Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في شرق المتوسط... ليس الجميع بخير نفسيا وعصبيا

40 في المئة من سكان العالم الذين يحتاجون المساعدة الإنسانية يعيشون في المنطقة والحروب وتغير المناخ السبب

جدارية ضمن حملة "الكوليرا" تصوّر معاناة المرضى في صنعاء باليمن (رويترز)

ملخص

"وقف إطلاق النار" هو الأمل في إعادة البناء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صحة أبناء الإقليم، جسدياً ونفسياً.

صحة إقليم شرق المتوسط ليست بخير، أوضاع أهل المنطقة الجسدية والنفسية والعصبية ليست على ما يرام، وعلى رغم الجهود الضخمة التي بذلت على مدى أعوام لتحسين صحة شعوب المنطقة، فإن حزمة قوامها عامان من وباء كورونا وتغير المناخ وتمدد رقعة الصراعات، مع تحول بعضها إلى ما يشبه الحروب والقلاقل المزمنة تلقي بظلال وخيمة على غالب دول الإقليم.

الإقليم في خطر

حين يتحدث المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن الإقليم فيقول إنه يشهد وقتاً عصيباً للغاية، والصراعات في الأراضي الفلسطينية والسودان وأخيراً اليمن احتدمت، ودخول لبنان على خط الصراع يعرض صحة الملايين للخطر، وأعداد النازحين تتزايد يوماً بعد يوم ومعها يتزايد خطر الفاشيات المتفاقمة نتيجة فرط ازدحام الملاجئ وإغلاق المستشفيات، فإن هذا يعني أن الوضع الطبي في الإقليم بالفعل خطر.

وحين تصف المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط حنان بلخي أحوال الإقليم على مدار عام بأنها "رأت فواجع يعجز العقل عن استيعابها"، و"صدمت من الزيارة الأولى للسودان"، و"فجعت من حجم الدمار في حلب السورية"، و"الخسائر الفادحة في لبنان وليبيا والصومال واليمن وكفاح الناس من أجل البقاء على قيد الحياة"، و"الأضرار البدنية الفادحة والكوارث النفسية الرهيبة التي لحقت بأهل غزة أكبر من أن توصف في كلمات"، فإن صحة الإقليم تبدو بالفعل معتلة.

يمكن القول إن ظروف وأجواء وتوقيت انعقاد الدورة الـ71 للجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط (إمرو)، هي الأكثر صعوبة وقتامة لما لحق بالمنطقة من أهوال صحية وطبية على مدار العام الماضي، بعدما تصاعدت حدة النزاع في فلسطين وتوسعت رقعة الصراع وتفاقمت فداحة الحرب في غزة، فأنتجت فاشية شلل الأطفال وامتد الصراع إلى المشكلات الصحية الناجمة عنه إلى الضفة الغربية، وكذلك اشتدت وتيرة الحرب في السودان ولاح شبح أوبئة مثل الكوليرا وكذلك خطر المجاعة، وفي المقابل شهد الصومال فيضانات قتلت العشرات وشردت مئات الألوف، وتفاقمت الأوضاع الصحية السيئة في اليمن.

ويبلغ عدد من يحتاجون إلى المساعدات العاجلة في دول الإقليم (تضم أفغانستان وإيران) 110 ملايين شخص، إذ خمس من أكثر عشر كوارث فتكاً بالبشر خلال عام 2024 حدثت في إقليم شرق المتوسط، حيث انتشر بالإقليم 75 فاشية أمراض، وشهدت مستشفياته 1104 هجمات.

غزة ونصيب الأسد

آثار صحية وخيمة خلفتها الصراعات والحروب والكوارث التي أطبقت قبضتها على دول الإقليم في الدورة الـ71 التي استضافتها قطر، التي اتخذت لنفسها عنوان "صحة دون حدود". وبالطبع، كان لفلسطين ومأساتها نصيب الأسد، فنحو 42 ألفاً قتلوا وأكثر من 97 ألفاً جرحوا وأكثر من 10 آلاف تحت الأنقاض، ونحو مليون من سكان غزة نزحوا.

وحدث 516 هجوماً على المرافق الصحية و765 من أفراد الطواقم الطبية قتلوا و990 شخصاً جرحوا و115 سيارة إسعاف تضررت و63 سيارة إسعاف دمرت. و84 في المئة من أرجاء غزة مشمولة بأوامر الإخلاء ويشمل ذلك عديداً من المرافق الصحية والمستشفيات، بحسب ما رصده ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية بيبركورن بالأرقام.

وعلى رغم نجاح جهات طبية أممية ودولية وإقليمية في إدخال لقاحات شلل الأطفال إلى القطاع فإن البنية التحتية المدمرة، ومحدودية عدد العاملين في الرعاية الصحية المدربين، والأخطار التي تحدق بوصول الأهل وصغارهم إلى أماكن تلقي اللقاح، ونقص المولدات اللازمة للحفاظ على اللقاحات من التلف تشكل تحديات حقيقية داخل غزة.

