Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إنقاذ المنظومة الدولية... لا أحد يتوقع منقذا أميركيا

كثر من العرب يرددون سردية إخفاق الأمم المتحدة في حل مشكلة الدولتين

تقدم الوكالة خدمات إغاثية لنحو 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مسجل، منهم 1.7 مليون في قطاع غزة (أ ف ب)

ملخص

المشكلة الآن بالنسبة إلى الأمم المتحدة أننا أمام خيارين كلاهما صعب، وإن كانت الصعوبة نسبية، ففي حال فوز دونالد ترمب، فإن الوضع المهلهل للمنظمة سيصطدم برئيس أعرب أكثر من مرة عن عدم اكتراثه بها، أما في حال فوز كامالا هاريس فقد يسمح هذا بالتقاط بعض الأنفاس ووقف تدهور مكانة المنظمة.

تواصل إسرائيل معول الهدم في المنظومة الدولية الراهنة، وقد أقدمت أخيراً على عمل غير مسبوق بالإعلان عن تحويل مقر "الأونروا" في القدس إلى مستوطنة، وكذلك التصعيد ضد قوات "يونيفيل"، مما اضطر مجلس الأمن، بمشاركة واشنطن ذاتها، إلى إصدار بيان تأييد لـ"يونيفيل"، وعموماً هذا التصعيد الإسرائيلي المزدوج يمثل قمة في التعبير عن أكثر من دلالة، فبالنسبة إلى مقر "الأونروا" ليس فقط مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما لم يتوقف منذ قيام إسرائيل إلا سنوات قليلة بعد اتفاقية "أوسلو"، حتى استؤنفت بعد اغتيال إسحاق رابين، ثم تصاعدت منذ بدء هذه الحرب الأخيرة، وإنما الأكثر من هذا، الإصرار على إذلال المنظمة الدولية وتجريدها من كل هيبة، الذي كانت قد عبرت عنه، قبل وقت قصير، بصورة أكثر وقاحة، باعتبار الأمين العام للمنظمة شخصاً غير مرغوب فيه وغير مرحب بزيارته، وأنها توقف التعامل معه.

 

تصاعد في أزمة الأمم المتحدة

لأن كثيراً من العرب يرددون سردية إخفاق الأمم المتحدة في حل مشكلة الدولتين، فإنهم يتعاملون مع ما يحدث حالياً، وكأنه أمر عادي، على أنه، في الحقيقة هذا غير صحيح في المطلق، فبعض مراحل الأمم المتحدة كانت إيجابية، خصوصاً دور "الأونروا"، لكن المنظمة عاشت ضحية الحرب الباردة بين العملاقين الأميركي والسوفياتي، لكنها نجحت في بعض المنازعات كحرب السويس عندما توافق العملاقان ضد العدوان الثلاثي، كما نجحت في المساهمة بتصفية الاستعمار التقليدي، وفي إثارة كثير من القضايا التي تهم البشرية، وتدريجاً وبصورة متزايدة منذ الربع الأخير من القرن الماضي، لعبت أدواراً ضخمة في قضايا عديدة كالإغاثة الإنسانية والصحة والطفولة والمرأة والسكان، وتوجت هذا بقضايا مكافحة التغير المناخي .

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهيمنة واشنطن على العالم، كان الأمر يعتمد على المساحة أو الهامش الذي تريده واشنطن، فتسمح للأمم المتحدة بالتدخل في الحرب الكمبودية، لكنها تواصل احتكار قرار إدارة الصراع العربي - الإسرائيلي، وتدير حروب البلقان، بعبارة أخرى، كان الأمر يعتمد على كل حالة وما تريده، مع وجود دور محوري للأمم المتحدة في عمليات حفظ وبناء السلام، ومن أمثلة هذا قوات "يونيفيل" في لبنان، والدور الإغاثي المحوري المتواصل منذ نكبة فلسطين وقيام إسرائيل، الذي تقوم به "الأونروا"، فهو ربما أحد أكثر الأدوار المتواصلة لوكالة من وكالات المنظمة، ودورها فريد من نوعه، ويكاد يكون، هو الحكومة الفعلية والراعي الرئيس للشعب الفلسطيني، وبخاصة المدارس والمستشفيات فضلاً عن الأنشطة العديدة للإغاثة والإعاشة، والذي بدأت إسرائيل بتحديه منذ بداية الحرب والادعاء كذباً بتورط مسؤولين للوكالة في عمليات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، التي أكدت تحقيقات محايدة زيف هذه الادعاءات بما يؤكد أن غرضها جزء من حملة إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية.

