهم كل ما يحتاجون إليه لكي يعبروا عما يجول بخاطرهم فنفدت لدي معظم الأدوات الفنية والأوراق مع الوقت".
ويختم حديثه بقوله "جلست أفكر كيف لي أن أوثق المشاهد البصرية التي تخزنت بالذاكرة. في مرسمي يوجد كراتين مساعدات فارغة فخطر على بالي أن أرسم عليها وأن أوثق مشاهد الحرب على كراتين المساعدات التي لم نعرفها إلا في الحرب، وما لفت انتباهي أيضاً بأن كراتين المساعدات مكتوب عليها ليست للبيع أو التبديل، وهذا نص جعلته من ضمن اللوحة كعنصر من عناصرها لما لها من بعد فني وفلسفة فنية وبدأت أوثق كل المشاهد التي شاهدتها سواء كان بالعين المجردة أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال قصص وتفاصيل سمعتها، وأيضاً هناك كثير من المشاهد يصعب على أي فنان وصفها لأنها أكبر بكثير من أن توصف أو ترسم".
لا زلت حياً
واحدة من التجارب الفنية المميزة وسط أجواء الحرب قدمها الفنان ميسرة بارود إذ قدم أعمالاً في صورة اليوميات تحمل عنوان "لا زلت حياً" يوثق فيها أشكال المعاناة التي يعيشها أهل القطاع بصورة يومية في حياتهم تحت وطأة القصف والدمار والنزوح، كانت هذه الرسوم التي استمرت على مدار عام كامل هي وسيلة الفنان للتواصل مع العالم ومع أحبائه داخل فلسطين وخارجها فطالما لا يزال يرسم فهو لا يزال حياً.
يقول الفنان ميسرة بارود "منذ السابع من أكتوبر تغير الحال تماماً فدمرت الطائرات مكتبي الخاص في ثاني أيام الحرب، وفي اليوم الثالث قامت الطائرات بتدمير منزلي وفيه مرسمي، لقد فقدت كل شيء ففقدت جزءاً كبيراً من أعمالي وأعمال مقتناة لفنانين أصدقاء، وفقدت مرسمي الخاص الذي احتفظت فيه بكل تجاربي وأرشيفي وأعمالي على مدار 30 عاماً مضت، فقدت أدواتي وعشرات اللوحات وآلاف المخطوطات ومكتبة فنية تحوي أكثر من 3 آلاف كتاب، فقدت عالمي الصغير الخاص وجميع ذكرياتي ومقتنياتي فقدت قطتي (سارة) التي لا تزال تحت ركام المنزل وفقدت عصفوري (سيمبا) الذي طار في عتمة الليل من دون أن يخبرني إلى أين سيذهب، ولم أتمكن من إنقاذ أي شيء".
ويضيف، "تغير الحال تماماً منذ تلك اللحظة، وبدأت رحلة النزوح المتكررة بحثاً عن ملجأ آمن بعيداً من الموت، أصوات القنابل والصواريخ والطلقات كانت لا تهدأ وتحيط بك في كل مكان وعليك أن تحاول النجاة للوصول إلى نهار جديد، لجأت إلى الرسم في كل ليلة بعد انتهاء يوم ونهار شاق في تلبية حاجات الأسرة الأساسية، فقد كنت أقضي الليل كاملاً في الرسم لقد ساعدني ذلك في تجاوز الكثير، وأعاد لي التوازن النفسي ونفض عني غبار الحرب المتراكمة، لقد كان الرسم هو وسيلتي التي أعلن فيها انتصاري على آلة القتل اليومية التي عجزت عن انتزاع شغفي في الرسم، لقد كنت بالرسم أتجاوز الحرب والقتل والتدمير وأتجاوز الحصار والحدود من خلال رسائل يومية أعلن فيها لأصدقائي بأنني (ما زلت حياً)".
الفنان جزء من المعركة
وصول صوت الناس في غزة إلى العالم هو صورة من صور المقاومة يمكن أن يقوم به الفن ونقل الحقيقة هو واحد من أدوار الفنانين فيقول بارود، "وثقت أحداث الحرب منذ بدايتها ولا أزال مستمراً، وأتمنى أن يرى العالم الحقيقة كما هي، لا كما يروج لها الاحتلال، وهذا ما أحاول أن أعبر عنه في رسوماتي التي أنشرها بصورة يومية كشاهد على المجزرة، أحاول أن أنقل الحقيقة والمأساة التي نعيشها أنقل المشاهد اليومية وأصبغها فنياً وأشاركها مع الأصدقاء والمتابعين، أهمية هذه السلسلة بالنسبة لي كبيرة لأنها رسائلي اليومية للأصدقاء الذين يسألون عني ولم أتمكن من الإجابة، فأصبحت رسوماتي رسائل أنشرها يومياً ضمن المتاح من وسائل الاتصال والتواصل لأخبرهم أنني رغم الألم والقتل والدمار اليومي (لا زلت حياً)، فدور الفنان في ظروف الحرب يتجاوز حدود الإبداع الفني ليصبح صوتاً أخلاقياً وإنسانياً يحمل رسالة أكبر من مجرد التعبير عن الذات، الفنان يرفض أن تصبح معاناة شعبه أو مجتمعه مجرد أرقام أو أخبار عابرة، أعماله تخلد اللحظة، وتحول المعاناة إلى ذاكرة حية تحفظ الأثر الإنساني وتقاوم التلاشي في الحروب".
ويستكمل، "تتحول الفنون إلى أكثر من مجرد صور جمالية، فهي تحمل رسالة سياسية، ثقافية، أو أخلاقية تعكس رؤية الفنان للأحداث، هذا الفن الهادف يسهم في نشر الوعي وتغيير التصورات، ويمكن أن يستخدم فنه لاختراق الحصار الإعلامي والمعرفي الذي تحاول بعض القوى فرضه على الحقيقة، مقدماً روايات بديلة تنبض بالحياة والمشاعر التي لا يمكن تجاهلها، الفنان في الحرب ليس متفرجاً، هو جزء من المعركة، لكن معركته ليست بالسلاح، بل بالإبداع، بالكلمة، باللون، وبالقدرة على انتشال الجمال من بين الركام، ليقول للعالم "لا زال الأمل ممكناً".