 

واستعرض بيبركورن الأضرار التي لحقت بالقطاع الطبي في غزة وعلى رأسها الضرر الكلي والجزئي الذي لحق بالمنشآت الصحية والطبية بنسبة تتجاوز 80 في المئة. داعياً إلى توسيع نطاق الاستجابة الصحية الإنسانية الحالية، والدعم الإنساني وتقديم المساعدات للتأهيل والإعمار، وغيرها. ومطالباً بـ"وقف إطلاق النار".

وصار "وقف إطلاق النار" لا المطالبة بقدر أكبر من الاستثمار أو الإنفاق في القطاع الصحي، أو الدعوة إلى أن يشمل التأمين الصحي الجميع من دون تفرقة أو تمييز مطلباً رئيساً لإنقاذ من بقوا على قيد الحياة وتقديم العون الصحي لهم.

مدير عام "إمرو" حنان بلخي أشارت إلى أن الدمار سمح بعودة ظهور شلل الأطفال بعد ربع قرن من اختفائه، مشيرة إلى أنها حين زارت القطاع خلال يوليو (تموز) الماضي، شاهدت أناساً يعيشون في ظروف لا ينبغي أن يتحملها أحد أبداً. وتقول "بخلاف الأضرار البدنية، بدا الإجهاد العاطفي والنفسي جلياً على الوجوه".

الصدمة وآثارها

تقف الردود بالفعل عاجزة. في كل عام يموت نحو 5 ملايين شخص بسبب الصدمة أو الرضوخ، ويتعرض 45 مليون شخص آخرين لإصابات تغير مجرى حياتهم، ويتجاوز ذلك عدد الوفيات الناجمة عن الآثار المجتمعة للملاريا والسل وفيروس العوز المناعي البشري (إيدز).

وخلال عام 2023، سجلت ثماني دول في إقليم شرق المتوسط وفيات مرتبطة بالنزاعات، منها سبع دول صنفها البنك الدولي على أنها تعاني أوضاعاً هشة أو متأثرة بالنزاعات. وتعرض الإقليم لبعض أشد حالات الطوارئ حدة وتعقيداً واتساعاً في النطاق على مستوى العالم، حيث هناك تسع دول أعضاء مصنفة على أنها تعاني أوضاعاً هشة أو متأثرة بالنزاعات، ووقعت في الإقليم خمس كوارث طبيعية بين عامي 2022 و2023 من بين 10 كوارث طبيعية صنفت على أنها الأشد فتكاً حول العالم.

وأفرزت كل أزمة من تلك الأزمات عبئاً ثقيلاً من المرض والعجز والوفيات الناجمة عن الصدمة. وفي السودان أبلغ عن أكثر من 23 ألف وفاة نتيجة النزاعات خلال الفترة من أبريل (نيسان) عام 2023 إلى سبتمبر (أيلول) 2024.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، أسفرت الحرب في غزة عن مقتل نحو 42 ألف شخص، 72 في المئة منهم من النساء والأطفال، وجرح نحو 96 ألفاً.

ويمثل نقص الرعاية السابقة لدخول المستشفى شاغلاً خاصاً، ذلك لأن ما بين 60 و80 في المئة من الوفيات الناجمة عن الصدمة في الدول التي تعاني الأوضاع الهشة أو المتضررة من النزاعات تحدث قبل الوصول إلى المستشفى، مع الإشارة إلى أن عبء الصدمة يستمر أعواماً طويلة في الأزمات الإنسانية الممتدة.

الأوضاع الإنسانية المتردية التي يشهدها الإقليم وتدهور الأنظمة الصحية الهشة أصلاً وغيرها من العوامل أثرت سلباً في قدرة العاملين الصحيين على تقديم الخدمات الصحية الأساس، ومنها رعاية المصابين بالصدمة. وتاريخياً، هناك عزوف عام عن الاستثمار في نظم الرعاية الطارئة لعوامل عديدة منها الاعتقاد بارتفاع كلفتها وتعقيدها.

تعقد الأوضاع

تعقد الأوضاع الصحية في الدول التي ضربتها الصراعات والحروب لا يقف عند حدود صعوبة التعامل مع الأمراض والإصابات وتقديم العلاجات الطارئة والسريعة والتخفيف من حدة الآلام الناجمة عن الأمراض والإصابات، بل يمتد إلى الآلام النفسية التي تتجاهلها الغالبية بمن فيهم المصابون بها، فهي آلام لا يراها أحد ولا تظهر في صورة أعراض تكون دليلاً دامغاً على مرض صاحبها وحاجته إلى العلاج وتخفيف الآلام.

لفتت الدورة الـ71 للجنة الإقليمية لـ"إمرو" إلى أن 40 في المئة من سكان العالم الذين يحتاجون المساعدة الإنسانية يعيشون في إقليم شرق المتوسط، وأن الإقليم يستضيف 55 في المئة من لاجئي العالم. وعلى مدار العقود السبعة الماضية شهد كثير من بلدان الإقليم وأراضيه حروباً وصراعات أهلية وكوارث طبيعية واضطرابات اقتصادية ألقت بظلال ثقيلة على السكان وعافيتهم.