السجل الأميركي في خلخلة المنظومة الدولية

ومن المفارقات التاريخية المعروفة أن الولايات المتحدة لعبت دوراً رئيساً في تشكيل التنظيم الدولي المعاصر الذي بدأ بإنشاء عصبة الأمم التي قادها رئيسها وودرو ويلسون، لكن التيار الانعزالي في السياسة الأميركية رفض الانضمام إلى هذه المنظمة، ما كان أحد عناصر فشلها وإخفاقها في منع الحرب العالمية الثانية ضمن عوامل أخرى. ولكن واشنطن بعد ذلك، تعلمت الدرس وشاركت بقوة في مناقشات التأسيس، واستضافت مقرها في نيويورك كتعبير عن مكانتها المتميزة والمتصدرة في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وطوال عقود تفاوتت فيها سيطرتها على المنظمة وتعاظمت، خصوصاً، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنها طوال الوقت أيضاً لا صبر لديها ولا تسامح مع أي مظاهر تحدٍّ لهيمنتها، وفي غالب الوقت عن غير حق، ومن النماذج المشهورة انسحابها من منظمة "اليونيسكو" المعنية بالثقافة لما وجدته من توجهات أو قرارات تناهض العنصرية والتجاوزات الإسرائيلية.

وفى الواقع أن مراجعة التحفظات الأميركية تاريخياً في المنظمة الدولية ستكشف ارتباط غالب الحالات بإسرائيل وبرفض الإجماع العالمي حول حقوق الشعب الفلسطيني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أنها في إطار مواءماتها كانت واشنطن الداعمة المالية الرئيسة لمنظمة "الأونروا"، وهو ما توقفت عنه الآن، ولكن كل تاريخ صدامات واشنطن في الأمم المتحدة يكشف عن أن نسبة كبيرة من هذه الصدامات تعود إلى التأييد الأعمى لإسرائيل سواء في الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو في أنشطة الوكالات المتخصصة، تضاف إلى ذلك مسألة التمويل وربما أيضاً التذبذب الأميركي في قضية التغير المناخي.

ونتذكر أيضاً أن أحد أبرز مراحل العلاقات الإيجابية القصيرة بين واشنطن والمنظمة كانت فترة الرئيس جورج بوش الأب الذي عمل في إحدى مراحل حياته مندوباً لبلاده هناك، وخلاف ذلك اتسمت العلاقات في معظم الوقت بالتوتر والحساسية، والمدهش، مرة أخرى، أن عدم صبر واشنطن على المنظمة يتغافل عن أنها أحد مظاهر العصر الأميركي.

الحرب الأخيرة مفصلية في استمرارية المنظمة الدولية

لم يحدث في تاريخ الأمم المتحدة ما يحدث الآن، وكانت المقدمات واضحة منذ الأسبوع الأول لحرب إسرائيل في غزة عندما اتهمت "الأونروا" بأن بعض موظفيها متورطون في هجوم أكتوبر 2023، وهو اتهام سبقت الإشارة إلى التأكد من زيفه، وللموضوعية ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة لاتهام طرف في النزاع الأمم المتحدة بالانحياز، وتاريخياً، بخاصة بعد صعود دول الجنوب ووجود قوة تصويتية مؤيدة للحقوق الفلسطينية، كان هذا يتردد على لسان المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين، خصوصاً، وربما وصل قمته في قرار اعتبار الصهيونية حركة عنصرية، وهو القرار الذي عملت واشنطن وتل أبيب عقوداً حتى نجحت في إلغائه، ويحدث هذا من بعض أطراف الأزمتين السودانية والليبية وغيرهما، ولكن لم يتحول الأمر إلى حال الهجوم والاستباحة الراهنة التي تهز هيبة المنظمة بصورة غير مسبوقة.

وليس جديداً أيضاً الموقف الأميركي المتخاذل، ولكن ما هو جديد أن هذا الموقف يجرى في ظل إجماع وعزلة دولية لواشنطن وتل أبيب غير مسبوقتين، وبعد صدور سلسلة قرارات من محكمة العدل الدولية والجمعية العامة والقرار الأخير لمجلس الأمن الذي لم تعارضه حتى واشنطن، وتدعم حال التأييد الأعمى، ظروف الانتخابات الأميركية ومبالغة المرشحين بتأييد إسرائيل سعياً إلى كسب الأصوات اليهودية.

المشكلة الآن بالنسبة إلى الأمم المتحدة أننا أمام خيارين كلاهما صعب، وإن كانت الصعوبة نسبية، ففي حال فوز دونالد ترمب، فإن الوضع المهلهل للمنظمة سيصطدم برئيس أعرب أكثر من مرة عن عدم اكتراثه بها، وسبق له الانسحاب مثلاً من اتفاقيه التغير المناخي، والأرجح أنه سيذهب بعيداً في اتخاذ خطوات إضافية في تحدي المنظمة وعدم الاكتراث بمصيرها، بل لعلي أتوقع أن يؤدي هذا إلى سلسلة تفاعلات تضع المنظمة في أدنى أوضاعها الدولية وتعمق من عجزها.

أما في حال فوز كامالا هاريس فقد يسمح هذا بالتقاط بعض الأنفاس ووقف تدهور مكانة المنظمة.

ولكن في الحالتين سيتوقف كثير على ما ستفعله إسرائيل من أمر واقع في الأسابيع القليلة المقبلة، مما قد يؤثر في نتائج الانتخابات الأميركية ذاتها، خصوصاً، إذا أدى التصعيد مع إيران إلى انهيار في أسواق البترول العالمية وارتفاع أسعاره.

المزيد من تحلیل