Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران تستعمل لبنان لتأجيل المواجهة مع إسرائيل

استراتيجية طهران تخسر من غزة إلى بيروت فسوريا والفلسطينيون واللبنانيون يدفعون الأثمان الغالية

المرشد الإيراني علي خامنئي وبجانبه صورة لزعيم حزب الله السابق حسن نصرالله (أ ف ب)

ملخص

قد يتمكن النظام الإيراني من تأجيل الهجوم المباشر على أراضي جمهوريته، ويكون لبنان قد سار من أجله على طريق غزة، لكن الأرجح ألا يطول الأمر كثيراً قبل المواجهة الحتمية مع إسرائيل والتحالف المساند لها.

بذلت الولايات المتحدة الأميركية جهوداً كثيفة لحماية إيران من الضربات الإسرائيلية المتوقعة رداً على القصف الإيراني الأخير الذي تعرضت له إسرائيل مطلع الشهر الجاري انتقاماً لاغتيالها ثلاث شخصيات موالية لطهران بينهم إسماعيل هنية رئيس حركة "حماس" وحسن نصرالله أمين عام "حزب الله" وضابط إيراني كبير كان في رفقته. ذلك الرد الإيراني بدا بدوره منسقاً ومدروساً مثله مثل الهجوم الإيراني الأول في أبريل (نيسان) الماضي، الذي جاء إثر تدمير إسرائيل مبنى تابعاً للسفارة الإيرانية لدى دمشق.

قبل الهجوم الإيراني الأخير أبلغت واشنطن تل أبيب أنها ترصد استعداد إيران لإطلاق صواريخ قريباً وفق ما أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، وكشف مسؤولون إسرائيليون لصحيفة "نيويورك تايمز" عن أن الهجوم الإيراني سيشمل طائرات من دون طيار وصواريخ باليستية.

الكل كان يعلم وينتظر ولم يبقَ على المشاهدين سوى متابعة ما يشبه ألعاباً نارية، للمرة الثانية، في سماء الشرق الأوسط. هذه المرة حان دور إسرائيل في ممارسة حق الرد، فواصلت الولايات المتحدة دورها في ضبط التفاصيل انطلاقاً من موقفها الأصلي المعلن وهو عدم السماح بنشوب حرب إقليمية شاملة. اقتضى الأمر تصريحات ومواقف واتصالات حثيثة مع الإيرانيين، عبر الوسطاء، في مسقط وعبر العراق وسويسرا، لكن شيئاً ما طرأ جعل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يعلن أن تلك الاتصالات توقفت ولم يوضح لماذا وكيف ومتى.

جاء الإعلان الإيراني عن وقف المشاورات مع الأميركيين إثر زيارة عراقجي إلى بيروت في أعقاب الاغتيالات التي طاولت أبرز قيادات "حزب الله"، الوكيل الأبرز لإيران، وفيها حدد معالم المواجهة المقبلة. كانت بقايا السلطة الشرعية اللبنانية ممثلة برئيسي المجلس النيابي والحكومة قد حاولت الإمساك بقضية الحرب والسلم في يدها وطرحت وقف النار وتنفيذ القرار الدولي رقم 1701 الذي يضمن الانسحاب الإسرائيلي التام من الجنوب ومنع وجود "حزب الله" المسلح فيه، إلا أن عراقجي نسف هذه المبادرة رابطاً وقف النار بموافقة الحزب الذي فقد قيادته وبدا أن إيران تولت مباشرة الحلول مكانها عبر تعيين أحد جنرالات الحرس الثوري والياً على التنظيم.

فور انتهاء زيارة المسؤول الإيراني إلى بيروت صعد "حزب الله" المعركة ضد إسرائيل. ازدادت كثافة الصواريخ التي يطلقها، وتحسنت نوعية ومدى، واندلعت حرب شاملة بلغت ذروة لافتة مع استهداف مسيرة إيرانية منزل بنيامين نتنياهو شمال تل أبيب سارعت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة إلى التوصل منها وإلقاء المسؤولية على الحزب الحليف. في الأثناء لم تترك الدولة العبرية نقطة في لبنان تشتبه في تبعيتها للحزب وإيران إلا وضربتها في حملة تدمير وقتل هي أقرب إلى الاستئصال منها إلى التأديب.