 

يعاني المعايشون للحروب والصراعات والطوارئ القلق والحزن والتعب وسرعة الانفعال. وفي حين سيشهد كثر تحسناً بمرور الوقت فإنه من المرجح أن تتطور حال نسبة كبيرة منهم، وأكثر من شخص واحد من كل خمسة أشخاص يتعرض إلى اعتلالات نفسية منها الاكتئاب والفصام واضطراب التوتر التالي للصدمات واضطراب القلق. وسيواجه شخص واحد من كل 11 شخصاً اضطرابات نفسية شديدة بما يكفي لإضعاف قدرته على العمل في بيئات الأزمات.

عدد سكان إقليم شرق المتوسط يبلغ نحو 767 مليون شخص أي ما يقارب 10 في المئة من سكان العالم. ودول الإقليم ليست متطابقة من حيث القدرات الاقتصادية والاجتماعية ومن ثم الصحية. إذ تختلف الدول في ما بينها بصورة كبيرة من ناحية كفاءة ونضج الأنظمة الصحية، مع وجود اختلافات تصفها منظمة الصحة العالمية بـ"الصارخة" في معدل الوفيات والمرض، وذلك بين أغلى المستويات الاقتصادية وأدناها، إضافة إلى التفاوتات بين الجنسين إذ الفجوة بناء على النوع من الأكبر في العالم.

تغير المناخ

من جهة أخرى، تعد المنطقة ضمن الأكثر والأسرع تعرضاً في العالم لآثار تغير المناخ. ويكفي أن الأخطار البيئية المتفاقمة بسبب تغير المناخ تسهم في حدوث ما يزيد على مليون وفاة مبكرة سنوياً في دول المنطقة. وآلاف الأشخاص باتوا يفقدون حياتهم سنوياً بسبب تلوث الهواء ودرجات الحرارة المرتفعة، والإصابة بالأمراض المنقولة بالنواقل مثل الملاريا وحمى الضنك.

جزء أساس في التعامل مع المشكلات الصحية يكمن في توافر المعلومات والأرقام، لكن نصف دول الإقليم (بحسب تقييم أجري عام 2016) تعاني ثغرات في نظم المعلومات الصحية الوطنية. وكانت منظمة الصحة العالمية تحدثت خلال العام الماضي عن بطء التقدم المحرز في مؤشرات أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة على المستوى الإقليمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رقمنة البيانات الصحية جزء لا يتجزأ من نظم المعلومات الصحية الوطنية ذات الكفاءة. وهذه الرقمنة تحتاج إلى استثمار في البنية التحتية وتعزيز معايير البيانات وتطوير نظام بيانات رقمي متكامل يتضمن دورة حياة البيانات، بدءاً من جمعها وتحليلها وانتهاء بنشرها واستخدامها لتحسين اتخاذ القرارات.

وما زال عديد من دول الإقليم يواجه المشكلات الصحية المعتادة مثل توسيع نطاق الحصول المنصف على الأدوية الأساس واللقاحات والمنتجات الطبية، والاستثمار في قوى عاملة صحية أكثر قدرة على الصمود، وتوسيع نطاق إجراءات الصحة العامة في شأن تعاطي مواد الإدمان وغيرها، لكن الصراعات والحروب وتمددها جعلتها تبدو كأنها مشكلات ثانوية.

تقول مدير عام "إمرو" حنان بلخي إن الأوضاع في المنطقة تحتم على الجميع التعامل معها على رغم فداحتها، لكن العام لم يمر من دون إيجابيات أيضاً. مشيرة إلى جهود الاستجابة للطوارئ في فلسطين، وتطعيم أكثر من 560 ألف طفل في غزة في أحلك ظروف يمكن تصورها. وغالب القائمين على التطعيم من أهالي غزة أنفسهم الذين يعملون في مجال الصحة. فضلاً عن تبرعات ضخمة قدمت من بلدان عربية وإجلاء المرضى من غزة وكذلك السودان.

وبعيداً من أجواء الصراع في المنطقة وفي الملف الصحي قضت مصر على فيروس سي والملاريا. وأنهى الأردن الجذام، كما أنهى العراق المرحلة الانتقالية الخاصة بشلل الأطفال. ولأن باكستان وإيران تقعان ضمن دول الإقليم تجدر الإشارة إلى أن باكستان قضت على التراخوما، وإيران تنتج 96 في المئة من أدويتها إضافة إلى كونها من الدول الرائدة في البحوث الطبية.

وعلى رغم نقاط الضوء في القطاع الصحي داخل دول الإقليم يعود الجميع إلى مربع الصراعات، وتجتمع المطالب في مطلب واحد وهو "وقف إطلاق النار" أملاً في إعادة البناء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صحة أبناء الإقليم، الجسدية والنفسية، حتى تكون بحق "صحة دون حدود".

اقرأ المزيد

المزيد من صحة