بدا من تنشيط "الجبهة اللبنانية" في الحرب ضد إسرائيل، وهو ما لم يحصل مثله في زمن الراحل حسن نصرالله، أن نتنياهو ماضٍ في نهجه لتغيير المعادلة على الحدود مع لبنان من جهة، وهذا أمر متوقع، لكن المفاجئ انتظام إيران في تأجيج الصدام وكأنها تعمل لتأجيل الضربة الإسرائيلية ضدها بإشعال لبنان ولو أدى ذلك إلى ضرب "درة التاج" التي كان دورها الأساس في الاستراتيجية الإيرانية مناوشة إسرائيل ضمن حدود تحسن شروط إيران في التفاوض، وعند الضرورة القصوى، خوض الحرب الصاروخية في حال تعرض إيران نفسها لهجوم إسرائيلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثمة ما تغير في السياسة الإيرانية بعد احتلال غزة نتيجة "طوفان الأقصى" والضربات التي تلقاها أطراف "المحور الإيراني" فيها، وآخرها مصرع قائد "حماس" يحيى السنوار. معركة غزة كسرت الرهان الإيراني على ممانعة فلسطينية ضرورية لتبرير نهج إيران الإقليمي، ومعركة لبنان تهدد بالقضاء على حزب أنشأته وبذلت كثيراً من الجهد والمال والسلاح لجعله حامياً للثغر الإيراني على المتوسط، ومع خسارة الساحل الممتد من غزة إلى بيروت لا يعود للإيراني قيمة فعلية في رسم مستقبل غرب آسيا الذي جعلته الأدبيات الخامنئية منطقة نفوذ ينبغي طرد الأميركيين منها. سوريا الأسد خرجت أساساً من تجربة "وحدة الساحات" منذ اللحظة الأولى، واليمن الحوثي تحول إلى حقل تجارب للطائرات الإسرائيلية والأميركية والبريطانية التي تختبر في قصف المواقع الحوثية قدراتها في رسالة مباشرة توحي باحتمال وإمكانية قصف إيران نفسها.

هذه الوقائع والمتغيرات تجعل إيران تتهيب المواجهة المباشرة مع إسرائيل فتلجأ إلى الإمساك المباشر بجبهة لبنان المتفجرة غير عابئة بموقف لبناني متصاعد يحاول إنقاذ ما تبقى ويسعى إلى حل يعيد أكثر من مليون شيعي لبناني تلاعب نظام الملالي بعواطفهم ومصائرهم فحولهم إلى لاجئين في وطنهم بعد تدمير بيوتهم وأرزاقهم.

قد يتمكن النظام الإيراني من تأجيل الهجوم المباشر على أراضي جمهوريته، ويكون لبنان قد سار من أجله على طريق غزة، لكن الأرجح ألا يطول الأمر كثيراً قبل المواجهة الحتمية مع إسرائيل والتحالف المساند لها.

لقد اتهمت إسرائيل إيران بمحاولة اغتيال نتنياهو بواسطة مسيرة أطلقت من لبنان. وهذا الاتهام لا يضيف كثيراً إلى دوافع إسرائيل لمهاجمة بلاد فارس، أنه مجرد دافع رمزي آخر. فالأساس في السياسة الإسرائيلية بات معروفاً أنه القضاء على "حلقة النار" التي إقامتها إيران حولها عبر "وحدة الساحات" التي نظر لها نصرالله ووضع أسسها الجنرال قاسم سليماني، والقضاء على هذه الحلقة سيقود حتماً إلى الرأس. لذلك، وفق ما يقول المحلل السياسي الإسرائيلي عاموس يادلين، "إن الهدف الأساس لإسرائيل هو الساحة الإيرانية. المطلوب الرد على الهجوم الإيراني بكل قوة، وبعده تقترح إسرائيل إنهاء الحرب في الساحات التي تقبل مطالبها، وشروطها هي عدم وجود تنظيمات (إرهابية) قرب حدودها، ومطالبة الدولة في لبنان أن تعود دولة، وأن تشكل لجنة عربية في غزة بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وإجراء عملية إعادة الإعمار بعد نزع السلاح".

لقد تأجلت الضربة الإسرائيلية لإيران لأكثر من ثلاثة أسابيع انهمكت خلالها واشنطن في ترسيم حدود هذه الضربة وأهدافها، ولكن أيضاً في محاولة استثمار نتائجها. إيران عملت من جهتها لتأجيلها عبر الاستثمار في المخاوف الأميركية وعبر إجراء مناورات بحرية بالاشتراك مع روسيا ودول في المنطقة، وبواسطة دفع "حزب الله" لتصعيد المعركة أملاً بالدخول شريكاً في التفاوض من أجل السلام في لبنان، كما صرح باقر قاليباف وأثار غضب اللبنانيين.

لكن التأجيل لن يطول كثيراً في مواجهة ما يبدو قناعات راسخة أميركية وإسرائيلية. الرئيس جو بايدن قال إنه يعرف أهداف الضربة على إيران، وأحد جنرالاته، قائد المنطقة الوسطى السابق فرانك ماكنزي حسم بأن "المبادرة الآن إلى جانب إسرائيل". هذا الأسبوع سيكون حاسماً، وربما نشهد خلاله ما ستؤول إليه معركة الإسرائيليين والإيرانيين على الأرض العربية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء